شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حوارات داخلية عن فايروس كورونا ولقاحه

حوارات داخلية عن فايروس كورونا ولقاحه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 12 نوفمبر 202110:54 ص

في سوريا، ومع بداية تفشي فايروس كورونا، كان هناك أشخاص يرون أن الفايروس موجود ولكن هناك كذبة إعلامية ضخّمتهُ وهوّلتهُ ولا داعي لكل هذا الخوف والقلق منه، في حين أن هناك آخرين صدّقوا الأمر وتعاملوا معه بجدية.

وبين هؤلاء وأولئك، بقي كثيرون من السوريين في حيرة من أمرهم، فتارة يصدّقون ما يُقال وتارةً أخرى يكذبونه متأثرين بما تنشره بعض وسائل الإعلام المحلية والعالمية وما يجري تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الخوف من الفايروس

حين بدأ الفايروس بحصد الأرواح في سوريا، أدرك معظم الناس الذين كانوا يعتبرونه كذبة أن هذه الكذبة قد تقتلهم ولا بُدّ من التعامل معها بجدية. وبالطبع، بقي هناك مَن يُشكك بالأمر ويقول إنه مجرد إنفلونزا شديدة كانت موجودة منذ عشرات السنين ولا يمكنها أن تقتل إلا مَن هو ضعيف المناعة ولديه أمراض مزمنة، وإن الإعلام على مستوى العالم هو مَن جعل هذه الإنفلونزا المُسماة "كورونا" تُرعب البشر.

بالنسبة إليّ، مع الشهر الأول لانتشار الفايروس في معظم دول العالم، كنتُ أظن أنه مجرد فايروس عادي سيُقضى عليه ولن يصل إلى سوريا، وأن ما يُذاع عنه فيه شيء من المبالغة. في ما بعد، وبالرغم من أنني لم أكن أصدّق كل ما أسمعهُ أو أقرأه في وسائل الإعلام، شعرت بالخوف، وبدأت أتّخذ كل الإجراءات والتدابير التي أُعلن عنها من أجل الوقاية، مثل عدم مصافحة الآخرين وتعقيم وغسل اليدين بالماء والصابون وما شابه.

مع بداية الحجر في سوريا، بدأتُ أشعر بالخوف أكثر وبأن الفايروس أصبح قريباً منّي للغاية، وهذا ما جعلني أبدأ بممارسة الرياضة بشكل يومي وأتبع نظاماً غذائياً صحياً وأقلل من عدد السجائر التي أدخنها. وصار معظم وقتي الذي أقضيه على الإنترنيت مخصصاً لمتابعة آخر أخبار الفايروس وخاصة عدد الإصابات والوفيات والعلاجات المستخدمة.

وحين سمعتُ بأن هناك مَن يعمل على صنع لقاح، قررتُ بأني سأكون أول مَن يتناوله، بغض النظر عن آثاره الجانبية، لأن أحد أقسى أشكال الموت وأكثرها رعباً هو أنْ تموت لأنك لا تستطيع أن تأخذ القليل من الأوكسيجين الذي يملأ كوكب الأرض.

مع مرور الوقت، وبعد انتهاء الحظر، بدأتُ أعود وبشكل تدريجي للتدخين وأخفف متابعتي للأخبار المتعلقة بفايروس كورونا ولم أعد ألتزم كثيراً بتدابير الوقاية كما في السابق، ولكنني لم أتخلَّ عن عبوة المعقّم والنظام الغذائي والرياضة بشكل يومي حتى الآن.

الخوف من اللقاح

حين وصل لقاح كورونا إلى سوريا رفضتُ أخذه. لماذا؟ لأنه ومنذ تفشي الفايروس وحتى الآن لم أعانِ من أي أعراض له، ولم أصبْ أيضاً بالإنفلونزا العادية وهذا ما جعلني أشعر بأن مناعتي قوية، وفي حال أصبتْ بالفايروس لن يكون الأمر خطيراً، فلماذا سأغامر وآخذ اللقاح الذي تدور حوله كثيرٌ من التساؤلات؟

في قريتي التي يبلغ عدد سكانها حوالي ألفي شخص، هناك شخص واحد تلقى اللقاح هو حلاق القرية. حين سمعتُ بذلك سألت نفسي: ما السبب الذي يمنعني من أخذه؟ لحظتها بدأت ثقتي بمناعتي تهتز. شغلني السؤال كثيراً وبدأت أفكر بكل سلبيات اللقاح التي سمعتها وقرأت عنها وأيضاً فكرتُ بالإيجابيات واستشرت بعض الأطباء الذين أثق برأيهم قبل أن أتخذ قراري.

"سألني رجل مُتدين كان حاضراً هل حقاً أخذت اللقاح؟ قلت: نعم. هزَّ رأسه وقال: ‘يجب أن تعلم أنت والحاضرون أن هذا الفايروس هو بلاءٌ من عند الله لعباده كي يُجربهم ويختبر صبرهم وإيمانهم، وكُلّ مَن يأخذ اللقاح إيمانه وثقته بالله ضعيفة’"

منذ شهرين تقريباً، وقفتُ في بهوٍ كبير أنتظر دوري لأخذ اللقاح. كنتُ أشعر بالخوف وقلت لنفسي: ماذا لو كان اللقاح فعلاً يُغيّر جينات البَشر؟ أو كان مؤامرة قام بها بعض الأشخاص من أجل التحكم بالبشرية لأهداف تجارية أو علمية؟ ماذا لو كانت هناك كائنات فضائية تجري علينا تجربة ما كما نفعل نحن مع الفئران؟ دخلت في عالم من الافتراضات المخيفة لأكثر من خمس دقائق، وفجأة خرجتُ منه حين سمعت صوتاً ينادي "رامي غدير" أكثر من مرة.

في تلك اللحظات كان أمامي خياران: الأول أن أتجاهل صوت المنادي وأخرج من الباب الرئيسي وأدخل مرة أخرى في دوامة النقاش مع نفسي حول اللقاح، والثاني أن أتقدم نحو الباب الآخر لآخذ اللقاح فتتغير جيناتي وأقع ضحية المؤامرة الكونية. ولأنني كنتُ خائفاً ومتوتراً، لم أستطع أنْ أحدد أي الخيارين هو الصائب. نظرتُ حولي فرأيتُ قرابة مئة شخص ينتظرون دورهم. لحظتها، حسمت غريزة القطيع الموقف لصالح اللقاح.

بعد دخولي من الباب كان هناك ما يقارب عشرين متراً كي أصل إلى الغرفة المخصصة لإعطاء اللقاح. سألتُ نفسي مرة أخرى: ماذا لو كانت كل الإشاعات والأقاويل التي سمعتها حول سلبية اللقاح حقيقية؟ وماذا لو كان الأطباء والعلماء ومخترعو اللقاح ومنظمة الصحة العالمية ووسائل الإعلام جزءاً من شبكة عالمية تعمل على خداعنا لأهداف تخصها؟ حاولت تجاهل هذه الأفكار وما يشابهها لكنني لم أنجح.

حين وصلت إلى الغرفة طلَبَت منّي الممرضة الجلوس على الكرسي، ثم اقتربت منّي وبيدها الحقنة. تمنيتُ أن يحدث شيء ما، مثل أنْ أستيقظ وأكتشف أن فايروس كورنا مجرد كابوس، أو أنْ تتحول الحقنة إلى ميكروفون والممرضة إلى مذيعة تسألني: لو عرضنا عليك لقاحاً سيمحو نصف ذكرياتك الجملية، وبنفس الوقت سينقذك من الموت هل تأخذه أم لا؟ وبثقة أجيب: بالطبع لا، فالموت أسهل عليّ من خسارة الذكريات الجميلة. ولأن المذيعة تعرف أنني كاذب ستقول: كم أنتَ شجاع ورومانسي. ولكن لم يحدث أي شيء، وقامت الممرضة بغرس الحقنة في ذراعي فخفق قلبي بشدة وأحسستُ بأنني بائس ومسلوب الحرية والإرادة.

ماذا لو؟

في طريق العودة إلى المنزل قلتُ لنفسي: ماذا لو كان اللقاح يحمل شريحة إلكترونية متناهية الصغر متصلة بشبكة إنترنت عالمية وهذه الشريحة يمكنها أن تتحكم بعقلي؟ وبدأت أتخيل أنني خلال الدقائق القادمة سأسمع صوتاً داخلياً يقول لي: "أنا أعلم عنك كل شيء حتى الأشياء التي قد نسيتها، أعلم أنك تكره أكل اليقطين، وتحب الكرز، وأفضل مشروب لديك هو المتة، وأكثر عبارة كررتها بينك وبين نفسك وأمام الآخرين في عام 2009 هي عبارة ‘أنتَ في وحدتك بلد مزدحم’"، وغير ذلك من التفاصيل التي تخصني.

"بعد تناولي اللقاح، بدأت أتخيّل أنني خلال الدقائق القادمة سأسمع صوتاً داخلياً يقول لي: ‘أنا أعلم عنك كل شيء حتى الأشياء التي قد نسيتها، أعلم أنك تكره أكل اليقطين، وتحب الكرز، وأفضل مشروب لديك هو المتة’"

بعد ذلك وبلهجة حادة يقول: "ستموت أنتَ وكل عائلتك إنْ أخبرت أحداً بما سمعته باستثناء الأشخاص الذين تلقوا اللقاح مثلك، ويجب أن تعلم بأنك أصبحتَ تابعاً لنا وفي حال لم تنفّذ ما سنطلبه منك سنجعلك تتمنى الموت لأنه سيكون رحمة لك. في كل صباح ستصلك كلمة سر حين تقولها أو تسمعها من شخص ما ستعرف بأنه تلقى اللقاح ويمكنك الحديث معه بخصوص المهمات الموكلة إليك"... لحظتها رنّ هاتفي الجوال ورأيت رقم صديقي الذي أخذ اللقاح قبلي بيومين فقمتُ بالرد، فسألني على الفور: "شو أخدت اللقاح؟"، فقلت له: "شو كلمة السر؟"، فضحك وقال: "كلمة سر شو؟!".

في جلسة مع بعض أهالي القرية، سألني أحد الأشخاص إنْ كنتُ قد عانيتُ من أعراض بعد اللقاح فأجبته: لا. حينها سألني رجل مُتدين كان حاضراً هل حقاً أخذت اللقاح؟ قلت: نعم. هزَّ رأسه وقال: "يجب أن تعلم أنت والحاضرون أن هذا الفايروس هو بلاءٌ من عند الله لعباده كي يُجربهم ويختبر صبرهم وإيمانهم، وكُلّ مَن يأخذ اللقاح إيمانه وثقته بالله ضعيفة". بعض الحاضرين وافقوه في الرأي والبقية ظلوا صامتين.

ولأنني سئمت من النقاش والجدال حول مثل هذه القضايا قلت له: أنا شخصياً أخذت اللقاح لأني لستُ مهتماً بهذا الاختبار الإلهي الذي لا أساس ولا معنى له، إضافة إلى أنّ كلامك هذا يُعارض ما قاله النبي محمد: إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ وجَهِلهُ مَن جَهِلهُ".

الآن، وبعد أن أخذتْ اللقاح، وبالرغم من كل ما قيل وما يزال يُقال عنه من كلام سلبي وإيجابي، وبالرغم من أنّه لم يحدث معي شيء من كل الافتراضات التي فكرت فيها، فإن ما أعرفه هو أنني أصبحتُ أكثر راحة وطمأنينة ولم أعد أشعر بالقلق كما كنتُ قبل أن آخذه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image