شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حاضر هشّ ومستقبل مجهول… قراءة في مستقبل السودان بعد انقلاب البرهان

حاضر هشّ ومستقبل مجهول… قراءة في مستقبل السودان بعد انقلاب البرهان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 26 أكتوبر 202110:08 م

بإعلان رئيس مجلس السيادة المحلول في السودان، الفريق عبد الفتاح البرهان، في بيان تلفزيوني، حل مجلسيَ السيادة والوزراء، وتفعيل حالة الطوارئ وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية، خلال الساعات التي تلت اعتقال السلطات الأمنيّة عدداً من المسؤولين المدنيين في الحكومة ومجلس السيادة الانتقالي على رأسهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

في غمرة هذه التحركات، تكون أحلام السودانيين وأشواقهم إلى حكومة مدنية ونظام ديمقراطي يعيشون في كنفه بحرية وكرامة قد أُجهضت للمرة الرابعة منذ استقلال بلادهم عن الاستعمار البريطاني، في كانون الثاني/ يناير 1956. وعليه، تُفتح صفحة جديدة من العلاقات المتوترة بين العسكر والمدنيين، وبين الشعب والحكم الاستبدادي، فماذا يا تُرى يُمكننا أن نقرأ على هذه الصفحة؟ ومن سيكتب عليها تاريخه؟ 

مُخطط له مُسبقاً

"لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً ليكتشف المُراقب للأوضاع الماثلة في السودان من هم داعمو انقلاب عبد الفتاح البرهان، وفي طليعتهم حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وزير المالية السابق، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي حاكم دارفور السابق، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي". هذا رأي الباحثة السياسية ريتا مدني، التي قالت لرصيف22 إن المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة بعد إطاحة البشير مباشرة وقبل توقيع الوثيقة الدستورية، وتكوين الحكومة الانتقالية التي انقلب عليها البرهان الإثنين 25 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، خطط في وقتٍ مُبكر لجلب الحركات المسلحة التي كانت تنشط في ميدان الحرب في إقليم دافور إلى جانبه، إذ هرع نائب رئيسه وقتذاك، الفريق حميدتي إلى تشاد في تموز/ يوليو 2019، أي بعد شهرين ونصف من إطاحة الرئيس المخلوع عمر البشير، وأدار تفاهمات مع وفدين لحركتي العدل والمساواة بقيادة طاهر فكي، نيابةً عن رئيسها جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان برئاسة قائدها مِنّي أركو مناوي، ومثّلت تلك اللقاءات التي جرت تحت رعاية الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، لاحقاً، النواة الصلبة في إقبال الحركتين على التوقيع على اتفاق جوبا للسلام في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة بعد إطاحة البشير مباشرة، وقبل توقيع الوثيقة الدستورية؛ خطط في وقتٍ مُبكر لجلب الحركات المسلحة التي كانت تنشط في ميدان الحرب في إقليم دافور إلى جانبه

ولفتت مدني إلى أنّ مجموعات أخرى بجانب الحركتين المشار إليهما شكلت مؤخراً ما يعرف الآن بـ"مجموعة الميثاق الوطني"، التي ضمت المجلس الأعلى لنظارات البجا الذي قاد الاحتجاجات في شرق السودان بقيادة محمد الأمين تِرك، الزعيم القبلي والقيادي في المؤتمر الوطني (حزب نظام عمر البشير)، ومجموعات قبلية وجهوية أخرى، وفلول النظام السابق من جماعة الإخوان المسلمين. ونفَّذت مجموعة الميثاق الوطني في 6 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري ما عُرِّف باعتصام القصر الداعم للانقلاب العسكري، وأعلنت عن فض الاعتصام ذاتياً بعد صدور بيان الانقلاب مباشرة. كما تولت نفس المجموعة، تحت حماية قيادة المكوّن العسكري، إغلاق ميناء بورتسودان أمام حركة الصادرات والواردات وقطع الطريق الرئيسة الرابطة بينه وبين العاصمة الخرطوم وبقية مدن السودان.

وطالب التوم هجو، وهو أحد قياديي المجموعة البارزين خلال مخاطبته اعتصام القصر، الجيش بإصدار البيان حتى يعود المعتصمون المؤيدون له أدراجهم، مُطلقاً شعاره الشهير " الليلة ما بنرجع حتى البيان يطلع"! 

مسلحون وزعماء قبائل 

وتستطرد ريتا مدني: "الناظر إلى مكونات المجموعة الداعمة للانقلاب التي يُرجّح توليها إدارة الجهاز التنفيذي والمشاركة في الحكومة التي أعلن البرهان عن اعتزامه تشكيلها في بيانه يوم الثلاثاء 26 تشرين الأول/ أكتوبر، يرى بوضوح طغيان المجموعات المسلحة والقبلية عليها. وهذا ما سيجعل الأمور شديدة التعقيد لدى حدوث خلافات واحتكاكات بين مكوناتها، وهو أمر وارد في ظل التناقضات الجوهرية التي تسِمها. فبين قوات الدعم وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان تاريخ طويل من الحرب وسفك الدماء، إذ قادت الأولى حرباً دموية ذات طابع قبلي ضد الحركتين في إقليم دارفور، منذ بدء التمرد في شباط/ فبراير 2003، وكانت قوات الدعم السريع تحمل اسم مليشيا الجنجويد، بقيادة زعيم  قبيلة المحاميد، موسى هلال، قبل أن تدمج  المليشيا في قوات حرس الحدود ثم تؤول قيادتها إلى حميدتي، في آب/ أغسطس 2013، تحت اسم قوات الدعم السريع، وهي قوة ذات نسق مليشيوي وقبلي متهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقاً لتقرير موثّق نشرته منظمة هيومن رايتس واتش  عام 2017، تحت عنوان 'رجال بلا رحمة'". 

وترى الباحثة أن هناك كذلك "خلافات وانقسامات كبيرة داخل القوات المسلحة بشأن طبيعة هذه القوات التي تتمتع باستقلالية تامة عن الجيش الرسمي، وقد طالب الكثير من ضباط الجيش الكبار بضرورة إدماجها في القوات المسلحة أو حلها، ولربما هذا ما أشار إليه رئيس الوزراء المعتقل عبد الله حمدوك في أكثر من مُناسبة".

"هذه الحاضنة السياسية للانقلاب، بهذه الصيغة المُسلّحة والقبليّة، وبكل هذه التناقضات التي تحملها، تُعتبر قُنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة"

هذه الحاضنة السياسية للانقلاب بهذه الصيغة المُسلّحة والقبليّة وبكل هذه التناقضات التي تحملها، تُعتبر، وفقاً لمدني، قُنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة انفجاراً - إنْ حدث-  "سيحرق السودان كله"، كونه يستدعي سلاحي العنف والعنصرية القبلية والجهويّة، ما قد يفضي إلى حرب أهلية شاملة "تؤدي إلى تفكيك السودان إلى كنتونات هشّة صغيرة ذات طابع قبلي، أكثر مما هي دويلات سياسية حديثة". فضلاً عن المقاومة الشعبية القوية التي بدأت معالمها تظهر جليةً حتى قبل إذاعة البرهان بيانه الانقلابي.  ومن المُرجّح أن يستمر الشارع السوداني في مقاومة الانقلاب عبر عدة وسائل، منها التظاهرات اليومية وإغلاق الشوارع الرئيسية في العاصمة والمدن الكبرى والإضراب عن العمل، والاعتصامات، والعصيان المدني الكامل، "الأمر الذي سيضعف قدرة الانقلابين على تسيير دولاب عمل الدولة، مما يعجّل بخلق واقع جديد بمعادلات سياسية مختلفة" بحسب الباحثة ريتا مدني. 

 مُغامرة خطيرة 

بالنسبة للمحلل السياسي المتابع للشأن السوداني، حسن طويل، فإنّ انقلاب عبد الفتاح البرهان مُغامرة من المكون العسكري الذي لم يتحسّب لنتائجها جيداً، وبدا الأمر وكأنه خطوة استباقية لانتهاء أجل رئاسة المُكوّن العسكري في مجلس السيادة، بما يعني عودة العسكريين إلى ثكناتهم ووظائفهم الطبيعية، وإفساح المجال السياسي للأحزاب المدنية، وهذا ما نصت عليه الوثيقة الدستورية المُجهضة.

الحركات المسلحة التي أوقفت عملياتها العسكرية عقب انهيار نظام البشير دعماً للتحول الديمقراطي، أعلنت رفضها الانقلاب الأخير. ويرجح أن تتنصل وفقاً لذلك من تعهداتها بوقف إطلاق النار، كونها مرتبطة بالتحول الديمقراطي السلمي ورفض الأنظمة العسكرية

يضيف طويل مُتحدثاً إلى رصيف22: "وضع الانقلاب الدولة السودانية في خطر داهم إذ حدث في ظروف استثنائية لم تكن موجودة خلال كل الحِقب التي حدثت فيها الانقلابات الناجحة السابقة كانقلاب إبراهيم عبود 1958، وانقلاب جعفر نُميري 1969، وانقلاب عمر البشير 1989. حتى خلال الانقلابات الكثيرة التي باءت بالفشل، عندما كان للسودان جيش واحد موحد يحتكر القوة والسلاح، لكن الآن توجد بالخرطوم وحدها عدة جيوش، مثل قوات الدعم السريع وقوات حركة العدل والمساواة وقوات حركة تحرير السودان وجناح مني أركو مناوي وقوات الحركة الشعبيّة لتحرير السودان جناح مالك عقار وقوات حركة الطريق الثالث 'تمازُج'، فضلاً عن الحركات المسلحة التي ما تزال متمردة، وإن كانت قد أوقفت عملياتها العسكرية عقب انهيار نظام البشير دعماً للتحول الديمقراطي، وأهمها الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو الناشطة في إقليم جنوب كردفان وجبال النوبة، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور التي تدير عملياتها في إقليم دافور غربي السودان. وقد أعلنتا رفضهما الانقلاب الأخير ودعتا إلى مقاومته، ويرجح أن تتنصلا وفقاً لذلك من تعهداتهما بوقف اطلاق النار المرتبطة بالتحول الديمقراطي السلمي ورفض الأنظمة العسكرية، وهذا ينذر بخطر وشيك، إذ ستضطر حكومة الانقلاب إلى خوض معارك في عدة جبهات، ما سيزيدها ضعفاً، ويفاقم الأزمة الاقتصادية المستفحلة والمرشحة لبلوغ معدلات غير مسبوقة خاصة بعد أن أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، الاثنين، أن الولايات المتحدة ستوقف مؤقتاً مساعدات بقيمة 700 مليون دولار أمريكي لفائدة السودان، بعدما أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان حل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ في البلاد، ما يشي بإمكانية إعادة السودان إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب وفرض حظر اقتصادي دولي عليه، كما كان الأمر مع نظام المخلوع عمر البشير".

ويستنتج الطويل أن حكومة الانقلاب المنتظرة "تحمل بذور فنائها في ذاتها"، إذ ستصبح عاجزة عن أداء أبسط واجباتها.

إلا أنه يعتقد أن الانقلابيين لا تزال أمامها فرصة "لتصحيح خطوتها المجنونة" على حد تعبيره، بدءاً من إطلاق سراح رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وطاقمه والعودة إلى العمل وفقاً للوثيقة الدستورية، ودعوة قوى إعلان الحرية والتغيير إلى تسوية جديدة. "وإن كنت أُرجح أنها لن تقبل بأقل من عودة العسكر أدراجهم إلى ثكناتهم. وأن القوى المدنية تفضّل خيار المقاومة على العودة إلى تسوية جديدة مع العسكريين. وهذا يعني انسداد تام لأفق الحوار بين الخصمين، وأن المعركة بينهما أصبحت صفرية، وهذا ما يجعلني أخشى كثيراً على أن القادم أسوأ بكثير مما يتصور عبد الفتاح البرهان وفريقه وداعموه. فقد ينهار السقف على رؤوس الجميع، وهذا هو السيناريو المُرجّح".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard