قبل أيام ابتدع شباب مغاربة سيناريو هوليودي للهجرة غير النظامية إلى إسبانيا. على إحدى صفحات فيسبوك نظموا خطتهم "الجهمنّية": أن يدعي أحدهم بأنه مريض في السماء لتنزل الطائرة المتجهة إلى تركيا اضطراريا في أحد مطارات إسبانيا، ويهربوا.
محاولة الهجرة هذه، واحدة من المئات التي لا تتطرق إليها وسائل الإعلام بالضرورة لأنها أقل "إبداعا"، وفاقم منها قرار دول أوروبية تشديد إجراءات منح تأشيرة السفرة إلى شبان مغاربيين، ومن ضمنها فرنسا التي قررت قبل شهرين تشديد شروط منح التأشيرات للمغاربة والجزائريين والتونسيين، ما أثار جدلا واسعا، لأنه يحد أكثر من حرية التنقل بأريحية بين البلدين، ويزيد من متاعبهم أمام السفارات خاصة السفارة الفرنسية.
التأشيرة المحرّمة
هناك مجموعة من الأشخاص، أفراد أو أسر، يحرمون لأسباب يجهلونها من الحصول على تأشيرة سفر، تجيز لهم الحق في التنقل إلى التراب الأوروبي، وهم غالبا ما ينحدرون من الطبقة الوسطى أو الفقيرة. هذا الوضع طالما شمل فئات عمرية مختلفة، خصوصا الشباب وأيضا الموظفين في قطاعات متعددة لا يحصلون على رواتب تمنحهم "الورقة السحرية" رغم أنهم يريدون في الغالب القيام برحلات سياحية والعودة إلى بلادهم.
الأشخاص الذين حاولوا أكثر من مرة الحصول على تأشيرة، وفي كل مرة تردّهم السفارة الفرنسية، يفسرون هذا الأمر بتعرضهم للعنصرية، وتمييزهم عن باقي المواطنين الذين يتمتعون بهذا الحق: إنه حق التنقل خارج الوطن، ودخول التراب الأوروبي دون تعقيدات. فكيف يعيش هؤلاء الأشخاص هذه التجربة؟
محمد أوعيسى، واحد من الشباب المغاربة الذين "تجرعوا مرارة هذا الإحساس أكثر من مرة"، إنه إحساس الحرمان من الحصول على تأشيرة كباقي المواطنين بدون سبب مباشر.
"حاولت التقدم بطلب الحصول على تأشيرة لثلاثة مرات، لكن دون جدوى". يقول محمد، مضيفا أنه يتقبل هذا الوضع لكن الأمر الذي يلحق به الأذى هو جهله للسبب، الذي يكون في غالب الأحيان مجرد ذريعة يتم التحجج بها للخروج بقرار حرمانه من تأشيرة سفر.
حاولت التقدم بطلب الحصول على تأشيرة لثلاثة مرات، لكن دون جدوى.هل كتب على جبيني أنني أريد "الحريق" كما آلاف الشباب المغاربة؟
محمد شاب مغربي حاصل على إجازة في القانون سنة 2011 ومنذ ذاك الحين وهو يعمل في مركز هاتفي للزبائن. وضعه المادي مستقر، لكنه لزال يطمح إلى تحقيق بعض الأحلام، مثل امتلاك سيارة وشقة وتكوين أسرة صغيرة. نعم إنها كماليات له وللكثير من المواطنين والشباب المغاربة، الذين لا يتجاوز سقف أحلامهم هذا المستوى، على اعتبار أن التكاليف المعيشية تظل مرتفعة في مقابل المداخيل التي يحصلون عليها.
يسهب محمد في التفكير مطولا، ثم ينطق بكلمات تنم عن تعرضه لموقف أو لمواقف "عنصرية"على حد تعبيره، قبل أن ينغمس في سرده لقصته مع التأشيرة، يأخذ وقته، يستجمع أفكاره ثم يستحضر جل الحكاية بتفاصيلها الدقيقة، التي ربما يعتبرها المستمع مملّة، لكنها في نظر محمد تظل هامّة في صياغة تفاصيل القصة بالنسبة إليه.
هل كتب على جبيني "الحريق"؟
يقول محمد، هي نفس المراحل التي أتبعها في كل مرة للحصول على التأشيرة، أولا أتشبث بالأمل، أقنع نفسي أني مواطن مغربي من حقي الحصول عليها، ثم أنطلق في اتباع الخطوات الإدارية.
ويتابع "القاسم المشترك بين المرات الثلاث هذه، هي ذلك الصف الطويل الذي أحافظ فيه على دوري، قبل أن أقوم بوضع ملفي الخاص بالسفارة، ثم السؤال الذي أتلقاه كل مرة، لماذا تريد التأشيرة، هل السبب الحقيقي فعلا هو السياحة وأخذ قسط من الراحة أم هذه مجرد ذريعة "للمكوث هناك" "واش بغيتي تحرق تما؟". والحريق عبارة نشأت في القرن الماضي وكانت تصف المهاجرين غير النظاميين الذين يحرقون أوراق هويتهم لكيلا يعادوا إلى بلدانهم.
حينها أتساءل" يقول محمد، هل مكتوب لهم على جبيني أني أرغب في المكوث بشكل غير قانوني في فرنسا بعد انتهاء مدة التأشيرة، لماذا يتنبؤون بهذه الفرضية ويصدقونها؟ أم لأنني شاب وموظف بسيط مرشح بدرجة أولى إلى الهجرة غير القانونية إلى بلد أجنبي؟
هذه أسئلة راودت محمد في كل مرة حاول فيها الحصول على تأشيرة. لكنه لم يهتد بعد إلى الجواب الشافي.
بعد المحاولات التي لم تتكلل بالنجاح، للحصول على تأشيرة قرر محمد أن ينسى الموضوع، لأنها تجربة طبعت بالفشل، غير أن الأمر الذي يبدو محيرا بالنسبة لمحمد هو كونه يجهل السبب الذي يقف كل مرة وراء رفض طلبه بالسفر إلى التراب الفرنسي.
عن القرار الفرنسي القاضي بتشديد شروط حصول المغاربة على تأشيرات، يقول محمد إنه لم يتفاجأ قط، مبررا موقفه بكون هذا القرار كان منذ زمن بمثابة واقع معاش بالنسبة للعديد من الشباب، لكنه يمارس بشكل خفي، وبطرق غير مباشرة، "فلنقل إذن إنه قرار قديم في صيغة جديدة" يقول الشاب.
مواطنون "من درجة ثانية"
محمد مجرد حالة تختزل هذا التصرف الذي ينطوي حسب تعبيره على قدر كبير من "العنصرية" و" التمييز"، تختزل واقع العديد من الشباب، نساءً ورجالاً، الذين يرغبون في الحصول على تأشيرة سفر لأهداف مختلفة، إما للسفر أو للبحث عن فرصة عمل.
لكن غالبا ما يتم رفض طلبهم لأنهم بكل بساطة لا يتحدرون من أسر ميسورة، وإنما هم من الطبقة الوسطى، التي تكابد عناء الحياة من أجل الحصول على لقمة عيش كريمة، ويظل السفر بالنسبة لهم في منظور متوارث من الكماليات التي لا يكون بوسع الإنسان الفقير تحقيقها. "مادامت هناك أولويات لم تتحقق بعد على أرض الواقع لازال السفر في عداد الأحلام الواهمة، لهذا السبب بالتحديد يتم استبعادهم من لوائح الشباب الذين يحصلون على تأشيرة سفر بسهولة "، على حد تعبير الشاب محمد.
كلما تشددت إجراءات منح تأشيرة السفر إلى أوروبا كلما صار الشباب المغاربة أكثر إبداعا في طرق "الحريق" ولو تطلب الأمر هبوط طائرة اضطراريا
"هل نحن مواطنون من درجة ثانية؟ أليس من حقنا الحصول على تأشيرة سفر لدخول فرنسا؟" بهذا السؤال "المستفز" استهلت نورة أهروي حديثها مع رصيف 22، فقصتها مشابهة لقصة محمد، تقدمت بطلب الحصول على تأشيرة السفر إلى فرنسا لكن طلبها قوبل بالرفض لمرتين منذ 4 سنوات، لهذا فهي لم تفاجأ بالقرار الفرنسي القاضي بتقليص عدد التأشيرات التي تمنح للمواطنين المغاربة، معتبرة الأمر معاش بشكل مسبق، ولم تعتبره قرارا حديث التنفيذ.
نورة ترغب في التأشيرة من أجل الهجرة لتحقيق أحلامها البسيطة التي لا تتجاوز سقف الأولويات. شأنها كباقي الشباب الذين يأملون في الضفة الأخرى الخلاص من ثقل شبح البطالة التي تؤرقهم، والحاجة التي تثقل كاهلهم في البلد الأم.
لهذا الغرض تقدمت نورة مرتين بطلب الحصول على تأشيرة سفر إلى فرنسا، كانت تود استغلال الفترة التي ستمنح لها قصد البحث عن عمل، وربما الاستقرار بشكل غير شرعي في البلد إلى حين تمكنها من الحصول على فرصة عمل. لكن دون جدوى في كل مرة تتقدم بطلب الحصول على تأشيرة ترد خائبة، رغم أنها تستوفي جميع الشروط المطلوبة. ما يدفعها إلى تبرير هذا الموقف بالعنصرية التي تمارس بشكل متعمد وبدون مبرر على فئة معينة من الشباب.
في كل مرة يرفض طلبها، تعود خائبة، منكسرة، خاوية الوفاض إلى أمها المسنة، التي تنتظر من ابنتها أن تزف لها الخبر المفرح وهو التمكن من العبور إلى الضفة الأخرى بصيغة قانونية، ولو لحين قصير ريثما تجد عملا. لكن هذا الطموح لم تكتب له الأقدار أن يتحقق بعد.
هذه الشابة هي المعيل الوحيدة لأمها المسنة، المقعدة التي بدأ بصرها يتلاشى شيئا فشيئا، فهي لا تأمل أحلاما صعبة المنال في الحياة، سوى تمكن ابنتها الشابة المفعمة بالأمل من العبور إلى فرنسا، التي تظل في المنظور الخاص لعدد كبير من الشباب الذين ينحدرون من الطبقة المتوسطة، بمثابة الأرض التي يتخلصون فيها من الهواجس التي تؤرقهم. لكن في العديد من الأحيان تظل هذه الانطباعات مجرد تمثلات بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش.
"إما الانتصار أو الموت"
ومن الشباب أيضا من لم يرضخوا للأمر الواقع، لم يتقبلوا رفض طلباتهم بسهولة، بل عمدوا إلى البحث عن طرق مختلفة للظفر بالسفر إلى أوروبا، بهدف البحث عن فرص عمل مشرفة، والحصول على حظوظ الظفر بحياة كريمة حتى ولو اخترعوا أكثر الحيل جنونا، ولو كانت هذه الطرق غير مشروعة، ومن الممكن أن تعرضهم للمسائلة القانونية، بل وفي أحيان كثيرة تعرض حياتهم للخطر الذي يصل إلى درجة مفارقة الحياة، عندما يتعلق الأمر بالهجرة غير النظامية عبر قوارب الموت.
ياسين عزوز يحكي لنا عن مأساة أخيه الذي فارق الحياة على أرض سبتة، عندما كان يحاول العبور إلى الضفة الإسبانية. إذ كان واحدا من الشباب الذين فارقوا الحياة برصاص الجنود الإسبان، لأنه أصروا على تسلق الجدار الفاصل بين المغرب والضفة الأخرى. لكن كان قدره مفارقته للحياة.
عاش الفقيد، في مدينة الفنيدق، وكان يعمل نادلا في مقهى صغير، هو الذي ينحدر من أسرة فقيرة. إذ أن والده يعمل كحارس ليلي في مركن سيارات، وأمه ربة بيت. حاول أكثر من مرة الحصول على تأشيرة للالتحاق بأبناء الجيران في أوروبا، لأنهم في اعتباره ينعمون في ملذات الحياة الدنيا، هناك على تلك الأرض التي تخلو فيها المنغصات، ما جعله شغوفا للبحث عن كل السبل للحاق بهم. تقدم بطلب الحصول على تأشيرة سفر، لكن في كل مرة كان يفاجأ بالرفض، ليقرر في النهاية أن يسلك طريق الهجرة غير النظامية، دون أن يخبر عائلته.
لكن كانت النهاية مفجعة خصوصا وأنه خاض هذه التجربة، في فترة كانت العلاقة متوترة بين المغرب وإسبانيا، ما جعلهم متيقظين أكثر من مرة على منع القصّر من الهجرة غير الشرعية للذهاب إلى الأراضي الإسبانية.
يفسر أخ الفقيد هذا السلوك بالـ"حكرة" والعنصرية، لأن شقيقه لم يحصل على التأشيرة بطريقة قانونية، ما دفعه إلى التفكير في الهجرة السرية وهو الأمر الذي أودى بحياته للأبد.
خلَّف هذا الشاب وراءه أبا منكسرا يبكي قدَره وقدَر أبنائه، الذين أصبحت أكبر أمانيهم الهجرة، وأمّ أصبحت تعاني اضطرابات نفسية كبيرة، جراء وفاة ابنها على يد الجنود الإسبان، وما جعل جرحها غائرا أكثر هو أنهم لم يستلموا جثته، بل تكفل بدفنه مجموعة من المغاربة المتطوعين الذين يقطنون بشكل قانوني على أرض سبتة.
ليست هذه كلَّ القصص بل النزر اليسير منها. بعضٌ من القصص التي تختزل واقع العديد من الشباب الذين يطمحون إلى مغادرة الوطن، لكن سرعان ما تتعثر أحلامهم بصعوبة كبيرة، أولها عدم حصولهم على تأشيرة سفر قانونية، ما يدفعهم إلى البحث عن طرق بديلة، تكون غالبا غير قانونية، وتكون أيضا مكلفة في بعض الأحيان إلى حدّ أنها قد تكلفهم حياتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع