أعلنت حركة النهضة، مساء أمس الخميس 9 كانون الأول/ ديسمبر، عن اندلاع حريقٍ في الطابق الأرضي لمقرّها المركزي في "مونبليزير"، بعد أن أقدم عون استقبالٍ، على إضرام النار في جسده، حسب المعطيات الأولية، وهو ما أدى إلى تسرّب النيران والدخان إلى بقية طبقات البناية. وتسبّب الحريق في وفاة العون، سامي السيفي، الذي لجأ إلى إحراق نفسه، بسبب وضعه الاجتماعي، ورفض قيادة الحركة استقباله، حسب تقارير إعلامية، فيما تعرّض آخرون لأضرار متفاوتة الخطورة.
وقد عمد القيادي في الحركة، ورئيس الحكومة الأسبق، علي العريض، إلى إلقاء نفسه من الطابق الثاني للبناية، هروباً من ألسنة اللهب، فأُصيب بكسورٍ في ساقَيه، كما تعرّض رئيس مجلس شورى الحركة، عبد الكريم الهاروني، إلى حروقٍ وُصفت بالبليغة، استوجبت نقلهما إلى مصحّة خاصة لتلقي الإسعافات اللازمة.
عونٌ أحرق نفسه؟
أعلنت وزارة الدّاخلية التونسية، أنّه تمّ العثور على جثة السيفي متفحّمةً داخل مقرّ حزب النهضة، وهو من مواليد سنة 1970، وكان يعمل عون استقبالٍ، وأفادت بأنه تمّت السّيطرة على الحريق، وإخلاء المبنى من كلّ الموجودين فيه، ونقل 18 مصاباً لتلقي العلاج.
وفي تفاصيل الحادثة، أكد المستشار الخاص لرئيس حركة النهضة، سامي الطريقي، في حديثه إلى رصيف22، أن الأبحاث الأولية تؤكّد أن الهالك عمد إلى إضرام النار في جسده، نافياً أن يكون السبب هو رفض رئيس الحركة راشد الغنوشي، استقباله في مكتبه، وأضاف قائلاً: "رئيس الحركة لم يكن موجوداً في المقرّ، بل في بيته، خلال اندلاع الحريق، والهالك طلب لقاءه، كما كان يقابله في كل مرة. لكن يبدو أن حالته النفسية صعبة جداً جرّاء وضعه الاجتماعي الهشّ، لذا أصرّ على لقاء الغنوشي، وعندما تعذّر عليه ذلك، أضرم النار في نفسه".
وأكد الطريقي، أن الحريق خلّف أضراراً ماديةً كبيرةً، وأن الدخان تصاعد إلى الطابقين الرابع والخامس، ما تسبب بحالات اختناق، نُقل على إثرها أكثر من 15 مصاباً إلى المصحّات، وحالتهم مستقرّة، عادّاً أن الكسر الذي تعرّض له علي العريض، خطير ويستوجب عمليةً جراحيةً. أما الهاروني، فتعرّض لحروق في يده، وفي بعض الأماكن الأخرى من جسده، عندما حاول الخروج من الباب الرئيسي للمقرّ الذي اندلع فيه الحريق، وحالته مستقرة.
وأفاد بلاغ وزارة الداخلية بأن الأبحاث العدليّة جاريةٌ، بالتنسيق مع النيابة العمُوميّة، للوقوف على مُلابسات الواقعة، وتحديد مسؤوليّة كلّ طرفٍ، وإنارة الرّأي العام.
حركة النهضة تعيد ملف التعويض إلى الواجهة
مثّل الحريق فرصةً لحركة النهضة، لتعيد ملف التعويضات "لمناضليها"، إلى الواجهة، خاصةً وأن الهالك كان قد أمضى عشر سنوات في السجن، خلال حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وتمتّع بالعفو التشريعي العام إبّان الثورة.
وقد أكد القيادي في حركة النهضة، محمد القوماني، أن ضحية الحريق عضو في الحركة، وفي الخمسينات من عمره، وهو سجين سياسي سابق عانى كثيراً، وسُجن وهو تلميذ، وبقي في حالةٍ اجتماعيةٍ صعبة. وبيّن في تصريحٍ لإذاعة محلية، أن الضحية عيّنة "من مناضلي الحركة الذين اكتووا مرّتين، ونموذج عن مناضلٍ سياسيٍّ تمتّع بالعفو التشريعي العام، ولم يتمكّن من الحصول على مورد رزقٍ، وتلاحقه وصمة اجتماعية"، هي "جماعة التعويضات"، وفق تعبيره.
تسبّب الحريق بوفاة العون سامي السيفي، الذي لجأ إلى إحراق نفسه، بسبب وضعه الاجتماعي، ورفض قيادة حركة النهضة استقباله، حسب تقارير إعلامية
كما رأى أن حركة النهضة بين المطرقة والسندان، إذ تتّهمها فئة بأنها رفّهت مناضليها على حساب الشعب، وفئة أخرى تتّهمها بالتقصير مع مناضليها الذين يعيشون في بؤس.
وقد قام رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، بزيارةٍ إلى المتضررين من الحريق، وقال في تصريح إعلامي: "هذا شهيد آخر من شهداء النضال من أجل تحرير تونس من الظلم والدكتاتورية، والفساد والتهميش والفقر. أمضى سامي السيفي أكثر من عشر سنوات في السجن، وعلى الرغم من أن النضال أفضى إلى إسقاط الديكتاتور، وقيام الحرية والديمقراطية، لكن السيفي لم يحظَ طوال عشر سنوات، بحدٍّ أدنى من الكرامة، على الرغم من أن مؤسسة العدالة الانتقالية أفضت إلى مقرّرات ظلّت حبراً على ورق، ولم تُفعَّل، بل تعرّض المناضلون لحملةٍ من السخرية: ‘بكم كيلو نضال’. هذا ضحية الحرب الإعلامية الظالمة على المناضلين، وتجريم النضال".
كما ترحّم الغنوشي على "فقيد الحركة سامي السيفي الذي انتقل إلى رحمة ربّه كواحدٍ من ضحايا تعطيل الدولة لمسار العدالة الانتقالية، وعدم إنصاف المساجين السياسيين الذين تعرّضوا للظلم والقهر في العهد البائد، وللتشويه بعد الثورة"، وفق بلاغٍ للحركة.
ردود أفعال مستفزة
في إثر نشوب الحريق في مقرّ حركة النهضة، أعربت قلّة قليلة عن تضامنها مع المتضررين من أعضاء الحركة، وقيادييها، فيما كانت أغلب ردود الأفعال تصبّ في خانة "الشماتة"، والتشفّي من الحركة بصفةٍ عامة، والمتضررين بصفةٍ خاصّة. وإن كانت الحركة تواجه تراجعاً ملحوظاً في شعبيتها، ونقمةً شعبيةً بسبب تحميلها ما آلت إليه أوضاع البلاد، فإن فئةً واسعةً دعت إلى تجنّب خطاب العنف والكراهية، وتغليب الإنساني على السياسي.
وقد علّق المحلل السياسي، الحبيب بوعجيلة، قائلاً: "الديمقراطيون الأصليون، الإصلاحيون أو الراديكاليون، والحقوقيون، متاع وقت الصح قبل الثورة، والتوانسة الحقانيون يعبّرون في كل مصيبةٍ عن أسفهم، ويتمنّون الشفاء للمتضررين... الشامتون الّي تبرتجولهم على العموم، هم حالات استثنائية في المشهد السياسي والشعبي، وأغلبهم كانوا صبابة لدى بن علي.".
على الرغم من الخسائر المادية والبشرية التي طالت حزب حركة النهضة، على خلفية الحريق الذي نشب في مقرّها، عمدت غالبية الأحزاب التونسية بدورها إلى تجاهل الواقعة
كما علّق الجامعي والباحث في مركز الدراسات والبحوث الاقتصاديّة والاجتماعيّة، زهير إسماعيل، في تدوينةٍ له قائلاً: "الحقد المرضي لن يحرق إلا أصحابه من الأقليات الشاذّة. ولا خوف على تونس، ما دام فيها من يدافع عن الحرية، وينتصر للإنسان، والحقيقة، والعيش المشترك... دعاؤنا بالشفاء العاجل والسلامة لكل مصابي الحريق في مقرّ حركة النهضة، من قياداتها ومناضليها. معرفة أسباب الحريق مهمة، بعد التحقيق الشفّاف، في ظلّ هذه الأزمات المتناسخة، ومستويات التوتر السياسي العالية، وخطاب التقسيم والكراهية المستهدِف للسلم الأهلي".
بدورها، قالت الناشطة السياسية بشرى بالحاج حميدة: "يلعن السياسة والمعارك السياسية قدّام الإنسانية والحرمة البشرية".
ودوّنت الأستاذة والكاتبة ليلى الحاج عمر: "لا بدّ من سيّارات إطفاءٍ لنيران الأحقاد أيضاً".
كما كتب المحلل السياسي، بولبابة سالم: "من يريد أن يعاين الفوارق بين الشخصيات السويّة، والشخصيات المرضية، يتابع التعليقات على حريق مقرّ النهضة... اللهم لطفك بالجميع، خاصةً المرضى".
غياب التضامن الحزبي مع الحركة
على الرغم من الخسائر المادية والبشرية التي طالت حزب حركة النهضة، على خلفية الحريق الذي نشب في مقرّها، عمدت غالبية الأحزاب التونسية بدورها إلى تجاهل الواقعة، ولم تحظَ الحركة بأي مواساةٍ، سوى من قبل ائتلاف الكرامة الذي أصدر بياناً توجّه فيه بالتعازي إلى أهالي الهالك، وبالشفاء إلى كل المصابين.
كما ندّد ائتلاف الكرامة، "بكل أشكال الحقد والكراهية والتشفّي، التي صارت تهدد السلم الاجتماعي في تونس، والتي تغذّت بخطابات التحريض التي ما فتئت تصدر عن رئاسة الجمهورية"، وفقاً لنص البيان.
بدوره، أعرب رئيس الدولة قيس سعيّد، عن تمنياته بالشفاء العاجل للمصابين في حادث الحريق في مقرّ النهضة، وقال خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي: "هناك تحقيقات عدلية ستأخذ مجراها الطبيعي، للتثبّت مما إذا كان الحريق فعلاً إجراميّاً، أو نتيجة لإضرام شخص النار في جسده".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 10 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor