مع تزايد التقارير التي تفيد بأن صناعة ألعاب الفيديو قد تصل إلى 300 مليار دولار بحلول العام 2025، فليس سرّاً القول بأن الأفراد ينجذبون فعلاً نحو عالم ألعاب الفيديو.
ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يحب الأفراد ألعاب الفيديو هذه وينغمسون بها لدرجة أنهم ينسون الاهتمام بالحبيب/ة؟
نظراً لانتشار هذه الألعاب، كَثُر الحديث حول طبيعتها التي تسبب الإدمان، وكيف يمكن أن تؤثر سلباً على العلاقات الاجتماعية، ولكن هل من الممكن الاستمتاع بأحدث لعبة فيديو وفي الوقت نفسه تعزيز الزواج؟
الطلاق بسبب... لعبة
في العادة، تبدو ألعاب الفيديو وكأنها مسؤولة بشكل مباشر عن تدهور العلاقة الزوجية، بحيث تظهر ثقافة البوب والكتب والأفلام أو الرسومات الكوميدية، امرأةً غاضبة وأمامها زوج غير مبال، ينشغل عنها لساعات وساعات بسبب لعبة فيديو طُرحت حديثاً في الأسواق، فينتهي الأمر بالشجار والصراخ ين الطرفين، بخاصة وأن الزوجة حاولت مراراً وتكراراً لفت نظر شريكها، إنما من دون جدوى.
هل يحب الأفراد ألعاب الفيديو هذه وينغمسون بها لدرجة أنهم ينسون الاهتمام بالحبيب/ة؟
واللافت أن العديد من الدراسات تحدثت عن التأثير السلبي الذي يمكن أن تحدثه الألعاب على العلاقات الزوجية.
فقد كشف موقع Divorce Online في العام 2018، أنه شهد زيادة ملحوظة في لعبة Fortnite باعتبارها سبباً للطلاق بين مستخدميها، إذ تم ذكر في حوالي 5% من جميع أوراق الطلاق في ذلك العام أن هذه اللعبة كان لها دور بارز في إنهاء العلاقة الزوجية.
وفي دراسة سابقة نُشرت في العام 2012 من قبلJournal of Leisure Research، وجد الباحثون أن 75% من أزواج اللاعبين (غالباً من الذكور) يرغبون في أن يبذل شريكهم جهداً أكبر للاهتمام بالعلاقة الزوجية، مشيرين إلى أن هذه الألعاب تسببت في نشوء حالة من عدم الرضا والخلافات المستمرة، لكونها جاءت على حساب الحميمية والوقت المخصص للأسرة.
ومع ذلك، كشفت الدراسة نفسها أنه من بين الأزواج الذين تشاركوا اللعب، أشار 76% إلى أن هذا الوقت كان مثمراً لزواجهم، بحيث أنهم شعروا برضا أكبر في علاقتهم لأنهم كانوا في نفس الفريق، وبالتالي خلصت الدراسة إلى القول إن اللعب المشترك يصنع العجائب.
تقوية العلاقة الزوجية
في الواقع، ليس امتلاك لعبة فيديو أو لعبها بشكل عرضي من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الزواج، بل المشكلة تكمن في مقدار الوقت والمال الذي ينفقه المرء على اللعب.
ولكن هذه المسألة لا يمكن تعميمها، حيث إن التجربة مرتبطة بكل ثنائي، فبعض الأزواج كشفوا أن اللعب سوياً بألعاب الفيديو قد جعل زواجهما أقوى، وهو حال الصحافية إيمي هاريسون ويست مع زوجها جيثرو، حيث أكدت أن ألعاب الفيديو ساهمت في تقوية علاقتهما الزوجية وزادت من قربهما أكثر من أي وقت مضى.
فقد أشارت إيمي إلى أنه كان قد مضى على زواجهما سنة واحدة وهما يقومان بكل الأمور الممكنة في ظل تفشّي فيروس كورونا والإغلاق العام: الركض، إعداد الوصفات الموجودة في كتب الطبخ، تغيير الديكور، غير أن الأمور أصبحت متوترة بشكل كبير، بخاصة وأن هذه ليست الحياة المعتادة للمتزوجين حديثاً.
ونظراً لاختلاف شخصيتهما وطريقة التفكير، أوضحت الكاتبة أنهما لم يفكرا يوماً باللعب معاً بألعاب الفيديو، وعليه، كانا يعيشان في عالمين منفصلين أثناء أوقات المرح، وبالتالي كان اللعب بالنسبة إليهما غير قابل للمشاركة، حتى تحوّل إلى مواعدة ينتظرانها بفارغ الصبر.
"أشبه بليالي المواعدة"
وجد باحثون من جامعة بريغهام يونغ أن الأزواج ليس لديهم مشكلة في أن يمضي شريكهم ساعات طويلة على الإنترنت، ولكن شعروا بالضيق عندما تسببت الألعاب في التدخل المفرط في روتين وقت النوم: الأزواج الذين لم يخلدوا إلى الفراش في نفس الوقت أفادوا بدرجة أقل من الرضا الزوجي.
من جهتها، أوضحت إيمي هاريسون ويست أنه أثناء الإغلاق العام، شعرت بالتوتر الكبير من فكرة شراء Nintendo Switch، لكونها كانت تتخيل نفسها وهي تلعب حتى الساعة الرابعة فجراً، بينما ينام زوجها بمفرده في السرير، والعكس صحيح.
لكن الأمور كلها تبدلت مع شراء لعبةThe Legend of Zelda: Breath of the Wild، وفق ما أكدت: "هي قوة لا يستهان بها في عالم الألعاب، إنها حقاً تحفة رقمية ورائدة في المجال. عندما جلست لأول مرة مع زوجي لمشاهدته وهو يلعب هذه اللعبة الجديدة، كنت متوترة وخائفة على زواجنا"، مشيرة إلى أنه كان هناك مجموعة من المهام القتالية والألغاز الرقمية والمنطقية، فاعتقدت للوهلة الأولى بأنه ليس لديها ما تقدمه، ولكن في نهاية المطاف انتهى بهما الأمر للعب معاً كفريق واحد.
وكشفت إيمي أنها كانت تكتشف أجزاء من الألغاز اعتماداً على زاويتها الإبداعية، فتقدم النصائح والحلول للمشاكل على طول الطريق، الأمر الذي جعل زوجها يشعر بالامتنان ويحترمها كزميلة له في الفريق: "كل ليلة أثناء الإغلاق، كنا ننظر إلى بعضنا ونقول كلمة واحدة: زيلدا؟ أصبح الأمر أشبه بليالي المواعدة".
وتابعت بالقول: "قدم لنا اللعب معاً، كفريق واحد، نوعاً جديداً من التعاون والاعتماد على بعضنا البعض، وفي النهاية القرب الجسدي على الأريكة. كنت أكافئه بالقبلات السخيفة وأضرب كفي بكفه، بينما كان يشعر بفخر لإنجاز شيء ما بمساعدتي".
وأضافت إيمي: "لقد علمني اللعب كفريق كيف أكون أكثر صبراً مع زوجي، وأن أستمتع بصحبته وأدرك قيمتي عنده كشريكة في الحياة وكلاعبة"، منوهة بأن زوجها بدوره أدرك قيمة طلب المساعدة منها.
وعليه، أعربت عن امتنانها للألعاب الإلكترونية التي جعلت زواجها أقوى من أي وقت آخر، بخاصة وأنها تساعدهما على تجاوز أي عقبة قد تصادفهما في المستقبل.
في حديثها مع رصيف22، كشفت الأخصائية في علم النفس، لانا قصقص، أن ألعاب الفيديو ليست هي التي تساهم في تعزيز وتقوية العلاقة الزوجية، إنما اللعب المشترك هو الأمر المفيد للأزواج، لكونه يبعث شعوراً بالفرح والسعادة: "هذه الألعاب تجعل المرء يشعر أن هناك أموراً مشتركة بينه وبين الشريك/ة".
واعتبرت قصقص أن هذا الشعور يُشبع حاجات الأزواج ويساعدهم على ترميم العلاقة الزوجية وعلى تعزيز الحاجة الشخصية للترفيه، كما تشكل هذه الألعاب أرضية مشتركة للأزواج لكي يفرّغوا نفسياً كل الضغوطات التي يتعرضون لها خلال النهار: "عندما تكون الself-care (الرعاية الذاتية) مشتركة بين الأزواج، فإن هذا الأمر من شأنه تعزيز العلاقة بين الطرفين"، مشددة على ضرورة عدم جعل ألعاب الفيديو هذه تتحول إلى إدمان.
"قدم لنا اللعب معاً، كفريق واحد، نوعاً جديداً من التعاون والاعتماد على بعضنا البعض، وفي النهاية القرب الجسدي على الأريكة. كنت أكافئه بالقبلات السخيفة وأضرب كفي بكفه، بينما كان يشعر بفخر لإنجاز شيء ما بمساعدتي"
بدورها، أكدت معالجة العلاقات الزوجية، شاريس كوك، أن اللعب المشترك هو أمر إيجابي للزواج، شارحة ذلك بالقول: "بطبيعتنا كبشر نحب المنافسة. في المواقف التي يتنافس فيها الأزواج مع بعضهم البعض، أو ينضمون كفريق ضد آخرين، يمكن أن ينتج عن هذه التجربة ترابط عميق. الهرمونات التي يتم إفرازها في الدماغ هي المواد الكيميائية التي تبعث على الشعور بالسعادة والتي تحفز الدوافع الأكثر بدائية فينا، والمتعلقة بالتقارب والترابط والبهجة".
وبالتالي، شددت شاريس على أن العودة إلى وضع يسوده المرح والتنافس يمكن أن "يشعل أو يعيد إشعال الشرارة والكيمياء بين الأزواج".
في النهاية، ليست ألعاب الفيديو نفسها التي تؤدي إلى الطلاق أو إلى تقوية العلاقات الزوجية، بل توازن الوقت هو ما يصنع الفرق في العلاقة العاطفية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...