كدرويشٍ بهلول، سافرت وراء الكتابة إلى بلدان بعيدة وقارات أخرى. ركبت طائرات وبواخر وسيّارات وموتسيكلات، وتعاملت مع عشرات من ضبّاط المطارات والحدود، حصلت على غفوات متقطعة في أرخص البانسيونات، ونمت ملء جفوني في فنادق الخمس نجوم. دخلت المخافر وأقسام الشرطة مسروقاً ومهاناً، كما دخلت الوزارات والمسارح والسينمات مكرماً ومدعواً.
تعرّضت للسرقة والنصب وتم توقيفي من قوّات نظامية وغير نظامية. من أجل الكتابة، صعدت جبالاً وهبطت ودياناً ودخلت قلاعاً مهجورة تسكنها أرواح قتلاها في الماضي السحيق. من أجل الكتابة أخطط للسفر إلى ثلاث وسبعين دولة، وأربع قارات، وعلى استعداد للوقوف في طابور من مليون شخص على حدود كمبوديا، أو النوم تحت ظل جدار مهدّم في رومانيا، أو حتى أن أتوه وسط صحراء جليدية في غرينلاند. من أجل الكتابة أنا مستعد أن أذهب إلى أي مكان.
لطالما كانت الكتابة أفضل جواز سفر حملته على الإطلاق، فقد سمحت لي بالتنقل بين بلدان كثيرة، في قارات مختلفة؛ فالكتابة قد تدعو الكاتب إلى بلد ما وتحضر له الفيزا حتى باب بيته، وقد تدفعه للكفاح والادخار والبحث عن "واسطة" للسفر إلى بلدان أخرى. هناك حبل سُرّي سِرّي يربط بين الفعلين، اللذين يشتركان في الأساس في عنصر "الاستكشاف"، ولطالما فكرت في الرابط بين هذين الفعلين المحببين؛ ما الذي يدفع الكاتب للسفر؟
ضرير يتدبّر معرفة العالم بطريقة برايل
هناك الكثير من الأسباب التي قد تقود كاتباً ما لحزم حقائبه وتجهيز أوراقه والتوجه للمطار، أسباب رسمية وأخرى ذاتية، وثالثة فنية، إلخ. لكن أوضح تلك الأسباب، وأكثرها جلاءً وربطاً بين الحقلين (الكتابة والسفر) هو ما يسمى بأدب الرحلة، والذي وصفته الكاتبة العراقية لطفية الدليمي بأنه: "كضرير يتدبّر معرفة العالم لمساً بطريقة برايل".
إنه حقل كتابي لا يحظى بالكثير من التقدير في الأدب العربي المعاصر، على الرغم من أنه يحظى بتاريخ كبير في المدونة السردية العربية القديمة، ويمكننا هنا ذكر الكثير من الأسماء لكتّاب كان أدب الرحلة العنصر الأبرز في نتاجهم الإبداعي، وربما يأتي على رأس القائمة ابن بطوطة وكتابه الأشهر "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، والذي يُعرف اختصاراً بـ"رحلات ابن بطوطة".
وفي المدونة السردية العربية التراثية تحضر أسماء بارزة في أدب الرحلة مثل أبي الحسن المسعودي والإسطخري وابن حوقل وأبي الحسن المراكشي، وهناك الرحّالة الشهير أحمد بن فضلان الذي اقتبست منه السينما الأمريكية الفيلم الشهير "المحارب الثالث عشر" وجسّد أنطونيو بانديراس دوره.
وفي عصرنا الحديث، كتب الأدباء العرب الكثير من الكتب في أدب الرحلة، نذكر منها "أين تذهب طيور المحيط" للمصري إبراهيم عبد المجيد، و"سندباد الصحراء" للمغربي عبد العزيز الراشدي، و"مدني وأهوائي" للعراقية لطفية الدليمي"، و"الحلم البوليفاري" للعراقي باسم فرات. كما أن المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق في أبوظبي قد أصدر وحقق كثيراً من الرحلات المعاصرة والقديمة، وخصص جائزة، بفروع كثيرة، لأدب الرحلة هي جائزة ابن بطوطة.
"الحكايات تحدث لهؤلاء الأشخاص القادرين على أن يحكوها"... محاولات لاصطياد الحكايات البعيدة ومآرب أخرى
على خطى إليزابيث جيلبرت
غير أن الرابط بين الكتابة والسفر لا يقتصر على مسألة أدب الرحلات، فثمة دوافع وأسباب أخرى تجعل الكتّاب، كالمندوهين من العفاريت، يسافرون هنا وهناك.
أحد تلك الأسباب الوجدانية هي مسألة اكتشاف الذات، لأننا أحياناً قد تضيق علينا أجسادنا وأوطاننا، فنجد أنفسنا مضطرين للمغادرة، وأشهر نموذج معاصر على ذلك هو كتاب "طعام، صلاة، حب"، لإلزابيث جيلبرت، التي كانت تحظى بحياة جيدة بالمعايير المجتمعية الأمريكية، ثروة جيدة وأسرة صغيرة ومسيرة لا بأس بها ككاتبة، إلا أنها، واستجابة لنداء داخلي غامض، قررت أن تبدأ من الأول مرة أخرى، فأنهت زواجها وحصلت على الطلاق.
ثم سافرت في رحلة لمدة عام، زارت فيها إيطاليا والهند وإندونيسيا، وفي إيطاليا كان الجانب الحسي الخام متمثلاً في الكثير من الطعام الذي تناولته، وفي الهند كان الجانب الروحي المحض متمثلاً في الصلاة واتباع مرشدتها الروحية. أما في إندونيسيا فقد وجدت إليزابيث التوازن بين الحسي والروحي في قصة حب جمعتها ببرازيلي مطلّق يعيش في جزيرة بالي.
وعلى خطى إليزابيث جيلبرت، مضى المصري مختار شحاتة الذي ضاقت به نفسه والبلاد، فهاجر إلى بلد في آخر العالم، البرازيل، ليعيد اكتشاف نفسه. يقول شحاتة في حوار مع رصيف22:
"يتعلم الإنسان متى انفتح على التجارب. قبل سفري، كان ظاهر حياتي مستقراً (يسرّ الناظرين)، لكن وحدي أعرف أنني لم أكن سعيداً أبداً، حتى قررت وضع حدّ لكل ذلك، كنتُ أحسب الأمر سيمر ليناً سهلاً، مثل الاختبار الذي وُضعت فيه حين تم تخييري بكل وضاعة بين الكتابة وحياة تدفع بي نحو الكآبة والقبح والتشوه الداخلي، وقررت اختيار الكتابة، ودفعت الثمن، وحُرمت فلذتي كبدي للأبد. ظننت الحياة ستسير لكنها توقفت فجأة، وكان أسوأ ما فيها حين شعرت بلا جدوى وجودي في مصر، فقررت الرحيل.
السفر حل جيد جداً للالتفاف حول أزمة "الورقة البيضاء" وحبسة الكتابة، لا سيما تلك الحبسة التي تطول لفترات تتجاوز الشهر، والتي تكاد تتحول مع الوقت إلى أزمة مستديمة في إمكانيات الكاتبة
خرجت في المرة الأولى إلى البرازيل وكان خروجاً بلا عودة، وهناك وجدت ما كنتُ أطلبه، حياة حرة لا خيانة ولا سوء فيها، فرميت بروحي في غابات البرازيل وجبالها، فغسلتني غسلاً، وولدت ولادة جديدة، بعدما راهن الجميع على الفشل. النجاح في البرازيل لم يكن دافعه تحدي الفشل، إنما حب الحياة الحرة. وجدتُ الدعم والثقة والفرصة، واستثمرت روحي وعقلي في التجربة، وكانت النتائج مبهرة لي قبل الآخرين.
في مصر نمثل أننا نعيش وأننا أحرار الروح، وهو ما يدمر دواخلنا للأسف، خاصة حين تُعاقب على سوء اختياراتك الأولى وتدفع الثمن.
الآن؛ رغم صعوبات كثيرة لكن الروح حرة، جديدة، تحب بصدق، تأنس إلى الاختيار الصحيح، تنتج بدقة صانع محترف، بعد أن كنت مجرد مخرج للحروف.
الخروج من مصر، حولني من كاتب ساذج إلى كاتب وضع قدميه في قلب التجربة، فصار أكثر رضا عن نفسه وعن حياته، لا ينغصه سوى رتوش الماضي السخيف".
وبعد البرازيل، لم تتوقف سفرات شحاتة الذي اكتشف فوائد السفر للكاتب، فغادر إلى كاليفورنيا، ومن ثم عاد إلى مصر، وبعدها غادر مجدداً إلى برلين. هكذا تحول مختار شحاتة، من كاتب يختنق بالكلمات في وطنه إلى مسافر دائم.
اقتناص الحكايات من البلدان البعيدة
"الحكايات تحدث لهؤلاء الأشخاص القادرين على أن يحكوها"، مقولة منسوبة للكاتب الأميركي الشهير بول أوستر، وغالباً فإن الكتّاب هم أفضل من يمكنهم اختبار صحة تلك المقولة. أحياناً قد يكون اصطياد الحكايات سبباً كافياً للسفر.
لا أقصد هنا باصطياد الحكايات أن يحمل الكاتب بندقية صيد ويخرج إلى البادية أو الغابة ليصطاد حكاية كرياضة القنص، الموضوع أكبر من ذلك، فالسفر لمعاينة مسرح الأحداث الذي يخطط له الكاتب في النص الذي يشتغل عليه، هو نوع من السعي لاقتناص الحكاية.
في 2010، كنت أجهز لروايتي "أوجاع ابن آوى" التي صدرت في 2011 عن دار ميريت، وكانت بعض أحداث الرواية تدور في دمشق. لم أكن قد زرت العاصمة السورية من قبل، ولذلك قمت بالادخار لمدة عام كامل، لأتمكن من تجميع ما يكفيني من المال لأقوم بزيارة إلى دمشق. زيارة قصيرة قررت ألاّ تتجاوز عشرة أيام، وهناك، صعدت إلى جبل قاسيون رفقة صديق جزائري تعرفت إليه في الجامع الأموي.
كنا نريد أن نطلّ على المدينة من علٍ، كيف تبدو دمشق من فوق؟ هذا ما كان يشغلنا. دخلنا إلى مطعم في أعلى الجبل، شربنا كأسين من الشاي، تفرّجنا على المدينة من فوق الجبل ثم قررنا المغادرة، غير أننا فوجئنا بفاتورة باهظة للغاية، 5000 ليرة سورية. كان هذا الرقم في ذلك الوقت كافياً لشرب ألف كوب من الشاي. لم نستوعب الأمر، والغريب أن من قدّم لنا تلك الفاتورة هو رجل يشبه "القبضاي" كما يظهر في المسلسلات السورية؛ له بنيان جسدي ضخم ولحية كثة ويلف حول معصميه تلك القطعة البلاستيكية السوداء المطعمة بكرات حديدية صغيرة.
يتحول السفر للكتاب والكاتبات إلى محاولة لإلقاء حجر في المياه الراكدة
والأغرب أنه طلب منا أن نلحق به إلى المطبخ لندفع له. كان الأمر مخيفاً. حاولنا مساومته، وحاول هو تخويفنا بهيئته المخيفة وصوته الغليظ ومسألة الحساب في المطبخ. لكننا تماسكنا وخضع هو لمساومتنا بعد فترة وقام بتخفيض 500 ليرة من قيمة الفاتورة.
لم تكن الأموال التي في حوزتنا كافية لدفع هذا المبلغ. كنت أحمل بعض الدولارات، فطلبت منه تصريفها لنتمكن من تجميع 4500 ليرة المطلوبة، وهنا قام الرجل بسرقتنا مرة أخرى، فقد صرّف الدولارات بأقل من قيمتها، وقال لنا عليكم بالنزول إلى المدينة إذا أردتم سعراً عادلاً، أما هنا في الجبل فهذه هي أسعارنا.
دفعنا له وغادرنا ونحن نشعر بظلم فادح. كنا نُهبنا بالمعني الحرفي للكلمة. استوقفنا سيارة تاكسي وغادرنا الجبل. وأثناء نزولنا توقف سائق التاكسي عند "سبرتاية" تضعها سيدة مسنة على جانب الطريق وتجهز بها الشاي لمن يريد، اشترى لنفسه كوباً من الشاي.
سألت سائق التاكسي: بكم الشاي يا حجي؟ أجاب: 5 ليرات. أذهلنا الرقم. وتيقننا من أننا تعرضنا لعملية "نصب" صارخة. لذلك قصدنا فوراً وزارة السياحة، وقدمنا هناك شكوى ضد ذلك المطعم، وفي اليوم التالي أرسلت الوزارة معنا سيارتين محملتين بالعساكر واصطحبونا إلى الجبل مجدداً. كانت تلك هجمة مرتدة قمت بها مع صديقي الجزائري.
رأيت الذعر في عيني صاحب المطعم الذي نهبنا، والذي أسرع بإخفاء القبضاي في مكان ما، ثم بدأ في تقديم اعتذاراته. انقلب الموقف. وموظفي وزارة السياحة أعادوا لنا أموالنا، وأكدوا أننا إن لم نسحب شكوانا سيقومون بإلغاء ترخيص عمل المطعم.
بدأ صاحب المطعم في التوسل، وأخذ يقول إنني يجب أن أعرف أن هناك ما يسمى بـ "الأسعار السياحية" وأن "خان الخليلي" مثال على ذلك، غير أنني كنت أستمتع في تلك اللحظة بعملية رد الاعتبار، واشترطت على صاحب المطعم أن يحضر ذلك البلطجي الذي (حاسبنا في المطبخ) ليقدم اعتذاره. فاستدعاه صاحب المطعم، وجاء القبضاي بنظرة كسيرة متجرداً من أساوره البلاستيكية المطعمة بالحديد.
واعتذر وراح يترجانا لنسحب شكوانا، ثم سحبني إلى أحد أركان المطعم وترجاني ألا أخبر الشرطة بمسألة تصريف الأموال لأن هذه القضية لا تصالح فيها وأنه سيسجن فوراً.
واستمتع صديقي الجزائري بإذلال القبضاي وتهديده، بل وفكر في ابتزازه ببعض المبالغ الإضافية. غير أننا في نهاية المطاف، وبعد أن استعدنا أموالنا، ودفعنا فقط 250 ليرة نظير كأسي الشاي وبعض المقبلات، تنازلنا عن شكوانا وتركنا صاحب المطعم والقبضاي بعد أن لقناهم درساً.
عندما رجعت إلى القاهرة، كانت هذه الحكاية جاهزة بين يدي، لا ينقصها سوى أن أعالجها وأنسبها لشخصيات روايتي ثم أكتبها. هنا فهمت معنى مقولة بول أوستر عن الحكايات التي لا تحدث إلا لمن هو مؤهل ليحكيها.
لكيلا تقول للخليفة إنه كالكلب
الإقامات الفنية سبب آخر قد يدفع الكاتب للسفر، وأقدم الإقامات الفنية التي أعرفها كانت تلك الخاصة بالشاعر علي بن الجهم الذي مدح الخليفة المتوكل قائلاً: أنت كالكلب في حفاظك للود/وكالتيس في قرع الخطوب/ أنت كالدلو لا عدمناك دلواً/من كبار الدلا كثير الذنوب.
وهي محاولة من بدوي لمدح الخليفة والتقرب منه، غير أن البداوة جعلتها تخرج بهذه الفظاظة والغلظة، وقد أدرك المتوكل حسن نوايا ابن الجهم وخشونة لفظه، فأمر له بمنزل ذي بستان على نهر دجلة قرب الجسر في وسط بغداد وجعل الشعراء يجالسونه لستة أشهر، وبعدها استدعاه المتوكل ليسمع منه، فخرج بعدها ابن الجهم بالبيت الغزلي الأشهر: عيون المها بين الرصافة والجسر/جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري.
ولم تختلف فكرة الإقامات الفنية في زمننا هذا عن تلك التي خضع لها علي بن الجهم، وإن كان ما جدّ عليها هو الإقامة في بلدان أبعد. فابن الجهم انتقل من بادية العراق إلى حاضرتها، أما ما يجري الآن فهو انتقال إلى بلدان بعيدة؛ فعندما يحصل الكاتب على تلك الفرصة للإقامة الفنية، يتجه على الأغلب إلى دولة غير عربية من تلك التي توفر مساكن للكتّاب واستضافات فنية، في بيوت الكتّاب، وتوفّر لهم راتباً شهرياً وتؤّمن لهم ما يكفيهم من عوامل الأمان، كالتأمين الطبي وغيره.
وقد باتت بعض المؤسسات الثقافية تقدم منحاً تم تصميمها خصيصاً لهذا الغرض، مثل مؤسسة "مفردات" و "بروهلفتسيا".
"يتعلم الإنسان متى انفتح على التجارب"
وعادة ما تتضمن تلك المنح أنشطة ثقافية يقوم بها الكاتب، كالأمسيات الشعرية والأدبية، أو مناقشة طلاب الجامعات والقيام بزيارات لطلاب المدارس. كما يُطلب منهم في العادة البدء في الاشتغال على مشروع أدبي جديد، وقد تطلب بعض تلك الجهات التي تؤمن منح الإقامة الفنية من الكاتب أن يُسلّم قبل انتهاء مدة إقامته الفنية ما استطاع أن ينجزه في مشروعه، بغرض تقييم مدى فعالية المنحة.
القِ حجراً في المياه الراكدة
حصلت الكاتبة البريطانية هيلاري مانتل على جائزة مان بوكر مرتين، مرة في 2009 عن رواية "قصر الذئاب"، ومرة في 2012 عن رواية "أخرجوا الجثث"، وهي السيدة الوحيدة التي حققت هذا الإنجاز.
ولهذه الكاتبة البريطانية المهمة مقولة شديدة الأهمية متعلقة بمسألة "حبسة الكتابة"، أي تلك الحالة التي لا يعود فيها الكاتب قادراً على الكتابة، وقد تمتد تلك اللحظة من عدّة ساعات إلى شهور طويلة، كفيلة بإصابة الكاتب بالاكتئاب.
تقول هيلاري مانتل: "إذا واجهتك حبسة الكتابة عزيزي الكاتب، اخرج من مكتبك، اذهب في نزهة، خذ حماماً دافئاً، اذهب للنوم، اخبز فطيرة، ارسم شيئاً، استمع إلى الموسيقى، تأمل، مارس الرياضة. مهما حصل، لا تجلس فقط وتتذمر من عدم قدرتك على الكتابة".
ومن بين جميع تلك المقترحات التي قدمتها مانتل، سأنتقي فعل "الخروج في نزهة"، لكنني لا أقصد هنا نزهة قصيرة في الأحياء المحيطة بالبيت، أو في نفس المدينة. لا. أنا أقصد تطوير ذلك الاقتراح لجعل تلك النزهة بعيدة للغاية عن بيتك. فليجهز الكاتب حقيبته، وليتصل بالمؤسسة التي يعمل بها ويحصل على إجازة إن كان ذلك متاحاً، ثم ليقطع تذكرة طيران أو تذكرة قطار وليسافر.
السفر حلٌّ جيد جداً للالتفاف حول أزمة "الورقة البيضاء" وحبسة الكتابة، لاسيما تلك الحبسة التي تطول لفترات تتجاوز الشهر، والتي تكاد تتحول مع الوقت إلى عاهة مستديمة في إمكانيات الكاتب.
هناك تكلّس ما وتخثّر يصيب الروح، ويعرقل العملية العقلية والحالة الكيميائية التي تساعد الكاتب على الكتابة. وهنا يجدر بالكاتب أن يقاوم ذلك من خلال السفر، الذي يتحول في هذه الحالة إلى محاولة جادة لإلقاء حجر في المياه الراكدة.
وليرغم الكاتب نفسه بعد ذلك، على محاولة تدوين انطباعاته عن تلك السفرة، سواءً أثناء وجوده فيها، أو بعد عودته. تلك التدوينات ستكون الخطوات الأولى على درب العودة للكتابة. ومن يدري؟ قد يحدث هنا أن يصادف الكاتب واحدة من تلك الحكايات التي لا تحدث إلا لهؤلاء القادرين على أن يحكوها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون