شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الحقوقيات يتجادلن والنساء يعانين... هل حان وقت تعديل قانون الأسرة في الجزائر؟

الحقوقيات يتجادلن والنساء يعانين... هل حان وقت تعديل قانون الأسرة في الجزائر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 29 نوفمبر 202101:59 م

عاد قانون الأسرة الجزائري إلى ساحة النقاش وسط محاولات من المدافعين عن حقوق النساء للفت الأنظار إلى ما يرونه موادَّ تشكل خطراً على استقرار المجتمع وتهديداً للأسر، ومحاولات مضادة تسعى لإبقاء الوضع كما هو عليه برغم ما يشكله من ضغوط على الأطفال والنساء.

وأجمع مشاركون في منتدى رقمي أقيم تحت رعاية "جمعية حورية للمرأة الجزائرية" في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، على أنه لا بد من "استدراك الثغرات الواردة في قانون الأسرة لإنصاف المرأة والقضاء على الظواهر التي باتت تهدد نسيج المجتمع المحلي كالطلاق والزواج السري".

وركّز المشاركون في نقاشهم على المادتين 11 و66 من قانون الأسرة، اللتين تنظم أولاهما الولاية على المرأة في الزواج، فيما تنزع الثانية عنها حقها في تربية أبنائها لدى زواجها من آخر، إذا ما طلِّقت من الأب.

وتنص المادة 11 من قانون الأسرة على ما يلي: "المرأة الراشدة تعقد قرانها بحضور الولي حيث أن لها الخيار في اختيار وليها سواء كان الأب أو أحد أقاربها أو أي شخص تختاره". أما المادة 66 فتنص على انتزاع الحضانة من الأم في حال إعادة زواجها وتمنحها للأب رغم تكراره الزواج.

وأقر قانون الأسرة لأول مرة عام 1984، وأجريت عليه تعديلات عام 2005 وصدر بموجب أمر رئاسي.

اتفق مدافعون عن حقوق النساء على أنه لا بد من استدراك الثغرات الواردة في قانون الأسرة لإنصاف المرأة، والقضاء على الظواهر التي باتت تهدد نسيج المجتمع المحلي كالطلاق والزواج السري

ثغرات تجور على النساء

تقول عتيقة حريشان الناشطة النسوية والمشرفة على المنتدى لرصيف22: "ليس من العدل إطلاقاً أن تحرم الأم المطلقة من فلذة كبدها إذا قررت الزواج مرة أخرى، مقابل منح الحضانة للأب وزوجته. فالمنطق الذي كان يجب مراعاته في المادة 66 من قانون الأسرة هو الاستماع إلى الطفل بحضور والديه وترك حرية الاختيار له".

وتضيف: "وليس من المنطقي أيضاً أن تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها وهو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخص آخر تختاره هي وفقاً لما تنص عليه المادة 11 من القانون السالف الذكر، فالأصل ما كان معمولاً به في القانون المؤرخ في 27 فبراير/ شباط 2005 إذ تنص المادة السابقة أن يتولى زواج المرأة وليها وهو أبوها فأحد اقاربها الأوليين والقاضي ولي من لا ولي له".

ووفق الناشطة الحقوقي، فإن بعض المواد الواردة في قانون الأسرة انعكست سلباً على المرأة الجزائرية، وإن "قطاعاً عريضاً من المطلقات يعانين الأمرين بسبب الخوف من خسارة أطفالهن. لذلك يرفضن إعادة بناء حياة جديدة رغم صغر سنهن، بينما تلجأ أخريات إلى الزواج العرفي، أي عقد القران بقراءة الفاتحة تحت إشراف إمام المسجد من دون توثيق ذلك العقد في الدوائر الإدارية، مضحية بحقوقها الاجتماعية والأسرية".

وبحسب حريشان يمكن اعتبار الزواج السري في الجزائر "زواجاً للمتعة الجنسية. فأغلب الأزواج الذي يفضلون الزواج السري يرحلون ويتركون زوجاتهم من دون نفقة أو مسكن زوجي أو حق لهن في الميراث إذا فارق الزوج الحياة. إضافة إلى ذلك هناك تبعات خطيرة أخرى تتمثل في صعوبة إثبات نسب الأبناء قانونياً وشرعياً".

وحذّرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (تنظيم حقوقي بارز) من ارتفاع أعداد الولادات خارج إطار الزواج، وهو ما يفاقم ظاهرة الأطفال المجهولي النسب. وأشار التقرير الحقوقي إلى أنَ مجهولي النسب هم "نتيجة مباشرة للعلاقات غير الشرعية، وكذا حالات الزواج العرفي التي لا تُسجّل رسمياً ويقوم الزوج فيها بالتنصل من مسؤوليته الاجتماعية كأب".

ناشطة نسوية: الزواج السري في الجزائر "زواجاً للمتعة الجنسية". أغلب الأزواج الذي يفضلون الزواج السري يرحلون ويتركون زوجاتهم من دون نفقة أو مسكن زوجي. إضافة إلى صعوبة إثبات نسب الأبناء قانونياً وشرعياً

وتحدث التقرير الحقوقي عن تسجيل حالات "تحايل" على قانون الأسرة المعدل في عام 2005، والذي يشترط موافقة الزوجة الأولى لإتمام الزواج الثاني، إذ يلجأ الرجال للزواج سراً بالزوجة الثانية، وهذا ما يهدد حقوقها وحقوق أبنائها من الزوج في الاعتراف والتسجيل.

شهادات

زهرة مطلقة تعمل في إحدى الجهات الحكومية، قالت خلال الندوة الرقمية: "أردتُ أن ابدأ حياة جديدة بعد ماض سلبي، بالأخص بعدما قرر طليقي إعادة بناء حياته عقب الانفصال. غير أنني فشلت بسبب رفضه التنازل عن حضانة ابنتنا البالغة من العمر عشر سنوات". بحسب المادة 66 من قانون الأسرة يحق لزوج وهرة أن يأخذ ابنتها لتعيش معه وزوجته الجديدة وتحرم أمها منها إن أرادت الزواج. تقول: "رغم إقراره بعدم رغبته في التكفل بابنته، وعدم التزامه دفع النفقات المترتبة على الطلاق كتكاليف النفقة والإيواء، بمبرر أنه شخص عاطل عن العمل وهو مسؤول عن عائلة أخرى، يرفض منحي حق الحضانة حتى يتسنى لي البداية من جديد مع شريك آخر وابنتي معي".

وتحكي أسماء، وهي في العقد الثاني من عمرها، من مدينة تبسة الحدودية مع تونس معاناتها مع المادة 66: "زواجي به كان تقليدياً عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري. كان في البداية هادئ الطباع غير أنه تحول إلى وحش بعد الزواج، يثور بسبب خطأ بسيط ويقلب الدنيا رأساً على عقب على مرأى من أهله. تحملت كثيراً لأن كل هذا وقع مع حملي الأول".

وتضيف: "لم أستطع التكيف مع طباعه ولم أتحمل طريقة تعامله العنيفة معي، خاصة بعدما أصبح يضربني. طلبت منه الطلاق غير أنه رفض. حتى أهلي رفضوا الفكرة، وقررت المقاومة ثم أنجبت الطفل الثاني وبقيت الأوضاع على حالها، وبعد تسع سنوات من الصبر والتحمل والعناء قررت الطلاق وهو ما وقع فعلاً وعدت إلى بيت أشقائي".

وتواصل أسماء: "بسبب الظروف الصعبة التي كنت أعيشها وعدم التزامه دفع النفقة وما يترتب عن الطلاق من تكاليف، فكرت في بدء حياة جديدة غير أن المادة 66 من قانون الأسرة حالت دون ذلك، فبعض النساء اللواتي قررن إعادة الزواج رفعت عليهن دعاوي قضائية من أجل إسقاط الحضانة".

"ليس إنسانياً بل كارثي"

ترى الناشطة الحقوقية دليلة حسين أن التعديلات التي أدرجت على القانون عام 2005 "كانت لها عواقب وخيمة، بالأخص المادة 66". لأن هذه المادة عززت – في رأيها- الزواج السري بين المطلقات. تقول: "المرأة المطلقة التي تلجأ إلى الزواج العرفي (السري) تجد نفسها في مواجهة العديد من الأخطار، أبرزها قضية إثبات النسب أو إلحاقه، فهي تصنف في خانة المشكلات العويصة التي تعبث بالنسيج المجتمعي وتهدد مستقبل الأبناء بسبب غياب عقود الزواج المحرر في سجلات الحالة المدنية، لذلك حان الوقت لاستدراك هذه الثغرات".

وتعتقد أن قانون الأسرة يفرض وضعاً "غير قانوني وغير إنساني. بل هو كارثي. ظلم الكثيرات وجعلهن يتجرعن مرارة ألم لا يحتمل ولا يطاق وحالة مادية مزرية".

وتُصنف حسين قانون الأسرة في خانة القوانين الشائكة، لأنه "ارتبط بمعركة دحساء بين الإسلاميين والعلمانيين"، ارتفع لهيبها مع بداية التسعينيات عندما وصل التيار الإسلامي إلى الحكم. غير أن الحرب هدأت بعد وصول الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في نهاية التسعينيات.

محامية: التطورات الأخيرة التي شهدها المجتمع الجزائري تقتضي تحييد قانون الأسرة بعيداً عن أي صراعات ونزاعات سياسية

وتقترح فتح المجال لجمعيات متخصصة في شأن الأسرة "يشرف عليها قانونيون وشرعيون ومختصون في علم النفس وعلم الاجتماع، يسند لها القيام بدور الوساطة لحل القضايا الشائكة داخل الأسر".

على النقيض من ذلك، تدافع المحامية والناشطة الحقوقية المعارضة زبيدة عسول (واحدة من اللواتي يناضلن من أجل تكريس المساواة بين المرأة والرجل) عن القانون المعمول به حالياً، وبالأخص المادة 11 (الخاصة بالزواج من خلال ولي) وتقول لرصيف22: "لا ينبغي إطلاقاً التغاضي عن الضغوط التي يُمارسها الآباء على بناتهم من أجل تزويجهن، فهناك من يزوجها والدها بالقوة مع من لا ترغب فيه، لذلك أنا من المؤيدات لنص هذه المادة".

وتنادي بتكريس المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون بحصولها على نفس الحقوق والواجبات، إذ اقترحت مثلاً أن تحمل وثائق ملكية المساكن في الجزائر اسم الزوجين معاً بدلاً من اسم الزوج وحده، "فغالبية الرجال عند تطليق زوجاتهم يستحوذون على المسكن ويطردون زوجاتهم للشارع ويعطونهن نحو 40 دولاراً أمريكياً".

وتقول المحامية والحقوقية زهرة عباس إن التطورات الأخيرة التي شهدها المجتمع الجزائري تقتضي تحييد قانون الأسرة بعيداً عن أي صراعات ونزاعات. وتضيف: "بعض المواد التي تم تعديلها سنة 2005 كان لها عواقب وخيمة، أهمها بروز ظاهرة الزواج العرفي كالمادة 11 والمادة 66 والمادة 07 حول التعدد وموافقة الزوجة الأولى. فهل هذه الموافقة مجدية؟ خاصة أن الزوج يمكن أن يتزوج بالفاتحة بموجب عقد شرعي ثم يأتي بالشهود، ويوثق له القاضي أو الموثق عقده الثاني؟".

وترى أنه من بين الأسباب الأخرى التي تدفع إلى تعديل قانون الأسرة "ظاهرة الطلاق التي باتت تأخذ منحى تصاعدياً في السنوات الأخيرة، وهو ما بات يشكل هاجساً لدى السلطات الجزائرية".

وتكشف أرقام رسمية عن ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الخمس الأخيرة إذ بلغت - حسبما كشف رئيس اللجنة الجزائرية بالاتحاد الدولي للمحامين فيصل درويش- نحو 68 ألف حالة طلاق في العام، أي حالة في كل ثماني دقائق.

وفي عداد المطالبين بمراجعة القانون بهدف إنصاف المرأة في المجتمع الجزائري، والرافضين لاستيراد القوانين الأجنبية الأوروبية، يترقب الجزائريون، خاصة النساء المتضررات، موقف السلطة من هذا الملف، وإذا كان الرئيس عبدالمجيد تبون سيستجيب للمطالبين بالتعديل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard