شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الغلاء آتٍ"... ومصر حائرة في تبرير ارتفاع أسعار الغذاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الثلاثاء 2 نوفمبر 202105:02 م


تفكر طبيبة الأسنان نورا جمال* في زيادة أسعار الكشف والخدمات العلاجية للمرضى بعد ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية التي تستخدمها بنسبة 25%.

تعتمد مصر في استيراد معظم احتياجاتها في قطاعات مختلفة، أبرزها المستلزمات الطبية، على الواردات القادمة من الصين، كذلك تلجأ إلى الصين والهند معاً للحصول على المواد الخام اللازمة لتصنيع الكثير من المستلزمات الطبية وأغلب المواد الدوائية.

لم تتخيل نورا جمال أن تصل الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة إلى عيادتها الصغيرة، فنتيجة الضربة التي تلقتها سلاسل التوريد العالمية، لم تعد الطبيبة الشابة قادرة على الحصول على الخامات اللازمة لعيادتها بالأسعار المعتادة بسبب نقص المعروض في السوق.

تقول جمال لرصيف22 إنها تستخدم العديد من المستلزمات ذات المنشأ الصيني، وإن أصحاب شركات المستلزمات أرجعوا موجة الغلاء الجديدة المفاجئة إلى أن "مصانع الصين لا تعمل بكامل طاقتها متأثرة بجائحة كورونا"، وهو جزء من الحقيقة، مبررين بذلك "الزيادة في الطلب مقابل نقص المعروض"، ما أدى في نهاية المطاف إلى ارتفاع الأسعار الذي سينعكس على المستهلك.

 الأزمة التي طالت عيادة نورا، بدأت الحكومة المصرية متأخراً في التحذير من أنها ستؤثر كذلك على القطاع الأهم، وهو المنتجات والمستلزمات الغذائية.

في الثامن والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلن وزير التموين المصري علي المصيلحي زيادة سعر زيت التموين (المدعم) من 21 جنيهاً إلى 25، ويتوقع من هذا القرار زيادة أسعار الزيت الحر في الأسواق بنفس قيمة الزيادة في الزيت التمويني. وقد يبدو هذا الفارق قليلاً بالنسبة للمتابع غير المصري، إلا أن أثره كان سريعاً في ارتفاع أسعار الكثير من المنتجات الغذائية غير المدعمة في السوق.

 تعتمد مصر في استيراد معظم احتياجاتها من المستلزمات الطبية، على الواردات القادمة من الصين، كذلك تلجأ إلى الصين والهند للحصول على المواد الخام اللازمة لتصنيع أغلب المواد الدوائية

 عالمياً، ارتفع متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية قرابة 130.0 نقطة في سبتمبر/أيلول 2021، أي بزيادة 1.5 نقاط (أو 1.2%) عن مستواه المسجّل في أغسطس/آب، وهي القراءة الأعلى منذ سبتمبر/ أيلول 2011، بحسب منظمة الأغذية والزراعة "فاو". إلا أن أسعار الأغذية في مصر لا تزيد عادة بنفس النسبة، وإنما بنسب أعلى خاصة مع غياب الرقابة على الأسواق.

 جاءت الزيادة الأخيرة، بحسب الفاو، بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام عالمياً كالحبوب والزيوت النباتية، وأسعار الألبان والسكر، وصاحبها ارتفاع تكاليف الشحن على وقع الخلل الذي سببه إغلاق الموانئ العالمية بسبب فيروس كورونا، وما تبعه من أزمة أخرى في شح حاويات نقل البضائع، وهذا ما دفع بعض الشركات العالمية إلى التوقف عن تقديم المواد الغذائية.

 تقول  أمنية الحمامي "محلل أول" المواد الاستهلاكية بإحدى المجموعات المالية الخاصة لرصيف22 إن هناك ارتفاعاً في الطلب على الاستهلاك بسبب عودة الناس إلى معدلات استهلاكها الطبيعية بعد عام ونصف على الوباء، بالتزامن مع أزمة نقص في الإنتاج لدى بعض الدول والمصانع نتيجة ما تشهده الأسواق العالمية من ارتفاع أسعار الطاقة المسؤولة عن تشغيل المصانع وشحن البضائع، كل هذه العوامل أدت في نهاية المطاف إلى قفزة في أسعار المواد الغذائية حول العالم.

إنذار مبكر

في مطلع أغسطس/ آب الماضي، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي من دون تفسير استغرابه من بقاء سعر الخبز المدعم لا يزال عند حدود خمسة قروش للمستهلك منذ عقود، ووجّه الحكومة إلى تحديد سعر جديد يدفعه المستهلك لشراء الخبز المدعوم، والذي يمثل العمود الفقري لـ"طبلية" المصريين الفقيرة غذائياً.

تصريحات السيسي جاءت بينما راحت أزمة سلاسل التوريد تلوح في الأفق، ولم يهتم مسؤولو الدولة كالعادة للتوضيح، وترددت تصريحاتهم "تأييداً لرؤية الرئيس" ما يحمل إشارات إلى كونهم لا يفهمون أسباب ودوافع تلك التصريحات الرئاسية.

ولكن في الأسابيع الأخيرة صار الحديث عن أزمة غذاء عالمية فقرة ثابتة في البرامج الحوارية السياسية وبعض البرامج النسائية الخفيفة، وتحدث مسؤولون حكوميون وإعلاميون محسوبون على الدولة واجهزتها الأمنية عن "موجة غلاء"، محملين المواطنين المسؤولية عن "زيادة الإنجاب وعدم مسؤولية الدولة وحدها عن توفير الطعام لكل تلك الأفواه".  

 تصريحات السيسي جاءت بينما راحت أزمة سلاسل التوريد تلوح في الأفق، ولم يهتم مسؤولو الدولة  للتوضيح، وترددت تصريحاتهم "تأييداً لرؤية الرئيس" ما يحمل إشارات إلى كونهم لا يفهمون أسبابه القرار ودوافعه

"عيش" ولبن

 امتدت تلك المشكلات الاقتصادية العالمية المتراكبة إلى مصر لتضرب شركات المواد الغذائية، بعد أن رفعت شركة إيديتا للصناعات الغذائية أسعار منتجات علامتها التجارية "مولتو" بقطاع المخبوزات. وفي بيانٍ، أعلنت الشركة أنها زادت أسعار منتجاتها من المخبوزات بنسب بلغت 50% لعلامتها القائدة "مولتو".

وعزت الشركة أسباب الزيادة إلى "الضغوط التضخمية التي تخيم على المشهد الاقتصادي العالمي، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع في البورصات"، فيما يظهر من نسب الزيادات أن الشركة لجأت إلى استغلال أزمة الركود التضخمي التي تضرب العالم وطالت مصر في تعزيز معدلاتها الربحية، مستفيدة من ارتفاع الطلب على منتجات "مولتو"، خاصة مع عودة الدراسة واعتماد بعض أولياء الأمور على المخبوزات الجاهزة كحل رخيص أمام ارتفاع أسعار الأغذية المعتادة ذات القيمة الغذائية كالأجبان والبيض.

يأتي ارتفاع الأسعار متزامناً مع عودة الدراسة واعتماد بعض أولياء الأمور على المخبوزات الجاهزة كحل رخيص أمام ارتفاع أسعار الأغذية المعتادة ذات القيمة الغذائية كالأجبان والبيض

وقال هاني برزي رئيس شركة إيديتا للصناعات الغذائية لرصيف22 إن ارتفاع أسعار الخامات عالمياً وأسعار الغاز الطبيعي جعل الشركة تراجع خطة أسعارها من جديد، مضيفاً أنه "لن تكون هناك ضرورة ملحة مثل الآن حتى تُرفع أسعار منتجات الشركة".

وعن إمكانية طرح الشركة زيادات أخرى، قال برزي " نحن نقيم الوضع الحالي، ونقيم الموضوع جزءاً جزءاً".

 ورفعت الحكومة المصرية سعر الغاز الطبيعي لمصانع الحديد والصلب والأسمنت والأسمدة والبتروكيماويات والأنشطة الصناعية الأخرى بين 0.25 دولار و1.25 دولار للمليون وحدة حرارية.

 ونشرت الجريدة الرسمية (التي تنشر فيها القرارات والقوانين كشرط لسريانها)، في عددها الصادر، الخميس 29 أكتوبر/ تشرين الأول المنقضي، قرار رئيس الوزراء بتحديد الأسعار الجديدة للغاز الطبيعي للمصانع، وتضمن أن يصبح السعر 5.57 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية لصناعة الأسمنت والحديد والصلب والأسمدة والبتروكيماويات، أو طبقاً للسعر الوارد في العقود (بدلاً من 4.5 دولار).

 وقال أشرف الجزايرلي، رئيس غرفة الصناعات الغذائية، إن زيادة أسعار الغاز الطبيعي ستؤثر في زيادة على أسعار السلع الغذائية في الأسواق.

 بالإضافة إلى ذلك، تخطط شركات مواد غذائية وصناعية لزيادة أسعارها قبل نهاية العام الحالي، ومن أبرز هذه الشركات، شركة أطايب البدر للصناعات الغذائية، وشركة إف إم تي ستيل الصناعية، وشركات باكين للصناعات الكيماوية.

 وتواجه شركات إنتاج الألبان ومنتجات الجبن والزبادي في مصر (مثل جهينة - عبور لاند - دومتي) تحديات ارتفاع تكاليف الإنتاج، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار اللبن المجفف، وهو أهم مادة خام في منتجاتها، لكن هذه الشركات لم تعلن حتى الآن عن أي زيادة على منتجاتها رغم ارتفاع تكلفة الإنتاج. وتردّ أمنية الحمامي سبب تباطؤ شركات المواد الغذائية في إعلان زيادة أسعارها لسببين: الأول هو الخوف من تراجع القوة الشرائية للمستهلكين، والثاني الخوف من خسارة المنافسة مع الشركات المماثلة لها في الإنتاج، في حال اتخذت قرار زيادة الأسعار، مما يؤثر على معدلات بيع المنتجات في السوق.

 لكنها أكدت أن الشركات ستلجأ لا محالة إلى رفع أسعار منتجاتها، بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام بشكل عام (اللبن المجفف - الزبدة - السكر وغيرها)، مؤكدة أن ارتفاع الأسعار سيشمل كل قطاع المواد الغذائية.

وقال زكريا الشافعي رئيس شعبة الزيوت في الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات إن سبب ارتفاع أسعار زيت الطعام ارتفاع أسعار الزيت الخام عالمياً، إذ قفز سعر طن الزيت الخام إلى 25 ألف جنيه مقابل 21 ألفاً.

وتستورد مصر أكثر من 87% من استهلاكها من الزيوت بعدما كانت منتجاً صافياً للزيوت حتى تسعينيات القرن الماضي.

"طبلية" ناقصة 

تؤكد أمنية الحمامي أن "السوق كله سيتأثر سواء في مجال المنتجات الغذائية وغيره"، مضيفة " أي مواد خام ارتفع سعرها ستؤثر على السوق الخاص بها".

في هذا الوقت الصعب تدفع الدول التي تتغافل عن الاستثمار في الإنتاج والتصنيع الثمن الأكبر. وتعتمد مصر في توفير احتياجاتها الغذائية على الاستيراد وبلغت نسبة المواد الغذائية من مجمل الواردات المصرية 20.7% بحسب بيانات البنك الدولي.

وحسب تصريحات نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، تمتلك مصر مخزوناً إستراتيجياً كبيراً من السلع، إذ تكفي بعض السلع مدة تراوح أربعة أشهر وبعضها الآخر ستة أشهر. ويقول إن الدولة تستخدم "المخزون الإستراتيجي" وهو عبارة عن كمية من السلع الأساسية، منها الزيوت والحبوب التي تكفي للاستهلاك المحلي ثلاثة أشهر، موضحاً أن "بعض السلع خارج سيطرة الحكومة بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج للمعادن والحديد والأسمنت".

وبحسب مجلس الوزراء، تملك مصر حالياً مخزوناً إستراتيجياً من الزيت يكفيها ثلاثة أشهر ونصف الشهر، بينما يكفي مخزون القمح أربعة أشهر، وكذلك كمية السكر. وأضاف أنه من الطبيعي أن تتأثر مصر بزيادة الأسعار لأنها جزء من العالم.

وتوضح الحمامي أن المخزون الإستراتيجي له مدة تراوح بين ثلاثة وخمسة أشهر، وفي حال انتهائه ستضطر الحكومة إلى تعويض ما تم استخدامه عن طريق الاستيراد (الذي لا تستطيع الحكومة إيقافه بسبب الحاجة لمواد خام لازمة للصناعات) وبالتالي سترتفع سعر المخزون، وهو ما سيؤثر على السوق. 

وتوقعت الحمامي تراجع أزمة ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي ابتداءً من النصف الثاني من العام المقبل.

________

- تم تغيير الاسم بناء على طلب المصدر


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard