لم يكن قد مر على زواجها عامين، حين حدثت عايدة زوجها باكية تطلب منه الطلاق برغم المودَّة والتفاهم بينهما.
التقت عايدة علي* بزوجها بينما كان عمرها يقترب من الخمسين، ظنت أنها نالت أخيراً السكن والاستقرار، واعتقدت أن التنمر الذي تواجهه بسبب إصابتها بإعاقة حركية، نتيجة إصابة مبكرة بشلل الأطفال، سوف يتراجع "لم يرحمني أحد ولا حتى مرؤوسيني في العمل، السخرية والتنمر ظلا مستمرين، التحرش مستمر في الشارع والتاكسي والمواصلات ظناً أن إعاقتي تمنعني عن حماية نفسي. لم أعد أتحمل التعامل مع البشر، ولن يتحمل زوجي وحده نفقات المعيشة. بات الحصول على الطلاق هو السبيل الوحيد للحصول على الدخل إذا ما تركت عملي".
عايدة واحدة من مئات الآلاف، وربما ملايين المصريين ذوي الإعاقة الذين يواجهون صعوبة في الحصول على دخول ثابتة. بداية تلك الفقرة قد تبدو ملتبسة "مئات الآلاف أو الملايين"، يعود هذا إلى أن أجهزة الحكم المصرية ليست لديها إحصائية ثابتة يمكن الاعتماد عليها لمعرفة عدد ذوي الاحتياجات الخاصة، فبحسب الكيان الإحصائي الرسمي "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" بلغت نسبة المصريين من ذوي الإعاقة 10.64% من المصريين، أي نحو 10 ملايين و64 ألف شخص، فيما تقدرهم وزارة التضامن الاجتماعي التي تختص بترتيب ومنح معاشات التقاعد أو المساعدات الاجتماعية، بما لا يزيد على 0.6% فقط من المصريين أي نحو 600 ألف شخص. هذا الفارق الشاسع في الإحصاءات، يأتي برغم نص المادة 6 من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تلزم الحكومة بعمل قاعدة بيانات شاملة لذوي الإعاقة في مصر، أياً كانت نسبة إعاقتهم أو نوعها. وهي المادة التي أطلق المجلس القومي لحقوق ذوي الإعاقة بموجبها استمارة بيانات إلكترونية، من دون الإعلان عن آلية لتفعيلها والمساعدة على التسجيل فيها، خاصة مع عراقيل رفع نسبة التعليم بين ذوي الإعاقة في مصر.
تجربة زواج عايدة كانت القشة الأخيرة لحفظ سلامها النفسي بحثاً عن الصحبة والسند، لكن الغلاء المتفاقم اتحد مع ظروفها الصحية والوظيفية المعقدة ليضع حداً لتلك الزيجة
هي إذاً واحدة من هؤلاء الآلاف أو الملايين الذين حصل قلائل منهم على فرص للعمل الثابت المنتظم، استناداً إلى شرط تخصيص نسبة 5% من الوظائف في أية مؤسسة عامة أو خاصة لذوي الإعاقات. لكنها كذلك واحدة ممن اضطروا إلى التخلي عن فرص الوظائف بسبب التضييقات والتحرشات، وعدم ملاءمة أماكن العمل وتجهيزها لذوي الإعاقات، وتواضع الدخل مقارنة بتكلفة العمل.
بحسب تقرير "الإعاقة وسياسات التوظيف في مصر" الصادر عن منتدى حلول للسياسات البديلة – مشروع بحثي في الاقتصاد الاجتماعي تحتضنه الجامعة الأمريكية بالقاهرة- يواجه المعاقون والمعاقات استبعاداً مستمراً من فرص التوظيف والتشغيل، على الرغم من جودة القوانين والمواد الدستورية المتعلقة بحقوقهم. إلا أن تلك القوانين لا تجد سبيلاً للتنفيذ على أرض الواقع.
تقول عايدة: "تلقيت تعليمي حتى المرحلة الثانوية ولم أستطع أن أواصل لظروفي الصحية، بت أستخدم كرسي متحرك يفرض عليّ استقلال التاكسي كلما ذهبت للمستشفى أو العمل، لأن المواصلات العامة ليست مجهزة لاستقبال ذوي الإعاقة الحركية".
تحكي عايدة علي لرصيف22: "تعرضت للتنمر والإهانة على مدار سنوات عمري. وبسبب ظروفي الصحية وما أعانيه في المواصلات، بت لا أستطيع الخروج من المنزل، حتى ارتديت النقاب بعد محاولة سائق تاكسي التحرش بي".
تجربة زواج عايدة كانت القشة الأخيرة لحفظ سلامها النفسي بحثاً عن الصحبة والسند، لكن الغلاء المتفاقم اتحد مع ظروفها الصحية والوظيفية المعقدة ليضع حداً لتلك الزيجة: "تزوجت وطلقت بعد عامين بطلب مني، فزوجي غير مقتدر مادياً لينفق عليّ حال تركت عملي، لذا فضلت الطلاق لكي أحصل على معاش والدي كي أستطيع تدبير جزء من نفقات علاجي".
تعتبر عايدة تجربة عملها التي امتدت 6 سنوات في إحدى شركات البتروكيماويات تجربة "فاشلة": "وجدت أنني أتحمل شغل أكثر من الزملاء غير المعاقين، حيث كنت أحمَّل بأعباء إضافية من دون الالتفات لظروفي الصحية، مما كان سبباً في تركي العمل".
تشير الإحصاءات الصادرة تحت إشراف منظمة العمل الدولية، أن نسبة البطالة بين السيدات المصريات ذوات الإعاقة تزيد نحو 5% عن مثيلاتهن الصحيحات، إذ تبلغ نسبة النساء ذوات الإعاقات البسيطة (القادرات على العمل) المستبعدات من فرص التشغيل 82%، مقارنة بـ77% من النساء غير المصابات بالإعاقة.
وبحسب بيانات مسح سوق العمل لعام 2018 الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسب الإصابة بالإعاقات ترتفع بين الفقراء، وخاصة في المناطق الحضرية، ما يجعل من استبعادهم من منظومة التشغيل إمعاناً في زيادة الفقر وتراجع أمنهم الغذائي، حيث يشير 22.9% من ذوي الإعاقة إلى عدم قدرتهم على توفير الطعام مقارنة بـ13.8% من غير ذوي الإعاقة.
نسبة البطالة بين السيدات المصريات ذوات الإعاقة تزيد نحو 5% عن مثيلاتهن الصحيحات، إذ تبلغ نسبة النساء ذوات الإعاقات البسيطة (القادرات على العمل) المستبعدات من فرص التشغيل 82%، مقارنة بـ77% من النساء غير المصابات بالإعاقة
وداعاً للزواج
يقول إيهاب فتحي رئيس "الاتحاد الوطني لذوي الهمم" – مؤسسة أهلية غير حكومية- لرصيف22، إن عدد الإناث من ذوي الإعاقات في مصر يقدر بنحو 6 ملايين، تبلغ نسبة غير المتزوجات منهن 80%، يرى فتحي أنهن ممتنعات عن الزواج بإرادتهن حتى لا ينقطع عنهن معاشات تقاعد ذويهم، إذ تفقد النساء المصريات القادرات على العمل أو المتزوجات الحق في الحصول على نسبة من معاش الأب أو الام المتوفيين، حال زواجها أو انتظامها في العمل، حتى لو كان دخلها أقل من المعاش التأميني الذي تحصل عليه. في حين لا ينقطع حق الرجال ذوي الإعاقات في الحصول على معاشات ذويهم حال زواجهم.
رصد الاتحاد حالات 100 ألف سيدة متزوجة – بحسب فتحي- حرمن من معاشات ذويهن بعد زواجهن، ويطالب فتحي بأن تقر الدولة حق السيدات في الاستمرار في الحصول على تلك المعاشات بعد زواجهن أسوة بالرجال.
من الوقفة الاحتجاجية للسيدات ذوات الإعاقة أمام وزارة التضامن الاجتماعي - الأحد 14 نوفمبر 2021 - خاص لرصيف22
يوضح رئيس الاتحاد الوطني لذوي الهمم أن "الرجل المعاق لا ينقطع معاشه مطلقاً طالما معه بطاقة الخدمات المتكاملة، ويستحق الجمع بين معاشين، ما دام قد تحقق فيه أن تكون نسبة الإعاقة 50% +1، إذ يمكنه حينها الجنع بين المساعدة الإجتماعية لذوي الإعاقة ودخله من العمل أو معاش الوالد أو الوالدة، وهو ما يطبق على الرجال من دون النساء في الوقت الحالي، وذلك وفقاً لشروط اللجان الطبية للتأمينات والمعاشات.
رئيس اتحاد ذوي الهمم: في مصر 6 مليون أنثى معاقة، 80% منهن رفضن الزواج حفاظاً على معاشهن، في حين أن الرجل المعاق المتزوج يستمر في الجمع بين راتبه ومعاش الأب أو الأم.
28 دولار
سحر عطا 43 عاماً ابنة محافظة أسيوط بصعيد مصر، تجسدت في حالتها تلك التفرقة الواضحة بين الرجال والنساء من ذوي الإعاقة. تروي عطا لرصيف22 أنها أصيبت مبكراً بضمور في العصب البصري أدى إلى تليف في الشبكية. فقدها لبصرها ألقى بها في حادث سير تسبب لها في كسور في اليدين والقدمين، ولم يساعدها تأخر العلاج - بسبب تكلفة العمليات الجراحية- على الشفاء.
تزوجت سحر وأنجبت طفلين، ورغم سعادتها بأولادها، تعاني سحر مادياً بسبب توقف المعاش التأميني الذي كانت تحصل عليه قبل زواجها، ما يؤثر في قدرتها على الحصول على الرعاية الصحية التي باتت مكلفة جداً في مصر. لكنها بدلاً من الاستسلام، قررت التحرك في مواجهة "عدم العدالة".
نظمت سحر مع مجموعة من النساء ذوات الإعاقة عدة وقفات احتجاجية، أحدثها الأحد 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، للمطالبة بالمساواة بين الرجل والنساء من ذوي الإعاقة في تطبيق القانون رقم 10 لسنة 2018، الذي ينص على أحقية ذوي الإعاقات في الجمع بين أكثر من معاش، أو المعاش والراتب، وهو ما يطبق على الرجال من دون النساء. وهو ما يعد "عوار دستوري" على حد وصفها.
تقول سحر "من حقنا الحصول على معاش أهلنا. والدي دفع أموال معاشه للدولة خلال فترة عمله ليستفيد منه أبناؤه، لكن للأسف حرمت من الحصول على حقي وأحصل كغيري من المعاقات على معونة من الدولة متمثلة في معاش قيمته 447 جنيه مصري (28 دولار) وهو مبلغ غير كاف لتلبية احتياجاتنا المعيشية". وتتابع "هل طبيعي أن نحرم من أموالنا ونحصل على معونة جنيهات معدودة في وقت يعاني المعاق من عدة أمراض وبحاجة للمال؟"
سعت سحر عطا وزميلاتها طوال 3 سنوات لتطبيق القانون من دون فائدة، "التقت بنا وزيرة التضامن وأكدت لنا أنها ستعمل على حل أزمتنا، لكن الشهور تمضي من دون أي تقدم".
مزاج الموظفين
يقول عمار القبرصلي، المحامي ومقرر لجنة الدفاع عن الحريات بنقابة المحامين لرصيف22، إن القانون أتاح الجمع بين مصدري دخل منهما المعاش لذوي الإعاقات، "استثناءً من القاعدة العامة، ومراعاة لظروف كفاحهم مع الحياة". مضيفاً أنه لا يجوز أن يخالف موظفو الدولة القانون بإتاحة حق للرجال من دون النساء، ويكون الموظف الممتنع عن تطبيق القانون مرتكباً لجريمة ويجوز للمتضرر إقامة دعوى بجنحة "الامتناع عن تطبيق القانون" ضد الموظف العام.
لوكيل الوزارة رأي آخر
برغم أن وزيرة التضامن الدكتورة نيفين القباج أكدت للسيدات ذوات الإعاقة في لقائها معهن في نيسان/ أبريل 2020، أن القانون ينطبق عليهن، فإن وكيل الوزارة نفسها في محافظة دمياط حسام عبد الغفار له رأي آخر. يقول عبد الغفار لرصيف22 إن القانون "ينص على أن المعاق الذي يحمل كارنيه الخدمات المتكاملة يجوز له الجمع بين معاشين، أو المعاش والراتب إن كان موظفاً، في حدود ألا يتخطى قيمة المعاش ثلاث أضعاف مساعدة كرامة أي لا يتعدى الـ 1350 جنيه لأن مساعدة كرامة ليست معاش حكومي وإنما مساعدة تقف بوفاة صاحبها".
وواصل "قانون الجمع بين معاشين [يطبق لصالح] الابن العاجز الذي يحمل كارنيه خدمات متكاملة، ولا ينطبق على السيدة المتزوجة، والموضوع بات خاضعاً للقضاء بعد أن أقمن دعوى في سبيل أن يتساوين بالرجال ويتاح لهن الجمع بين معاشين".
منى عزت الباحثة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والنوع الاجتماعي قالت لرصيف22: "قانون رقم 10 لسنة 2018 يمنح كلاً من الذكر والأنثى من ذوي الاحتياجات الخاصة الحق في الجمع بين معاشين، وحرمان الإناث من الحق نفسه الممنوح للذكور يعد تميزاً ومخالفة صريحة للدستور".
------
(*) اسم مستعار بناء على طلب المصدر
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم