عقب التحوّل السياسي الذي شهدته مصر في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، أغلقت ساحات الفنون وأوقفت المبادرات الفنية غير الحكومية التي كانت تقدم الفنون في الشوارع والميادين، في ظل مواجهات مسلحة بين الأجهزة الأمنية ومتشددين محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، التي تصنفها مصر إرهابية.
مهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية يعود هذا العام بعد توقف ليغيّر هذه المعادلة، ويعيد باستعراضات ومواكب فرق الفنون الشعبية المصرية والعربية وبعض الفرق الأفريقية والأسيوية، الاعتبار إلى كون "الفنون للجماهير"، المبدأ الذي سار عليه العمل الثقافي المصري منذ أربعينيات القرن الماضي وتراجع في السنوات الأخيرة فقط.
فرق مشاركة تشكو صعوبة التحرك في ظل الحراسات اللصيقة، وفرقة المسكيك رقصت في شوارع الإسماعيلية مرتدية الكمامات
الرقص في الشارع
فاتيما، عضو فرقة أذربيجان للرقص الشعبي - تصوير محمد عوض - خاص لرصيف22
من دون سجادة حمراء، خطت فاتيما عضو فرقة الرقص الشعبي لدولة أذربيجان بخطوات راقصة في شوارع محافظة الإسماعيلية شمال شرقي القاهرة على شاطئ قناة السويس، في إطار مشاركة فرقتها في المهرجان المقام من 25 إلى 31 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بالتزامن مع انتهاء فعاليات مهرجان الجونة السينمائي المقام على ساحل البحر الأحمر، والذي تقتصر عروضه على القادمين إليه بدعوات خاصة.
تتمنى فاتيما العودة للرقص مجدداً في شوارع المدينة المشاطئة لقناة السويس، أو علي الأقل تحظى بجولة علي القدمين في الطريق الذي رقصت فيه مع افتتاح المهرجان، ويمتد 300 متر. تقول فاتيما إن عينيها كانتا في الأثناء معلقتان بالمنازل ووجوه الجمهور المبتسمة.
تأتي الدورة الاستثنائية لمهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية، التي تحمل الرقم 21 في تاريخ المهرجان بعد عام من التوقف بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، لكن آثار الجائحة ظلت مسيطرة على المهرجان، وهذا جلي في قلة عدد الفرق المشاركة وهو 15، منها ست فرق أجنبية وتسع من مختلف المحافظات المصرية.
وشاركت فرق من أذربيجان وإندونيسيا ونبيال والمكسيك والأردن وفلسطين، إلا أن الفرقة الفلسطينية المشاركة يعيش أفرادها في مصر وانضموا للمهرجان بعد فشل إدارته في تسهيل دخول فرقة رام الله للفنون الشعبية التي لم يسمح لها بالدخول من معبر رفح.
تقول فاتيما لرصيف22: "أحببت الإسماعيلية. أشعر هنا بروح قريبة من مدينتي في أذربيجان، رقصت في العرض الأول وأنا أنظر إلي المباني العتيقة التي تحتاج إلي تجديد وصيانة".
تتمنى فاتيما العودة للرقص مجدداً في شوارع الإسماعيلية، أو أن تحظى بجولة علي القدمين في الطريق الذي رقصت فيه مع افتتاح المهرجان. وتقول إن عينيها كانتا معلقتان بالمنازل ووجوه الجمهور المبتسمة
لكن إعجاب الفرق المشاركة بالمهرجان وفرصة الرقص بين الجمهور المصري في شوارع المدينة لم يمرا من دون منغضات. إذ شكت عدة فرق مشاركة لرصيف22 من حالة "بيت الشباب" الذي تسكنه الفرق ويطل علي بحيرة التمساح. بالإضافة لمرافقة الشرطة اللصيقة التي تقول فاتيما إنها حرمتها من التنزه بحرية في شوارع الإسماعيلية.
يقارن فريق أذربيجان بين مشاركته في مهرجان فني أقيم في دبي قبل عامين ومهرجان الإسماعيلة، ويقول أعضاء الفريق لرصيف22 إن فترة الوجود في الإمارات كانت أطول وأكثر رفاهية، لكنهم يشعرون بأن الإسماعيلية أكثر دفئاً وراحة من دبي.
سعادة الفرق المشاركة بالعرض الراقص في الشوارع، قابله إعجاب من جمهور المدينة بسبب قلة الدعاية للمهرجان، خاصة أن موعده المعتاد يأتي خلال الصيف، وليس في الخريف أو الشتاء. وتندر أبناء الإسماعيلية عبر صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي حول كون وزارة الثقافة "عملت المهرجان مفاجأة" وتبادلوا صورا التقطها مصورون محليون للعرض الراقص.
إعجاب الفرق المشاركة بدفء الاستقبال وفرصة الرقص بين الجمهور المصري في شوارع المدينة، لم يمرا من دون منغضات
كورونا والسياسة يحكمان المهرجان
الفرقة القومية للفنون الشعبية (مصر) - تصوير محمد عوض- خاص لرصيف22
تشارك في المهرجان ست فرق أجنبية وهو العدد الأقل في تاريخ المهرجان، وكان من المقرر أن تشارك تسع دول، ولكن فرقة الكونغو اعتذرت قبل أسبوع، ولم يتمكن السودان من المشاركة بسبب الأحداث السياسية التي تشهدها البلاد. فيما لم تتمكن فرقة فسلطين "رام الله" من عبور معبر رفح بسبب مشكلات في تصاريح المرور وإغلاق المعبر.
وقال مصدر في المهرجان: "دعونا فريقين من فلسطين، أحدهما يقيم بالقاهرة والآخر يأتي من فلسطين. ولكن إجراءات العبور من معبر رفح لم تكتمل".
أربع فرق أجنبية أكدت حصولها على اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد قبل القدوم إلى مصر، وفريق واحد حصل على جرعة تنشيطية بمدينة الإسماعيلية فور الوصول للمهرجان.
الوفد المكسيكي كان متخوفاً من وضع انتشار الإصابات بفيروس كورونا والزحام في مصر، وتلقى الفريق اللقاح المضاد قبل السفر، وكان الفريق الوحيد المشارك في العرض الافتتاحي بكمامات واقية.
ولكن التخوف والإجراءات الاحترازية للفرق الأجنبية لم تظهر في الخطاب الرسمي لوزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، أو محافظ الإسماعيلية اللواء شريف بشارة، اللذين اكتفيا بالتأكيد على اهتمام الدولة بالفعاليات الثقافية.
دب قطبي في مهرجان مصري
العرض الراقص لم يخل من الطرافة، إذ قرر منسق الأغاني لفرق المهرجان إشراك فريقه من الشباب المتنكرين في أزياء شخصيات كرتونية، ويظهرون عادة في افتتاح المحال التجارية وأعياد الميلاد ضمن طابور الفرق الراقصة، فكان ظهور دمى ضخمة لدببة قطبية وباندا مثار ضحك من الراقصين خاصة أن المهرجان يعبّر عن الثقافات المحلية ويحتفي بها, وحرصت بعض الفرق اعلى التقاط صور تذكارية مع هذه الظاهرة الغريبة.
رصيف22 توجه بسؤال لأكثر من منظم مسؤول بالمهرجان عن وجود الدببة في الافتتاح فكان الرد واحداً "لا تعليق".
وقال مصدر في ديوان عام محافظة الإسماعيلية -فضل عدم ذكر اسمه-: "المهرجان هذا العام يبدو مضطرباً لجملة أسباب، أهمها ضغط الوقت، لأنه كان من المقرر أن يقام خلال أغسطس/ آب، أو خلال سبتمبر/ أيلول، لكن إدارة العلاقات الخارجية بوزارة الثقافة طلبت التأجيل بسبب مخاطبات الدول التي تشارك في المهرجان ومعرفة إمكانية الحضور مع إنتشار وباء كورونا، وتأجل المهرجان إلي نهاية الشهر الحالي وهذا سبّب الكثير من المشكلات". وأضاف المصدر: "أيضا تزامن المهرجان مع بداية العام الدراسيو وهذا ما قلل أعداد المتطوعين للمهرجان، كما تم لجم الإنفاق الدعائي بسبب إجراءات ترشيد الإنفاق الحكومي".
مصدر آخر في وزارة الثقافة بالإسماعيلية برر قلة الدعاية للمهرجان بقرار حكومي في تقليل الإنفاق علي المهرجانات، وقال: "كان يمكن أن يلغى المهرجان أو يقام بأقل عدد من الفرق الأجنبية ولكن نتيجة ارتباطه بأجندة دولية للمهرجانات اضطررنا للتنظيم في مثل هذه الظروف، والاكتفاء بالدعاية علي صفحة مخصصة للمهرجان على فيسبوك".
بمراجعة الصفحة الرسمية لمهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية، بدا أن عدد المتابعين للصفحة نحو ألفي عضو، وبدأت الصفحة الرسمية الحديث عن الدورة الجديدة للمهرجان يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول أي قبل يومين من بداية الفاعليات، من دون أي دعاية مسبقة. وتكثر الأسئلة في التعليقات عن مواعيد الحفلات دون رد من مسؤولي الصفحة.
يذكر أن الدورة الأولى لمهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية أقيمت عام 1985، واستمر يقام بانتظام حتى عام 1990 الذي شهدت مصر فيه أزمة اقتصادية عنيفة لم ينقذها منها سوى الموافقة على المشاركة في حرب تحرير الكويت. وتوقف المهرجان حتى 1995 وعاد ليقام بشكل سنوي حتى عام 2000، لكن الحكومة المصرية قررت إقامته كل عامين بدلاً من إقامته سنوياً. إلا أنه توقف من جديد عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني لمدة أربع سنوات وعاد عام 2015.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع