شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الوصاية الأخلاقية لعبة السلطة"... جريمة الفيرمونت إلى أين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 1 سبتمبر 202004:14 م

لا مصدر رسمياً لهذه "التحرّيات الأولية". ولا تعليق من أي جهة رسمية عليها. ولا "حسٍّ" من المجلس القومي للمرأة المصري الذي توعّد بالـ"حماية" واسترداد حقّ الفتيات المُعتدى عليهنّ جنسياً. 

الحقائق التي يجب عدم نسيانها:

عام 2014، اغتُصبت فتاة بالتناوب من قبل سبعة شبان ذوي نفوذ كبير بعدما وُضع مخدّر لها في مشروبها خلال حفلة في فندق فيرمونت نايل سيتي بالقاهرة واصطحبوها إلى إحدى غرف الفندق. صوّروا الاعتداء، ثم وقّعوا أسماءهم على مؤخرتها.

في تموز/يوليو الماضي، كشف حساب "AssaultPolice" (شرطة الاعتداءات) القضية المعروفة إعلامياً باسم "جريمة الفيرمونت".

في الرابع من آب/أغسطس، خاطب المجلس القومي للمرأة النيابة العامة، وأرسل إليها شكوى رسمية من الفتاة المعتدى عليها، مرفقاً بها بضع شهادات.

في اليوم التالي، أمر النائب العام المستشار حماده الصاوي بالفحص وبدء التحقيق قضائياً.

وبعد نحو 20 يوماً (24 آب/أغسطس)، أمر النائب العام بالقبض على المتهمين ووضعهم على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول.

في 29 آب/أغسطس، قبضت الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" على أربعة متهمين هربوا إلى لبنان.

وفي تغيّر غير متوقع لسير الأحداث:

نشر موقع مصري يُدعى "القاهرة 24" في الساعات الأولى من 31 آب/أغسطس ما أطلق عليه مُسمى "تحريات أولية في قضية جريمة الفيرمونت".

وتضمّ "التحرّيات" التي لم ينشرها سوى هذا الموقع النقاط التالية: 

1- "هذه الجريمة كشفت عن أكبر شبكة شذوذ بين الشباب من الجنسين وممارسة اللواط والسحاق وانتشار الإيدز فيما بينهم بمصر".

2- "كشفت الجريمة أيضاً عن أشهر منظمي الحفلات في مصر، وهو مثليّ ومصاب بالإيدز". 

3- "التحريات الأولية ادعت أيضاً أن محامياً شهيراً وراء التخطيط والتحريض على إظهار حفلة الفيرمونت الشاذة إعلامياً على أنها جريمة اغتصاب جماعي لفتاة، علماً أنها ليست كذلك. ولكن الهدف منها إنقاذ ابنة ممثلة معروفة ونجل مرشح رئاسي سابق. كما أن هناك حقائق جديدة أظهرتها التحقيقات في الجريمة التي هزت الرأي العام".

4- "زعمت التحريات أن حقيقة جريمة الفيرمونت هي أنها حفلة لمجموعة من الشاذين وهواة الجنس الجماعي، وهذا ما يعني أن الفتاة متهمة بالشذوذ الجنسي وأنها مشاركة في الواقعة عكس ما يظهر حتى الآن".

5- "دلت التحريات الأولية على أن ابنة ممثلة شهيرة عضوة في حفلات الجنس الجماعي والشذوذ، مشيرةً إلى أنها المحرك الرئيسي الإعلامي لجريمة الفيرمونت بالاتفاق مع شاذ هارب متورط في القضية، وأن تخطيطهما للواقعة بدأ بخلاف مع أحد أصدقائها من المشاركين في الحفلة".

6- "أضافت التحريات أن ابنة الممثلة الشهيرة هي زعيمة شبكة الشذوذ ونشر السحاق بين الفتيات، وهي التي خططت لحفلة الشذوذ الجنسي الجماعي في الفيرمونت على أنها جريمة اغتصاب انتقاماً من صديقها عقب تركه لها".

7- "بحسب التحريات، فإن منظم الحفلات شاذ جنسياً ومصاب بالإيدز ويمارس الشذوذ الجنسي في مختلف دول العالم، وهذا هو سبب إصابته بالإيدز. وزعمت التحريات أن فتاة الفيرمونت ليست ضحية ولكنها تمارس الجنس الجماعي في حفلات الشذوذ والجنس".

وفي اليوم نفسه، 31 آب/أغسطس، أُلقي القبض على ثلاث شاهدات في القضية. 

قال مصدر مطلع على سير التحقيق لـ"المنصة" إن النيابة تحفظت على الهواتف المحمولة للفتيات، وإنها اطلعت على محتوياتها. وأضاف: "تواجه الفتيات عدة تهم مثل تعاطي المخدرات والتحريض على الفسق والفجور وممارسة اللواط والسحاق، وإقامة حفلات جنس جماعي، وإثارة مشكلات وهمية تخص قضية العنف ضد المرأة ونشرها على السوشيال ميديا".

كذلك انتشر منذ 31 آب/أغسطس بعض الفيديوهات والصور الإباحية على مواقع التواصل منسوبةً إلى ضحية الفيرمونت بغية تغيير الرأي العام في قضيتها.

بعد تعرّض فتاة لاغتصاب جماعي، يُلقى القبض على ثلاث شاهدات في القضية، وينشر أحد المواقع ما أسماه "تحرّيات أولية" حوّلت الاغتصاب الجماعي إلى "حفلات شذوذ وجنس جماعي"... ما الذي يجري في #جريمة_الفيرمونت؟

تحليلات أوّلية

التضامن الواسع مع الفتاة المُغتصبة تحوّل إلى غضب على جدران مواقع التواصل.

مما قيل تعليقاً على تقرير "القاهرة 24" إن "التعامل مع المنشور عن جريمة فيرمونت على أنه مجرد 'محضر تحريات' خطأ يشبه تماماً التعامل مع الموقع الذي نشر المحضر على أنه 'موقع صحافي'". 

"التعامل مع المنشور عن جريمة فيرمونت على أنه مجرد 'محضر تحريات' خطأ يشبه تماماً التعامل مع الموقع الذي نشر المحضر على أنه 'موقع صحافي'"

يعود هذا التحليل إلى الصحافي في "مدى مصر" حسام بهجت الذي تابع في منشور له على فيسبوك أن ما نشره موقع "القاهرة 24" ليس محضر تحرّيات وإنما  "خطة الإنقاذ التي وضعها ضباط الأمن الوطني وبدأوا تنفيذها بالقبض على الشهود وإجراءات أخرى، ثم قرروا نشر الخطة في أحد مواقعهم".

وأضاف: "لما يصدر بيان النائب العام المتوقع ساعتها هنعرف إن كانت الدولة كلها كمان قررت اعتماد خطة (إيدز وشذوذ وجنس جماعي) ونتعرف على مصير الشاكية المغدور بها". 

واعتبر فريق من المتابعين التقرير "جس نبض للرأي العام تمهيداً للضغط على الضحية والشهود لسحب الشكوى". 

في السياق نفسه، كتبت الناشطة الحقوقية المصرية علا شهبة منشوراً لقي انتشاراً واسعاً، مما قالت فيه: 

"احنا ضعاف ورخاص وعجزة لدرجة أن جريمة اغتصاب متصورة صوت وصورة هتتطبخ بحيث الضحية تطلع متهمة، وكانت بتشارك في حفل جنس جماعي، فتتحاسب على فجورها بقى ويتحاسبوا هما كمان بس مش على إجرامهم لا، على شقاوتهم الخلابيص.

يلعن ابو ده رخص". 

وكتبت الدكتورة عايدة سيف الدولة، الطبيبة النفسية وإحدى مؤسِّسات مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب: "'حفل جنسي جماعي' كان أول سيناريو جربته الدولة بعدما عثروا على جثة جوليو ريجيني عارية على جانب الطريق. احنا بننساش".

"ما نُشر ليس محضر تحرّيات بل خطة الإنقاذ التي وضعها ضباط الأمن الوطني وبدأوا تنفيذها بالقبض على الشهود، ثم قرروا نشر الخطة في أحد مواقعهم"

"الوصاية الأخلاقية لعبة السلطة"

لماذا تُشكّل "الأخلاق" سير الكثير من القضايا في مصر؟

تجيب الناشطة الحقوقية المصرية سالي يسري عزيز في حوار أجراه معها رصيف22: "الوصاية الأخلاقية لعبة السُلطة، وفي الأصل، المجتمع والنظام ذكوريان أبويان يحاولان فرض الوصاية الأخلاقية كُلما سُنحت لهما الفرصة على أكثر الفئات ضعفاً، وهما الأقلية والنساء". 

وتضيف: "الشكل والطبقة بيحددوا المساحة اللي ممكن مثلاً أي ست تتحرك فيها وتلاقي/متلاقيش نفسها متهمة بهدم القيم وتدمير أخلاق الأسرة المصرية، وكل ده طبعاً لخدمة امتيازات مجموعة محددة".

"ما يحدث في قضية الفيرمونت سيجعل جميع الناجيات/الضحايا للعنف الجنسي والأسري يعاودن التفكير قبل التقدم بخطوة ضد أي معتدٍ مستقبلاً"

وتعليقاً على تقرير "القاهرة 24"، اعتبرت عزيز أنه "غير مهني وغير أخلاقي لمساواته الجاني بالمجنى عليه، برغم أنه أسلوب متعارف عليه"، موضحةً: "بيحصل تحت طائلة إزاي نضرب القضية ونقلل التعاطف/التضامن معاها، نلعب على أخلاق الضحايا/الناجيات/الشهود، عشان نقول للناس شايفين أصلاً أنتوا بتتضامنوا مع مين؟ دي أخلاق بذمتكم؟".

وأكدت أن هناك من يُصدق مثل هذه "التحريات"، معتقدة من جهة أخرى بأنه "مع الوقت ومرور الأجيال كل دي هتبقى حركات هابطة غير مُقنعة بتمرير جريمة 'اغتصاب'".

وأشارت إلى أن ما يحدث في قضية الفيرمونت سيجعل جميع الناجيات/الضحايا للعنف الجنسي والأسري يعاودن التفكير قبل التقدم بخطوة ضد أي معتدٍ مستقبلاً، مضيفة: "ستُنتهك حقوقهنّ في صمت".

وختمت بأن القبض على الشاهدات نوع من أنواع الضغط، وأن صمت المجلس القومي للمرأة بعد تشجيع الفتيات على الحديث مع ضمان سرية بياناتهنّ يوحي بأن المجلس كان مساهماً في تسليم الفتيات الشاهدات، وأن قانون سرية البيانات كان مصيدة، معتبرةً أنه من الضروري أن يشرح أعضاء المجلس القومي للمرأة ماذا حصل وماذا يحصل. 

"أسلوب متعارف عليه بيحصل تحت طائلة إزاي نضرب القضية ونقلل التعاطف/التضامن معاها، نلعب على أخلاق الضحايا/الناجيات/الشهود، عشان نقول للناس شايفين أصلاً أنتوا بتتضامنوا مع مين؟"

"ضبط المجتمع"

في سياق اللعب على وتر "الأخلاق"، قال لرصيف22 الصحافي المصري أحمد رجب إن "ضبط المجتمع هو عنوان كل حكم عسكري" وإن "لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يحكم مصر منذ عام 2013 مجموعة أهداف، أهمها ضبط المجتمع، والأفراد، وضبط الأجساد. وهنا تتكرر إشاراته إلى أجساد المصريين، ولياقتهم، ومواعيد نومهم".

وعن ضبط الشخصية يوضح: "هناك مسألتان، الأولى هي مفاهيم الوطنية العسكرية كمفهوم وحيد للوطنية، الذي تزرعه المدارس، والحفاظ عليه منوط بجهاز الأمن الوطني. والثانية هي الأخلاق وقيم الدولة المصرية، والقائم على زرعها 'مسار الدراما التلفزيونية' بناءً على طلب مباشر وعلني من الرئيس السيسي، ومهمة الحفاظ عليها موكولة للنيابة العامة، كما يمكن أن نلاحظ من بياناتها ورؤيتها".

ولا يعتقد رجب أن تقرير "القاهرة 24" كان هدفه "جس النبض"، بل أنه فعلاً تحريات المباحث كما كتبوا. وتابع: "قبل نشر التحريات عن طريق الموقع كانت النيابة العامة قد أمرت بحبس أكثر من شاهدة، وبدأت تحركات قانونية تؤكد اقتناعها بسيناريو التحريات التي أعلنها تقرير الموقع".

ولفت إلى أن القصة التي نشرها الموقع "اعتمدت كلياً على تحريات المباحث فقط، وهذا مهنياً غير مقبول".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image