لم تكن العلاقة بين رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، والفصائل الشيعية المسلحة المعروفة باسم "فصائل المقاومة"، إيجابيةً يوماً، على الرغم من موافقة بعض هذه الفصائل على تولّيه رئاسة الحكومة، بدلاً من عادل عبد المهدي الذي استقال في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
الكاظمي الذي وصل إلى رئاسة الحكومة في السادس من أيار/ مايو 2020، بعد نحو أربع سنوات قضاها رئيساً لجهاز المخابرات الوطني، تعرّض لهجمات إعلامية وسياسية مستمرة من الفصائل المسلحة التي دائماً ما تتهمه بالعمل ضدها، وضد الحشد الشعبي.
بعض المدوّنين والمحللين المقرّبين من هذه الفصائل، اقترحوا أن تُستخدم آلية "أنصار الله" الحوثيين ضد علي عبد الله صالح، ومنصور عبد ربه، ضد مصطفى الكاظمي، وأن تُستنسَخ التجربة ضد "عدوّهم" رئيس الحكومة العراقية.
المسؤول الأمني لكتائب حزب الله، أبي علي العسكري، هدد مصطفى الكاظمي ذات يوم بقطع أذنيه
حاول الكاظمي خلق علاقة إيجابية مع هذه الفصائل، إلا أنه لم ينجح، في محاولة منه للعب دور السياسي الهادئ غير المتزمت، وأراد من خلال ذلك طمأنتها بشأن عدم المساس بها، لكنها بالمحصلة ظلّت تعدّه "أداةً" أمريكية لضرب مشروعها، على الرغم من علاقاته الواسعة والمتينة مع مسؤولين في الدولة الإيرانية.
علاقة الكاظمي برئيس أركان هيئة الحشد الشعبي، القيادي السابق في كتائب حزب الله، أبي فدك المحمداوي، لم تشفع له أمام التهديدات المستمرة لهذه الفصائل، خاصةً من المسؤول الأمني لكتائب حزب الله، أبي علي العسكري، الذي هدده ذات يوم بقطع أذنيه.
دفعت نتائج الانتخابات الأخيرة التحالف إلى إنزال أنصاره إلى الشارع، وسقط أربعة قتلى في مواجهات مع الأمن وفقاً لوسائل إعلام تابعة لفصائل المقاومة، بينهم قيادي في حركة عصائب أهل الحق.
توترت العلاقة أكثر مع حصول تحالف "الفتح"، بزعامة هادي العامري، على 14 مقعداً برلمانياً في الانتخابات الأخيرة، بينما كان لديه في الدورة البرلمانية المنتهية ولايتها 48 مقعداً، لذا عدّ الانتخابات "مزورةً"، واتهمت بعض أطرافه حكومة الكاظمي بالتزوير.
يضم تحالف "الفتح" أحزاباً سياسية شيعية لديها أجنحة مسلّحة، وهو التجمع السياسي الشيعي الأقرب إلى إيران، خاصةً وأن مكوّناته ترفع شعار "المقاومة"، لذا طالبوا بإجراء عدٍّ وفرز يدويَين لنتائج الانتخابات، وفي أحيان عديدة طالب بعض المتحدثين غير الرسميين عنهم بإعادة إجراء الانتخابات.
دفعت نتائج الانتخابات الأخيرة التحالف إلى إنزال أنصاره إلى الشارع، وبعد نحو أسبوعين تطورت الأوضاع، وحدثت في الخامس من الشهر الحالي صِدامات بين المحتجين، وأغلبهم من مقاتلي الحشد الشعبي، ومؤيّديه، مع قوات مكافحة الشغب العراقية، فسقط أربعة قتلى وفقاً لوسائل إعلام تابعة لفصائل المقاومة، بينهم قيادي في حركة عصائب أهل الحق.
قبلها بأيام، سقطت قذائف "كاتيوشا" في المنطقة المحيطة بجهاز المخابرات الوطني في منطقة المنصور الراقية في بغداد، وقيل آنذاك إن المستهدف كان الكاظمي، عندما زار الجهاز الذي ما زال يُديره، لكن لم تخرج أي معلومات، كما أن الصواريخ سقطت في مساحات غير مأهولة.
تهديدات الخزعلي فُهِمت على أنها تصعيد مباشر ضد الكاظمي، خاصةً عندما قال له باللهجة العراقية: "بوكتنا يمك" (سرقتنا عندك)، وهو تعبير عن أن لدينا حقاً عندك، ويجب أخذه.
في السادس من الشهر الحالي، ظهر الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وسط حشود من المعترضين على نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في العاشر من الشهر الماضي، واتّهم رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بـ"تزوير" الانتخابات.
ليس هذا فحسب، بل اتهمه أيضاً بالوقوف وراء عملية مقتل متظاهرين في الخامس من الشهر الحالي، خلال صِدامات مع القوات الأمنية، بينهم قيادي في حركة الخزعلي يُدعى عبد اللطيف الخويلدي.
تهديدات الخزعلي فُهِمت على أنها تصعيد مباشر ضد الكاظمي، خاصةً عندما قال له باللهجة العراقية: "بوكتنا يمك" (سرقتنا عندك)، وهو تعبير عن أن لدينا حقاً عندك، ويجب أخذه.
ترى حركة عصائب أهل الحق، وفصائل شيعية مسلحة أخرى، أن الكاظمي أحد المتورطين، أو المساهمين في اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2020.
ترى حركة عصائب أهل الحق، وفصائل شيعية مسلحة أخرى، أن الكاظمي أحد المتورطين، أو المساهمين في اغتيال قاسم سليماني، وأبي مهدي المهندس في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2020.
بعد ساعات على هذه التصريحات، استُهدف منزل رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، بهجوم بثلاث طائرات مسيّرة، أُسقط اثنان منها، لكن الثالثة تمكّنت من الوصول إلى منزله، واستهدفته.
شُنَّ الهجوم في الساعة 2:24 صباحاً، عندما سُمِع إطلاق رصاص كثيف في المنطقة الخضراء حيث يقيم الكاظمي، وكان مصدر هذا الرصاص من طاقم حمايته، والقوات المحيطة بمنزله الذي يجاور منزل رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي.
منزل الكاظمي ليس من ضمن القصور الحكومية التي يسكنها رؤساء الوزراء، بل هو منزل كان مقراً لمؤسسة "الذاكرة"، وهي مؤسسة أسسها المعماري العراقي كنعان مكية، وساعده في ذلك مصطفى الكاظمي، عام 2003.
الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، يعتقد أن ما حدث لن يتطور، ويقول لرصيف22: "لا أحد يرغب في التصعيد أكثر، فالجميع استشعروا خطورة ما يحدث من انسداد سياسي بسبب نتائج الانتخابات الأخيرة".
هناك من يرى أن تصعيد الفصائل المسلحة، رسالة إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي زار بغداد قبل يومين، وغادرها احتجاجاً على تصعيد الفصائل، وصِدامها مع القوات الأمنية. كان الصدر يهدف من خلال زيارته إلى التحالف مع كتل أخرى، لتشكيل الحكومة المقبلة. ليس هذا فحسب ما أغضب هذه الفصائل. ما أغضبها أكثر، هو أن زعيم التيار الصدري ما زال يضع الكاظمي مرشحاً له لرئاسة الحكومة المقبلة.
يذهب المحلل السياسي نجم القصاب، في اتجاه آخر، ويتوقع أن تتكرر عملية استهداف الكاظمي من جديد، لكنه يتوقع أن تكون نتائج الاستهداف إذا ما تكررت، عكسيةً على الفصائل المسلحة.
"الحل الأمثل لتأديب سلطة التآمر والعمالة هو باستنساخ تجربة أنصار الله في اليمن، حين طردوا عبد ربه منصور هادي، وقتلوا علي عبد الله صالح"
يقول القصاب لرصيف22: "محاولة الاغتيال كانت في صالح الكاظمي، فحتى الذي لم يكن يؤيده، هو اليوم معه. الرجل (الكاظمي) لا يريد أن يذهب في اتجاه الاقتتال، وسفك الدماء، بل سيتعامل بهدوء مع ما حدث".
في السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كتب أحمد عبد السادة، وهو شاعر ومدوّن مقرب من الفصائل الشيعية المسلحة: "قلت سابقاً إن الحل الأمثل لتأديب سلطة التآمر والعمالة في العراق، هو باستنساخ تجربة أنصار الله في اليمن، حين طردوا عبد ربه منصور هادي، وقتلوا علي عبد الله صالح".
وعلّل عبد السادة مقترحه بـ"أن قادة هذه السلطة لم يتعلّموا من تجارب العملاء السابقين لأمريكا، وآل سعود، حين تم تركهم وحيدين في مواجهة مصيرهم المظلم المحتم"، ويُعدّ عبد السادة أحد أبرز الوجوه المناهضة لحكومة الكاظمي، وفريق عمله، ودائماً ما يتهمهم بـ"العمالة" لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات.
اتّهم أبو علي العسكري الكاظمي بلعب دور الضحية، وقال إن "هناك طرقاً أقل تكلفةً، وأكثر ضمانةً لإيذاء رئيس الحكومة، إذا كان هذا هو الهدف".
وفي فيديو نُشر في الحادي والعشرين من تموز/ يوليو 2021، قال عبد السادة إن "الكاظمي لو خطا خطوةً جديدةً في اتجاه الحشد الشعبي، فإن تجربة أنصار الله الحوثيين في اليمن، ستُستنسَخ في العراق، عندما قتلوا علي عبد الله صالح، وطردوا منصور عبد ربه".
واللافت أيضاً أنه بعد محاولة الاغتيال، أصدر أبو علي العسكري بياناً اتّهم فيه الكاظمي، بلعب دور الضحية، وقال إن "هناك طرقاً أقل تكلفةً، وأكثر ضمانةً لإيذاء رئيس الحكومة، إذا كان هذا هو الهدف".
يقول رئيس أكاديمية التطوير السياسي، رحمن الجبوري، لرصيف22: "ما حدث الليلة الماضية، وبهذه الطريقة، يعني أننا لا نؤمن بالتداول السلمي للسلطة"، ويضيف: "نحن نستخدم أساليب عشائرية، لكن بطريقة أكثر تطوراً، فالعشائر لا تستخدم الطائرات المسيّرة، لكن الخصوم والمنافسين السياسيين يستخدمونها".
ويتحدث الجبوري عن أن التطورات الأمنية الأخيرة إذا ما تكررت، فإنها ستؤثر على المسار السياسي في العراق، ولن تُبقي أي مساحة للممارسة الديموقراطية فيه، على حد قوله.
لم يحدث سابقاً أن تعرّض رئيس حكومة عراقية، بعد عام 2003، لمحاولة اغتيال، لذا تُعدّ هذه التطورات مؤشراً على تراجع مستوى التفاهم والحوار بين القوى السياسية العراقية، وهي بداية لتحقيق توقعات أشارت إلى أن الصدام الشيعي الشيعي سيبدأ قريباً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...