مع الدقيقة الأولى من العام الجديد، أضاءت روسيا سماء إدلب شمال غرب سوريا، بالحمم النارية، فكانت إدلب، ومناطق في غرب حلب، على موعد مع تصعيد عسكري من قبل قوات النظام، والميليشيات الإيرانية، وروسيا التي شنت مقاتلاتها عشرات الغارات الجوية على مواقع مدنية وبنى تحتية في المنطقة، كما أن القصف المدفعي والصاروخي شبه اليومي لم يتوقف على قرى منطقة جبل الزاوية جنوب إدلب، وبلداتها.
وذكر الدفاع المدني أنه خلال الأسبوع الأول من العام 2022، قُتل طفلان وامرأة، وأصيب 17 مدنياً بينهم ثمانية أطفال في شمال غرب سوريا، وكان ذلك جراء 32 غارةً جويةً روسية، استهدفت محطةً لضخ المياه قرب مدينة إدلب، ومزارع لتربية الدواجن، ومعملاً لإنتاج المواد الغذائية، ومنازل المدنيين.
يقول الدكتور محمد حلاج، مدير فريق "منسقو الاستجابة الإنسانية" في سوريا، لرصيف22، إن "استهداف إحدى محطات المياه في إدلب، والتي أدت إلى أضرار مادية وإصابات بين عمال المحطة، وحرمان مئات الآلاف من المدنيين من خدمات المياه ضمن المدينة، يُعدّ بمثابة جريمة حرب تضاف إلى قائمة الانتهاكات الجسيمة ضد الإنسانية التي ترتكبها القوات الحليفة للنظام السوري".
تُجري قوّات النظام تدريباتٍ مستمرةً في منطقة الهبيط جنوب إدلب، استعداداً لما وصفته بمعركة تحرير المدينة، فيما يستمر الضغط الروسي على نقاط الجبهات
يُذكّر حلاج بأن "هذه الاعتداءات المستمرة، تُبرز الهاجس الأكبر لديهم في استهداف المدنيين، وقتلهم بشكل متعمد"، من دون أن يغيب عن باله أنه "لا عدالة دولية، وتغاضي العالم عن هذه الجرائم واضح"، فكما أُسدل عام 2021، يبدأ العام الجديد من دون أن يتغير الكثير على السوريين، سوى بعض الأرقام والتواريخ.
ويُمكن للوضع الحالي في شمال غرب سوريا أن يتغيّر في أيّ لحظة، إذ تُجري قوّات النظام تدريباتٍ مستمرةً في منطقة الهبيط جنوب إدلب، استعداداً لما وصفته بمعركة تحرير المدينة، فيما يستمر الضغط الروسي على نقاط الجبهات، ما يوحي بأن لا أمل لاستقرارٍ طويل الأمد في المنطقة، إذ لم تنتهِ بعد آليات تطبيق اتفاقيات آستانة وسوتشي، وخصوصاً ملف الطرق الدولية، إذ عزز الأتراك وجودهم بإقامة نقطة عسكرية في منطقة أفس بالقرب من مدينة سراقب شرق إدلب، وهي مشرفة على الطريق الدولي .(M5)
وتشهد خطوط الجبهات قصفاً مدفعياً وصاروخياً متبادلاً بين فصائل المعارضة من جهة، وقوات النظام والقوات المساندة لها من جهة أخرى، كما أن إسقاط الأتراك لطائرة مسيّرة بالقرب من سراقب، يوم الأحد الماضي، كان بمثابة رسالة واضحة بعدم السماح بتقدم جديد لقوات النظام هناك.
يقول الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، علي عبد المجيد، لرصيف22: "القصف الروسي المتجدد والكثيف بداية العام، هو للضغط على تركيا للحصول على أكبر قدر من المكتسبات في ما يتعلق بالطرق الدولية، وتطبيق الاتفاقيات من سوتشي وآستانة، وهي خطة غير ممنهجة لا يوجد وراءها أي عمل عسكري، إنما هي أداة من أدوات الضغط على تركيا. وعلى الرغم من وجود اتفاقيات بين الطرفين، إلا أنها هشة وغير مستقرة".
يأتي القصف الروسي المتجدد والكثيف بداية العام، للضغط على تركيا للحصول على أكبر قدر من المكتسبات في ما يتعلق بالطرق الدولية، وتطبيق الاتفاقيات من سوتشي وآستانة
ويضيف: "تبرّر روسيا قصفها بحجة محاربة الجماعات الإرهابية، وهذا ما تقوله في سوتشي وآستانة، ولكن الواضح أن القصف يستهدف البنى التحتية والمداجن ومحطات المياه، وتالياً هو للضغط على المدنيين من جهة، وتخويف تركيا بموجة تهجير جديدة إليها، أو إلى أوروبا".
في هذا الوقت، لا يزال التراجع الاقتصادي سيد الموقف في شمال غرب سوريا، بسبب ارتباط المنطقة بالعملة التركية التي شهدت مؤخراً تراجعاً كبيراً في قيمتها، ولم يتم تحسين الرواتب والأجور في هذه المناطق، ما زاد من صعوبة الوضع المعيشي، وخصوصاً في منطقة المخيمات، التي تعاني أساساً من نقص في الاحتياجات.
يسعى جمال العبد للحصول على دعمٍ لمخيم تلمنس الذي يديره، والواقع في جبل الدويلة في منطقة كفرتخاريم شمال غرب إدلب، ويفتقد إلى أغلب سبل العيش، فالخبز غير متوفر بسبب بُعد المخيم قرابة عشرة كيلومترات عن مركز مدينة كفرتخاريم، وحسب وصفه، "المخيم غير مشمول بأي دعم من أي منظمة إنسانية، ولا يوجد دعم للتدفئة، على الرغم من أن المنطقة جبلية وباردة".
يتفاقم الوضع الإنساني سوءاً شمال غرب سوريا، مع تردي الأوضاع الاقتصادية، وتراجع نسبة المساعدات الإنسانية، وتزايد العجز في الاستجابة
يقول العبد لرصيف22: "تعيش في المخيم 350 عائلةً، وهو يفتقد الرعاية الصحية، على الرغم من وجود ممرض من أبناء المخيم، ولكن لا تتوفر لديه أي أدوات ومعدات طبية، كما أن أطفال المخيم من الحلقة الأولى والثانية، ولا يوجد أي دعم للتعليم، مما اضطر أغلب الأطفال إلى العمل في جمع بقايا الأشجار من الأحراج المجاورة، وبيعها، لمساعدة أهاليهم في المعيشة، أو لاستخدامها للتدفئة، واتجاه الفتيات نحو الزواج المبكر، كما أن المخيم يقع بالقرب من المداجن التي تم استهدافها مطلع العام الحالي، مما أصاب الكثير من العائلات بالرعب، كون خيمهم لا تقيهم من شظايا القصف الذي استهدف هذه المداجن.
يتفاقم الوضع الإنساني سوءاً شمال غرب سوريا، مع تردي الأوضاع الاقتصادية، وتراجع نسبة المساعدات الإنسانية، وتزايد العجز في الاستجابة، وبدأت تتزايد معدلات الفقر وانتشار الجريمة والسرقات، ويرد الدكتور قتيبة سيد عيسى، مدير منظمة بنفسج العاملة في شمال غرب سوريا، هذا الواقع نتيجة تراجع الاهتمام بالقضية السورية، ففي مؤتمر بروكسيل الأخير انخفضت المساعدات بنسبة 20% مع تراجع الدعم الأمريكي بعد سيطرة الحزب الديمقراطي، وغياب الدعم السعودي".
ويضيف: "نواجه في إدلب تحديات عدة في الجانب الإنساني، منها التحديات السياسية، وهي التقارب العربي الواضح مع النظام، بالإضافة إلى وجود رغبة من المنظمات الدولية والأمم المتحدة للعمل في سوريا، انطلاقاً من دمشق، وقد لاحظنا مؤخراً دخول القوافل الإنسانية من مناطق النظام إلى إدلب".
تراجع الدعم الانساني بشكل كبير في شمال سوريا نتيجة التقارب العربي الواضح مع النظام، بالإضافة إلى وجود رغبة من المنظمات الدولية والأمم المتحدة للعمل في سوريا، انطلاقاً من دمشق
يتابع عيسى تفصيله للوضع، ويقول: "هناك تحديات اقتصادية تتمثل في انشغال الدول بجائحة كورونا، ويوجد تحدٍ قانوني نواجهه، وهو سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب، ومعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهذا يشكّل هاجساً لدى أغلب الدول الداعمة من برلماناتها في المحاسبة على العمل وتقديم المساعدة في مناطق نزاع موصوفة بالإرهاب، فضلاً عن تأخر البنوك في تسليم مبالغ المساعدات، واتجاه الداعمين إلى منطقة أفغانستان".
واستجاب الدفاع المدني السوري، خلال عام 2021، لأكثر من 1،300 هجوم من قبل النظام وروسيا، تم فيها استخدام أكثر من سبعة آلاف ذخيرة متنوعة، منها أكثر من 145 طلعةً جويةً جميعها روسية، تم فيها شن أكثر من 400 غارة جوية، وألف هجوم بالقذائف المدفعية تم فيها إطلاق أكثر من 5،650 قذيفةً، و123 هجوماً صاروخياً تم فيها إطلاق أكثر من 700 صاروخ منها 43 هجمةً بصواريخ أرضـأرض، منها اثنان محملان بقنابل عنقودية، بالإضافة إلى 34 هجوماً بالصواريخ الموجّهة تم فيها إطلاق أكثر من 40 صاروخاً، فيما كانت الطائرات المسيّرة حاضرةً، واستجاب الدفاع المدني السوري لثمان هجمات بالطائرات المسيّرة، والمئات من الهجمات بأسلحة أخرى متنوعة.
وكذلك وثّق الدفاع المدني السوري، خلال عام 2021، مقتل 225 شخصاً من بينهم 65 طفلاً و38 امرأةً، نتيجةً لتلك الهجمات التي شنّها الطيران الروسي وقوات النظام، واستجابت لها فرق الدفاع المدني السوري، فيما تمكنت الفرق من إنقاذ 618 شخصاً أصيبوا نتيجة تلك الهجمات، من بينهم 151 طفلاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين