أفرجت السلطات اللبنانية وتحديداً الأمن العام، اليوم الأربعاء، عن الصحافية الأمريكية ندى حمصي بعد اعتقال دام 23 يوماً. الإفراج أتى بعد ضغط إعلامي وحقوقي على الجهاز الأمني اللبناني الذي احتجز حمصي لعشرين يوماً، فيما أمضت الأيام الثلاثة الأولى في عهدة فرع المعلومات مع زوجها طاهر زعبي، وهو من أم لبنانية وأب فلسطيني.
تعمل حمصي صحافية مستقلة، وتعاونت مع وسائل إعلام عربية ودولية عديدة، كان آخرها "الإذاعة الوطنية العامة" الأمريكية، ونشطت في تغطية الأحداث في لبنان ومتابعة مجريات ما يحصل في سوريا. وتحدثت لرصيف22 وشرحت ما حصل معها بالتفصيل منذ لحظة الاعتقال إلى حين إطلاق سراحها.
تقول حمصي: "في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قرع حوالي 10 عناصر من فرع المعلومات، يرافقهم مختار منطقة التباريس في الأشرفية، باب البيت الذي أقطن فيه مع شريكي، فطلبت منهم الانتظار قليلاً، لكنهم ما لبثوا أن اقتحموا المنزل وبدأوا يفتشون فيه وصادروا الهواتف والكومبيوترات، واتهموني بأنني أعمل في السوق السوداء وتهريب الناس بشكل غير شرعي من لبنان إلى الخارج".
وتضيف: "كانوا يسألون عن كُل شيء. رأوا أن لدي الكثير من البوسترات لفلسطين. سألوا أكثر. في النهاية وجدوا جواز سفري الأمريكي ولاحظوا أنني منذ سبع سنوات دخلت إلى فلسطين". وحمصي كانت تعمل مع الأونروا لمدة سنة ونصف في رام الله. حاولَت أن تقول لهم هذا الأمر ولكن لا أحد منهم كان يريد سماعها.
كانوا يسألون عن كُل شيء. رأوا أن لديّ الكثير من البوسترات لفلسطين. سألوا أكثر. في النهاية وجدوا جواز سفري الأمريكي ولاحظوا أنني منذ سبع سنوات دخلت إلى فلسطين
في منزل حمصي الكثير من الصور. هي صحافية تغطي قضايا المنطقة وتحديداً لبنان سوريا وتهتم بالسياسة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى. على الجدران صور من أفغانستان، وحتى من أحداث الطيونة التي حصلت مؤخراً. تقول: "وجدوا القليل من الحشيش، تقريباً حوالي السيجارتين. اقتادوني وزوجي إلى مقرّ فرع المعلومات".
تضيف: "خلال الأيام الثلاثة الأولى لدى فرع المعلومات، لم يدَعوني أتواصل مع أي أحد. أنا لم أكن معتقلة بل مخطوفة ولا أعلم لماذا. لم يقولوا ماذا اقترفت هذا إنْ كانوا يعتقدون أني اقترفت شيئاً. لم يكن لديهم إذن اعتقال. أنا متأكدة أنه بعد الاقتحام استصدروا إذن التفتيش".
وضغطت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، من أجل إطلاق سراح حمصي، وطالبتا السلطات اللبنانية بالإفراج الفوري عنها لأن توقيفها بمثابة "اعتقال تعسفي"، وشددتا على أهمية التحقيق "بشكل سريع وشامل ومستقل وشفاف وفعال في انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة التي واجهتها الموقوفة منذ اعتقالها، وتقديم أي شخص يُشتبه في مسؤوليته إلى العدالة".
وتصاعدت في الآونة الأخيرة حملة التضييقات على الصحافيين وتحديداً الاستدعاءات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية تحت ذرائع مختلفة.
حمصي هي صحافية أمريكية مستقلة، وتعاونت مع وسائل إعلام عربية ودولية عديدة، كان آخرها "الإذاعة الوطنية العامة" الأمريكية، ونشطت في تغطية الأحداث في لبنان ومتابعة مجريات ما يحصل في سوريا
ركز عناصر فرع المعلومات في التحقيق مع حمصي على موضوع فلسطين. وماذا كانت تفعل في رام الله. وهي لا تملك إلا الجواب الوحيد الذي رددته دائماً: "أعمل مع الأونروا". وحمصي صحافية وبحكم عملها تقول إنها تتواصل مع الكثير من الناس من بلدان عدة وهذا جزء من العمل الذي تقوم به وجزء من قدرتها على إنتاج محتوى صحافي.
تقول حمصي لرصيف22: "بعد أن أنهى فرع المعلومات تحقيقاته أخذوني إلى الأمن العام. هناك بقيت 23 يوماً. تحقيق متواصل وغير مفهوم. بعد أيام قالوا لي إن عليّ دعوى إرهاب وتعاطي مخدرات. لا أعلم ماذا يعني الإرهاب بالنسبة إليهم. كُل ما وجدوه هو أعلام فلسطين ورسومات على جدران المنزل ودخول إلى رام الله مع منظمة دولية".
في وقت لاحق، قالوا لها إنهم أسقطوا الدعوى الأولى، أي الإرهاب، من دون أن يُفرجوا عنها. أكثر من ذلك، تقول: "لم يكن هناك سبب كي أكون في السجن. بعد أسبوعين قالوا إن عليّ الرحيل، أي الرحيل من لبنان وسيُصدرون منع دخول يستمر لمدة 15 سنة. كيف سأرحل وحياتي وشريكي في لبنان وعملي هنا ولم أقترف أي ذنب؟ كيف أترك البلد الذي عشت فيه ست سنوات وحياتي كلها صارت مرتبطة به".
لم تتعرض حمصي خلال اعتقالها للتعذيب الجسدي، لكن زوجها طاهر زعبي يقول إن عناصر المعلومات اعتدوا عليه بالضرب خلال التحقيق معه. أما الأمن العام فقد عاملوه معاملة سيئة من دون أن يُحدد نوع هذه المعاملة.وتقول آية مجذوب، باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش: "لم يكتفِ عناصر الأمن بمداهمة شقة حمصي دون إبراز مذكرة قضائية، بل انتهكوا أيضاً حقوقها في الاحتجاز من خلال حرمانها من الاتصال بمحامٍ"، مشيرة إلى أن "رفض الأمن العام الإفراج عنها، رغم أمر النيابة العامة، هو إساءة استخدام صارخة للسلطة ومؤشر مقلق جداً على أن هذا الجهاز لا يحترم سيادة القانون".
"حققوا معي بشكل متواصل وغير مفهوم. بعد أيام قالوا لي إن عليّ دعوى إرهاب وتعاطي مخدرات. لا أعلم ماذا يعني الإرهاب بالنسبة إليهم. كُل ما وجدوه هو أعلام فلسطين"
تستغرب حمصي سبب الاعتقال. تقول: "خلال حرب غزة الأخيرة هذا العام علّقت علم فلسطين على شرفة المنزل. أتى عناصر من مخابرات الجيش وطلبوا مني أن أزيل العلم لأن هذا الأمر له بعد طائفي وبالتالي عليّ ألا أرفعه خارج المنزل"، وتضيف: "المحامي يقول إنه من الممكن أن يكون هذا السبب وراء ما حصل معي لاحقاً، فيما يقول آخر إن فرع المعلومات يجري بين الحين والآخر مراجعة للصحافيين الذين يتواصلون مع أشخاص في فلسطين".
لا تعرف حمصي ماذا ستفعل. تقول بتهكم "أرفع دعوى ضد الأمن العام!". هي متيقنة أنها ستبقى في لبنان ولا تريد الرحيل. لكنها تسأل: "لماذا تحوّل لبنان إلى دولة تعتدي على الصحافيين وتنتهك حقوقهم؟ وعلى أي أساس الدولة تدخل بيوت الناس من دون سبب ومن دون ذريعة قانونية؟ طبعاً ما يحصل يستدعي الخوف وعلى ما يبدو هناك من يريد إخافة الصحافيين".
تسأل حمصي: لماذا تحول لبنان إلى دولة تعتدي على الصحافيين وتنتهك حقوقهم؟ وعلى أي أساس الدولة تدخل بيوت الناس من دون سبب ومن دون ذريعة قانونية؟
ملف حمصي تابعته المحامية المختصة بقضايا حقوق الإنسان ديالا شحادة. تقول شحادة لرصيف22: "منذ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى اليوم، ندى كانت موقوفة من دون إشارة قضائية. جواب الأمن العام كان أنه طالما القضاء يترك لنا البت بإقامتها فهذا يعني أنه يحق لنا توقيفها ونحن منذ اليوم الثاني، أي في 26، قررنا ترحيلها وهي لا تريد أن تشتري التذكرة وبالتالي هي التي تتسبب بتوقيفها! والقانون يقول إنه طالما ليس هناك إشارة قضائية لا يحق لهم توقيفها تحت أي ذريعة".
وتتابع شحادة رواية ما حصل: "يعود مدير العمليات ليقول إقامتها ليست قانونية وهذا أمر غير صحيح، وهي تقوم بعمل حر وبالتالي لا يمكنها أن تستحصل على إقامة عمل. في النهاية بعد أن استنفذ كُل شيء يقول إن ترحيلها هو لأسباب أمنية. ولكن ما هي هذه الأسباب؟ هل لأنها رفعت علم فلسطين أم أنها أرسلت رسالة لصحافيين في فلسطين أم لأنها أقامت في رام الله؟". وتضيف: "خلال هذين الأسبوعين قدمت طلبات لتركها بسبب عدم وجود مسوغ قانوني لتوقيفها وأيضاً لأن قرار ترحيلها يجب إعادة النظر فيه لأنه غير قانوني"، وتشير إلى أنه "في حديثها مع مدير العمليات يقول إنه نحن نقوم بترحيلها لأنها أقرت بأنها كانت تُدخن حشيشة الكيف، فأكدت له أن هذا الأمر غير قانوني لأنه يجب أن يكون مرتبطاً بحكم قضائي بالإدانة أولاً وبالترحيل ثانياً".
تعتقد شحادة أن "الأمور في النهاية بدت وكأن الأمن العام اقترف خطأ ورأوا أن ندى زادت في عنادها ورفضها شراء تذكرة والرحيل عن لبنان ومن ثم نحن صعّدنا والمنظمات الحقوقية أصدرت بيانات وبدأت الصحافة بالإشارة إلى الموضوع فما كان من المدير العام عباس إبراهيم إلا أن اتخذ قراراً بتركها".
دخل عناصر الأمن العام اليوم الأربعاء إلى الزنزانة، وقالوا لحمصي: "لملمي أغراضك واذهبي إلى البيت". ذهبت ندى وهي لا تعلم ماذا ستفعل، مثلها مثل الكثير من الصحافيين الذين يُشاهدون ممارسات القوى الأمنية التضييقية عليهم، وينتظرون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...