"بدل ما نوزع بطانيات ليش ما منعطي مصاري لحدا يشتغل البطانيات بعدين منوزعهم؟". سؤال بسيط طرحه أوس حمور على صديقته علا شيخ حسن، أثناء استجابتهما لنزوح أهالي داريا وبرزة البلد من بيوتهم إثر اشتداد الحرب، ولجوئهم إلى مدارس جديدة عرطوز ومساكن برزة التي تحولت إلى مراكز إيواء في نهاية 2014.
كان دافعهما الأساسي هو البحث عن طريقة لمساعدة الأسر المتضررة بطريقة مستديمة، مختلفة عما تقدمه الجمعيات والـ NGO’sعادةً.
يبدو أن هذا السؤال البسيط قد كان الشرارة الأولى التي مهدت لتأسيس شركة Sama Handmade، وهي كما تُعرّف عن نفسها اليوم عبر موقعها الإلكتروني: "مشروع يدعم قصصاً جميلةً مروية من سورية، عبر منتجات عالية الجودة تحمل رموزاً تعبر عن الثقافة السورية، ابتكرها مصممون سوريون مبدعون، وصُنعت من قبل حرفيات سوريات ماهرات".
زار رصيف22 مقر الشركة في حي المزرعة في دمشق، وكان له هذا الحوار مع علا شيخ حسن، الشريكة المؤسسة للمشروع ومديرة إنتاجه.
Sama Handmade مشروع يدعم قصصاً جميلةً مروية من سورية، عبر منتجات عالية الجودة تحمل رموزاً تعبر عن الثقافة السورية، ابتكرها مصممون سوريون مبدعون، وصُنعت من قبل حرفيات سوريات ماهرات
البدايات والتأسيس
تقول علا: "لقد رأينا أنه من المفيد أن نؤسس مشروعاً يساعد العائلات المتضررة على إيجاد دخل إضافي. كانت البداية مع البطانيات الصوفية والقبعات والأوشحة، التي كانت تصنعها نساء من الأسر المهجرة لقاء مبلغ مادي، ثم تُوزع المنتجات على من يحتاجها. مع الوقت وجدنا أنه حتى ينجح هذا المشروع ويتحول إلى مصدر دخل حقيقي للنساء اللواتي يعملن به، يجب أن يتحول إلى مشروع تجاري بحت. من هنا بدأ العمل على ثلاثة مستويات: المستوى الأول هو خلق هوية تضفي طابعها على المنتجات من حيث التصاميم والألوان المختارة وطرق التنفيذ. المستوى الثاني كان تشكيل شبكة تواصل مع النساء الراغبات بالعمل، والبدء بتنظيم العمل كي يأخذ شكلاً مؤسساتياً. أما المستوى الثالث فكان البحث عن أسواق تصريف للمنتجات".
وتضيف علا: "في تلك المرحلة، كنا، أوس وأنا، المسؤولين عن كل ما يتعلق بالإدارة والتواصل والمبيعات والصندوق، وكان لدينا هدف الانفتاح على الأسواق الخارجية بسبب الوضع الاقتصادي الصعب داخل سوريا، والقدرة الشرائية المنخفضة نوعاً ما، ولأن العمل مع الخارج يمكن أن يسمح للمشروع بتغطية تكاليفه وأجور العاملات به بشكل أفضل بسبب فرق العملة. في البداية استعنّا بأصدقائنا في الخارج لمساعدتنا على التسويق على نطاق ضيق، من خلال البازارت المهتمة بالعمل اليدوي، أو عبر معارف يمكن أن يكونوا مهتمين بشراء هذا النوع من العمل.
بقيت الحال على ما هي عليه حتى 2017، عندما سافر أوس إلى أميركا، وهناك قام بترخيص الشركة وأنشأ لها موقعاً إلكترونياً وحساباً على البي بال، وأصبح بالإمكان تسويق المنتجات إلكترونياً.
كانت هذه نقطة تحوّل، إذ ساعدتنا على تنظيم الأمور بشكل أكبر وتجميع منتجاتنا المتناثرة عند الأصدقاء والمعارف، ضمن مستودعين رئيسين يتم منهما الشحن إلى جميع أنحاء العالم، أحدهما في برلين والآخر في كاليفورنيا.
المجموعات التصميمية
أكثر ما يميز منتجات سما هي التصميمات المستمدة بشكل كامل من مكونات وعناصر سورية. تقول علا إن تصاميمهم هي ببساطة طريقتهم الخاصة للحديث عن سوريا وكيف يرونها.
تعتمد "سما" على مجموعة من النساء الحرفيات لتنفيذ التصاميم، يتوزعن بين دمشق وجديدة عرطوز وداريا، ويتراوح عددهن بين 40 و60 سيدة
منذ اللحظات الأولى، كان قسم التصميم في المشروع أساسياً، أسسه المصممان السوريان الشابان حازم واكد وعزة أبو ربعية، ومع الوقت وتطور العمل، بدأ هذا الفريق يكبر ويضم أسماء جديدة، إذ لم تعد المنتجات مقتصرة على البطانيات الصوفية والقبعات والأوشحة، بل توسّعت لتشمل الإكسسوارات والحقائب وأكياس التسوق والقطع التزيينية في المنزل، كالوسائد وأغطية الطاولات والستائر واللمباديرات، والأزياء وحتى اللوحات الفنية.
تستخدم لتنفيذ القطع في الغالب خامات سورية، كالأقمشة الحريرية والصايات والقطن والكتان، إضافة إلى الصوف والجوخ والأكريليك، وخاصةً بالنسبة للقطع الشتوية. وتتنوع التصاميم من حيث الأشكال والألوان وطريقة التوظيف، لكنها جميعاً تقع ضمن مجموعات تصميمية محددة، لكل مجموعة عناصرها وموتيفاتها والباليت اللونية الخاصة بها.
مجموعة الديراني
هذه المجموعة هي من أولى المجموعات التصميمية، نظراً إلى أن العمل في بداياته كان مع أسر مهجرة من منطقة داريا. وهي مجموعة مستوحاة من المنطقة وطبيعتها، سواء بالباليت اللونية الخاصة بها أو عناصرها. يميزها بشكل رئيسي عنصر العنب الأحمر وأوراق الدالية.
مجموعة الأدلبي
هذه المجموعة، كما يوحي اسمها، مستمدة من طبيعة منطقة إدلب وألوانها. يميزها تغلب عليها موتيفات الزيتون الأخضر وأوراق الزيتون.
مجموعة التدمري
مستوحاة من آثار تدمر. تتميز بتصاميم ذات ألوان ترابية تشبه ألوان البادية في سوريا، وتدرجات اللون البرتقالي في إشارة إلى شمس تدمر الحارة، ورسوم مستوحاة من النقوش الموجودة على آثارها.
مجموعة القرباطي
تتميز بمجموعتها اللونية الغنية والملفتة، وهي مستوحاة من ملابس القرباط التي تمثّل مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع السوري.
القطة الشامية
مجموعة تحتفي بالقطة الشامية، أكثر الحيوانات الأليفة انتشاراً وشعبية في دمشق، نجدها في كل زاوية تقريباً، وتكاد تكون واحدة من العلامات الفارقة للمدينة.
القهوة
مجموعة تصميمات مستوحاة من القهوة كمشروب وكطقس يومي حميم يمارسه السوريون.
ديارة الأطفال
وهي مجموعة جديدة نسبياً، تم إدخالها إلى المشروع مع بداية 2021. كانت الفكرة تدور حول ابتكار شخصيات كرتونية خاصة بالمشروع، من أجل ذلك قام فريق سما بإجراء بحث معمق حول الحيوانات السورية المهددة بالانقراض. وبناءً على هذا البحث، تم اختيار "الهامستر السوري الذهبي" و"المعزة الشامية" كشخصيتين أساسيتين، وتم العمل مع المصمم مامر تالوستان على تحويلهما إلى رسومات كرتونية تُنفّذ على القطع. وهناك خطة لتحويل هذه الشخصيات إلى دمى خلال الفترة القادمة.
الجنديات غير المجهولات
تعتمد "سما" على مجموعة من النساء الحرفيات لتنفيذ التصاميم، يتوزعن بين دمشق وجديدة عرطوز وداريا، ويتراوح عددهن بين 40 و60 سيدة. يزيد هذا العدد أو ينقص تبعاً للظروف. هؤلاء النسوة يعملن من منازلهن، ويشكلن في كل منطقة من المناطق الثلاث شبكة، يتواصلن عبرها مع بعضهن ويتناقشن حول التصاميم ويبدين آراءهن لتطويرها. خلال العام الماضي تم افتتاح مركز تدريب ومشغل في مدينة داريا بعد عودة بعض سكانها إليها، وأصبح هذا المركز مكاناً للقاء السيدات بشكل يومي، ما انعكس بشكل إيجابي على نفسيتهن وشعورهن تجاه العمل.
الكثير من هؤلاء النساء انضممن إلى فريق العمل بعد تلقي تدريبات على المهن الأساسية المستخدمة في سما، وهي الكروشيه، التطريز، الإيتامين، النول الصغير، شغل الإبرة، وهي إحدى المهن التي كادت تختفي بسبب صعوبتها واحتياجها لدقة عالية ووقت طويل، وأعادت سما إحياءها.
لكل قطعة من منتجات سما بطاقة تعريف، يذكر فيها اسم المجموعة التي تنتمي إليها القطعة واسم مصممها واسم السيدة التي نفّذتها، وعلى الموقع الإلكتروني يمكن للمتسوّق أن يجد معلومات كاملة للتواصل مع الكثير من هؤلاء النساء، من أجل فتح الباب وتمكين كل واحدة منهن من إنشاء مشروعها الخاص.
اليوم وغداً وبعد غد
اليوم، وبعد حوالي سبع سنوات من انطلاق المشروع، يرى مؤسسوه أن مجرد الاستمرار في العمل طوال هذه السنوات بالرغم من كل الصعوبات، هو إنجاز بحد ذاته، إلا أن ذلك لا يكفي. يجب أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه هذا المشروع أن يقف على قدميه بالشكل الكامل، ويغطي تكاليفه وأجور العاملات فيه دون دعم من أي أحد، وهذا أمر لم يحدث بشكل مستمر وثابت حتى اليوم.
تتحدث علا بفخر عما حققته الشركة حتى الآن، وخاصة خلال السنتين الأخيرتين، فبالإضافة إلى إدخال مجموعة ديارة الأطفال إلى خط إنتاج الأزياء، فقد نفذت ورشات سما أربع لوحات فنية، استخدمت فيها تقنيتي الطباعة على الشاشة الحريرية مع التطريز اليدوي لتشكيل لوحات ذات جمالية خاصة، تعكس مواضيعها مقولة أو فكرة لافتة. نجد مثلاً لوحتين مأخوذتين من أعمال فنان الغرافيتي "بانكسي"، رسم إحداها من أجل أطفال سوريا، والثانية من أجل أطفال فلسطين.
أما اللوحة الثالثة فهي أيقونة للفنان فادي عساف، والرابعة بريشة ديمة النشاوي، وهي عبارة عن امرأة تقوم بحياكة الكروشيه، تقول علا إنها تعبر عن روح Sama Handmade.
مع الوقت، بدأت الشركة بالتوجه نحو الأسواق المحلية بشكل أكبر وبأسعار تناسب القدرة الشرائية للسوريين في الداخل، كما تم فتح الباب لتنفيذ قطع حسب الطلب للزبائن، ففي أكتوبر الماضي، قامت سما بتصميم وتنفيذ الملابس للعرض المسرحي الغنائي "الليلة الواحدة بعد الألف" الذي قام به كورال غاردينيا على مسرح دار الأوبرا في دمشق.
لكن علا تخشى أن يطول الوقت قبل أن يتمكن مشروعها من الوقوف على أرض صلبة، وخاصةً في ظل القوانين المنظّمة لمثل هذا النوع من الأعمال في سوريا، فعلى حد قولها: "القوانين التي يفترض أن تدعمنا وتحمينا هي على العكس من ذلك، تخيفنا. إنها غير واضحة ومتغيرة وتشعرك أنك تحت المراقبة طوال الوقت. في النهاية نحن لسنا تجاراً. نحن أصحاب مشروع تنموي ثقافي".
وعند سؤالها عن سبب تسمية المشروع بهذا الاسم، أجابت علا إن الاسم جاء من الســماء، "الحلم المفتوح اللي مالو حدود واللي هو طموحنا نحنا بـسما".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون