"نحن عائلة المناضل الوطني... المصري الفلسطيني رامي شعث، نعبر عن ارتياحنا وفرحنا؛ رامي حر. في مساء السادس من يناير (كانون الثاني) وبعد أكثر من 900 يوم من الاعتقال التعسفي، أطلقت السلطات المصرية سراح رامي...، ومع فرحتنا باستجابة السلطات إلى ندائنا من أجل الحرية، لكننا نعبر أيضاً عن استيائنا من إجبارهم لرامي التنازل عن جنسية المصرية شرطاً للإفراج عنه، كان يجب أن يكون ذلك غير مشروطاً بعد سنتين ونصف من الاعتقال الظالم في ظروف غير إنسانية، لا يجب أن يختار الإنسان بين حريته وجنسيته، ولد ونشأ رامي مصرياً، وكانت مصر وستبقى وطنه، ولن يغير التنازل القسري عن جنسيته ذلك أبداً".
كان هذا جانباً من بيان أصدرته أسرة الناشط السياسي المصري الفلسطيني، رامي شعث، الذي اعتقلته السلطات المصرية في 5 يوليو/ تموز 2019 من منزله في القاهرة، في إطار حملة أمنية واسعة في القضية المعروفة إعلامياً باسم "خلية الأمل"، على خلفية نشاطه في حملة مقاطعة إسرائيل، ومنحته حريته قبل يومين بعد ضغوط فرنسية وأمريكية متصاعدة، مقابل التنازل عن جنسيته المصرية.
وفي البيان الذي صدر عن أسرة شعث، جاء أن رامي التقى ممثلي السلطات الوطنية الفلسطينية في مطار القاهرة الدولي، ومن هناك سافر إلى العاصمة الأردنية عمّان، قبل أن يبدأ منها رحلته إلى باريس.
قبل الإفراج عنه؛ حاولت السلطات المصرية مراراً نزع الجنسية عن رامي شعث، وذلك رغم صدور حكم من محكمة القضاء الإداري يرفض قرارات السلطات الأمنية المصرية ويقطع بمصرية الناشط في حملة المقاطعة ضد إسرائيل
حصار سابق
رامي شعث هو نجل القيادي الفلسطيني الحامل للجنسية المصرية نبيل شعث. ولد رامي في مصر لأبوين مصريين، أم مصرية الميلاد الجذور وأب فلسطيني يحمل الجنسية المصرية، لذا فهو يحمل الجنسيتين العربيتين المصرية والفلسطينية.
ورامي البالغ من العمر 50 عاماً، هو ناشط سياسي وأحد مؤسسي حزب الدستور وحركة مقاطعة إسرائيل في مصر BDS التي من مطالبها سحب الاستثمارات الاقتصادية وفرض عقوبات على إسرائيل.
واعتقلت السلطات الأمنية في القاهرة، وحبس احتياطياً على ذمة القضية رقم 930 المعروفة بقضية الأمل، ووجهت إليه الاتهامات التي اعتادت السلطات توجيهها للمعارضين: الاشتراك مع جماعة أنشئت على خلاف القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، بالإضافة إلى نشر أخبار ومعلومات وبيانات كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر على نحو متعمد بقصد تكدير السلم العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة.
وبعد القبض على شعث، رُحلت زوجته الفرنسية سيلين لوبران إلى باريس.
وفي شهر أبريل/ نيسان 2020، أدرج اسم شعث على قائمة الكيانات والأفراد الإرهابيين، وفي ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنه تحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء زيارته إلى باريس عن عدة حالات فردية بينها شعث.
وفي يوليو/ تموز 2021، أصدرت محكمة النقض حكماً نهائياً بإدراج رامي شعث و13 آخرين، على قوائم الإرهابيين لمدة 5 سنوات، وهو القرار الذي انتقدته منظمات غير حكومية وخبراء أمميون.
وفي الثالث من يناير/ كانون الثاني، أعلنت النيابة العامة المصرية قرارها بالإفراج عن شعث، وذلك قبل 3 أيام من الإفراج عنه فعلياَ.
وحاولت السلطات المصرية مراراً نزع الجنسية عن شعث من خلال قرارات إدارية لوزير الداخلية، وبرغم صدور حكم قضائي قاطع بعدم جواز اعتبار رامي غير مصري، كونه ولد في مصر لأب مصري مزدوج الجنسية (المناضل الفلسطيني نبيل شعث)، وأم مصرية، إلا الحكومة المصرية طعنت على القرار، بتقدمها بالدعوى رقم 39659 لسنة 66 قضائية في يوليو/ حزيران 2013 لنفي أهليته للجنسية المصرية. وصدر حكم لصالح رامي في فبراير/ شباط 2020، إلا ان الحكومة طعنت على الحكم.
سبق رامي شعث معارضون عديدون، أجبروا على التنازل عن جنسيتهم المصرية مقابل الحرية. وبات إسقاط الجنسية (عبر التنازل) سبيلاً وحيداً للحرية يحرم منه المصريون ممن لا يتمتعون بجنسيات أخرى
ليس الأول
منذ سنوات صار دفع المعارضين الذين يحملون جنسيات مزدوجة إلى التنازل عن جنسيتهم المصرية مقابل السماح لهم الحصول على حريتهم، ممارسة معتادة في مصر.
بدأ ذلك المنهج مع القضية التي اشتهرت إعلامياً بـ"خلية الماريوت"، إذ فاوضت السلطات الصحافي المصري – وقتها- محمد فهمي التنازل عن جنسيته المصرية نظير الإفراج، عنه صحبة الصحافي الاسترالي بيتر جريست، وذلك وسط ضغوط دولية متصاعدة للإفراج عن الصحافيين اللذين كانا يغطيان مؤتمراً لمعارضين لصالح قناة الجزيرة الإنجليزية. لاحقاً تقدم فهمي – عقب إبعاده عن مصر- بطلب لاستعادة جنسيته المصرية.
وأثارت هذه القضية غضباً دولياً، واعترضت عدة دول من بينها بريطانيا وهولندا وأستراليا وكندا، على الأحكام التي صدرت في يونيو/ حزيران 2014، بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات على الصحافيين، ووُضع النظام المصري في موقف حرج، نتج عنه إصدار هذا ذلك القانون للخروج من مأزق الضغوط الدولية.
وعلى إثر القانون رقم 140، تنازل الصحفي محمد فهمي عن جنسيته المصرية في نهاية يناير/ كانون الثاني 2015، وسافر إلى كندا، بعدما قضى في السجن في مصر نحو العامين.
ويأتي إبعاد المعارضين عن البلاد بعد دفعهم إلى التنازل عن جنسيتهم المصرية، تطبيقاً لقرار بقانون أصدره رئيس الجمهورية رقم 140 لسنة 2014، بشأن الأحكام الخاصة بتسليم المتهمين ونقل المحكوم عليهم، ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.
بموجب القرار يُسمح بتسليم المحكوم عليهم في قضايا داخل الأراضي المصرية ويحملون جنسية أخرى أو جنسية مزدوجة إلى دولهم خارج مصر، شرط التنازل عن الجنسية المصرية أولاً، ويكون الإفراج عن المحكومين في أي مرحلة من مراحل التقاضي متى اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك.
وفي مايو/ أيار 2015، أعلن الناشط محمد سلطان نجل أحد كبار قيادات الإخوان المسلمين، الذي يحمل الجنسيتين المصرية والأمريكية، تنازله عن جنسيته المصرية، للإفلات من عقوبة بالسجن المؤبد في القضية التي عُرفت إعلامياً باسم "غرفة عمليات رابعة" التي حكم عليه فيها و37 آخرين. وبالفعل تم الإفراج عن سلطان ولكن قبل أن يقدم على التنازل عن جنسيته، وذلك بطلب مباشر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ورحل سلطان إلى الولايات المتحدة بعدما قضى عامين في السجن، دخل خلالهما في إضراب عن الطعام استمر أكثر من 450 يوماً، وكان حديث وسائل الإعلام العالمية.
نجاد البرعي: وضعهم القانوني أنهم متنازلين بإرادتهم، وناصر أمين: لا جدال في أنهم مكرهين على التنازل عن الجنسية واستعادتهم لها ممكنة "حال زوال السبب"
كذلك اضطرت الأمريكية من أصل مصري ريم دسوقي - التي تعمل مدرسة رسم في الولايات المتحدة- إلى التنازل عن جنسيتها المصرية مقابل الإفراج عنها بعد احتجاز استمر نحو 10 أشهر، على خلفية اتهامها بإدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف النيل من هيبة الدولة المصرية والانتماء لجماعة محظورة، بينما توقعت عائلتها أن يكون البلاغ المقدم في ريم "كيدياً" بسبب مشكلات عائلية مع طليقها.
وكانت ريم المقيمة في مدينة لانكستر بولاية بنسلفانيا الأمريكية، عائدة إلى مصر رفقة نجلها؛ لقضاء الإجازة الصيفية مع عائلتها في شهر يوليو/ تموز 2019، لكنها فوجئت بأفراد من وزارة الداخلية في انتظارها في ساحة استقبال الركاب في مطار القاهرة، احتجزوها فور وصولها، واستمر استجوابها لمدة 11 ساعة، وانتهى الأمر إلى احتجازها لمدة 15 يوماً.
واستغاث نجل ريم بالرئيس الأمريكي حينها، دونالد ترامب، في مقطع فيديو بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطرقت إليه وسائل الإعلام الأمريكية، وفي 5 مايو / آيار 2020 أفرجت السلطات المصرية عن ريم الدسوقي، وهو القرار الذي لاقى ترحيب الخارجية الأمريكية. وبعد أيام قليلة من الإفراج عنها، نشرت الجريدة الرسمية قرار وزارة الداخلية رقم 734 لسنة 2020، بشأن السماح لها بالتجنس بالجنسية الأمريكية مع عدم احتفاظها بالجنسية المصرية.
مواقف تخص أصحابها
وتواصل رصيف22 مع المحامي خالد علي، الممثل القانوني لرامي شعث، للتعرف على تفاصيل دفع رامي إلى التنازل عن جنسيته المصرية، لكن علي رفض التعليق، مؤكداً أن قضية التنازل عن الجنسية مقابل الحرية تعبر عن مواقف شخصية لأصحابها وبالتالي فإن أسرة شعث هي فقط صاحبة الحق للإجابة عن أي سؤال يتعلق بالقضية.
واكتفى المحامي الحقوقي، بما نشره على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قبل ساعات حيث قال: "تم إطلاق سراح رامي شعث يوم الخميس 6 يناير 2022، ووصل إلى مطار الأردن مساء الخميس، والآن وصل فرنسا، مبروك لرامي وأسرته، ربنا يرد كل غائب لأهله".
ويسمح القانون المصري للمواطنين الذين يتقدمون بطلبات للتنازل عن الجنسية المصرية من أجل الحصول على جنسية أخرى أجنبية، أن يستعيدوا جنسيتهم المصرية بعد التقدم بطلب قضائي أمام محكمة القضاء الإداري يطعن على قرار وزير الداخلية بإسقاط الجنسية المصرية عنهم، وهو إجراء روتيني. تساءل رصيف22 إن كان من الممكن تطبيقه مستقبلا في حالات المصريين الذين أكرهوا على ترك جنسياتهم للحصول على حريتهم.
لكن هذا الأمر "لا ينطبق على رامي شعث ومن مثله"، بحسب المحامي الحقوقي نجاد البرعي.
وقال البرعي لـرصيف 22: "من مثل رامي شعث ومحمد سلطان وغيرهم ليس لهم الحق في التقدم ثانية لاستعادة الجنسية المصرية، لأنهم قانوناً اختاروا التنازل عن الجنسية هرباً من تنفيذ عقوبة أو استكمال تحقيقات: "دول وضعهم مختلف، لو كانوا عايزين الجنسية المصرية كانوا احتفظوا بها، ولو حد منهم عايز الجنسية يرجع مصر وتحقق معاه تاني".
وأضاف أنه في نظر القانون هؤلاء لم يجبروا على التنازل عن الجنسية ولكنهم اختاروا: "القانون بيقول إنه إذا واحد ارتكب جريمة وحكم عليه وعايز يقضي عقوبته في بلده الثاني الذي يحمل جنسيته يتنازل عن الجنسية المصرية ويسافر بلده"، ولا يوجد أي نص قانوني حتى الآن يمكن الاستناد إليه لاستعادة الجنسية في مثل هذه الحالة.
وبالنسبة لاستكمال التحقيقات أو قضاء العقوبة في البلد الثاني، قال البرعي إن هذا أمر من شأن البلد الثاني.
ويختلف معه المحامي الدولي والحقوقي ناصر أمين، الذي قال لـرصيف 22: "في الواقع هؤلاء مجبرين على التنازل عن جنسيتهم"، موضحاً أن ما حدث معهم إجراء قانوني بموجب تعديل على قانون العقوبات بقرار صدر من الحكومة المصرية عام 2014، يُسمح من خلاله بترحيل الأجنبي الذي يُلقى القبض عليه في أية أحداث إلى بلاده لاتخاذ الإجراءات القانونية ضده: "ده تعديل تم أثناء أحداث المظاهرات في مصر، وحتى لا تقع الحكومة في مشكلات تقرر ترحيل الأجنبي إلى بلاده حال إلقاء القبض عليه في مصر، والقاعدة دي تم استخدامها مع بعض المصريين الحاملين جنسية آخرى".
وأضاف أنه في هذه الحالة يُعد الشخص الذي اختار تطبيق الشروط الواجبة في القانون، مضطراً للتنازل عن جنسيته المصرية، مؤكداً أن الجنسية حق لصيق بشخص المتهم إذا كان بالميلاد على أراضي الدولة أو كانت مكتسبة بموجب اشتراطات القوانين، وبالتالي هي تخضع دائماً لإمكانية طلبها مرة أخرى حال زوال السبب الذي أدى إلى سقوط الجنسية سواء بالتنازل أو بإسقاطها عنه بقرار من الدولة".
وأوضح أمين أن أمثال رامي شعث ومحمد سلطان لم يعد عليهم عقوبة: "القانون قرر ترحيل الشخص إلى البلد الذي يحمل جنسيته لاستكمال الإجراءات القانونية في حالة ما إذا كان في مرحلة الحبس الاحتياطي أو لاستكمال العقوبة إذا كان محكوم عليه"، وبالتالي لم يعد عليهم عقوبة في مصر، وإذا رغب أحدهم في استعادة الجنسية المصرية فإن هذا يخضع للشروط المنصوص عليها في التنازل الذي وقعوا عليه: "فكرة استعادتهم الجنسية يخضع للشروط المنصوص عليها في التنازل أو التقدم بطلب آخر وينظر ويطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري".
وعما إذا رغبوا في زيارة مصر، قال أمين أن هؤلاء الآن أجانب يطبق عليهم قواعد التعامل مع الأجانب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 11 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.