شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"على الاتصالات السلام"... لبنان قد يدخل في عزلة قريباً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 21 ديسمبر 202106:19 م

نصل إلى المقهى فنسأل النادلة متى ينقطع التيار الكهربائي، فتجيب بأنّها لا تعرف الجدول بسبب تبدّله اليومي، لكنّها تعرف أن شبكة الانترنت مقطوعة منذ أمس ومستمرة أربعة أيام، لذا عليها أن تبلّغ كل من يقصد المقهى بهدف العمل أن خدمة الانترنت غير متوفّرة. إذ ذاك على الزبائن استخدام الإنترنت الخاص بهواتفهم عبر تفعيل خاصية الـ"هوتسبوت" والاستفادة من خدمة الـ3G التي تعمل ببطء شديد.

كان وزير الاتصالات اللبناني جوني القرم قد حذّر، أمس الإثنين، من خطر انقطاع خدمات الاتصال والإنترنت في الأيام المقبلة على الأراضي اللبنانية، داعياً إلى حسم ملف فتح الاعتمادات لهيئة "أوجيرو"، وهي هيئة حكومية تدير قطاع الاتصالات في البلاد وتتمتع باستقلالية إدارية، لكنّها في الوقت عينه تشكّل البنية التحتية الأساسية لجميع شبكات الاتصالات.

تلقّي اتصال هاتفي من دون ترديد جملة: "ألو عن تسمعني؟" صار شبه مستحيل. أمّا اتّصالات تطبيق الواتسآب فهي تعمل بصعوبة والرسائل لا تصل بالسرعة اللازمة.

وذكر الوزير في تغريدة عبر حسابه على تويتر أن "ثلاثة لاءات باتت تتحكم بقطاع الاتصالات لم يعد بمقدورنا حلها: لا اعتمادات، لا مازوت، لا خدمة للمشتركين". وأكّد على "وجوب حسم موضوع فتح الاعتماد لهيئة أوجيرو بـ350 مليار ليرة لبنانية بعدما أُقرت في مجلس النواب". ووجّه نداء عاجلاً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بـ"ضرورة حل هذا الموضوع نهائياً وتوقيع الاعتماد بصورة عاجلة لكي تتمكن أوجيرو من تلبية حاجاتها، وإلا فعلى الاتصال والإنترنت السلام".

"ألو عم تسمعني؟"

عندما انقطع التيار الكهرباء عن المنازل ذهب الكثير من المواطنين إلى المقاهي والأماكن العامّة لتيسير متطلباتهم اليومية وللخروج قليلاً من العتمة. توقّفوا عن تخزين المأكولات داخل البرادات واخترعوا أساليب جديدة تساعدهم على احتمال الشتاء مثل تحطيب الكنبة القديمة واستخدام خشبها للتدفئة.

عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتم تداول مقاطع فيديو عن أهميّة الاستحمام بالمياه الباردة، ربّما هذه وسيلة أخرى للتأقلم مع عدم توفّر المياه الساخنة. فغالبية المشتركين في خدمة المولّد الكهربائي (الموتور) لا يملكون الطاقة الكافية لتشغيل سخّان المياه ويعتمدون على المياه الباردة.

هذه الانهيارات الصغيرة في اليوميات برزت بوضوح منذ أكثر من عام. وعلى الرغم من كل الصعاب كان لدى الناس هامش صغير من الحريّة، وهو حريّة التواصل مع الآخر.

بدأ الانهيار في قطاع الاتصالات بالانعكاس على الواقع منذ ثلاثة أيّام، فتلقّي اتصال هاتفي من دون ترديد جملة: "ألو عن تسمعني؟" صار شبه مستحيل. أمّا اتّصالات تطبيق الواتسآب فهي تعمل بصعوبة والرسائل لا تصل بالسرعة اللازمة.

تشرح لورا صالح (22 عاماً) لرصيف22 أن اشتراك الانترنت انقطع في منزلها منذ يوم أمس، فقرّرت المجيء إلى مكان عملها بهدف إكمال واجباتها الدراسية لتكتشف أن الخدمة مقطوعة في المقهى أيضاً. تقول: "إذا انقطع الانترنت عن البلد كما حصل مع الكهرباء فسأخسر عامي الدراسي الذي تُعقد صفوفه افتراضياً بسبب تفشّي وباء كورونا. كما أنّني سأخسر تواصلي مع العالم الخارجي". وتكمل: "يكمن قلقي الأساسي حالياً في الناحية الدراسية. بالأمس حين عجزت عن تسليم واجبي اتصلت هاتفياً بالأستاذة الجامعية، فخسرت كل رصيدي المتبقي من خدمة الإنترنت، والآن أبحث عن بطاقة تشريج لتشغيل خدمة الواتسآب فقط، إلا أنّ البطاقات مقطوعة".

التواصل في السوق السوداء

يصرّح أصحاب محال الهواتف في بيروت بأن بطاقات التشريج مقطوعة منذ ثلاثة أيّام بعد توقّف وكلاء شركتَي الاتصالات "ألفا و"تاتش" عن توزيعها في الأسواق وبعد دخول موظّفي الخليوي في إضراب مفتوح.

يقول يوسف العمري، وهو صاحب محل هواتف، لرصيف22: "كارت التشريج الذي يبلغ سعره 50 ألف ليرة يمكن إيجاده في السوق السوداء بـ100 ألف. فبعدما فُقدت البطاقات، وكما حصل في حالة البنزين والمازوت والكهرباء والدولار، برز تجّار السوق السوداء الذين يستفيدون من أزمة الخليوي والانترنت باعتماد أسلوب الاحتكار".

"كارت التشريج الذي يبلغ سعره 50 ألف ليرة يمكن إيجاده في السوق السوداء بـ100 ألف. فبعدما فُقدت البطاقات، وكما حصل في حالة البنزين والمازوت والكهرباء والدولار، برز التجّار الذين يستفيدون من الأزمة باعتماد أسلوب الاحتكار".

ويضيف: "توقّف عملنا وخسارتنا اليومية تزداد. ففي كل ساعة نفتح فيها المتّجر دون أن تكون لنا قدرة على البيع نخسر ربحنا اليومي الذي صار في الأساس ضئيلاً. نحن بانتظار تصريح الوزير الذي إذا لم يجد حلاً جذرياً لا يظلم المواطن في الأيام أو حتى الساعات القليلة القادمة، فسيصبح البلد مشلولاً من كل النواحي وسنخسر أعمالنا".

ماذا يعني أن نفقد التواصل؟

قصد اللبنانيون والمقيمون في لبنان الشوارع والساحات في العام 2019 رافعين مطالبهم المعيشية، ومعترضين على الوضع القائم. حينذاك كانت واجهة انتفاضة 17 تشرين/أكتوبر ضريبة كان سيتم فرضها على خدمة الواتسآب. وهي التي أشعلت غضب الناس بعد انتشار الحرائق وتدني قدرتهم الشرائية. يومذاك، هناك من سخروا من فكرة أن الناس انتفضوا بسبب ضريبة ستفرض على التطبيق المذكور، متجاهلين أن الجميع كان يعلمون، تحديداً وسائل الإعلام التي استغلت هذه النقطة، أن التراكمات والذل اليومي وعوامل عدّة دفعت بالناس إلى التظاهر.

حرمان الناس من حقّهم بالتواصل مع من يحبّون أو من الخروج عن واقعهم عبر تصفّح واقع آخر هو من أقسى ما يمكن أن يحدث لشعب، خصوصاً إذا كان يعيش في ظل انهيار اقتصادي حاد يضرب كل جوانب الحياة.

في الدكّان، يقول العم إنّه لا يستطيع تلقّي الطلبات كما يجب لأن شبكة الاتصالات تنقطع بين الدقيقة والأخرى. في المقهى تتساءل مجموعة من الشبّان عن أسباب انقطاع الانترنت وغياب الإرسال"معقول ما في مازوت...أو ما في كهرباء؟" ولا يملكون إجابة واضحة.

يقول العامل البنغلادشي إنه لا يتمكّن من التواصل مع عائلته إلا اثناء دوام عمله في المطعم حيث إمدادات الكهرباء والإنترنت لا تنقطع، لأن المطعم تابع لفندق يملك مولّداً خاصّاً. ويضيف أنه حتى قبل انقطاع خدمات الخليوي التي يشهدها البلد لم يكن بإمكانه دفع تكلفة بطاقة التشريج ووصل هاتفه بشبكة الإنترنت، لأن راتبه الشهري لا يتخطّى المئة دولار أمريكي.

يجيب الشبان عند سؤالهم عما سيحل بحياتهم إذا انهارت منظومة الاتصالات بأنّهم سيفقدون أعمالهم القائمة على استخدام الانترنت. ويضيف أحدهم "ومن ثمّ سنفقد عقولنا لأن الهاتف منفذنا الوحيد حالياً في لبنان".

حرمان الناس من حقّهم بالتواصل مع من يحبّون أو من الخروج عن واقعهم هو من أقسى ما يمكن أن يحدث لشعب، خصوصاً إذا كان يعيش في ظل انهيار اقتصادي حاد.

في حال صدور القرار برفع تكلفة خدمة الاتصالات وكل ما يتبعها من خدمات سيحمل المواطن وزر انهيار قطاع جديدة وسيصبح التواصل كما الكهرباء والتنقّل من الرفاهيات التي لن يحظى بها حوالى 75 في المئة من السكان الذين يصنّفون من الطبقة الفقيرة.

قبل مدّة امتنع الكثيرون عن تشريج هواتفهم بهدف توفير المال، وقرّروا بناء تواصلهم اعتماداً على خدمات الانترنت لأن قطاع الاتصالات في لبنان يعتبر من الأغلى عالمياً. وهناك أيضاً من هاجروا من البلد بهدف الحفاظ على أعمالهم بسبب انقطاع الكهرباء وسوء جودة خدمة الانترنت.

إذا حدثت الكارثة التي يتم التحذير منها وتعطّلت شبكات الاتصالات والانترنت في لبنان فسيقع كثيرون من الذين استطاعوا الحفاظ على أعمالهم في دائرة البطالة حيث ستتراجع القدرة على الإنتاج كما القدرة على التواصل اليومي وستتعطّل النشاطات الترفيهية والمهنية المرتبطة بالانترنت.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image