بعض الأفراد يقررون أن "يخلقوا" ويخرجوا إلى الحياة من جديد، بحسب الهوية الجنسية والجندرية التي تناسبهم، يخوضون صراعات لا نعلم عنها شيئاً، أو يبحثون عن الحب في كيان آخر. لكن هؤلاء وفي غمار رحلتهم يواجهون العديد من التحديات والمصاعب التي قد تؤدي إلى القتل أو التعذيب.
خوف ووحدة وقهر نفسي وإقصاء ونبذ، وربما تحريض على القتل، وغيرها من التحديات النفسية والاجتماعية يواجهها العديد من الأفراد من مجتمع الميم-عين LGBTQ+ وإثر ذلك، استطاع فنانون/ات من دول عربية مختلفة أن يعبّروا عن هذه المسائل الشائكة، في سياق ما يُسمّى بالفن الكويري، أي الفن الذي ينقل تجارب وحكايات هذا المجتمع.
تحدث موقع رصيف22 مع فنانين/ات من مصر ولبنان والمغرب، بغية الغوص أكثر في عالم الفن الكويري، وكيف يساهم في التعبير عن هويات وأطياف مجتمع الميم-عين.
نور والفن الكويري المصري
في مصر، هناك حركة محدودة للفن الكويري، بحيث يتم عرض المسرحيات مثلاً في مجتمع مغلق فقط على أفراد مجتمع الميم-عين، أما الفن التشكيلي والسريالي وغيرهما من فنون الرسم، فيُقدم ضمن منصات تخدم أفراد هذا المجتمع.
نور جندي، رسامة مصرية متخرجة من كلية الفنون الجميلة، لا تزال في مرحلة العبور الجسدي الذي لم يكتمل نهائياً حتى الآن، بسبب تكلفة إجراء الجراحة (100 ألف جنيه تقريباً أي ما يعادل 6362 دولار).
خوف ووحدة وقهر نفسي وربما تحريض على القتل، وغيرها من التحديات النفسية والاجتماعية يواجهها العديد من الأفراد من مجتمع الميم-عين، إثر ذلك استطاع فنانون/ات من دول عربية مختلفة أن يعبّروا عن هذه المسائل الشائكة، في سياق ما يُسمّى بالفن الكويري
استطاعت جندي من خلال رسوماتها أن تعبّر عن صراعات عديدة تخوضها العابرات جنسياً في مصر والشرق الأوسط، واكتسبت سمعة طيبة في المجتمع الكويري العربي، فبعض رسوماتها تُستخدم في أعمال فنية وكتابية من إنتاج مجتمع الميم-عين في مصر، مثل موقع "ترانسات" ومبادرة "برة السور".
"بقابل حالياً انتقادات بسبب شعري الطويل نسبياً، لم أتعايش كأنثى كاملة بعد، هناك تغييرات في جسمي لكنها ليست ملفتة حتى الآن"، تقول الرسامة العابرة نور الجندي.
تتخوف نور (40 عاماً) مما سيحدث لها بعد العبور الكامل، فبحسب وجهة نظرها أن الشارع المصري لا يرحم النساء: "خائفة أكون أنثى، الستات تُظلم جداً في مجتمعنا وتحتاج مجهود أضعاف الرجل لتنجح".
خلال هذه الفترة تعيش نور صراعاً كبيراً نفسياً واجتماعياً لجهة محاولة العيش والتصرف كرجل وقد عبّرت عن ذلك من خلال رسوماتها، كتلك التي نُشرت مع مقال للناشطة العابرة جندرياً، ملك الكاشف، تحت عنوان: "الصدرية الأصغر مقاساً"، وفيها يظهر شخص غير محدد الهوية.
وقد أرادت نور، من خلال رسمتها أن تتحدث عن "تشكيك الآخرين وفضولهم بخصوص الهوية وماذا يوجد تحت الملابس. الصورة لشخص يظهر فيها رجل بملامح أنثوية في مشاعر مختلطة ومتضاربة"، على حدّ قولها.
في الرسمة الثانية، تعبّر نور عن موقف حدث مع الناشطة الكويرية مهى محمد، وهي مؤسسة موقع "ترانسات"، عندما كانت تزور لبنان.
وفي تدوينة بعنوان "امرأة الغرف 811"، تسرد مهى تواجدها في فندق في بيروت، حيث كانت المرأة المسؤولة عن خدمة الغرف تنظر لها بتساؤل: "ما هي هويتك؟ هل أنت رجل أم امرأة أم شخص ثالث بينهما؟".
وفي ثالث رسوماتها تأخذنا الجندي في أحد مراحل الاعتراف بالهوية الحقيقية، حيث يظهر شخص بملامح ذكورية وشعر قصير، لكنه يضع أحمد شفاه وحمرة خدود.
وتعليقاً على هذه الرسمة التي تعبّر عن تجربتها الشخصية، تقول نور: "كنت في مرحلة مبكرة من إنكار العبور، إنكار إني ترانس، أخذت مني مجهود أكثر من اللازم".
ما في تلك الفترة، كانت الحياة الاجتماعية بالنسبة لنور الجندي تتسم بالعزلة الاجتماعية المستمرة لحدّ الآن، منوهة بأن أصعب ما يقابله مجتمع الفنانين الكوير هو التعبير عن الذات.
صوفي والفن الكويري المغربي
في المغرب تنشط حركة فنية كويرية من نوع خاص، تتحدى الأنماط السائدة التي تعاقب أفراد مجتمع الميم-عين.
قبل نحو عامين، وقبل انتشار الموجة الأولى لفيروس كورونا، ولمواجهة الترانسفوبيا والهوموفوبيا وغيرها من حالات الرفض والكراهية والعنصرية ضد مجتمع الميم-عين في المغرب والتي يرعاها القانون المغربي، صدرت أغنية بعنوان "489"، تكسر الصور والأنماط التقليدية الموسيقية والاجتماعية من أجل التنديد بعدة قوانين تحرّض على كراهية مجتمع الميم-عين في المغرب والشرق الأوسط.
الأغنية التي انطلقت بحملة "الحب ليس جريمة"، طالبت بالتوقيع على بيان يطالب بإسقاط القانون 489 الذي يجرّم العلاقات الجنسية بين الأفراد الكوير.
واللافت أن الأغنية من إنتاج "سقف"، وهي مجموعة مغربية كويرية تُعنى بالفن الكويري النسوي عبر وسائل عدة، من بينها الغناء والتصاميم الفنية.
تحدث رصيف22 مع صوفي خالي، مؤسسة المجموعة والتي عرّفت نفسها أنها شابة عابرة جنسياً و"أرتيفست" artivist، أي ناشطة فنية تستخدم الفن لإيصال رسالة مجتمعية، كما أنها nonbinary أي أنها من غير المنتمين للثنائية الجندرية التقليدية (ذكر وأنثى).
كشفت صوفي (22 عاماً) أنها تتعرض لمشاكل عدّة مع المجتمع بما في ذلك، الكراهية والعنف والإقصاء والتمييز وخطر التعرض للتشرد وخطر العيش بدون عائلة وعدم احترام هويتها، ومشاكل أخرى تتمثل في ديسفوريا الجندر الذي تتعايش معه منذ الطفولة.
هذه المشاكل عبّرت عنها خالي في أغنيتها "489" التي بدأت بكلمات "الحجرة، التمييز، الكراهية، القتل، الوقت مقودة وشي كا يحجر علاشي"، أغنية تستخدم لهجة مغاربية جريئة في وصف ما يتعرض له أفراد مجتمع الميم-عين.
وأتت الأغنية على ذكر بعض القوانين التمييزية (489، 230، 338، 407) نسبة لكل من القوانين في المغرب وتونس والجزائر وليبيا، وهي مواد تجرّم الأفعال الجنسية بين الكوير ويعاقب عليها القانون بالسجن مع غرامة مالية وفق كل بلد.
وعن الأغنية، قالت صوفي: "عبر فني، أطمح للدفاع عن حقوقنا المشروعة والتشجيع على الاختلاف والتصريح بهويتي علناً كترانس نونباينري".
صوفي والتي تمارس فن الهيب-هوب، هي عضو بفرقة موسيقية كويرية نسوية للفن التراثي المغربي (العيطة، اللعابات، التراث) لم يسعفها الحظ لنشر أكثر من عمل فني بسبب جائحة كوفيد 19، ولم تتمكن سوى من المشاركة بحفلة واحدة كانت خاصة بفنانات الراب الكوير والنساء، قبل أسبوع واحد من فرض الحجر الصحي بالمغرب.
أكدت صوفي أن الفن الكويري النسوي المغربي هو فن يمثل أفراد الكوير ويدافع عن حقوقهم الشرعية ووجودهم ويرفع أصواتهم عالياً ليخلق فارقاً في الجانبين القانوني والمجتمعي، كما يدافع عن حقوق النساء، مشيرة إلى أن المجتمع الكويري المغربي يتميز بمهاراته الفنية المتميزة وبذكاء فني عالي.
وقد تمكنت خالي من تكوين تلك الفكرة من خلال لقاءات عدة لمحت خلالها مواهب هؤلاء الأفراد في الرقص والغناء والاستعراض والأداء المسرحي والرسم، مع العلم بأن بعضهم/نّ يعمل سراً في الساحة الفنية المغربية.
بحسب صوفي، يتعرض مجتمع الميم-عين في المغرب لانتهاكات عديدة تتمثل في القوانين التمييزية مثل قانون 489 الذي يشجع المجتمع على ممارسة الكراهية والعنف والترهيب ضد أفراد مجتمع الميم-عين علناً، إضافة إلى أنه في حال تعرض هؤلاء الأشخاص للسرقة أو العنف أو تم منعهم من دخول فضاء عام أو طردتهم الأسرة فلا يمكنهم التبليغ أو تقديم شكوى، بسبب هويتهم الجنسية والجندرية.
الفن الكويري اللبناني
يحتضن لبنان عدة منظمات وجمعيات داعمة لمجتمع الميم-عين، من بينها جمعية "Haven for artists"، تحاورنا مع أحد أعضائها: "ملوخية الفيل" الذين يفضلون أن نخاطبهم بصيغة الجمع "هُم"، وهم فنانون غير ثنائيي الجندر، استخدموا فنهم للتعبير عن مجتمع الميم-عين ودعمهم، ليس في لبنان فقط وإنما في الشرق الأوسط عموماً.
"ملوخية الفيل" (27 عاماً)، اختاروا أن يظهروا في ملابس رجالية ليظلوا بأمان، رغم أنهم يفضلون في بعض الأحيان الملابس النسائية والملونة: "قد نرتدي ملابس نسائية لنعبر عن الجانب الأنثوي فينا".
العديد من القطع الفنية لـ"ملوخية الفيل"، يظهر فيها رجال في ملابس معيّنة كجزء من العمل الاستعراضي: "أرسم الدراغ لأنهم يخرقون ثنائية النمطية الأسود والأبيض، وبين ما ينبغي للرجل أن يلبس أو لا يلبس وكيف يتصرف، كما أنهم يعيشون حياة غير تقليدية".
تحوّل الفن إلى مرآة تنقل أوجاع المجتمع الكويري الذي بات أفراده يستخدمون الفنون على أنواعها لتوصيل رسالة للمجتمع كله مفادها: "نحن هنا"
"ملوخية الفيل" يدعمون شخصيات شهيرة من مجتمع الميم-عين، مثل الراحلة سارة حجازي ومهى المطيري، ورسموا بفنهم شخصيات "دراغ" مثل صوفي غارسون.
ملوخية يعتبرون أنفسهم أحد الناشطين الفنيين artivist في لبنان والذين بدأوا نشاطهم حينما أصبحوا جزءاً من مجتمع الدراغ، عندما شعروا بضرورة توظيف فنهم ليكون له قيمة أكثر، وعلى مدار سنوات رسموا خلالهم أفراد دراغ من داخل لبنان وخارجها.
ماذا عن الفن الكويري في تونس؟
بدورها، تحتضن تونس مهرجان "موجودين" الذي يعقد سنوياً منذ العام 2018، هو أول مهرجان عربي للأفلام الكويرية وتنظّمه جمعية "موجودين".
هذا المهرجان يذكّر العالم بقضايا الجندر من خلال السينما، العروض والنقاشات واللقاءات، بين أعمال وثائقية وروائية طويلة وقصيرة، هذا وتأتي الأفلام من جميع أنحاء العالم تقريباً.
يذكر أن جمعية "موجودين" هي جمعية ناشطة منذ 2014 تعمل على تحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد والدفاع عن حقوق الإنسان والحقوق الجسدية والجنسية خاصة أفراد مجتمع الميم-عين والمجموعات المهمشة.
إذن، المسرح، الغناء، الرسم، الرقص وغيرها من الفنون، استخدمت لتقريب وجهات النظر بين أفراد مجتمع الميم-عين وسائر أفراد المجتمع، وقياساً على ذلك، تحوّل الفن إلى مرآة تنقل أوجاع المجتمع الكويري الذي بات أفراده يستخدمون الفنون على أنواعها لتوصيل رسالة للمجتمع كله مفادها: "نحن هنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.