الأبدية، طريق طويل إلى إيثاكا
قبلَ أنْ يجنَّ الفتى
كعادتِهِ
يمرُّ دون أن يلقي التحيّة
خشية ألاّ يرد عليه أحد
مطرقاً يعبر أبواب البيوت
كما لو أنّها أضرحة
وكعادته، يغرق في التذكّر طويلاً
ليمحو الأسماء والأمكنة
ويمضي إلى منفاه حزيناً
يعيدُ قراءةَ صور المدن القديمة
تلك المدن
التي تشتعلُ في رماد المكاتيب.
*****
هوَ كأسٌ تفيض بما ينقصُ منها
يحلمُ أن يكتبَ قصيدة
عن الأزرار العالقةِ في أصابعه
فيصيبهُ خجلُ القمصان
حين تلاعبُها الريح
لذلك يفتحُ فمَهُ عند كلِّ منعطف
ويتذرَّعُ بنسيان العناوين
عندما يضيع.
*****
صارَ شبيهاً لها
تلكَ التي تنازلت للطين عما ينقصهُ من ملامحها
ذلك ما يجعلهُ كاملاً في مراياها
التي تقلقُ صفحةَ الماء
حين ينظر إلى وجهِه، في البئر العتيقة.
كلُّ شيءٍ يأخذهُ إلى المعنى الناقص. وهو يضحكُ كالأبله، فرحاً بالهمّة التي تتنزل عليه... مجاز في رصيف22
*****
هذه الكأس ليستْ لي
مادامت فارغةً
وهي بالتأكيد ليست لكِ
لذلك لن نكترثَ
حين يطوِّحُ بها سكرانٌ
أو يسقطُها طفلٌ عن الطاولة
فلمْ نكن ننظرُ إليها بلهفة
حين تيبَّستْ شفاهنا
كأسٌ شاردة
من قنّينةِ نبيذٍ فارغة
وربَّما من نهرٍ حوّل الأعداء مجراه
إلى بركة أناخوا قربَها جمالَهم
وأشاروا إلى جواميسهم، لتسبحَ قرب شريعته
وهي على أيَّةِ حال ليستْ لأحد
فلماذا يعدُّها البعضُ من أثاثِ ليلتنا
حين يبصرون ملامح القناعة على وجهينا
، مادام قلبها لا يتَّسعُ
لتغدو مقبرةً زجاجية فارهةً
حين نفكِّرُ بالموت؟
*****
ينفخُ في الرماد طويلاً
لعل جمرة ميتة
تعترف بخطاياها فتشتعل
يهتف: ياربّ، وينسى ما يريد
ينسى أن يكونَ مهذَّبا وذليلاً
حين يجاهرُ بالمعصية
وينتصرُ لغصنٍ هاربٍ من اخوته
هو ذاته الغصن الذي أخبره
أنَّ الحفيف سيقودهُ حتماً، إلى الشجرة.
*****
كلُّ شيءٍ
يأخذهُ إلى المعنى الناقص
وهو يضحكُ كالأبله
فرحاً بالهمّة التي تتنزل عليه
بينما ينظّفُ أثر العابرين في حياتهِ
كما لو أن أحداً وهبَهُ مسدّساً محشوّاً
ليطلق النار على الرغيف المثلوم
في بقايا المائدة
والرجل الذي أخطأ العنوان
فطرق الباب كي يسأله عنهُ
والمرأة التي نامت بعيداً
دونَ أن تخبره
على أيِّ جهة وضعت جنبها.
كلّما هممتُ برمي حجرٍ، ماتَ في يدي. يدي الّتي تلعثمتْ عندما أوهمَتْها عيني أنّ العالم كلّه من زجاج... مجاز في رصيف22
*****
قبل أن يجنَّ
دخَّن سيجارتين ومات
- ألمْ تقلْ إنَّه جنَّ
بعد سيجارتين من الوقت؟
- بلى، قلتُ ذلك لأنّي لم أعثر عليه
قرب رصيفٍ كان يؤمُّهُ عاقلاً
فتَّشتُ عنه قلوبَ النساء
جيوبَ الفلاسفة وخرائب البلادِ
وحين تعبتُ من التجوال
قلتُ لهُ: ابقَ حيث أنت
ريثما أعودُ غداً أو بعدَ غد
سيكونُ معي من الوقتِ سيجارتان
وجنونٌ غزير
أهيلُه على خطواتِ من يبحثون عنك
قبل أنْ تموت.
سوانحُ منتصفِ النهار
كلّما هممتُ برمي حجرٍ
ماتَ في يدي
يدي الّتي تلعثمتْ
عندما أوهمَتْها عيني
أنّ العالم كلّه من زجاج.
*****
يمكنُ تأنيثُ الحزن
مثلما يمكنُ تذكير الدمعة
كلاهما واقفان على بابِ الروح
رهناً لإشارة من الظلام
وحسبكَ عندئذ أن لا يراك أحد
حسبكَ أن يرتطمَ بك
مبصرٌ، أو أعمى ممن يبحثون عنك
ليعلن على الملأ بسعادة ٍ بالغة
أنّه يمسكُ بقميصك
وعليه أن يمضي بك إلى الواقفين في الضوء
ليعرفوا من أنتَ
وكيف سقطتَ في هذه البركة المعتمة؟
*****
في خاطر العربةِ المسرعة
رجلٌ في الطابق الثالث
يتخيّر لنفسه بلاداً تحت عجلاتِها
لكنّه يتمهّل
كلّما أبطأ السائق لسببٍ مجهول
يتمهّل
كي يردّ على مكالمة حبيبته
يقول لها إنّه بخير
وإنّه أقرب من الآخرين إلى السماء
وإنّه لم ينس أن يلبس قميصاً
هيّأته له هذا الصباح.
رجل يرى في الطابق الثالث
مالا يكفي للتحديق بوضوح
في شكل بلادٍ ستواري جسده
رجلٌ في خاطرِ العربات جميعها.
*****
لا أحدَ يتحدّث عن عاصفة
رجلُ المرور
يكتفي بتحذيرِ العربات
التي تعبر الطريق الصحراوي
البحّارة ينامون ليلةً أخرى في فندق المدينة
القتلةُ يغتنمون الفرصة
عند اختلاطِ دخانِ الرصاص بالغبار
العشّاق يلعنون سوءَ الطالع
بينما رجل وحيد
يواصل حرق أشياء قديمة
ماتت في ذاكرته
وينثر رمادها في الفضاء
ثم يفتّش عمّن يحزنه تشوّش الرؤية
فيتحدَّث بألم عميق
عن العاصفة.
في خاطر العربةِ المسرعة، رجلٌ في الطابق الثالث، يتخيّر لنفسه بلاداً تحت عجلاتِها، لكنّه يتمهّل كلّما أبطأ السائق لسببٍ مجهول... مجاز في رصيف22
*****
لا أُغيِّرُ عاداتي
لكنّي على الأَقلِّ
أَسعى إلى ابتكارِ صيغةٍ أقلَّ ضراوةً
للأملِ
فألوِّحُ بيدي في الشّارعِ
كمنْ يريدُ ترويعَ حمامةٍ
ولستُ أعنيكَ أبداً أيُّها التأريخ
فأنتَ سائقُ حافلةٍ بغيضٌ
تثيرُ كثيراً منَ الغبارِ حينَ تقتربُ
وعلى البابِ
سأكتبُ كثيراً من العباراتِ
الَّتي لا يعرفُها أحدٌ سواها
لتطمئِنَّ إلى نومي
في زاويةٍ قَصِيَّةٍ من المنزلِ
قبل أن تقفلَ بابَ الحُزن
على تواريخ مبهمةٍ
و بيتٍ طينِيٍّ يفتِّشُ عنْ نارٍ
تمْنَحُه رداءً من الخزَف.
*****
أضيعُ أحياناً
كما يضيعُ خاتمٌ في بئر
فيتوهّم من أحبهّم أنّي دلوٌ خائب
لكنّي في النهاية
أعثر على نفسي ملقىً على اليابسة
مبتلاًّ ووحيداً
كذئبٍ أدركه المطر
فتراقصتْ أعضاؤه
وارتعش كيْ ينفضَ الماء عن جلده
ثمّ مضى تاركاً وراءه
فكرةً عن الخاتم الذي ضاع
في رأس امرأة تلوّن أظافرها
في بهو المنزل
وفكرة أخرى
عن الدّلو الّذي يشتعل عطشاً
في رؤوسٍ تتناوحُ
حيثما رأت غيمة سوداء
أو حبلاً يتهادى وحيداً
كمن يعلن عن نجاته من الغرق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...