شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
24 ساعة على تظاهرات القصر… مكاسب السودان وخسائره في التصعيد الثوري

24 ساعة على تظاهرات القصر… مكاسب السودان وخسائره في التصعيد الثوري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 20 ديسمبر 202107:21 م

ظهر أمس الأحد، 19 كانون الأول/ ديسمبر، تمكن محتجو السودان من تحقيق مبتغاهم في الوصول إلى محيط القصر الرئاسي بالخرطوم، متجاوزين عدداً كبيراً من المتاريس والحواجز الأمنية. وفي نفس الأمسية، نجحت القوى الأمنية في فض جموعهم بالقوة المفرطة. وفي نهاية اليوم كان السؤال الكبير من ربح "جولة 19 ديسمبر"؟

قبل الإجابة، يُذكر أن لجان المقاومة السودانية (كيانات ثورية قاعدية) تنظم احتجاجات متواصلة ضد الانقلاب العسكري بزعامة قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان.

ووثّقت السجلات سقوط أكثر من 46 قتيلاً جراء القمع المتواصل من قبل السلطات، منذ صبيحة الانقلاب في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وضع المحتجون رسالة قوية في صندوق بريد الانقلابيين، مفادها أن الشارع كما هو قادر على الإيفاء بتعهداته بشأن تسيير المواكب السلمية، هو قادر كذلك على تطبيق شعاراته بإعادة السلطة كاملةً للشعب

ما ربحه الحراك

وصول حشود المحتجين الضخمة إلى بوابات القصر الرئاسي، واختراقهم طوقاً أمنياً سعى من خلال إعداد القوة ورباط الخيل وإغلاق الجسور الرئيسة، إلى قطع أوصال مدن الخرطوم الثلاثة (الخرطوم، بحري، أم درمان)، سحب من سلطة الانقلاب كرت إلحاق هزيمة معنوية بالحراك الاحتجاجي، وحال دون تعويق الخطط والمسارات المعلنة مسبقاً، بالوصول إلى قصر الحاكم.

 وعليه، وضع المحتجون رسالة قوية في صندوق بريد الانقلابيين، مفادها أن الشارع كما هو قادر على الإيفاء بتعهداته بشأن تسيير المواكب السلمية المعلنة وفقاً لما هو مخطط، فهو قادر كذلك –ولو بعد حين- على تطبيق شعاراته بإعادة السلطة كاملةً للشعب.

ومن المكاسب الكبيرة التي تحققت في مليونية 19 ديسمبر إظهار مدى عزلة النظام الانقلابي وحاجته للمناصرين.

ومن مكاسب يوم الأحد، الإشراقات الصغيرة التي أظهرها بعض صغار الضباط والجنود بفتح المسارات أمام حركة المحتجين دون استخدام العنف عند بعض النقاط، بل انخراط بعضهم في موجات بكاء تأثراً بالملاحم التي يسطرها المحتجون.

ومن المكاسب الكبيرة للحراك الاحتجاجي بروز كيانات مثل ملوك الاشتباكات، وغاضبون بلا حدود، وقدرة أفرادها في التصدي لعمليات البطش العسكري، ما يعطي المشاركين في المواكب حماساً أكبر للصمود، وقدرة على الانسحاب التكتيكي في حال اشتداد وطأة العنف.

وبالحديث عن العنف، يعتقد كثيرون أن عنف العسكر وسلمية الحراك تضاعفان من الغضب الشعبي وتزيد من فرص تسييل كتلة الحياد إلى كتلة صلبة يشارك أفرادها في موجة الاحتجاجات.

وثّقت السجلات سقوط أكثر من 46 قتيلاً جراء القمع المتواصل من قبل السلطات، منذ صبيحة الانقلاب في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي

خسائر الحراك

أبرز الخسارات في حراك الأمس هو تبيان وجود حاجة ماسة لقيادة ملموسة له، في ظل حالة العداء التي تبديها غالبية لجان المقاومة لقادة القوى السياسية باعتبارهم السبب في وصول الأحوال إلى ما هي عليه.

في ظل هذا الفراغ، وقف المحتجون بالأمس أمام القصر يسألون عن الخطوة التالية من دون أن يجدوا قيادة توجههم

واستولى المكون العسكري على السلطة من شركائه المدنيين (قوى الحرية والتغيير) بعدة ذرائع، أبرزها انقسام أفرادها وتكالبهم على السلطة، وهو أمر تؤيده لجان المقاومة بدرجة ما، وتضيف إليه مسؤولية هذه القوى عن ضياع دماء شهداء مجزرة القيادة العامة.

وفي ظل هذا الفراغ، وقف المحتجون بالأمس أمام القصر يسألون عن الخطوة التالية من دون أن يجدوا قيادة توجههم، الأمر الذي أدى إلى كر القوى الأمنية على مكان التجمع، وتفريق المشاركين بصورة سريعة، خلافاً لما جرى في اعتصام القيادة العامة الذي أطاح الجنرال عمر البشير.

وفي دفتر الخسارات، فقدان مزيد من الشباب بالقتل أو الإصابة. زد على ذلك وجود أنباء غير مؤكدة عن حالات اغتصاب من قبل القوى النظامية لفتيات مشاركات في الموكب.

هذه الخسائر في وجهها الثاني قد تكون سبباً في إمساك بعض الشباب عن المشاركة في التظاهرات المقبلة.

وبان كذلك أن الحراكيين بحاجة ماسة إلى تأمين خطط انسحاب تكتكي يعتمد على الخروج كتكتلات بشرية تحاكي بداية تكوّن المواكب ونموها في ساعات الانطلاق.

كذلك، فإن كثرة الأحاديث عن حالات نهب الهواتف والكاميرات من قبل الأمنيين في مواكب الأمس، قد تكون سبباً في خروج المحتجين في بقية التظاهرات من دون هذه الوسائل المهمة للتوثيق، مخافة خسارتها.

وضمن الخسارات، تبرز حادثة طرد مراسلة قناة العربية، الزميلة لينا يعقوب، من محيط القصر، من قبل أفراد اتسم سلوكهم بالمغالاة والشطط، وهو تمظهر ينم عن سلوك غير ديموقراطي، ويكشف عن ضيق بوسائل الإعلام التي لم يوافق نقلها للأحداث هوى المشاركين في حركة الاحتجاج. 

ما ربحه العسكر

من الواضح حركة الاطراد الواضحة بين إصرار الشارع ووسائل الممانعة عند العسكر، إذ نجح العسكر في تنفيذ خطة أمنية شرسة بدأت بإغلاق الجسور بين مدن العاصمة الثلاث، بمصاحبة انتشار أمني واسع، وتحركات استباقية تضمنت إخلاء منطقة التظاهرة ونصب الحواجز الأسمنتية والأسلاك الشائكة في مسارات حركة الاحتجاج.

صحيح أن المحتجين نجحوا في كسر الطوق الأمني هذه المرة، ولكن هناك توقعات بأن تكون تحركاتهم المقبلة أكثر صعوبة، كون العسكر سيعمدون إلى تعزيز القوات التي تحرس الجسور ولن تكون أعدادهم قليلة كما في الأمس، وسيرفعون من درجة التأهب لأقصى الحدود.

لا شك أن نجاح العسكر في فض جموع المحتجين الضخمة قبل تحول دعوات إعلان الاعتصام أمام القصر إلى واقع معيوش، سيكون له أثر كبير في أدائهم القمعي مستقبلاً.

ولكن يبقى المكسب الأهم بالنسبة للعسكريين في اختبارهم قدرات شرطة الاحتياطي المركزي في البطش، ما قد يكون سبباً في عدم خروج العناصر الرخوة لبقية التظاهرات، لا سيما في ظل الأحاديث المؤكدة عن مقتل أحد المتظاهرين بالرصاص الحي، وتسجيل مئات الإصابات وسط أحاديث غير مؤكدة عن تسجيل حالات اغتصاب بحق الفتيات.

باختصار، فإن بطاقة المكاسب الكبرى التي هي بيد العسكر تتعلق باللعب على ضرب القوى الثورية، وضرب الأسافين، وتنمية لغة التخوين بين كياناتها، وفي هذا الصدد تبرز حادثة محاولة الاعتداء أمس على وزير الصناعة في الحكومة المعزولة، إبراهيم الشيخ، من قبل بعض الشباب الرافض وجوده في قلب الحراك الاحتجاجي.

خسائر العسكر

معروف أن سلوك العسكر العدواني تجاه المحتجين، سيكون سبباً في تآكل شعبية سلطتهم التي يقولون بوجود عدد كبير من المساندين لها.

وما لم يجر العسكريون تحقيقاً بشأن إدعاءات النهب والاغتصاب الموجهة لهم، فإنهم في طريقهم إلى فقدان ما تبقى من ثقة الشارع بقدرتهم في القيام بمسؤولياتهم في حماية المواطنين.

وفي ظل بروز حالات تعاطف من قبل بعض العسكريين مع الحراك ضد القمع السلطوي، يتضح وجود إمكانية كبيرة –وإن في وقتٍ لاحق- لانحياز عدد من الضباط والجنود للصف الاحتجاجي، وهو أمر سيغير المعادلة بشكل تام.

ولن ينتهي جرد حساب خسائر العسكر دون الإشارة إلى حالات القمع الكبيرة التي يواجهها الصحافيون، إذ تعرض قرابة سبعة منهم للضرب والتنكيل، وهو أمر يؤثر سلباً على سلطة يقول رئيس وزرائها عبد الله حمدوك إنها تكفل حرية التعبير للجميع.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard