شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
هل شبح تقنين الدعارة مخيف أكثر من التحرّش بالنساء؟

هل شبح تقنين الدعارة مخيف أكثر من التحرّش بالنساء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 17 يناير 202005:36 م

مع ارتفاع نسبة التحرش في الشوارع المصرية خلال الآونة الأخيرة، وتعدد أشكال التحرش، من تحرش لفظي أو تطاول باليد، أو من خلال نظرات خادشة للحياء، أخذ أحد الأسئلة يلح في ذهني، وهو ماذا لو افتتحت بيوت الدعارة في مصر من جديد بترخيص من الدولة؟

التعريفات المجتمعية "للدعارة"

في البداية لابد من ذكر التعريفات المختلفة لمصطلح "الدعارة"، فالبعض يعتبر الدعارة ببساطة أنها "بيع الخدمات الجنسية" بدون أدنى تمييز بين "الدعارة القسرية" و"الدعارة الطوعية"، بينما يذهب البعض إلى تحليلات أعمق، فيعتبرون ممارسة أية مهنة، أو التفوه بأية فكرة أو موقف سياسي من أجل المال فقط، أو المنفعة والمصالح، نوع من الدعارة.

رأي الدين في "الدعارة"

ومن المعروف أن الدعارة في الإسلام محرمة، وعقوبة الدعارة في الإسلام هي الجلد مائة جلدة للزاني أو الزانية وتغريب سنة، أما إذا كان ممارس الدعارة محصناً أو محصنة، فإن العقوبة تصل إلى الإعدام رمياً بالحجارة، كذلك في المسيحية واليهودية الدعارة محرمة وتعتبر زنا، من يمارسها فهو خاطئ حسب وصايا الله العشر، وبالأخص وصية "لا تزن".

 ماذا لو افتتحت بيوت الدعارة في مصر من جديد بترخيص من الدولة؟

آراء البعض في فتح بيوت الدعارة

تواصلت مع عينة عشوائية من الناس، ينتمون إلى طبقات اجتماعية وعمرية مختلفة، للإجابة على السؤال الذي يشغلني.

فكانت إجابة نادين خالد (24 سنة)، وهي مخرجة مسرحية: "أنا مع تقنين الدعارة، لأن ممارسة الدعارة بالفعل موجودة، واعتقد أن ترخيصها سيساعد الناس ألا تخاف من الذهاب لبيوت الدعارة، وبالتالي قد يقلل ذلك من الكبت الجنسي لدى الشباب بالإضافة إنهم لن يكونوا في حاجة لاستغلال الفتيات باسم الحب".

أما الرجال الذين التقيت بهم، حيث هنالك من تحدث عن الإيجابيات التي قد تعم من تقنين الدعارة وكذلك السلبيات، فعلى المستوى الاقتصادي مثلاً قال أحدهم: "هناك الضرائب التي ستحققها الدولة من وراء تقنين الدعارة، وعلى المستوى الاجتماعي تنظيم الدولة للأمر سيحفظ حقوق العاملات بهذه المهنة، ولن يكون هناك استغلال للقاصرات، أما على مستوى السياسة الخارجية فإن الأمر سيلحق الضرر بمصر، من خلال النظرة للسيدات المصريات في الخارج أنهم مجرد نساء يبعن أجسادهن من أجل المال، وستزداد مضايقتهن والتحرش بهن في الخارج".

وقال محمد فاروق (38 سنة): "أنا ضد تقنين الدعارة لأن هذا سيسبب انتشار الأمراض الجنسية ويقضي على العلاقات الزوجية، وفي الوقت نفسه لن يحل مشكلة التحرش"، وأضافت زوجته علياء طلعت (34 سنة): "أنا كذلك ضد التقنين، والدولة مسؤولة عن إصدار قوانين تمنع التحرش، فليست الدعارة هي الحل" ثم جاءتني آراء أخرى تقول: "كيف وأنت امرأة تطرحين تساؤل عن رأينا في أن امرأة تبيع جسدها من أجل المال؟".

بالنسبة لمن يقولون: "كيف لي أن أطرح تساؤلاً حول استغلال المرأة واضطرارها لبيع جسدها؟"، الفكرة أنني أرى أن ممارسة الدعارة هي اختيار طالما أن الإنسان حر وبكامل قواه العقلية، مثلما اخترت أن أعمل صحفية بدلاً من أن أكون مترجمة

تقنين الدعارة في مصر

لابد من الإشارة أن الدعارة في مصر بالفعل كانت مقننة، حيث خضعت الدعارة في مصر للتسجيل والتنظيم منذ تطبيق اللائحة التي سميت بتعليمات بيوت الدعارة، والتي استمر العمل بها حتى ألغيت عام 1949، وبعدها بعامين اعتبرت جميع أشكال الدعارة غير قانونية، حينما كانت الدعارة تمارس بتراخيص من الدولة، كان لكل فتاة من فتيات الهوى رخصة تحوي سنها وسكنها ورقم رخصتها وتاريخ الكشف الطبي عليها.

وقد تم العثور في دار المحفوظات على وثائق عمرها 118 عاماً تتحدث عن تسجيل فتيات الهوى في مصر، وإثرها انقسمت فتيات الهوى إلى قسمين: "عايقة" و "مقطورة"، "العايقة" هي القوادة، و"المقطورة" هي التي تمارس النشاط.

فلو أن افتتاح بيوت الدعارة من جديد معناه أن تُرحم الفتيات أمثالي من التحرش في الشوارع والمواصلات والعمل، فلتُفتح بيوت الدعارة من جديد بموافقة الحكومات، طالما أنها لا تستطيع وضع قانون رادع يحد من الأمر، وعندما يحدث ذلك أتمنى ألا نستمع إلى كلمات مثل التي ذُكرت بالفعل: "هذا حرام"، أو "هذا يحط من شأن المرأة"، أليس ما تتعرض له المرأة كل يوم في الشوارع حرام كذلك؟ وأليس عدم اتخاذ إجراء ضد هذه الأفعال يحط من شأن المرأة أيضاً؟ وإذا اضطررنا لسماع مثل هذه العبارات، فابحثوا لنا عن البدائل التي تحض من الكبت الجنسي والتحرش.

ممارسة الدعارة اختيار

بالنسبة لمن يقولون: "كيف لي أن أطرح تساؤلاً حول استغلال المرأة واضطرارها لبيع جسدها؟"، الفكرة أنني أرى أن ممارسة الدعارة هي اختيار طالما أن الإنسان حر وبكامل قواه العقلية، مثلما اخترت أن أعمل صحفية بدلاً من أن أكون مترجمة، ومثلما تختار سيدة أخرى تنظيف سلالم إحدى العمارات لتكسب قوت يومها، ومثلما يختار رجل أن يسرق فيغتني، وآخر أن يظل موظفاً فقيراً.

هناك مثال ورد في تقرير حققه موقع DW بعنوان: "المغرب.. البطالة تدفع بلاجئات إفريقيات إلى ممارسة الدعارة"، عُقدت فيه مقارنة بين لاجئتين إفريقيتين، "بريچيت" و"كاميلية"، وجدتا في هجرتهما إلى المغرب الملاذ من الفقر في بلادهما، ولكن الحياة هناك لم تكن كما توقعت الاثنتان، فالاندماج في الحياة المهنية هناك أمر في غاية الصعوبة، فلم تجد المهاجرة كاميلية (27 سنة) أمامها سوى ممارسة الدعارة كسبيل للعيش، رغم ما تتعرض له من عنف وأذى خلال ممارسة هذه المهنة، في حين أن المهاجرة بريچيت (40 سنة) قررت الانضمام لجمعية تهتم بمصالح اللاجئات الإفريقيات، تعلمت فيها حرفاً يدوية حتى تستطيع أن تكسب ما يعينها على العيش، ولا يضطرها إلى المتاجرة بجسدها.

هناك مثال آخر، وهو دور العاهرة الذي قدمته الممثلة سارة بسّام في فيلم "علاقات خاصة"، وفكرتها عن مهنتها وأنها مستمرة في العمل بها لأنها تضمن لها مستقبلها، رغم أنها مثل أية فتاة مصرية تمتلك مهارات أخرى للعمل، ولكنها فضلت الطريق الذي يضمن المستقبل ويهيئ حياة أفضل بصورة أسرع.

فالأمر يعتمد بداية، إما على الاستسهال فتختار الدعارة، أو قوة الإرادة في اختيار تعلّم حرفة، أو ممارسة أي عمل يضمن الاحتفاظ بالكرامة والشرف، وأؤكد مرة ثانية أنني أخص بالقدرة على الاختيار النساء الحرّات، لا المجبرات في ظل ظروف أخرى.

وإذا كانت الدعارة كما يرى البعض لن تقلل من نسبة التحرش، لأن الأمر يتعلق بكون المتحرش لا يجد ما يردعه، فأولاً لابد من وضع قانون رادع للمتحرش، قانون يجرم التحرش مثل الزنا تماماً، قانون يجعلنا نسير مطمئنات في الشوارع والجامعات وساحات العمل

لا بدّ من قانون لردع المتحرشين

وإذا كانت الدعارة كما يرى البعض لن تقلل من نسبة التحرش، لأن الأمر يتعلق بكون المتحرش لا يجد ما يردعه، فأولاً لابد من وضع قانون رادع للمتحرش، قانون يجرم التحرش مثل الزنا تماماً، قانون يجعلنا نسير مطمئنات في الشوارع والجامعات وساحات العمل، قانون يجعل كل رجل يفكر ألف مرة قبل أن يلمس فتاة، أو يرميها بأي لفظ خادش للحياء.

ثانياً، يجب هدم ثقافة إلقاء اللوم على المرأة في كل مرة تتعرض فيها للتحرش، يجب القضاء على كلمات مثل: "هي اللى عايزة تتعاكس"، "لابسة قصير ليه؟"، "إيه اللي منزلها في وقت زي ده؟"، وإحلال ثقافة مجتمعية أخرى مكانها، تقضي بأن المرأة إنسان حر لابد وأن يتمتع بكامل حريته في اختيار ملبسه، وطرق وأوقات سيره، دون أن تُعاقب على أفعال آدمية عادية، يتمتع بها الرجل في بلدنا.

أنا لا أؤيد فكرة تقنين الدعارة وأيضاً لا أقف ضدها، كل ما في الأمر أنني أضع تقنين الدعارة من جديد، بكل ما ينتج عنه من سلبيات وإيجابيات في كفة، والقضاء على الكبت الجنسي والتحرش، وما يصحبهما من ارتفاع سن الزواج، وقلة فرص العمل، والثقافة المجتمعية الذكورية حول المرأة في الكفة الأخرى، ولك أنت أن ترجح إحداهما.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard