شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الشاعرة الفلسطينية فرح شمّا لرصيف22:

الشاعرة الفلسطينية فرح شمّا لرصيف22: "بكتب عشان أخلق الجمال اللي بخوّف البشاعة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 4 نوفمبر 202112:33 م

فلسطيني أنا العزا والعيد
هي القديم والجديد
يعني الدلعونة وظريف الطول وشب جديد
هي أطول قصة في العالم
وهي المختصر المفيد


بتضلها تكبر لأنها هي الذرة
هي الإيد اللي لليوم حاضنة محمد الدرّة
هي قصة الحب وحبل السرّة
هي لحظة الانفجار ولحظة الانشطار
يعني هي كل إشي أو ولا إشي بالمرة

 تعود هذه الكلمات إلى الشاعرة الفلسطينية فرح شمّا (27 عاماً)، التي تشير إلى علاقةً حميمية ومتجددة مع فلسطين. تشدد من خلال أحدث قصائدها "فلسطيني أنا" على أن التفاصيل هي التي تفوز. تهوى فرح اللغة المحكية أو "الدارجة" وتُشبّه نفسها بالفضاء الذي يحتوي على كل شيء ولا شيء في الوقت ذاته، وتحبّ أن تشعر "حقاً" بأنها على قيد الحياة.

 تقيم فرح في إمارة الشارقة في الإمارات حالياً. درست بكالوريوس محاماة في جامعة السوربون في إمارة أبو ظبي سنة واحدة ومن ثم انتقلت لدراسة الفلسفة في الجامعة ذاتها. وفي عام 2018 درست فنون الأداء في لندن (Goldsmiths, University of London) بعدما أطلقت حملة على الإنترنت لجمع رسوم الدراسة. لها العديد من القصائد المتنوعة ما بين الفصحى والمحكية، قد تكون أشهرها "الجنسية"، و"مش رح أتزوج"، و"من شو خايفة يا إمّي؟". في ما يلي حوار معها:  

1- كيف اخترتِ "مكوّنات" قصيدة "فلسطيني أنا"، من "المقلوبة" إلى "شب جديد" وكلمة "سلام" بلهجة أهل رام الله؟

تماماً مثلما نطبخ. حينما نجرّب شيئاً جديداً في المطبخ.

تلعب القصيدة على أصغر التفاصيل وأكبرها. فكّرت: "مش الزعتر، السمسم!" الزعتر تفصيل صغير، وداخل الزعتر، هناك سمسم. فهو التحديق بالأشياء. وأتى عيسى، صديق جميل، ليزورني خلال كتابتي للنصّ. أخبرته عن فكرة التفاصيل الأصغر. قال: "ما هو زي النووي، النواة اللي بالذرّة، أصغر إشي بيخلق أكبر إشي".

بعد لقائنا بدأت أبحث عن الأشياء الأصغر: اليانسون في الكعك، السماق الذي نرشّه، وحبة الهيل بالقهوة. وكنت أسأل الأصدقاء أيضاً، من بينهم الصحافية سامية عايش وزميلة لي اسمها ليلى. سألت: "إيش فيه أشياء صغيرة، أصغر من اللي منتوقعه". وسألت صديقتي رلى البرغوثي عن طبخات معينة ومكونات، وخرجت بالقصيدة التي تتمحور حول ربط الأشياء بعضها ببعض. "تحسب إنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر"، بالتفاصيل الصغيرة، تكمن العوالم الكبيرة والأفكار الكبيرة، وهذه "فلسطيني أنا".

2- سبب ذكرك لـ"شب جديد" على وجه الخصوص؟

"بكيّف عليه". ذكرته عن تجربة، وليس لأن ذكره كان على القافية. شب جديد هو احتفال. هو "فلسطيني أنا" الحالية، الذي أستمع إليه في السيارة، وهو الذي رقصت على أغانيه في اليونان وفي لندن. شب جديد صوت جميل جداً، والموسيقى في أغانيه هي فلسطين اليوم بالنسبة إلي. في حوار مع صديقة، قالت لي إنها ملّت "الدلعونة" و"ظريف الطول"، واستعانت بأغنية لشب جديد في فيديو كانت تعمل عليه. ساعدني هذا على فهم أن هناك ما هو قديم، وما هو جديد وأن الاثنين يكمل أحدهما الآخر. يشعرني شب جديد بشعور جديد تجاه فلسطين.

3- ما الذي قصدتِه بـ"هِيّ كل إشي، أو ولا شي بالمرّة"؟

 أتت الفكرة من الذرة ونواة الذرة وأصغر شيء وأكبر شيء وأصغر التفاصيل وكل التفاصيل. من يحتفظ بأصغر التفاصيل يحتفظ بأكبرها، ومن فهم أصغر التفاصيل فهم ما هو أكبر. التفاصيل تفوز وتقول: "نحن هنا وعلاقتنا بهذه الأرض قوية".

 قد تُفهم الكلمات أيضاً بـ: هي إما فلسطين كاملةً أو لا شيء. 

 4- بيّنتِ في القصيدة كيف "فلسطيني أنا" موجودة بأدق تفاصيل حياتك. ما أهمية الإدراك الدائم لهذه العلاقة ما بين الفلسطيني وكل ما هو "فلسطيني" علماً أن هناك كثيرين ممن يطبخون المقلوبة مثلاً دون أن يشعروا بشيء دافئ حقاً تجاهها؟

هذه علاقة مع الوجود كلّه. من المهم أن نركز على الأشياء، أن نكون على قيد الحياة فعلاً. التجربة هي أهم شيء. بتّ أفهم هذا الشيء أكثر وأكثر أخيراً. لا أريد عيش الحياة في رأسي فقط لأنني لن أكون سعيدة. أريد أن أشعر بجسمي وبكل كياني. أن أشعر بانفجار من التجارب الجميلة والبشعة. "هاي فلسطين جديدة ببني علاقة معها". الإدراك مهم لتكون فلسطين موجودة بكل التفاصيل.  

حينما أتحدث عن الأكل، لا أعني المواد الغذائية فقط، وإنما أكل القصائد والأفلام وغيرها. الأكل فعل جميل، أن يأكل أحد الحياة، وهذا جزء من الإدراك. الشغف مهم وعدم وجوده اضطراب حقيقي. الابتعاد عن الشغف متعب جداً.

فرح شمّا لرصيف22: "حينما أتحدث عن الأكل، لا أعني المواد الغذائية فقط، وإنما أكل القصائد والأفلام وغيرها. الأكل فعل جميل، أن يأكل أحد الحياة، وهذا جزء من الإدراك. الشغف مهم وعدم وجوده اضطراب حقيقي"

5- كيف تعرّفين عن نفسك لمن لا يعرفك؟

كل شيء ولا شيء. مثل الفضاء ربما:  فيه كل شيء وفيه فراغ في الوقت ذاته، وفيه ثقوب سوداء وخلاء وعتمة.

لمن لا يعرفني، أنا أكتب الشعر، "وفيني شوية جنون من حين إلى آخر"، وأحب الحوار، وأرى أن اللغة أكبر من مجرد كلمات وإنما تتضمن لغة جسد ولغة أشياء وإيقاع… 

6- يَخاف الاحتلال من الأدب الفلسطيني. هل تكتبين الشعر لتنفيس غضبك أو كنوع من المقاومة؟

أقول في نصّ جديد كتبته: "نحن حقل ورود بحلق الظالم مش بس شوكة" و "من ضلع البشاعة خلقنا الجمال". 

"بكتب عشان أخلق الجمال اللي بخوّف البشاعة، الجمال اللي بخلق تغيير وحركات أحياناً بتكون خفية وداخلية، بكتب عشان أنفس غضب وبكتب عشان أقول لأ للظالم الإسرائيلي ولأ لكل ظالم بالكوكب. صاروا كتير بيشبهوا بعض بالنسبة إلي، يمكن بسبب الرأسمالية. خلق الجمال هو ضد كل هاد الظلم… وبكتب عشان أحس إني على قيد الحياة". 

7- أحبّ أعمالك إليك؟ ولماذا؟

"فلسطيني أنا" و"من شو خايفة يا إمّي؟".

"بس أكتب بالعامية، بحس حالي أكتر 'أنا'. في العامية أو اللغة المحكية ثراء، وهي طبعاً مش منفصلة عن الفصحى، بس هي اللغة اللي كل يوم عم تتحرك معي". 

أحب "من شو خايفة يا إمي؟" لأن القصيدة تعيش معي إلى الآن. فأنا متعلقة بأمي وبمخاوفها ومخاوف جيلها ربما لأنهم يريدوننا السير في ما هو "متفق عليه" ويمارسون علينا ضغوطاً ناتجة عن هذا. تحاكيني هذه القصيدة إلى الآن كما تحاكي من حولي. 

أحب قصيدة "من شو خايفة يا إمي؟" لأنها تعيش معي إلى الآن. فأنا متعلقة بأمي وبمخاوفها ومخاوف جيلها ربما لأنهم يريدوننا السير في ما هو "متفق عليه" ويمارسون علينا ضغوطاً ناتجة عن هذا

8- من هو/هي شاعرك/شاعرتك العربي/ة المفضل/ة؟ بيت شعر مفضل له/ا؟ 

أُحبُّ محمود درويش. 

درويش يعيش من خلالنا. كلما أتعمق فيه اكتشفت معاني أكثر، وجمال، وقوة والمنفى الداخلي والمنفى الخارجي. "دايماً حلو يكون فيه رمز كبير بحاكينا. كل ما تعمقنا فيه بحاكينا. فكّرت رح أبطل أحبه 'لأنه كتير موجود' وصار الموضوع نمطي، 'شعر عربي' يعني 'محمود درويش'! بس كتير دافي وكتير قريب على قلبي ودايماً برجعله". 

قال في ديوانه الأخير "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي":

وطنيون، كما الزيتون
لكنّا مللنا صورة النرجس
في ماء الأغاني الوطنية

 عاطفيون، بلا قصدٍ
غنائيون، عن قصدٍ
ولكنّا نسينا كلمات الأغاني العاطفيّة 

"ما أحلى فكرة 'وطنيون كالزيتون'. يعني جسدياً أننا وطنيون، وعضوياً أنّا وطنيون، وليس بالمعنى المبتذل للأغاني الوطنية، بل أعمق. تعني أننا نحن الأرض".

نعمل، أنا والصديقة العزيزة زينة هاشم بيك (شاعرة لبنانية)، على بودكاست اسمه "مقصودة" مع منصة "صوت"، وهو بودكاست عن الشعر العربي المعاصر، نحاول من خلاله مناقشة القصائد بشكل عفوي. هناك الكثير من الشعراء المهمين الذين أحب أن أكتشفهم بشكل دائم. الأصوات الموجودة اليوم مهمة جداً بالنسبة لي. لا أريد أن أقول إن لديّ شاعراً مفضلاً، لأن صوتنا جماعي. 

أحب الشاعرة الفلسطينية سمر عبد الجابر والشاعرة اللبنانية سمر دياب والشاعر المصري إبراهيم داود وغيرهم الكثير الكثير. بودكاست "مقصودة" يجمع الأصوات. يجمعنا لغوياً، وعاطفياً، وحياتياً. 

"محمود درويش يعيش من خلالنا. كلما أتعمق فيه اكتشفت معاني أكثر، وجمال، وقوة والمنفى الداخلي والمنفى الخارجي. 'دايماً حلو يكون فيه رمز كبير بحاكينا. كل ما تعمقنا فيه بحاكينا. فكّرت رح أبطل أحبه 'لأنه كتير موجود'"

9- قال محمود درويش: "كل شاعر يحاول التعبير عن نفسه ، والشعر الجيد هو الذي لا يترك مجالاً لأكثر من تفسير واحد ويكون له معنى واحد ووحيد لا يقبل التأويل". وهذا ما شعرت به خلال الاستماع إلى قصائدك. فهي مباشرة ومفهومة. هل تتقصّدين الأسلوب المباشر والسلس؟

أحب السلاسة بالشعر المحكي، "بحس الأسلوب حقيقي وصريح وبيجمع بين العوالم: الحكواتي والمسرحي والشعري والأدائي". 

حينما أكون أمام جمهور، وهدفي هو الإلقاء، أحب المباشرة. المباشرة هي ملعب كبير، أكبر مما تصورته، "لما نحكي الأشياء زي ما هي بصراحة غير متوقعة أحياناً، في عالم عربي ميّال إلى الرسميات". 

في الوقت ذاته، لدي محاولة روائية ونصوص غير منشورة تحمل مجالاً للفلسفة والكلام المبطن. 

10- كيف كانت مشاعرك أثناء الهبّة الفلسطينية الأخيرة؟ هل من  أفكار راودتك حينها أو أي شيء آخر تودين قوله؟

هناك غضب دائماً.

ما هو جديد كان شعور الأمل.

شعور جميل أريد حمله إلى الأبد.

كان شعور إنه "فيكي تسخفي الظالم اللي ما إله عمق، وإنه الشخص اللي فيه نور وجمال كتير أعمق وأجمل".

أعتقد أن الأمل تُرجم بطريقة ما في "فلسطيني أنا". أمل يُترجم بالحياة اليومية وأننا سنفعل ما بوسعنا فعله.

 11- ما نقطة انطلاقة قصيدة "من شو خايفة يا إمي"؟ هل كانت هناك حادثة معيّنة؟ مماذا تخاف بعض الأمهات حقاً؟ 

بعد حصولي على بكالوريوس الفلسفة، قلت لأمي، سحر الخفش، إنني أريد دراسة المسرح. 

"صارت تحكي وتصرخ. قالتلي كل اللي بتعمليه 'هباء'".

في أمسية شعرية في صالون ثقافي في عمّان، قلت: "شكراً ماما على هاد الجمال. ما أخدت منك الخوف بس. بس فيه حبل سري لازم ينقطع من جديد"

كلامها كان نابعاً عن خوف. وفيه خوف أناني. "بدي بنتي تكون مستقلة مادياً عشان أرتاح". الأنانية كانت تُتعبني كثيراً. ولأننا نعيش في دول لا رواتب تقاعدية حقيقية فيها، يصبح الأولاد "خطة التقاعد"، وهو ما كان يزعجني.

خافت أمي أن أعيش حياة مشردة لأنها درست أدب عربي وعملت في أكثر من وظيفة، وتشعر بأن لا "مهنة واضحة" لها. فخوفها عليّ كان "إسقاطاً". 

أمي مليئة بالحياة. هي من الأشخاص الذين علموني أن أعيش الحياة. متمردة إلى حد كبير. تريدني أن أكون "مستقرة" بحسب تعريفها للاستقرار. وأنا أخاف عليها. ومن هنا تنشأ علاقة خوف غير صحية.

لا أعلم مماذا تخاف الأمهات. حزن أولادهن هو حزنهن وعدم استقرار أولادهن هو عدم استقرار لهن. ما أحاول تعلّمه هو الفصل بين حياتي ومخاوفها وشكوكها وأسئلتها. ما زلت أعاني من هذه العلاقة المليئة بالخوف والقلق.

في أمسية شعرية في صالون ثقافي لخالتي سهام الخفش في عمّان، قلت: "شكراً ماما على هاد الجمال. ما أخدت منك الخوف بس. بس فيه حبل سري لازم ينقطع من جديد". أشعر بتعب من تعلقي بها. أخذت أفكارها ومخاوفها دون أن أشعر، وأنا أتعلم الآن ألا أترجم هذا في حياتي الخاصة.

12- لاحظت أن قصيدة "الجنسية" هي الأكثر انتشاراً لكِ. لو عاد بك الزمن هل كنتِ ستضيفين أي شيء إليها؟ 

إن عاد بي الزمن، لا أعتقد أنني سأكتبها من الأساس.

كنت أكتشف العالم حينذاك. كتبتها عند انتقال أبي للبرازيل من أجل جواز السفر.

وأيضاً، كنت في تلك المرحلة أكتشف علاقتي بالعربية الفصحى. كُتبت القصيدة منذ نحو ثماني سنوات وتبدو لي غريبة بعض الشيء الآن. 

ولكن كل شيء مهم. كل شيء جسر إلى شيء ثانٍ.

هناك قصيدة لا أحبها. اسمها "الشيشة". كانت مشروع قصيدة ناقدة اجتماعياً.  لا أحب سماعها. كنت في مرحلة أحاول فيها إرضاء الجمهور. اكتشفت أنه من المهم أن نحب ونشعر بصدق ما نعمل. الانتشار كان أهم شيء في تلك المرحلة ربما، ولكن هذا الاتجاه لم يعد بداخلي. "اللجوء إلى اللغة المحكية حسستني إنه هاي أنا أكتر. حبيتها أكتر وحاسيتها أكتر".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard