"أم العروسة"، "بين الأطلال"، "دعاء الكراون"، "عروس النيل"، "المعلم بلبل"، "بنت الشاطئ"، "ليلة الدخلة"، "مغامرات إسماعيل ياسين" نماذج من قائمة طويلة ومتنوعة من الأفلام التي تم تصويرها وطبعها وتحميضها في أستديو ناصيبيان، ثاني أقدم أستديو سينمائي في الشرق الأوسط بعد أستديو مصر الذي أسسه طلعت حرب.
الأستديو الذي تأسس عام 1937 على يد رئيس الجالية الأرمنية في مصر "هرانت ناصيبيان" وانتقل إلى ملكية الرهبان اليسوعيين "الجيزويت"، بعد الخروج الكبير للأجانب في مصر عقب ثورة 1952، كان مسرحاً للعديد من العروض الفنية وتخريج فنانين شكلوا مشهد الفن المستقل في مصر، كما كان مسرحاً لحريق ضخم أتى على المسرح الكائن في مبنى الأستديو العريق، الأحد 31 أكتوبر/ تشرين الأول المنقضي.
سبَّب الحريق صدمة في أوساط المثقين والفنانين المصريين، لأن مسرح أستديو ناصيبيان المعروف جماهيرياً باسم مسرح الجيزويت، بجانب كونه مسرحاً جماهيرياً يقدم خدماته لأبناء منطقة فقيرة ومتوسطة الدخل، هو كذلك حاضنة أساسية للفنون المستقلة، وواحد من منابر قليلة ظلت قادرة على فتح أبوابها للفنانين المستقلين.
.
انتقاضة فنية
في تحرك نادر، انتفض الفنانون المصريون وبادروا إلى تنظيم حملة تستهدف ترميم ما تضرر في مبنى وساحة مسرح أستديو ناصبيان "الجيزويت".
يرجع هذا إلى الدور الذي لعبته جمعية "النهضة العلمية والثقافية – جيزويت القاهرة" التي يتبع لها المسرح في الحياة الفنية المصرية على مدار عقود، إذ قدمت الدعم للعديد من الأنشطة المستقلة في مجالات متعددة مثل المسرح والسينما والرسوم المتحركة والغرافيتي (قبل تجريمه من قبل السلطات المصرية)، إلى جانب الخدمات لأهالي منطقة غمرة والضاهر التي يقع فيها المسرح ومقر الجمعية.
وبدأت تتوالى الدعوات من الفنانين والكتاب لإنقاذ المسرح بأسرع وقت، ولجمع المال اللازم لإعادة إعماره، بالاكتتاب أو بجمع التبرعات من خلال الحسابات البنكية للجمعية.
واستضاف مقر الجمعية بوسط القاهرة حشداً من الفنانين والكتاب والنقاد لدى الإعلان عن الحريق، ويعتزم مسرحيون وسينمائيون تنظيم مؤتمر فني، اليوم الأربعاء 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، في مقر الجيزويت للإعلان عن الخطوات التي سيتم اتخاذها في الفترة المقبلة لإعادة البناء.
تدير الرهبنة اليسوعية "الجيزويت" ثلاث ساحات فنية وثقافية في القاهرة، والأسكندرية، والمنيا (شمال الصعيد). وفيها يخلق الجيزويت مساحات حوار جمعت بين مسلمي مصر ومسيحييها من خلال الفنون والثقافة
تاريخ فني طويل
تدير الرهبنة اليسوعية "الجيزويت" في مصر ثلاث ساحات فنية وثقافية في ثلاث محافظات رئيسية هي القاهرة، والإسكندرية، والمنيا (شمال الصعيد). وفي الساحات الثلاث، يقدم الجيزويت خدمات اجتماعية، تتصل بخلق مساحات للحوار والتواصل جمعت بين مسلمي مصر ومسيحييها من خلال الفنون والثقافة، وإتاحة فرص للبسطاء للتعلم والإبداع والتعبير الحر عن النفس من خلال الفن والكتابة، وحتى تكون نظيراً ومعادلاً للدور الذى تلعبه مدارس الصفوة المعروفة باسم "مدارس العائلة المقدسة" التى بدأت عملها في مصر لأول مرة عام 1879، وتأسست على يد ثلاثة آباء يسوعيين جاءوا من لبنان، وافتتحوا مقر المدرسة الحالي في منطقة الفجالة في عام 1889.
مسرح جمعية جيزويت القاهرة - الصفحة الرسمية لجمعية النهضة العلمية والثقافية
وأوضح الكاتب هشام أصلان مدير الصالون الثقافي الشهري للجيزويت في منشور على صفحته في فيسبوك، أن الجيزويت عندما اشترت أستديو ناصيبيان في ستينيات القرن الماضي، خصصت مبناه الإداري الذي كان يضم معامل التحميض والطبع ليكون مقراً للرهبنة اليسوعية في القاهرة، بالإضافة إلى تخصيص جزء من مساحة الأستديو لأنشطة الجمعية الفنية والثقافية، وهو الموقع الذي تم بناء المسرح عليه وكان ملاصقاً لمبنى الجمعية، بينما خصصت الرهبنة باقي مساحة الأستديو لمدرسة العائلة المقدسة، وكان يتم استخدامها مرأباً (جراج) كبيراً لحافلات المدرسة، ولا يفصله عن المسرح سوى جدار خشبي في الجانب الأيسر للمسرح، أما الجدار الأيمن من المسرح فهو الجدار الأصلي للأستديو ويحمل ملامحه التاريخية وهو العنصر الوحيد الذي لم يتضرر من الحريق بشكل كبير.
وأضاف أصلان: "صحيح أن المصاب كبير على المستوى المادي، لكنه أكبر على المستوى الأدبي والمعنوي والنفسي، سواء للعاملين في المكان أو لعشرات الشابات والشباب الذين لهم علاقة بمسرح الجيزويت، ووفر لهم مساحة شبه مجانية للحرية والإبداع [...] اللافت هو عروض المساندة والدعم من عشرات الشباب الذين كان لهم نشاطات في هذا المسرح أو تعلموا فيه في يوم من الأيام، بالإضافة إلى طلبة مدارس السينما والمسرح والتحريك التابعة للجمعية، وهو ما يؤكد على أن الروح التي كوّنها هذا المكان هي ناسه، وهي روح مُحبّة للحياة بشكل مدهش، وبالتأكيد سيعاد افتتاحه ويسعد به كل المهتمين".
الأب وليم سيدهم، رئيس جمعية النهضة العلمية والثقافية "جيزويت القاهرة" قال لرصيف22 إن العمل في إعادة بناء المسرح سيبدأ لدى انتهاء الأجهزة المختصة وخبراء المعمل الجنائي من تحقيقاتهم لتحديد أسباب الحريق غير المعروفة حتى الآن. وتابع: "لكن العمل سيبدأ قريباً بدعم الكثير من المحبين الذين يريدون المساعدة، وسيتم الاتفاق على الخطوات اللازمة وتنظيم الجهود خلال الاجتماع المقرر عقده بمقر الجمعية مساء اليوم الأربعاء".
من عرض "اتفرج عَ الحلاوة" - مشروع السنة الأولى للدفعة الرابعة من مدرسة الجيزويت للمسرح
ووصلت الخسائر المباشرة بحسب الأب سيدهم إلى نحو أربعة ملايين جنيه (نحو 255 ألف دولار أمريكي)، وأكد الأب سيدهم لرصيف22 أن أنشطة الجمعية في عقد التدريبات والورش الفنية وغيرها من الأنشطة التي تتصل بالمسرح ستتواصل في قاعات الجمعية التي لم يصبها الحريق.
وأضاف: "لن نتوقف لأن المسرح هو روحنا، وشهد أعمالاً مهمة جداً. وحالما يتوفر معنا مبلغ مالي سنبدأ العمل فوراً بالإمكانات المتاحة، حتى لو اضطررنا في البداية للعمل داخل خيمة مثل الخيمة الرمضانية التي كنا نقيمها في الماضي، لأن لدينا إصراراً على الاستمرار، وربما كانت مشيئة الله أن يحدث هذا لكى يمنحنا الفرصة لتأسيس المسرح من جديد على مساحة أكبر وبشكل احترافي".
واستطرد: "المسرح هو امتداد لأستديو ناصيبيان وهو ثاني أستديو يتم تأسيسيه في مصر عام 1937 بعد أستديو مصر، وشهد إنتاج أكثر من 250 فيلماً من الأفلام المهمة في تاريخ مصر السينمائي. ودائماً كنا نحتفي بهذا التاريخ الطويل والمميز للمكان، حتى أننا طبعنا لوحات كبيرة لمشاهد من بعض الأفلام التي تم إنتاجها أو تصويرها في الأستديو والبيوت المحيطة به، وعلقناها على الجدران في شارع المهراني حول مقر الجمعية، وهي موجودة حتى الآن ولم تتأثر بالحريق".
وأشار الأب سيدهم إلى أن نشاط الجمعية بدأ منذ عام 2001 في خيمة، وفي عام 2005 منحتهم الرهبنة اليسوعية قطعة الأرض الخاصة بالأستديو، وتم بناء المكان وتجهيزه تدريجياً وفق الإمكانات المتوافرة لديهم، حتى أصبح هذا المسرح البسيط بالشكل الذي كان عليه قبل الحريق، وفي الوقت نفسه احتفظوا بالجدار التاريخي للأستديو وهو يرجع إلى عام 1937 "لأنه مكان ملهم"، حسب قول الأب سيدهم.
ولفت إلى أنه منذ تأسيس مسرح أستديو ناصيبيان، تسعى الجمعية لاستكمال رسالة مؤسسه الأول "الخواجة ناصيبيان" كما كان يناديه سكان المنطقة من المصريين، وتم إنشاء مدرسة للمسرح وأخرى للسينما وكذلك للرسوم المتحركة والعلوم الإنسانية تحت اسم "أكاديمية النهضة لفنون الأداء"، مبيّناً أن هذه المدارس مستمرة في عملها، خاصة مدرسة السينما التي تضم 20 طالباً في دفعتها الرقم 12.
الكاتبة المسرحية البارزة رشا عبد المنعم قالت لرصيف22 إن أهمية هذا المكان في الحركة الفنية والثقافية المصرية تستدعي إطلاق حملة للاكتتاب من أجل إنقاذ مسرح الجيزويت يكون عمادها الفنانين أنفسهم حتى ولو بإمكانات قليلة، وتنظيم الحملات الفنية وطرق الأبواب لتشجيع الجهات والمؤسسات الثقافية على دعمه أيضاً.
المسرحية رشا عبدالمنعم: "المكان يقوم بدور مهم جداً في الثقافة والتعليم... كان مسرح الجيزويت منفذاً مهماً لمسرحيين لتقديم عروضهم في وقت أغلقت الدولة كل المنافذ أمام الفنانين المستقلين"
كانت مؤسسة الجيزويت ومسرحها المحترق داعمين لعبد المنعم في مشروع ومبادرة "دوم"، ثم في مبادرة فنية لمسرح الشارع تستهدف استعادة تراث المسرح الشعبي وفنون "الفرجة" الأصيلة التي عرفتها مصر قبل وصول "مسرح العلبة" الأوروبي.
تقول رشا إنها شاركت مع الجيزويت في العمل على مبادرة فناني مسرح الشارع قبل حظر العمل في الشارع، ودرّست في مدرسة ناس للمسرح المجتمعي التابعة للجمعية نفسها. مشيرةً إلى أهمية الجمعية في الحياة الثقافية في مصر وأدوارها التي لعبتها عبر مدارس الفنون التي أسستها الجمعية لتعليم أجيال من الشباب السينما والمسرح والرسوم المتحركة، "مما جعلها أقرب إلى وزارة ثقافة مصغرة"، وكذلك الدور الاجتماعي المهم الذي لعبته في محيطها الجغرافي مع أهالي المناطق المحيطة في الظاهر والفجالة، الذين اعتادوا إرسال أبنائهم للمشاركة في ورش ومدارس تدريبية وتعليمية متنوعة.
وتضيف: "المكان يقوم بدور مهم جداً في الثقافة والتعليم، وهناك وعي حقيقي بالدور المحلي، واهتمام بتقديم أنشطة حقيقية على أرض الواقع لها أهداف ونتائج وليست مجرد أنشطة شكلية. لطالما كان مسرح الجيزويت منفذاً مهماً لمسرحيين لتقديم عروضهم بينما أغلقت الدولة كل المنافذ أمام الفنانين المستقلين، كما كان منفذاً لفناني السينما وصناع الأفلام القصيرة الذين لا يلقون دعماً من الدولة أو من المنتجين، بالإضافة إلى استضافته للندوات والصالون الثقافي الشهري، لذلك تعتبر جيزويت القاهرة مؤسسة نموذجية في الوعي بالدور المجتمعي والعمل الجاد، ويعتبر اختفاء هذا الصرح خسارة كبيرة للكثير من الحالمين وأصحاب المشاريع والدارسين في هذه المؤسسة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين