شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
فيلم

فيلم "العارف"... مأزق البطل "الوسيم"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 9 سبتمبر 202101:38 م

في أكثر من لقاء تلفزيوني، تحدث الممثل أحمد عز عن الفضل الذي لن ينساه للمخرجة إيناس الدغيدي في بداياته؛ فهي من أسندت إليه دور البطولة مع النجمة هند صبري، في فيلم "مذكرات مراهقة" 2001.  يقول عز: جابتني من بيتنا وعملتني بطل.

ويبدو أن فضل المخرجة الجريئة علي الشاب "الوسيم" لم يخرج عن المكاسب الفردية؛ فحين نتأمل تجربته الفنية في عمومها، تتضح مساحات الضعف الشاسعة في مقابل مناطق محدودة للغاية من التميز، بعيداً عن صفة الوسامة، التي يعتبرها الكارت الرابح الوحيد حتى الآن.

استدعيت جملة عز السابقة، عقب مشاهدة فيلمه الأخير "العارف" 2021، وأثناء تأكدي من عدم خيانة الذاكرة، وجدته في سياق آخر ينسب الفضل ليسرا كذلك، في تجربة "كلام الليل" 1999، حين أتيا به من بيته وقدماه للشاشة.  

يُعرض الفيلم منذ منتصف يوليو الماضي في مصر وبعض الدول العربية، يُشارك أحمد عز البطولة "محمود حميدة، أحمد فهمي ومصطفي خاطر"، تأليف محمد سيد بشير وإخراج أحمد علاء الديب، ومن إنتاج شركة "سينريجي- تامر مرسي"، صاحبة نصيب الأسد في دراما رمضان الماضي، وتشترك بثلاثة أفلام أخرى هذا الموسم.

حين نتأمل تجربة أحمد عز الفنية في عمومها، تتضح مساحات الضعف الشاسعة في مقابل مناطق محدودة للغاية من التميز، بعيداً عن صفة الوسامة، التي يعتبرها الكارت الرابح الوحيد حتى الآن

البطولة في السيناريو أُحادية، ترتكز على حكاية يونس (أحمد عز)، أحد العباقرة في مجال حروب الإنترنت ومحترفي البرمجيات، للدرجة التي تجعل جهاز الأمن يستعين به ضد قراصنة الهاكر الأسود "Black Hat Hacker" وهم المخربون، ويمثلهم راضي (أحمد فهمي) الذي يتعامل مع جماعات الأخوان المسلحة، فيما يمثل الجانب الأخلاقي أو الخير "White Hat Hacker" عز بمشاركة رجل الأمن راضي (محمود حميدة)، ومعاونيه.

تتضح رتابة الإيقاع من المشاهد الافتتاحية، رغم أن الفيلم من نوعية الإثارة والحركة، ويشكلها مشهد واحد طويل يتم قطعة بالفلاش باك المتكرر. اللافت في هذه الرتابة هو مصاحبتها لكم كبير من القطع المونتاجي يصل لحد اللهاث، دون مبرر فني أو جمالي على مدار ما يُقارب العشر دقائق الأولى من الفيلم، أثناء إلقاء محاضرة للبطل يُقدم فيها عصارة تجربته في الحرب المعلوماتية الحديثة، ورجال الأمن يستمعون ثم العنوان والأسماء.     

ينتهي المشهد في جزء منه بانتصار يونس في أحد العمليات القديمة وخروجه من ساحة المعركة بمصاحبة مُعاونيه، عرضياً يتصدرون الكادر وخلفهم نيران المعركة أثناء سيرهم الهوينى بالحركة البطيئة  Slow motionدلالة الانتصار، وهو ما يذكرنا بنفس المشهد في أفلام "ولاد رزق – عودة أسود الأرض" إخراج طارق العريان، ومن قبله بالطبع مشاهد أفلام هوليوود المُشابهة.  

الوسامة... فخ لغير المحترفين

يمتد التمثيل الذكوري على الشاشة بامتداد الفن السينمائي، لكن المتميزين فيه قلة، في مقابل أكثرية أخفقت في الاتكاء على سماته الجسدية الجمالية، منهم أحمد عز عبر مراحله الثلاثة التي استهلها بتجسيد دور المراهق الرومانسي "مذكرات مراهقة"، "شباب تيك أوي"، "سنة أولى نصب"، "حب البنات" وختاماً "الباحثات عن الحرية".

 في المرحلة الثانية، اتجه عز إلى خوض تجربة الإثارة والتشويق كما في "ملاكي إسكندرية"، "الشبح"، "مسجون ترانزيت". ليضيف في المرحلة الثالثة عنصر الحركة والمغامرة، "بدل فاقد" 2009، "المصلحة" 2012، "الخلية" 2017، دون أن يفوته أن يُجرب إمكاناته في الكوميدية الخفيفة "365 يوم سعادة" 2011، "حلم عزيز" 2012، أو بطل الحارة الشعبي في "سلسلة ولاد رزق".

إنّ من أكثر التيمات المكررة في أفلام أحمد عزّ؛ الإفيهات ذات التلميح الجنسي، سواء قيلت مباشرة للمرأة، أو قيلت عنها. وبالرغم مما تحمله من نظرة محتقرة للمرأة كنوع، تباغتنا البطلة على الجانب الآخر، بانبهارها المبتذل بظرفه وخفة دمه!

أكثر التيمات المكررة في أفلامه؛ الإفيهات ذات التلميح الجنسي، سواء قيلت مباشرة للمرأة، أو قيلت عنها. وبالرغم مما تحمله من نظرة محتقرة للمرأة كنوع، تباغتنا البطلة على الجانب الآخر، بانبهارها المبتذل بظرفه وخفة دمه! ويبدو من تكرار هذه التيمة في جل أفلامه، أن عز يتدخل في الحوار والسيناريو، أو الكتابة المفصلة له من الأساس؛ وإلا عدت من الصدف العجيبة التي يتوصل إليها جميع كتاب سيناريو أفلامه، وربما؛ وهذا هو الأرجح، إنها سمة لبطل اليوم في منظور أنوثة جديدة!

يمكننا وصف تجربة عز على وجه العموم بـ"الرخاوة"؛ هذه الكلمة ملحة بمجرد مشاهدته في ظهوره الإعلامي والعام، المروج دائماً لذكورة مائعة تحتفي بالشائعات من الوسط وخارجه، وهي طريقة عفى عليها الزمن، اكتسبها على الأرجح من مشاهدة الأفلام القديمة التي رسمت ثقافة بصرية لنموذج البطل من ضمنها الصوت.

 نعم الصوت، لقد كان للصوت دور هام في صناعة الذكورة علي شاشة السينما؛ جميع النماذج الذكورية لديهم أصوات خاصة، لكن بطلنا مولع بالتجويد مستخدماً طبقات صوتية متعددة، تبدأ من مقام الفحيح في المشاهد الرومانسية أو مشاهد الوعيد أحياناً، وتعرج على المقام الشعبي – بحداقته وفهلوته- وهكذا...

للصوت حدود

ظلت السينما صامتة لما يربو على ثلاثة عقود منذ ميلادها حتى عرفت الطريق للصوت مع عرض أول فيلم ناطق "مغنى الجاز" 1927، إنتاج شركة وارنر، وفيه يتم استخدام تقنية الصوت الحديثة –وقتئذ- من خلال جهاز "الفيتافون Vitaphone" الذي يُتيح التسجيل الصوتي، ثم يُعاد بمصاحبة الموسيقى والمؤثرات أثناء عرض الفيلم بطريقة متطابقة مع حركة الصورة.

لعل غياب الصوت في تلك الفترة من السينما ساعد على غياب مفهوم الذكورة أو الوسامة على الشاشة، فمقومات النموذج المنشود يُشارك الصوت فيها بنسبة كبيرة بجانب ملامح الوجه والقوة العضلية، علاوة علي ذلك اتجهت السينما الصامتة في مجملها إلى الكوميديا التي قد تتعارض مع شكل "الفتى الأول"، صاحب القدرات الخارقة، وليس نموذج البطل المغفل قليل الحيلة والإمكانيات، كتشارلي شابلن، باستر كيتون، علي الكسار، نجيب الريحاني وبشارة واكيم.

يبرز مفهوم الذكورة مع مواليد بداية القرن العشرين، الذين أصبحوا شباباً ورجالاً أواخر الثلاثينيات، كلارك غيبيل، كيرك دوجلاس، جيريجور بيك، جيمس ستيوارت وأنتوني كوين، يأتي من بعدهم مارلون براندو، كلينت استود، آلان ديلون، إلفيس بريسلي والأسطورة جيمس دين، ومن مصر أحمد مظهر، شكري سرحان، أحمد رمزي، صلاح ذو الفقار، كمال الشناوي ورشدي أباظة بالطبع.

هذه الأسماء وغيرها شكلت وعي وذائقة شرائح كبيرة من المُشاهدين عبر عقود في تلقي موضوع الوسامة والجاذبية للنجم... "توفر ظاهرة النجومية نقطة انطلاق مفيدة لبحث الملامح الأدائية للذكورة في السينما، ربما لأن الفرجة والأداء والتمثيل السينمائي تعمل كلها كعناصر تأسيسية للنجومية والمصطلحات الدالة في هذه الكتابات المتعلقة بالسياسة الجنسية للتمثيل.

يمكن وصف تجربة أحمد عز على وجه العموم بـ"الرخاوة"؛ هذه الكلمة ملحة بمجرد مشاهدته في ظهوره الإعلامي والعام، المروج دائماً لذكورة مائعة تحتفي بالشائعات من الوسط وخارجه، وهي طريقة عفى عليها الزمن

في سينما الحركة تعمل شخصية النجم كبطل أكبر من الواقع في قدراته البدنية ووسامته الجديرة بالملصقات، كملمح رئيسي للإفراط البصري الأكثر عمومية الذي توفره هذه النوعية الخاصة من الإنتاج الهوليودي لمشاهديها. وبالإضافة إلى عروض الألعاب النارية وترسانة الأسلحة والمواد المعدنية والأشرار الكبار والعقبات المذهلة التي يتعين على البطل أن يتخطاها، الميزانيات الضخمة والطبيعة الممتدة التي تدور فيها الأحداث، وشرائط الصوت الباهظة التكلفة، فإن جسد النجم البطل هو الفرجة المميزة"، حسب إيفون تاكسر في "الرجل على الشاشة".

هوس الإتقان الخادع

حقق الفيلم إيرادات تقارب من الـ 50 مليون جنيه مصري –حتى وقتنا هذا- في فترة عرض جاوزت الشهر بقليل. هذه الأرقام ربما تتماشي مع تصريحات البعض من فريق العمل، وعلى رأسهم عز، حول ميزانية الإنتاج الضخمة للفيلم، لكنها لن تكون بأي حال برهان نجاح أو تفوق.

تُروّج الشركة المنتجة للفيلم أنه الأضخم إنتاجاً في السينما المصرية، وأول فيلم مصري يتم تصويره في مصر وإيطاليا وبلغاريا وماليزيا. وما يهمنا في كل ذلك، هو المبرر الفني والدرامي لمد مسرح الأحداث في أربع دول مختلفة، والذي لم نعثر عليه في المشاهد اللاهثة والمتشابهة للبطل ومغامراته في الشوارع العامة مع خصومه، بينما بؤرة الكاميرا تتبعه كلما تحرك.

ثلاثة أفلام ومسلسل "هجمة مرتدة" رمضان الماضي، هي حصيلة التعاون بين المخرج أحمد علاء الديب وعز، بدأت بفيلم "بدل فائد" 2009، وكلها أعمال تهتم بالحركة والإثارة وتمثل كل تجربة الديب الحديثة في الإخراج المنفرد؛ بعد أن شارك في عدة أفلام كمساعد مخرج أو بجزء من فيلم، كما في فيلم "18 يوم" 2011، عن ثورة يناير، وهو عبارة عن مجموعة من القصص المتشابكة من أرض الميدان، قام بإخراجها عدد من المخرجين، منهم شريف عرفة وكاملة أبو ذكرى.

مع حداثة التجربة، تظهر بوضوح المشكلات الفنية المفتقرة إلى الأسلوب والرؤية، فنجد أصداء لأساليب أخرى –غالباً من السينما العالمية- من وقت لآخر، نسخت أحياناً بالمسطرة، مع افتتان خاص بالتقنيات السينمائية الحديثة، كالإفراط في التصوير بالكاميرا الطائرة "الدرون" على سبيل المثال؛ للمشاهد كافة؛ القريبة والبعيدة. والتي تفضي، مع الانتقالات غير الموظفة فنياً أو جماليا، إلى نوع من الربكة البصرية، وحالة مشوشة من الاستعراض البهلواني!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard