شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
ماذا ننتظر من قانون يبني علاقات الأسرة على حالة الفَرْج؟

ماذا ننتظر من قانون يبني علاقات الأسرة على حالة الفَرْج؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 16 فبراير 201902:41 م

ما الذي فُرض على المشترع السوري ليقدّم جملة تعديلات على قانون الأحوال الشخصية لأتباع الديانة الإسلامية؟ إذا كانت نتائج الحرب هي التي فرضت هذا التعديل كما يرى الكثيرون، فكم من حرب يجب أن نخضع لها وكم من موت جماعي يجب أن نتذوق لنصل لقانون أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه يحترم الإنسان بعلاقاته المتشعبة والتي لا تنفك في تطور مستمر لمتطلبات الحياة وشؤونها؟ وهل تغيير كلمة "نكاح" لزواج أو إضافة كلمة يحل كل منهما للآخر بدلًا من "تحل له"، هي القضية أم أن استبدال كلمة "تجبر" بـ "يجب" على الزوجة السفر مع زوجها، وغيرها من تعديلات لا تُؤخر ولا تقدم على منطق قانون أصبح قاصرًا وعائقًا في تنظيم أهم العلاقات والروابط التي يمكن أن يبنى على أساسها مواطنة الفرد بوصفه جزءاً من المجتمع وبالتالي الدولة؟

كإمرأة سورية، هل تعنيني تلك التعديلات؟

بالطبع لا، فقانون الأحوال الشخصية ما زال يؤكد على كلمة "ولي" في نصوصه، فالمادة 20 تصر على إمهال "ولي" المرأة مدة 15 يومًا ليبدي رأيه في زواجها وإلا أذن القاضي لها بالزواج. المرأة السورية المعلمة، والقاضية، والمهندسة، والطبيبة التي تعالج المشترع من دائه إذا أصابته نزلة برد أو ألمت به سعلة لا تزول أو استعصاء في التنفس، يشترط عليها القانون "ولياً" في زواجها. فهي لا تملك أمر نفسها لأنها قاصر مهما بلغ بها العمر عتيًا ومهما وضعت من مخططات هندسية، أو صنعت من دواء كيميائي، أو زرعت بساتين اللوز وهجنت أنواع البذور، فسيبقى القانون ومن وراءه المشترع  يرى أنها لا تملك حكمة تزويج نفسها، بينما هي ذاتها تملك حكمة إدارة وزارات وبلديات وجامعات في سوريا. فأي انفصام يضعه على عاتقنا قانون الأحوال الشخصية المعدّل؟

الشرع يقول 4 بشرط أو بدونه

المشكلة أن الكثير من الآراء الإيجابية حول تعديل قانون الأحوال الشخصية تُبنى على السمع. فيظن البعض أن الشروط التي يمكن وضعها في عقد الزواج ستشكل فارقًا لصالح المرأة. وطبعًا جميع الآراء ذهبت لتقول: "جيد، تستطيع المرأة الآن وضع شرط عدم الزواج بامرأة ثانية". وكأن مشاكل المرأة هي في الزواج بثانية، وليس بمجمل بنية قانون يعتمد على أحكام فقهية لزمن وعلاقات بلغت من العمر آلاف السنوات. بكل الأحوال، من يقرأ المادة يعلم أن نفس المادة تُبطل أي شرط في عقد الزواج يخالف الشريعة الإسلامية المادة  14، والشرع يقول للرجل، لك أن تتزوج أربعًا. وبذلك يكون الشرط باطلًا والزواج صحيحًا، وكل ما ستحصل عليه المرأة هو فقط حق فسخ العقد. أغرب من ذلك أن وضع شرط في صك الزواج ليس بأمر جديد، وهو موجود سابقًا، ورغم ذلك رأى البعض أنه أصبح الآن للمرأة أن تشترط العمل خارج المنزل. صحيح أن في سوريا شريحة من المجتمع لا يسمح فيها للمرأة بالعمل خارج المنزل بسبب بعض المعتقدات، إلا أن مسألة إذن الزوج أسقطته الحرب وأنهتها التبعات الاقتصادية التي وقعت على كاهل الأسر السورية، بل أصبح الزوج هو من يدفع زوجته للعمل خارج المنزل لمساعدته في أعباء البيت. فما هو الجديد في هذا التعديل.

بيت الزوجية في مهب قانون الأحوال

ما زال قانون الأحوال يعتقد بأن الزوج هو من يبني البيت، وهو من يأتي بسلال الخضر والفاكهة، بينما الزوجة تقبع في المطبخ تنفخ وتحرك اللبن لتصنع منه أقراص الشنكليش. في آخر مرة تودد إليّ شاب بنية الزواج، عام 2006، وبعد أن تأكد أني موظفة ولي دخل مستقر بادر بسؤاله الذي من خلاله يريد معرفة إذا كنت أقبض راتبي كاملًا، فقال: "هل لديك ديون على البنك؟". لمن لا يعلم، هذا سؤال طبيعي وعادي، فالحياة الزوجية كانت وما زالت في سوريا تُبنى بتعاون الزوج والزوجة، فبينما الزوجة تسحب قرضًا لبناء بيت يقوم الزوج بصرف راتبه على تعليم الأولاد وشراء أكياس الخضر، أو العكس. هذا ما لا يريد أن يراه  قانون الأحوال الشخصية الذي بقي مصرًا على القول: "يحق لمعتدة الوفاة أن تسكن ببيت الزوجية طيلة مدة عدتها"، المادة 75. يتناسى القانون أن بيت الزوجية بنته المرأة مناصفة مع زوجها. ولا داعي لندخل بموضوع الإرث الذي سيشاركها فيه جميع أفراد العائلة إذ ليس لديها أولاد ذكور. ليكون تعب ثلاثين سنة لامرأة سحبت قروضًا وصرفت من معاشها على تعليم أبنائها وتأمين لقمة عيشهم مناصفة مع زوجها، في مهب قانون الأحوال الشخصية وتعاميه عن حماية الأموال التي يدفعها كلا الزوجين طيلة حياتهما، فلا قانون ولا نصوص تنظّم هذه المشاركة المالية وتحمي حقوق كل من الطرفين في حال الطلاق أو الوفاة.

كم من حرب يجب أن نخضع لها وكم من موت جماعي يجب أن نتذوق لنصل لقانون أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه يحترم الإنسان بعلاقاته المتشعبة والتي لا تنفك في تطور مستمر لمتطلبات الحياة وشؤونها؟
المرأة السورية المعلمة، والقاضية، والمهندسة، والطبيبة التي تعالج المشترع من دائه إذا أصابته نزلة برد أو ألمت به سعلة لا تزول أو استعصاء في التنفس، يشترط عليها القانون "ولياً" في زواجها.
المشكلة أن الكثير من الآراء الإيجابية حول تعديل قانون الأحوال الشخصية تُبنى على السمع. فيظن البعض أن الشروط التي يمكن وضعها في عقد الزواج ستشكل فارقًا لصالح المرأة.
صحيح أن في سوريا شريحة من المجتمع لا يسمح فيها للمرأة بالعمل خارج المنزل بسبب بعض المعتقدات، إلا أن مسألة إذن الزوج أسقطته الحرب وأنهتها التبعات الاقتصادية التي وقعت على كاهل الأسر السورية.

هل دخل بها؟

هذا، ونحن لم نتكلم بعد عن مصطلحات مثل الخلوة الصحيحة والفاسدة، وإذا دخل بها أم لم يدخل، والزواج الفاسد والباطل، وما يحكم كل ذلك على ترتيب كامل المهر أو نصفه أو لا شيء منه، وإلى الآن لا يمكن تفسير المهر إلا من خلال المواد القانونية التي تتضمن كلمة مهر، فما زال حكمه حكم المشتري لشيء، فإن تمتع به كاملًا عليه دفع ثمنه، وإن لم تسنح له الفرصة سوى باليسير منه فتوجب نصف المهر، وإلا فلا شيء. هذه المواد ما زالت بجزئياتها تصرّ على وضع المرأة بجزء من جسدها تحت المجهر، فتحولها لفرج يمشي وينطق، ومنها تنطلق القوانين. فماذا ننتظر من قانون يبني علاقات الأسرة على حالة الفرج؟

قانون للأحوال لا يعنى أصلًا بالأحوال

رغم أن التعديلات لا تطال الزواج المختلط بين الأديان، فإن الواقع يفرض عليّ التطرق لها. فبسبب إصرار القانون على أسلمة الزوج الذي يتزوّج بغير مسلمة. تشهد قرى طرطوس حالات زواج مختلط بغير عقد، وعليه يتم تسجيل الأولاد على قيود الأقارب الذين لا يواجهون مشاكل الزواج المختلط، فيصبح ابن الأم شقيقها في دائرة النفوس، أو تصبح الابنة ابنة لعائلة أخرى لا تمت بصلة رحم لمن سجلت على قيودهم. ويصبح الإخوة نصفهم مسيحي في نفوس لبنان ونصفهم الآخر مسلمين في نفوس سوريا. فقانون الأحوال الشخصية لا ينظم بل يأمر فقط، دون أن يكون لديه روح لمساءلة نفسه أن هناك وعلى أرض الواقع مئات بل الآلاف من الحالات التي تتطلب تعديلًا جذريًا في القوانين. فهل قانون الأحوال الشخصية قانون جزائي أم قانون مدني وبالتالي عليه احتواء كل العلاقات وتنظيمها بالشكل الذي يلائم الواقع؟

"المفارقة أنه عكس دول العالم، فإن العادات والتقاليد في سوريا بخصوص المرأة أكثر انصافًا من القوانين"، تغريدة كتبتها heba mahmoud على تويتر تعليقاً على تعديلات قانون الأحوال الشخصية، وورد ذكره في مقال سابق لرصيف 22.

إن سوريا بعلاقاتها الأسرية متقدمة آلاف المرات على قانون الأحوال الشخصية قبل التعديل وبعده وقبل الحرب وبعدها، إلا أن القانون يأبى مجاراة علاقات أفرادها الذين طوروا ذاتهم وعلاقاتهم وشؤونهم بعيدًا عن قانون يتعامى بقصد أو غير قصد عن مستجداتهم وحاجاتهم المستمرة، فأي قانون وأي تعديلات هذه التي لا ترقى لشكل العلاقات القائمة حاليًا وتراعي متطلباتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image