عودة قوية لزعيم التيار الصدري الشاب مقتدى الصدر. هذا باختصار ما يمكننا أن نصف به النتائج الأولية للانتخابات التشريعية العراقية، والتي تشير إلى تقدم قائمة "سائرون"، المكوّنة من تحالف بين التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر مع الحزب الشيوعي العراقي بزعامة رائد فهمي.
ويضمّ تحالف "سائرون" أحزاباً أخرى، منها حزب التجمع الجمهوري الذي يتزعمه سعد عاصم الجنابي، وحزب الاستقامة بقيادة حسن العاقولي، إلى جانب حزب الدولة العادلة بقيادة قحطان الجبوري.
يحظى بشعبية بين الشباب والفقراء والمحرومين في العراق، في موقف يسمح له باختيار شخص لمنصب رئيس الحكومة القادمة، مع العلم أن الفوز بأكبر عدد من المقاعد لا يضمن ذلك تلقائياً، إذ يجب أن يتشكل تحالف من عدة كتل لمنح الحكومة الثقة، لأن نتائج الانتخابات لم تمنح أية قائمة الأغلبية النيابية.
وحصلت كتلة مقتدى الصدر على عدد أكبر من الأصوات في العاصمة بغداد، التي تتمتع بأكبر عدد من المقاعد.
ويُعدّ الصدر أحد القادة الشيعة الأقوياء القلائل غير المحسوبين على إيران في العراق، وكثيراً ما يرفع شعار العروبة في وجه خصومه الموالين لطهران. وفي العام الماضي التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يعارض بشدة دور إيران في المنطقة.
وقالت مفوضية الانتخابات العراقية إن نسبة الإقبال في الانتخابات البرلمانية لم تتجاوز 45 في المئة من الناخبين المسجلين.
وتُعَدّ هذه الانتخابات الرابعة منذ الإطاحة بصدام حسين من سدة الحكم عام 2003 والأولى منذ أن أعلنت الحكومة العراقية انتصارها على داعش في العام الماضي.
وبحسب المفوضية، فإن نحو 11 مليون عراقي، من أصل نحو 24.5 مليون ناخب، شاركوا في الاقتراع، وهو ما يعبّر عن أعلى نسبة عزوف عن التصويت منذ أول انتخابات متعددة الأحزاب في العراق عام 2005.
وخاض أكثر من سبعة آلاف مرشح في 18 محافظة الانتخابات هذا العام من أجل الفوز بمقاعد البرلمان الـ329.
إيران لم تخسر اللعبة
على الرغم من تقدم "سائرون"، إلا أن الباحث في الشؤون الدولية محمد عمر لا ينظر إلى النتائج الأولية للانتخابات العراقية باعتبارها خسارة لإيران، بل على العكس يعتبر أن تلك النتائج أظهرت أيضاً فوز التكتلات القريبة والمدعومة من إيران، إذ استطاعت قائمة "الفتح" المدعومة من طهران احتلال المرتبة الثانية.
وجاء تقدم "سائرون" بعد فرز معظم الأصوات في معظم المحافظات (10 من أصل 18). وأتت قائمة "الفتح" التي تضم فصائل الحشد الشعبي والمدعومة من إيران بقيادة هادي العامري في المرتبة الثانية، وهو ما يعتبر بعض المحللين أنه سيتسبب في مزيد من الانقسامات في العراق في الفترة القادمة.
أما "تحالف النصر" بزعامة حيدر العبادي فقد حل في المرتبة الثالثة، ما يُعَدّ انتكاسة حادة لرئيس الوزراء العراقي الذي كان يعتبره البعض المرشح الأوفر حظاً لحصد الأغلبية النيابية، بعد الانتصارات التي قادتها حكومته على تنظيم داعش.
ويضع تقدم قائمة "سائرون" مقتدى الصدر الذي مقتدى الصدر المتحالف مع الشيوعيين حصد أكبر كتلة برلمانية في العراق... وطهران كانت قد هدّدت بأنها لن تسمح لليبراليين والشيوعيين بالحكم في العراقويضيف عمر لرصيف22 أن المتضرر الأكبر من هذه النتيجة هو العراق نفسه، لأنها تعني مزيداً من المشاكل والانقسامات في بلد يعاني أساساً من أزمات عدة. ويُعَدّ الصدر عدواً للولايات المتحدة، وسبق أن قاد انتفاضتين ضد القوات الأمريكية في العراق. واعتُبر الصدر في الانتخابات الأخيرة زعيماً يعمل على مواجهة النفوذ الإيراني في بلاده. وقال علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، في فبراير الماضي، إن طهران لن تسمح لليبراليين والشيوعيين بالحكم في العراق. واعتبر كثيرون هذا التصريح إشارة إلى معاداة إيران للتحالف بين الصدر والحزب الشيوعي العراقي وجماعات أخرى علمانية انضمت إلى احتجاجات عام 2016 التي شارك فيها الصدريون للضغط على الحكومة من أجل القضاء على الفساد. وبحسب عمر، فإن العراق كان في حاجة ملحة إلى حكومة قادرة على تحقيق توازن بين مصالحها مع الولايات المتحدة ومع إيران في نفس الوقت. ويعتبر عمر أن ملف الحرب على داعش، والعلاقة مع الخليج، وإعادة العراق إلى محيطه العربي هي أكثر التحديات التي ستواجه رئيس الوزراء العراقي الجديد. وبحسب جيرمي بوين، محرر شؤون الشرق الأوسط في بي بي سي، فإن رئيس الوزراء العراقي الجديد سيواجه الكثير من الصعوبات في بلد صار هشاً وضعيفاً منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003. فمهمة الفائز في الانتخابات العراقية، من وجهة نظر بوين، لن تكون إعادة إعمار العراق فقط، بل أيضاً القيام بمجهود كبير لإعادة توحيد البلاد، والقيام بخطوات جادة للحفاظ على البلد من الوقوع في براثن حرب أهلية طائفية. والتحدي الحقيقي أمام الفائز وحكومته الجديدة سيكون الحصول على ثقة جميع العراقيين، وهو أمر ليس سهل التنفيذ في بلد شهد بالفعل العديد من جولات الاقتتال الطائفي. الانقسامات بدأت مبكراً؟ يمكن القول إن الانقسامات بدأت بالفعل في العراق. فقد طالب نائب رئيس الجمهورية العراقية، وزعيم ائتلاف "الوطنية" إياد علاوي بإلغاء نتائج الانتخابات والعمل بحكومة تصريف أعمال. وبحسب بيان لائتلاف "الوطنية" الذي لم يحقق نتائج جيّدة في الانتخابات، فإن الظروف في العراق ليست ملائمة لإجراء انتخابات تعبّر عن تطلعات العراقيين، بدليل "عزوف الناخبين عن المشاركة في الاقتراع بشكل واسع، وانتشار أعمال عنف وتزوير وتضليل وشراء أصوات واستغلال لظروف النازحين والمهجرين". من جانبه، شكك محافظ كركوك راكان الجبوري في جدوى النظام الإلكتروني لفرز الأصوات في الانتخابات، معتبراً أنه أعطى نتائج "غير منطقية"، ومطالباً بإعادة فرز الأصوات يدوياً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...