"منعنا القُصّر من اقتناء زيت المائدة، وذلك بعد استغلالهم من قبل أطراف للمضاربة"؛ هكذا علّق وزير التجارة الجزائري، كمال رزيق، على أزمة الزيت التي تضرب الجزائر هذه الأيام، وذلك على هامش انطلاق أسبوع التبادل الاقتصادي الجزائري التركي.
تصريح استقبله الجزائريون بموجةٍ من السخرية والتهكم، فالوزير، حسب رأيهم، أعطى حجّةً غير مقنعة، وحلاً "غريباً" لمشكلة ندرة هذه المادة في الأسواق الجزائرية، لتغرق وسائل التواصل الاجتماعي كلها، بمنشورات ساخرة من حديث رزيق.
تاريخ ممتد من العبث
التصريحات الأخيرة لوزير التجارة، كمال رزيق، لم تكن الأولى في عالم التصريحات الغريبة للمسؤولين الجزائريين، التي أثارت دهشة الجمهور، فالتاريخ الجزائري القريب مليء بالتصريحات العبثية الصادرة من أصحاب المناصب الرفيعة.
ويستذكر الجزائريون بتعجب تصريح الرئيس عبد المجيد تبون، الذي نسب مشكلة السيولة المالية التي وقعت فيها الجزائر، في عز انتشار فيروس كورونا، إلى شيخ طاعن في السن، تجاوز قرناً وتسع سنوات من العمر، قام بسحب الأموال من مركز البريد مرّتين في الأسبوع، واصفاً إياها بمؤامرة محبوكة ضد البلد.
تصريح آخر لا يقل غرابةً، أدلى به وزير النقل الجزائري السابق، فاروق شيعلي، أحدث جدلاً واسعاً، وموجة سخريةٍ كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيه إن أزمة فيروس كورونا، ستنفرج تدريجياً مع ارتفاع درجات الحرارة، من دون سند علمي يبرر كلامه.
وفي الماضي القريب، اتهم وزير الشباب والرياضة الجزائري السابق، عبد الرؤوف سليم، رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية السابق، مصطفى بيراف، بشراء أكل القطط والكلاب بأموال الرياضيين، ليردّ الثاني بأنها كلاب خاصة بحراسة مقر اللجنة الأولمبية.
التصريحات الأخيرة لوزير التجارة، كمال رزيق، لم تكن الأولى في عالم التصريحات الغريبة للمسؤولين الجزائريين، التي أثارت دهشة الجمهور، فالتاريخ الجزائري القريب مليء بالتصريحات العبثية الصادرة من أصحاب المناصب الرفيعة
لم يُنافس تصريح وزير التجارة الجزائري في الغرابة، في الأسابيع الأخيرة في الجزائر، سوى رسالة التهنئة التي أرسلها مدير التلفزيون العمومي الجزائري، شعبان لوناكل، الذي ردّ على الانتقادات الشعبية الواسعة لسوء التغطية الإعلامية لاستقبال المنتخب الجزائري الفائز بكأس العرب، بمدح عمّاله على احترافيتهم.
وتمتد التصريحات الغريبة إلى عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ولعل أكثرها غرابةً كانت من نصيب، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، في رده على سؤال عن تفشي الفقر بسبب خطة التقشف التي أقرتها الحكومة في السنوات الأخيرة، قائلاً: "أنتم لا تقدّرون النعمة التي أنتم فيها بفضل رئيس الجمهورية، ربما لا تدركون أن الجزائر أفضل من السويد، وأفضل من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا طبعاً بفضل حكمة الرئيس، وبصيرته"
وليس بعيداً عن التصريح السابق، صرّح ميهوب توشي، رئيس بلدية أولاد فايت، التي تقع في إحدى ضواحي العاصمة الجزائرية بأن "بلديته أفضل من سويسرا، وأنه لا يوجد أي شيء يدفع إلى الانبهار بسويسرا".
لماذا يتهرب المسؤول الجزائري من الحلول الواقعية؟
التصريحات الشعبوية للمسؤولين، تخلق جواً من السخرية، وترسّخ قناعة المواطن بضعف الجهاز الحكومي، في مواجهة الأزمات الخانقة، التي تكاد في كل مرة، أن تعصف بالوضع الاجتماعي في الجزائر، وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الهادي بن حملة، في تصريح لرصيف22: تصريحات المسؤولين الجزائريين، تجانب الواقع، وتغطي عجزه دائماً، ولا تلامس المشكلة الحقيقية، وفي مشكلة ندرة المواد الأساسية الأخيرة حدد المسؤول الأسباب، لكن لم يعطِ الحلول، وهو الدور المنوط به لا بغيره".
التصريحات الشعبوية للمسؤولين، تخلق جواً من السخرية، وترسّخ قناعة المواطن بضعف الجهاز الحكومي، في مواجهة الأزمات الخانقة، التي تكاد في كل مرة، أن تعصف بالوضع الاجتماعي في الجزائر
أما الباحثة في علوم الاجتماع السياسي، أماني الطاهري، فتعلّق على تلك النقطة لرصيف22، وتقول: بشكل عام، في البلدان التي تفتقر إلى آليات محاسبة دقيقة ورقابة شعبية حقيقية، فإن حالة الاستسهال والاستهانة بالشعوب تنجم عنها تلك التصريحات، إذ المسؤول لا يأخذ عقلية المواطن علي محمل الجد.
ما هي الأسباب الحقيقية لندرة المواد الأساسية؟
بعيداً عن التصريحات العبثية للوزير، فإن ما تعيشه الجزائر مع بداية العام، من نقص حاد في مواد غذائية أساسية على مائدة المواطن، يطرح علامات استفهام عدة حول أسبابه، ولماذا طفت هذه الأزمة فوق السطح، في هذا الوقت بالتحديد.
رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك، مصطفى زبدي، يرى أن الأسباب الحقيقية لتلك الأزمة يعرفها المصنّعون، بالإضافة إلى وزارة التجارة، لكنه كمراقب للوضع عزا ذلك إلى سوء التوزيع، فضلاً عن لهفة المواطن الذي يخاف من الأزمة، فيقنتي أكثر من حاجته.
يختتم زبدي حديثه قائلاً: "يجب أن تتشارك كل الأطراف في طرح حلول عملية، بعيداً عن الحلول الإدارية غير النافعة".
هذا وقد أعلن البرلمان الجزائري عن تشكيل لجنة تحقيق، لكشف الأسباب الحقيقية لندرة الزيت، وصدّ أي مناورة يقودها مضاربون يسعون إلى زعزعة استقرار السوق، والإضرار بالمنتج والمستهلك على حد سواء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...