شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الله وجدّي وحسرة

الله وجدّي وحسرة "فاطمة"… فانتازيا الميراث الملعونة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 12 ديسمبر 202109:36 ص

كأنه كان ينتظر موت والده، ليرث أمواله الكثيرة التي بخل بها عليه، ورفض أن ينفق على تعليمه، وبدلاً من أن يلتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، يستكمل دراسته في معهد ثم يزاول مهنة التعليم، في إقليم بعيد عن القاهرة، التي تراءت مقاهيها في مخيلته كسوق عكاظ في العصر البدوي الأول، أدباً وشعراً وسياسة.

لا! لم يكن ينتظر موت والده، كان ينتظر معرفة السر الأكبر المخبأ في دولابه، هذا المكان المهيب الذي يخبئ الأب فيه أزياءه الفخمة، وكتب الدين والتاريخ، والأهم أمواله، إنه "الكنز المرصود".

"أموال والدي عُصارة جوعي"

في مذكراته "أوائل زيارات الدهشة: هوامش التكوين" كتب الشاعر الحداثي محمد عفيفي مطر عن "الكنز المرصود": "كان أشد ما يثير حفيظتي الموتورة الكارهة، أنني أسمع شائعات في القرية حول امتلاك أبي لرصيد ضخم من المال في البنك أو في دفتر التوفير".

"وكنت أقول لنفسي: هذه الأموال هي عصارة جوعي ورثاثة أحوالي وهمجية القسوة وانتهاك الآدمية".

وقف الشاعر مطر ومعه بقية الورثة أمام دولاب والده، "مكمن السحر والسر"، وبعد تفاصيل عثروا على دفتر التوفير ليجد المحصلة صفراً.

أبي فقير وليس غنياً كما أحب أن يشاع عنه.

فوجىء مطر بيوميات أبيه "مذكرات اليتيم"، ليكتشف حياة مؤلمة، وشاقة، ومناضلة لوالده، ففهم قسوته عليه، ومنعه من التعليم، مما أيقظ لديه إحساساً آخر أكثر مرارة.

يقول عفيفي مطر: "أنا اليتيم، الضائع بين أيتام الأمة الباحثين عن أبوة جماعية، ترد عنهم يتم الهزائم، والضياع بين الأمم".

عبّر هذا الشاعر بقدرة سردية عجيبة عن منطقة حسّاسة في مجتمعنا، لطالما دارت حولها النقاشات، واضطرب الأبناء "المحدودو الدخل" في مشاعرهم حيال آبائهم، الأثرياء منهم والفقراء.

الحزن والجشع

كتب الطبيبان غاري برنارد وكالمان غلانتر مقالاً عن مشاعر الورثة بعنوان مُعبّر: "رقصة الموت والميراث".

الموت بالنسبة لهما يأتي برفيقة مغوية، اسمها الميراث، تشوش الاستجابة العاطفية لشريكها الحزين.

الأحياء يجتمعون حداداً على الميت، الأحياء يجدون أنفسهم أحياناً مشغولي البال حيال هذه الرفيقة "الميراث"، بدلاً من الحزن.

ويتخيل الكاتبان مونولغاً داخل الورثة، خاصة إذا كان الميت غنياً: "كانت امرأة رائعة، سأفتقدها بشدة، آه يمكنني الآن استخدام مالها، نحن محظوظون لأنها كانت ناجحة، هل ثمة شيء خاطىء، هل أنا سيىء لأني أشعر بهذه الطريقة".

ويخلص الباحثان إلى أن تجاور شعوري الخسارة والمكسب يخلق مزيداً من الأفكار والمشاعر كالشعور بالذنب والجشع والعار والترقب والخوف... إنها حزمة لم يجهزنا التطور للتعامل معها.

ولكن عفيفي شاعري، خيالي أحياناً، ليس مثل صديقتي إسراء (38 عاماً)، اسم مستعار، فهي عملية أكثر، وكان يتجاور مع مشاعر الحزن لديها إحباط وخيبة أمل أخرى، فوالدها لم يترك لها شيئاً ذا بال.

ترفض صديقتي أن تكون أماً، فهي ترى أن الأمومة، لمن أرادت أن تستمتع بغريزتها تلك، ترغم صاحبتها على أن تضحي ببعض لذّاتها الشخصية من أجل الأبناء.

سألتها بغضب: هل من المفروض على الآباء أن يمسخوا حياتهم الفردية ليكونوا مجرد آباء؟ أليس من حقهم الاستمتاع بحياتهم الفردية، وواجبهم ينتهي بتأهيل أبنائهم لسوق العمل، وعلى الأبناء تحمل المسؤولية وحدهم؟

وبعد أن أنهيت الحديث، تساءلت: هل صديقتي تبالغ في تحميل الأب كل هذه المسؤولية؟

طريقك للنخبوية

وأنا أبحر بين الكتب والمقالات، التي تتحدث عن تأثير الميراث الفعلي في حياة المصريين، وتحديد مستقبلهم، لفت نظري الباحث خالد كاظم أبو دوح، في كتابه "النخب الاجتماعية في مصر"، الذي يشير فيه إلى أن الوراثة من استراتيجيات تحقيق النخبوية في مصر. يكتب: "يمكن التمييز ما بين اتجاهين متباينين، فيما يتصل بالوراثة كإستراتيجية ساهمت في تحقيق المكانة الاقتصادية، الأول هو قبول الميراث، والثاني رفضه".

من قبل بالميراث قام بتطوير النشاط التجاري للأب، مثل الحالة التي عرضها أبو دوح، كانت استثمارات العائلة تقتصر على أنشطة، قام الابن بالتوسع فيها لتشمل مجالات اقتصادية أخرى.

تقول الحالة رقم 3 في الدراسة: "محدش فينا بيقدر ياخد أي قرار كان، في أي مجال من استثماراتنا إلا بعد ما كان يرجع للحاج... كان حريص على إن كل واحد من عياله يتخصص في مجال معين... احنا ضفنا مجالات تانية، زي المدرسة الخاصة اللي احنا حنفتحها قريب".

بعض الحالات قامت ببيع الميراث، وأسست لتجارة تخصها، مثل العقارات، أما بالنسبة للأهل الفقراء، فجنح الأبناء الذين دخلوا عالم النخبة إلى الاستثمار المهني، أو السفر إلى الخليج،

وتلفت النظر تصريحات الحالة رقم "1"، إذ أكد صاحبها على أنه ورث من الوالد المبادئ وليس المال. قدم استقالته، وعمل في حرفة التصوير بسبب كلمات والده: "المهنة أو الحرفة في اليد أمان من الفقر".

الآن، بدأت أميل إلى رأي صديقتي، ولكن بدأ السؤال يكبر أكثر فأكثر: هل للميراث كل هذا التأثير في حياة الأبناء المادية والاجتماعية؟  وهل للميراث تأثير آخر على الإرث أو الأخلاقيات المتوارثة المرتبطة بالعائلة؟ ربما علينا الذهاب إلى السينما والأدب أكثر لاستكشاف الإجابات المحتملة، والممكنة.

العار والرب

تم تناول فكرة "الميراث" كتيمة رئيسية في أعمال روائية وسينمائية، أبرزها فيلم "العار".

الفيلم مستوحى من قصة ليوسف إدريس، ويدور حول أسرة الحاج عبد التواب، التي تتبوأ مكانة اجتماعية كبرى، وأخلاقيات وضمير يمثلهما شكري أو حسين فهمي وعادل أو محمود عبد العزيز، الأول رئيس نيابة والثاني طبيب أعصاب.

يعرف الجميع بعد وفاته أن أباهم كان يتاجر في المخدرات، وبسبب تجارته تلك حازوا المكانة الاجتماعية المرموقة، يرفض رئيس النيابة تلك السردية، التي حكاها الأخ الأكبر كمال أو نور الشريف.

وهنا يبرز السؤال: هل نضحي بالملكية/الميراث (وما تتبعها من مكانة اجتماعية مرموقة) من أجل أخلاقنا ومبادئنا؟

أصبح الأخوان المحترمان في الفيلم مثل أبيهما، تاجري مخدرات، وليس ذلك فقط جن أحدهما، وانتحر الآخر حين عرفا أن البضاعة التي خزناها في البحر "باظت"، وضاع الميراث.

أما نجيب محفوظ فقد استغل بذكاء الحالة بين الأب الثري وأبنائه في أكثر من رواية، مثل الثلاثية إذ تحضر شخصية سي السيد المهيبة، وفي "قلب الليل" إذ يحضر شخص جعفر المحروم من ميراث الجد الغني المتدين.

الجبلاوي "الله" صاحب البيت الكبير أو الوقف، يصطفي من أبنائه أدهم ليدير له الوقف، ويعترض عباس ورضوان وجليل "الملائكة" على هذا الأمر، ولكن إدريس أو إبليس يرفض، إنها صورة حية تساءل القصة الأصلية في التوراة والقرآن بلغة مصرية بشرية 

كان أول صديق لي في القاهرة، يمتلك محل حلاقة بسيطاً في السيدة زينب، وهو حفيد لجد ثري، ظل عشر سنوات مستغرقاً في التفكير بشأن التركة التي كانت ستكون من نصيبه، لو لم يكتبها جده الثري للأوقاف.

لا أعرف إن كانت الكهرباء الزائدة التي يعاني منها صديقي الحلاق ناجمة عن إحساسه بالغبن، ولكن ما أعرفه أن تفكيره في ميراث جده، ومن المستبعد تماماً الحصول على فلس منه وفقاً لمحامي صديق مشترك، جعله عصابياً، وخلق لديه أحلام يقظة.

معظم من تحدثت معهم عن الميراث، كان واضحاً تأثير هذا الموقف على سلوكياتهم بالسلب أو بالإيجاب، خاصة المحرومين من الميراث، كأن فيهم لعنة، مثل أحد أقاربي الذي طرده والده من "بيت العيلة" بسبب إصراره على الزواج من امرأة لا يريدها، وهو الآن حتى بعد اقترابه من عمر الستين عاماً، لم يفعل شيئاً في حياته يعزز تمرده، ويشعره أنه ذو قيمة برغم مظلوميته.

بالنسبة لي، تلك الشخصيات المحرومة من الميراث مثل صديقي هذا، أشعر وكأنها طالعة من رواية "قلب الليل"، التي استغل فيها نجيب محفوظ حالة الملكية والميراث وتأثيرهما على شخصية المصري إلى مدى بعيد، فالجد الذي يبدو حكيماً، وروحانياً، ومستبداً، والحفيد الذي يتمرد على جده، يريد أن يختار هو لا أن يُملى عليه، حتى لو اختار خطأً.

الغريب في معالجة محفوظ، أنك تشعر أن الجد حكيم في معرفته لحفيده وقدراته المحدودة، وتشعر بأن تمرد البطل جعفر هو من النوع المأسوي، إذ يريد الكثير ولكنه غير مؤهل له.

ونشعر بانعدام توازن شخصيته، بحسب السرد الخطي لأحداث الرواية في فيلم أخرجه عاطف الطيب وبطولة نور الشريف، منذ أن ترك بيت جده الكبير.

يمارس آباء مصريون تسلطهم خاصة إن كانوا يحظون بالعلم والثروة، ويصبح من الصعب على الأبناء والأحفاد التحرر من "لعنته" إذا ما قرر طردهم من جنته، وهو ما حصل مع جعفر، وكأن لعنة إلهية أصابته، ليقتل ويدخل السجن في النهاية.

أو ليصاب بلوثة في عقله كما حدث مع صديقي.

لم يكتف محفوظ بهذا المدى، فقد استفز المقدسات في معالجة هذه التيمة القصصية، وكادت تودي به إلى الموت في رواية "أولاد حارتنا".

لقد جسد محفوظ الأفكار العقدية الدينية بلغة يفهمها المصريون، لأنها قريبة من يومياتهم، وغير بعيدة عن خيالاتهم وفانتازياهم.

الجبلاوي "الله" صاحب البيت الكبير أو الوقف، يصطفي من أبنائه أدهم ليدير له الوقف، ويعترض عباس ورضوان وجليل "الملائكة" على هذا الأمر، ولكن إدريس أو إبليس يعارض ويرفض ما يعتبره "الهوان".

ظلم الجبلاوي لإدريس، اصطفاء أدهم، طرده لأبنائه من "جنته" بسبب اختياراتهم الضالة، إنها صورة حية تساءل القصة الأصلية في التوراة والقرآن بلغة مصرية بشرية.

الله هو الوارث

فهم نجيب محفوظ للملكية/ الميراث في تلك الروايات يقترب من النمط الديني اليهودي والإسلامي، كما سنوضح لاحقاً، فالملكية الكبرى هي ملكية مادية وروحانية في رواية "أولاد حارتنا" وفي واقعنا العربي وتاريخنا الإسلامي.

هل سمعتم عن مظلومية فاطمة، إن لم تسمع عنها فقد حرمها أبو بكر من ميراث محمد، أبيها الرسول، إذا سمعت عنها وكنت مسلماً سنياً، فستميل إلى رواية تقول أن أبا بكر وضح لها أن الرسول حدث بأن الأنبياء لا يورثون، فرضيت وقنعت، وإن كنت مسلماً شيعياً فستميل إلى رواية أخرى تقول إنها لم ترض ولم تقنع، وإن أبا بكر استولى على أملاك محمد.

جاء في قصص الأنبياء لابن كثير حديث "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"، "لا نورث ما تركنا فهو صدقة"، والعلة بحسب ابن كثير أن الدنيا كانت أهون عليهم وأحقر عندهم من ذلك، كما هي عند الذي أرسلهم واصطفاهم وفضلهم.

هل من المفروض على الآباء أن يمسخوا حياتهم الفردية ليكونوا مجرد آباء؟ أليس من حقهم الاستمتاع بحياتهم الفردية وعلى الأبناء تحمل المسؤولية وحدهم؟ تقول صديقتي: "لا! عليهم أن يُضحّوا"

ولكن يجادل الشيعة، أنه حديث موضوع من قبل السنة، فالجدال الصاخب في أحقية ملكية/ ميراث فاطمة له بعد سياسي، فمعنى أن ترث فاطمة، يعني أن روح النبوة وتقاليدها سترثها سياسياً ودينياً عائلات نسل محمد أو "آل البيت".

لعبت أيضاً الملكية/ الميراث دوراً في اللاوعي الجمعي للعرب والمسلمين، فالله الذي يوصف بمالك الملك، والوارث، وهو الذي يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك عمّن يشاء، وهو الذي يرث الأرض ومن عليها... غذت كل تلك المفردات المقدسة خيال الخلفاء الظالمين المستبدين إلى مدى بعيد، في الشعور بأناهم المتضخمة، وفي الترويج لـ"ملكهم العضوض".

قرأت في الصبا حكاية لم أنسها عن الحجاج بن يوسف الثقفي، القائد العسكري الذي وحّد أرض المسلمين تحت الراية الأموية، يحاجج فقهاء بأن الخلفاء أفضل من الأنبياء عند الله، والحجة: أيهما أفضل من يأتمنه الله على رسالته أم على ملكه؟

ولا يزال الكثير من المتأثرين بالروحانيات الإبراهيمية يعزون فشلهم في الملكية، أو حتى في وظيفة أو دراسة، إلى عدم التزامهم الديني، وكذلك انتكاساتهم السياسية والاقتصادية إلى بعدهم عن الله، أو كما روج الإخوان في زمن حكم مبارك: "لن يزول الغلاء حتى تتحجب النساء".

وباسم ملكية/ميراث الرب أيضاً، جردت عصابة من اليهود فلسطينيين من أملاكهم، فهل أصابتهم اللعنة التي أصابت أدهم وجعفر في روايات نجيب محفوظ، أو ما أصاب صديقي؟

الوطن والملكية

للملكية المقدسة تأثيرها السياسي السحري. ترى عصبة من اليهود أن لهم "حقوق ورثوها من شعوب سامية من الشرق الأوسط القديم"، وأن "الكتاب المقدس هو ما يعطينا الحق في الاستيلاء على فلسطين" بحسب بن غوريون.

نقرأ في "الكتاب المقدس": "ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو في ما بين النهرين قبلما سكن في حاران، وقال له: اخرج من أرضك ومن عشيرتك وهلم إلى الأرض التي يعد... ولم يعطه فيها ميراثاً ولا وطأة قدم، ولكن وعد أن يعطيها ملكاً له ولنسله من بعده".

وربطُ الخير بالملكية ظاهر في التوراة، كما في القرآن، نقرأ: "والأرض لا تباع بتة لأن لي الأرض وأنتم غرباء ونزلاء عندي"، "إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض، وإن أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف"، كما في القرآن "الأرض يرثها عبادي الصالحون".

ونقرأ تلك الجمل التي تصف شعور الجيل الأول الإسرائيلي، في كتاب "دولة الإرهاب": "تغدو المخلفات القديمة جزءاً من تاريخ الدولة، ويزور القادة الإسرائيليون هذه المواقع، ويتحدثون كأن هذه الحجارة توقظ فيهم ذكرى بعيدة، ونوعاً من المعرفة الكامنة، كتلك التي يحس بها من يعود إلى بيت طفولته وهو يزيل بيوت العنكبوت عن ألبوم صور من العائلة الباهتة".

على النقيض من ذلك، اختبر فلسطينيون نزع ملكيتهم/ ميراثهم الشخصية باسم المقدس، وكأن المقدس الأسطوري له حضور واقعي طاغ على البعد العاطفي والروحاني للملكية الشخصية، إلى الدرجة التي يكره فيها البعض البعد الأسطوري والعقائدي الذي ضيع على الفلسطينيين حياتهم، وأفسدها، كما وصفت رواية "كأنها نائمة" لإلياس خوري.

أبدع الروائي الفلسطيني غسان كنفاني في رواية "عائد إلى حيفا" نسج شخصيتي سعد وزوجته صفية، اللذين تركا بيتهما قسراً في حيفا على وقع الرصاص.

ظل سعيد يسأل نفسه طوال الرواية: ما يعني الوطن؟ في البداية ظنه ممتلكاته الشخصية ببعدها العاطفي المتمثل في الذكريات، وابنه الذي تركه رضيعاً.

يسأل سعيد مستوطنة احتلت منزلهما: "هل تعرفين من نحن؟"، فتجيب: "أنتما أصحاب هذا البيت"، استدلت على ذلك بتلك العلاقة الحميمية بينهما وبين البيت، من نظراتهما ووقفتهما.

واستلهم فيلم "ملح هذا البحر" أيضاً تلك الحالة من ضياع الميراث، عندما سألت بطلة الفيلم عن أموال جدها، ورفض البنك منحها إياها، ورفضت الإسرائيلية الاعتراف لها بملكيتها البيت بنبرة تشبه نبرة إسرائيلية "عائد إلى حيفا".

هنا لا تبحث الفلسطينية عن أموال جدها فقط، ولكنها تدافع أيضاً عن الأرض، والتقاليد، وهويتها، وكأن الميراث العائلي إرث روحاني، والميراث الروحاني (الإسرائيلي) إرث عنصري.

نجحت فلسطينية هذا الفيلم بـ"الاستيلاء" على ميراثها من البنك سرقة، ولكن فاطمة بنت محمد لم تأخذ ميراثها العائلي، ولا يزال فقهاء مسلمون يرددون أنها رضيت وقنعت.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard