"هددوني بخطف أطفالي أكثر من مرة، حتى أنهم نشروا صورة ابني وكتبوا عليها كلاماً سيئاً، وعقدوا هاشتاغات مسيئة إلي، وشنّوا حملات لغلق صفحتي، كما أن اسمي وصفحتي ظهرا على غروبات رجالية"، تحكي الناشطة النسوية سارة عزام لرصيف22 ما تتعرض له بسبب آرائها النسوية.
سارة ليست وحدها التي حاولت إحداث تغيير داخل المجتمع المصري من خلال أفكارها النسوية. فهي تنتمي إلى جيل الموجة الرابعة الذي يحاول أن يحدث تغييراً في وعي الفتيات والمجتمع عبر استغلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل التوعية عن الحقوق والحريات، ورفع الصوت ضد العنف وفرض الوصاية الأبوية وقمع الفتيات. وقد واجهت سارة وصاحبات الفكر النسوي عراقيل تقليدية كالتهديد والابتزاز الإلكتروني واتهامات بالكفر والإلحاد، وعراقيل مستحدثة كابتزاز الزوج والأقارب وحملات لإغلاق الحسابات، بطريقة تبدو منظمة، وقادرة على الوصول لأهدافها بلا رادع اجتماعي أو قانوني.
أحدث الهجوم على سارة إيلاماً نفسياً، ودفعها إلى ترك السوشال ميديا. وهي كانت قد سألت نفسها لماذا تفعل ذلك، ولماذا تنشط في حقوق المرأة، وتفضح خصوصيتها وهويتها الحقيقية. فتجيب نفسها: إذا أردنا أن نخاطب الناس ونكون صادقين، فلا بد أن نكشف عن وجوهنا الحقيقية.
نسوية في الصعيد
أرسل بعض المعارضين لأفكار سارة إلى زوجها السابق وزملائه وأهلها مقاطع مصورة "سكرين شوت" لمنشوراتها، حتى يضغطوا عليه كي تسكت، ونجحوا في بعض الأحيان. إذ كان الزوج يمنعها من استخدام الإنترنت، ويسحب اللابتوب منها، ويجن جنونه إذا وصفه أحدهم بـ"معرَّص" و"ديوث".
ولكن سارة لم تتراجع، ولم تحرر محضراً ضد أحد لكثرتهم، تقول: "كثيرون هم الذين يهاجمونني، فبمن سأحرر محضراً؟ عدا أنني كنت مشغولة بزوجي وأولادي".
كلما وصفوا زوجها بـ"يا معرص" و"ديوث" يجن جنونه، فيضربها، ويمنعها من الإنترنت، ويسحب منها اللابتوب
قبل عدة سنوات، قررت سما. ب، وهي من مدينة الأقصر، تأسيس مبادرة نسوية لفتح نقاش حول أحوال النساء في الصعيد المنغلق، والمحافظ نسبياً، والذي يسمح بالحرية للغرباء داخله، ويمنعها عن فتياته.
تقول سما لرصيف22: "فوجئت بمهاجمتي واتهامي بأني أحاول تغيير تفكير البنات في المجتمع الصعيدي القبلي، خصوصاً أننا تكلمنا عن تابوهات مثل الميراث والتحرش والختان والحق في التعليم والسفر. كان اللافت أيضاً هو الهجوم الذي شنته عليّ دوائري المقربة التي اتهمتني بأني أروج لأشياء ضد الدين، وأني أنساق وراء موضة النسوية التي ستنتهي".
"أتمنى لك الموت"
في أبريل/ نيسان 2021، أطلق نشطاء وفنانون/ات صينيين/ات عبر الإنترنت "متحفاً افتراضياً" للتنديد بالعنف الجنسي والجسدي واللفظي ضد النساء في الصين، عقب واقعة عنف تعرضت لها الحقوقية النسوية البارزة، شياو ميلي، بحسب صحيفة "الغارديان".
يحوي المتحف مئات اللافتات الحمر والبيض، والتي كتب عليها باللغة الصينية عبارات من قبيل: "أتمنى لك الموت أيتها العاهرة" و"سحقاً للنسويات"، وفي رسائل بُعث بها إلى مجموعات نسوية وحقوقيات من متطرفين قوميين أو معادين لحقوق المرأة والمثليين.
أصبحن الآن أكثر جرأة.
وفي مصر، لا يختلف الوضع عن نظيره في الصين، ولكن سما لا تشغل بالها كثيراً بما وقع عليها من هجوم في تلك الفترة، بل تعتبره جزءاً من المرحلة التي خاضتها، هي ومبادرتها وفريقها من أجل النضج الكامل، وأصبحن الآن أكثر جرأة، وتغيرت طريقة طرحهن للعمل النسوي الخاص بهن.
"تلقيت العديد من الشتائم، مثل إني شرموطة، وماشية على حل شعري"، تقول مها (اسم مستعار)، ناشطة نسوية من محافظة القاهرة، تحظى بنحو 50 ألف متابع عبر حسابها بفيسبوك، الذي تنشر فيه أفكارها النسوية.
بعد قرارها عدم ارتداء الحجاب مرة أخرى، هوجمت كثيراً، تقول: "تم شتمي أنا وأهلي، وقيل لي إنه لا يوجد رجل في العائلة، وإني خلعت الحجاب من أجل ممارسة الجنس، وإني أقيم خارج مصر مع رجال في بيت واحد". تصف مها رد فعلها تجاه خطاب الكراهية الموجه لها بأنها شخص مسالم، كان أقصى ما تفعله هو حذف الصداقة أو "البلوك".
المسار القانوني
جربت مها أن تسلك المسلك القانوني، وحررت محضراً ضد أحدهم شتمها بشيء من الابتذال، تقول: "حررت محضراً باسمه وعنوانه، ولم يحدث شيء، المحضر بللته وشربت ماءه إذ لم تكن هناك فائدة منه".
تحكي أنه بعد تحريرها للمحضر بعدة أشهر، ومتابعة مساره القانوني، وجدت أن المحضر تم حفظه، فكتبت عبر حسابها الشخصي اسم من شتمها واسم محافظته، وحدث أن طلبت إليها شقيقته حذف المنشور. تقول إنها منذ البداية أخطأت حين سلكت المسار القانوني، وهذا الموقف علّمها أنه إذا شتمها أحد ينبغي "أن تأخذ حقها في وقتها".
باتت تُحاك قصصاً جنسية غرائبية عن النسويات، ونشرها، وإرسالها للأقارب، والضغط على ذكور العائلة، وشتمهم بعبارات مستفزة ومهينة لـ"رجولتهم"، كل ذلك بشكل يبدو منظماً للغاية، ولا تجدي معه القوانين
الشتائم والتعليقات الجنسية كانت سلاح من هاجموا نسمة الخطيب، المحامية الحقوقية ومؤسسة مبادرة "سند"، خاصة عندما هاجمت الداعية عبد الله رشدي بسبب اعتباره الاغتصاب الزوجي ليس جريمة. تقول الخطيب إن حسابها الشخصي تم اختراقه وغُلق شهراً، وتأسس غروب فيسبوكي من أتباعه نُشر فيه صورها مع تعليقات جنسية وشتائم، وأُغلق الغروب بعدها بعشر دقائق.
لم تهدأ الأمور حتى الآن، فالأسبوع الماضي تم استخدام صورها الشخصية من قبل طبيب أسنان وأصدقائه، وتنوي رفع دعوى عليه.
تتوقع الخطيب بعض العراقيل، لأن عبء الإثبات يقع دائماً على المرأة، حتى لو كانت المعتدى عليها. كما من المحتمل حفظ الدعوى لعدم الجدية في التعامل مع مثل هذه البلاغات، رغم أن القانون (وفقاً لمواده 57 و308 و309 مكرر من قانون العقوبات، ومادة 25 من جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018) يعاقب على التشهير والسب والقذف عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
حتى التعليقات البسيطة
لا تقتصر تلك الحملات على أصحاب المبادرات ومؤسسات الصفحات النسوية على السوشال ميديا، وعلى كل امرأة تبدي رأياً نسوياً على منشور، كما حصل مع أماني الليثي التي علقت على منشور، ثم تلقت رسائل تهديد وتحرش، واضطرت لغلق حسابها بفيسبوك فترة ليست قصيرة، وعلمت بعد غلقه أن أحدهم نشر حسابها على مجموعة للرجال أصحاب الفكر الذكوري المحافظ باسم "المُلتقى" من أجل فضحها.
هذا الرد العنيف على تعليق نسوي أصاب سهام نصر هي الأخرى بعدما علقت على منشور يتصل بالعنف ضد غير المحجبات، فتلقت شتائم علناً واتهامات بالكفر والإلحاد. تقول: "كان المنشور عن تعرض بنت غير محجبة لقص شعرها في المترو. هاجمني فتى من حساب مزيف يضع صورة فتاة وهددني مثلما فعل مع أصدقاء لي".
كذلك تعرضت نورهان محمد لموقف مشابه حين تفاعلت بـ"لايك" على تعليق نسوي، فتحرش بها أحدهم في "الانبوكس"، وقال لها إنها ملحدة وستلقى مصيراً سيئاً في الآخرة.
التشهير بأزواج النسويات
وتعرضت آية منير، مؤسسة مبادرة "سوبروومن" لموقف مماثل بعد نشر صورتها هي وزوجها عبر غروب ذكوري باسم "كل يوم سكرين لذكوري كينج"، واصفين زوجها بـ"الديوث".
تقول آية إنها أرسلت الصفحة والمنشور لشخص ساعدها على غلقها نهائياً.
وبعد مشاكتها في حلقة نقاشية مع أحد الكتّاب تطرقت لأمور كثيرة أغضبت بعض معتنقي الفكر المحافظ والمتدين والمتشدد، تلقت وفريق عملها والكاتب العديد من رسائل التهديد والتكفير.
وتروي نورهان (اسم مستعار) ما حدث لها مع صفحة ذكورية باسم "ضد الإرهاب النسوي": "حسابي شخصي ولا أنشر فيه شيئاً متاحاً للعلن، لكن ربما هناك جاسوساً أرسل منشوراً باسمي أطالب فيه بالإعدام للرجال المتحرشين، إلى الصفحة المملوكة لشخص متهم بالاغتصاب، وقتذاك نشروا كوميكس ضدي ولا تزال على موقعهم (فيمي ليكس)".
خلال الأعوام القليلة الماضية، خاصة بعد صعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، نشطت مجموعات وصفحات عبر فيسبوك، ومؤخراً عبر تيليغرام، وراحت تنشر الحسابات الشخصية لأصحاب الفكر النسوي نساءً ورجالاً، وتقوم بتشويه متعمد لسمعتهم وغلق حساباتهم.
"بلطجة"
تعلق الباحثة النسوية لمياء لطفي، وهي من مُطلقات مؤسسة المرأة الجديدة، بأن المجتمع لا يتسامح مع أصحاب الفكر المختلف، خاصة التقدمي والنسوي منه. فقبل عدة أيام حُكم على رجل صاحب فكر تقدمي بتهمة "ازدراء الأديان"، وهذا ما يؤكد أن أصحاب فكر التغيير والتنوير مستهدفون، ويتعرضون لأشكال مختلفة من التمييز والنبذ والإقصاء والتهميش والابتزاز، وأحياناً بمباركة القانون.
وقد قضت محكمة جنح النزهة المصرية في 17 نوفمبر بحبس أحمد عبده ماهر خمس سنوات بتهمة ازدراء أديان، بعدما تقدم محامٍ ببلاغ عاجل للنائب العام، ونيابة أمن الدولة العليا.
ووصفت لطفي ما يحدث بـ"البلطجة الإلكترونية"، خاصة مع وجود لجان إلكترونية تمارس أساليب العنف ضد أصحاب الفكر التنويري النسوي، إذ بعضها "بلطجة قانونية" وبعضها الآخر "بلطجة فكرية". وأضافت: "لي أصدقاء من أصحاب الفكر النسوي والداعمين لحقوق النساء يطلقون عليهم لقب سيمب (لفظ يوصم به الذكر الذي ينتصر للمرأة) من باب الاستهجان والاستخفاف. وهناك هجوم منتظم على كل من يحمل فكراً مختلفاً، خاصة إذا تماس هذا الفكر مع ما يعتقدون أنه الدين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...