شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"تركت حبيبي لأمتلك جسدا قويا"... عن تونسيات في صالات كمال الأجسام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 24 سبتمبر 202005:01 م

قبل 25 عاماً، توجهت سعيدة إلى قاعة الرياضة وهي تحلم بجسم رشيق ومتناسق، يشبه أجسام الفنانات وعارضات الأزياء اللواتي تشاهد صورهن في المجلات والصحف اليومية، لكنها سرعان ما انجذبت لرياضة كمال الأجسام، لتدخل رحلتها "الشاقة".

هي رحلة طويلة خاضتها سعيدة حميدة، 50 عاماً، مدربة كمال أجسام، عزباء وتقيم في تونس العاصمة، لتصل إلى ما هي عليه الآن، فقد تحدّت عقبات عائلية ومجتمعية، ومضت في طريق رياضة "الفتنس" وكمال الأجسام، لتصبح حاضرها ومستقبلها وكل حياتها، كما تقول عن نفسها.

تروي سعيدة لرصيف22، تجربتها مع رياضة كمال الأجسام: "بدأت شغفي بهذه الرياضة منذ أن كان عمري 25 عاماً، كنت حينها المرأة الوحيدة التي تتدرب في قاعة الرياضة، جنباً إلى جنب مع عشرات الرجال".

تضيف: "أبلغ الآن من العمر 50 عاماً، ومازلت أتدرب يومياً وأنا بكامل لياقتي البدنية. لم أشعر يوماً أنني أتشبه بالرجال، بالعكس، فأنا كلما أقف أمام المرآة أشعر بحالة أنثوية تتدفق من جسدي".

تنظر سعيدة إلى عضلات جسمها البارزة، وهي تبتسم: "صحيح أرى نفسي مختلفة قليلاً عن باقي النساء، لكنني لم أشعر يوماً أنني فقدت أنوثتي، بالعكس أشعر بأنوثة مفرطة وأحب جسدي".

"لم يتقبلني حبيبي بعضلاتي البارزة، وتركني لتمسكي برياضة كمال الأجسام، وتمكنت من تحقيق حلمي، فأنا أمتلك الآن جسماً قوياً"

تتابع سعيدة: "أعتقد أنني جمعت بين القوة الجسدية والأنوثة، كنت أشعر بالقوة وأنا أتمرن وأرفع الأوزان الثقيلة، وأحياناً أخرى أشعر وكأنني فراشة أحلق بين المعدات الرياضية".

"وهبت حياتي لكمال الأجسام"

رغم تقدم سعيدة في السن، لازالت تتدرب بشكل يومي ولم تهجر قاعات الرياضة، تقول: "يزداد شغفي برياضة كمال الأجسام يوماً بعد يوم، فهي أصبحت بالنسبة لي أسلوب حياة، تشعرني براحة نفسية وقوة جسدية. هي رياضة تترجم نظرتي للحياة، وتحرري من قيود المجتمع".

شقت سعيدة طريقها في رياضة كمال الأجسام بتشجيع كبير من عائلتها، خصوصاً والدتها، لكنها لا تخفي تعرضها في كثير من الأحيان لمواقف محرجة، حيث تقول: "يرفض بعض الرجال السماح لي بتدريبهم، في حين يشعر آخرون بالغيرة مني بسبب تقدمي عليهم في رياضة كمال الأجسام. سمعت أحدهم يقول: سأغادر هذه القاعة ولن أسمح بأن تدربني امرأة".

تضيف: "منذ سنة 2011 أصبح هناك إقبال من التونسيات على رياضة الفتنس وكمال الأجسام، درّبتُ الكثير من النساء، وكنت شاهدة أيضاً على نساء متزوجات تعرضن لرفض أزواجهن بسبب اختيارهن لهذه الرياضة".

"المجتمعات العربية ترفض دخول النساء في هذه الرياضة، ويربطونها أساساً بالخشونة والعنف، لكن هذا المفهوم خاطئ تماماً، وأنوثة المرأة لا تقف حاجزاً أمام ممارسة هذه الرياضة".

تواصل سعيدة حديثها عن الرياضة، التي عشقتها لسنوات قائلة: "لم أتزوج ووهبت حياتي لممارسة هذه الرياضة التي أحببتها، وأغرمت بها منذ شبابي، أحب جسدي وأشعر بالقوة والتحدّي وأنا أرفع الأثقال، وأحقن هرمون التستوستيرون".

ورغم ما حققته من نجاحات وتميز، لم تشارك سعيدة في المسابقات الدولية، تقول: "مازالت رياضة كمال الأجسام مهمشة في تونس، ولا يتمّ السماح للنساء بالمشاركة في المسابقات، وأدعو وزارة الشباب والرياضة للاهتمام بهذه الرياضة ودعمها".

معارضة وسخرية

"واجهتُ معارضة كبيرة من عائلتي وتعرّضتُ للسخرية من صديقاتي وأقاربي، لكنني مضيتُ في تحقيق حلمي، وتمسكتُ بالرياضة التي كانت، إلى زمن غير بعيد، حكراً على الرجال فقط"، تتحدث أماني (اسم مستعار) 32 عاماً، عن تجربتها مع رياضة كمال الأجسام.

تضيف أماني، من محافظة بنزرت، عن بداية شغفها بتلك الرياضة: "بدأ ولعي برياضة الفتنس وكمال الأجسام عندما كنت طالبة في الجامعة. دخلت حينها قاعة الرياضة لأول مرة في حياتي، وكان هدفي إنقاص القليل من الوزن، لكنني وجدت نفسي مولعة برياضة يعتبرها كثيرون للرجال فقط".

تنتقد أماني نظرة مجتمعها للنساء اللواتي يمارسن الرياضة، وتدافع عن دوافعها وما تشعر به: "يرى كثيرون أن النساء اللاتي يخترن هذه الرياضة غايتهن جلب الاهتمام، في حين يراها البعض الآخر تشبهاً بالرجال، أما أنا فأقول إنها رياضة مثلها مثل باقي الرياضات، لا تنقص من أنوثة اللواتي يمارسنها".

تعود أماني بذاكرتها إلى بداياتها في هذه الرياضة، تقول: "تركني حبيبي حينها ولم يتقبلني بعضلاتي البارزة، لكنني تجاوزت كل العقبات وتمكنت من تحقيق حلمي، فأنا أمتلك الآن جسماً قوياً ولم أخسر أنوثتي بالمقابل".

تواصل أماني حديثها، مشدّدة: "لم يزدني رفض المجتمع لاختياري إلا إصراراً على النجاح والتقدم، كنت أتابع التغيرات في جسدي بكل شغف وسعادة، وفي النهاية، وجدت زوجاً يدعمني ويشترك معي في حب رياضات الفنون القتالية، وكمال الأجسام".

"السعادة الحقيقية"

"بعد زواجي كنت أقضي كامل اليوم وحيدة في المنزل، فلجأت حينها إلى قاعة الرياضة هرباً من الروتين والضغط الذي أعيشه، فجأة غيرت وجهتي نحو رياضة كمال الأجسام وتقوية العضلات"، تقول مروة (اسم مستعار) لرصيف22.

تضيف مروة: "في البداية، أخفيت الأمر عن زوجي، لكنه سرعان ما اكتشف الأمر، لم يخفِ صدمته حينها، وتعامل معي وكأنني ارتكبت جريمة".

تتابع مروة وهي أم لطفلين: "توقفت بعد ذلك عن ممارسة رياضة كمال الأجسام نزولاً عند رغبة زوجي، لكنني سرعان ما نجحت في إقناعه وعدت لإكمال المشوار الذي بدأته".

وعن علاقتها بزوجها وتعامله مع التغيرات التي طرأت على جسمها، تقول مروة، مبتهجة بنجاحها في توازنها بين مسؤولياتها، وبين شغفها بالرياضة: "اقتنع زوجي أن هذه الرياضة أصبحت بالنسبة لي أسلوب حياة، وأنا أشعر بالسعادة الآن، أرعى عائلتي الصغيرة وأمارس الرياضة التي أحبها. إنها السعادة الحقيقية".

"الأنوثة ليست عكس القوة"

وفي تفسيرها ما إذا كانت رياضة كمال الأجسام تجعل النساء يفقدن الأنوثة ويتشبهن بالرجال، تقول إيمان الحكيري، مدربة تونسية مقيمة في دولة خليجية: "إن المجتمعات العربية دائماً ما تربط رياضة كمال الأجسام بالخشونة والقوة".

تضيف الحكيري لرصيف22: "المرأة غير قادرة على بناء عضلات مثل الرجل بسبب وجود نسبة قليلة من هرمون التستوستيرون في جسمها، وهو من أهم الهرمونات التي تمنح الجسم عضلات كبيرة".

"أعتقد أنني جمعت بين القوة الجسدية والأنوثة، كنت أشعر بالقوة وأنا أتمرن وأرفع الأوزان الثقيلة، وأحياناً أخرى أشعر وكأنني فراشة أحلق بين المعدات الرياضية"

توضح الحكيري رأيها أكثر: "تلجأ النساء اللاتي يسعين للحصول على عضلات كبيرة الحجم إلى حقن هذا الهرمون ليساعدهن على بناء عضلاتهن، في حين تكتفي أخريات برياضة الفتنس التي تمكّنهن من بناء عضلات متوسطة، دون دهون وباستعمال بروتينات طبيعية".

تعتبر المدربة التونسية، 30 عاماً، أن "رياضة الفتنس وكمال الأجسام لها عدة فوائد إيجابية وصحية للنساء، تتمثل أساساً في زيادة عملية الأيض، منحهن جسماً رشيقاً، وتمنع عنهن عدّة أمراض منها هشاشة العظام".

وترى الحكيري أن هذه الرياضة منتشرة في الدول الأوروبية، ويتم التعامل معها كرياضة عادية، على عكس ما يحدث في مجتمعاتنا العربية، رغم الإقبال المتزايد من نساء عربيات عليها، تقول، منهية حديثها لرصيف22: "هناك إقبال كبير من النساء العربيات على هذه الرياضة، لكن المجتمع مازال يرفضها، ويرى أنها رياضة رجالية لا تصلح للنساء، وتفقدهن أنوثتهن، هذا اعتقاد خاطئ يجب التخلي عنه".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard