"لا يمكننا حلّ المشاكل باستخدام نفس نوع التفكير الذي استخدمناه عندما تسببنا بها". هذه قاعدة ذهبية وضعها عالم الفيزياء والمفكر الألماني ألبرت آينشتاين، وهي قاعدة يمكن الاسترشاد بها لإيجاد حلول للمشاكل التي تواجهها المجتمعات العربية، أو على الأقل لـ"حلحلتها".
إلى حد ما، معظم المشاكل التي تواجه أبناء مجتمعات دول المنطقة العربية هي مشاكل موجودة منذ عقود ولكن المعنيين بحلها لم يجدوا حلولاً لها، ولهذا تتفاقم وتتناسل من رحمها مشاكل جديدة.
ورغم ذلك، لا يزال واضعو السياسات، إلى حد بعيد، يعتمدون نفس طريقة التفكير القديمة التي أثبتت عدم جدواها، ونادراً ما تحضر مفاهيم الابتكار والإبداع في صنع السياسات وفي وضع حلول للمشاكل، وكثيرٌ منها عابر للحدود.
في ظل هذه الظروف، يظهر أشخاص يفكّرون من "خارج الصندوق"، من هنا ومن هنالك، ويقدّمون حلولاً إبداعية، ولكن بدلاً من أن يتلقف المعنيون هذه الأفكار والمبادرات ويقولون "وجدتها"، نجدهم، في معظم الأحيان، يتجاهلونها.
"لا حل إلا بالابتكار"، تقول أستاذة الاقتصاد التونسية سهر مشري لرصيف22، مضيفةً أن "الحلول التي استُخدمت سابقاً أثبتت فشلها، في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ويجب إعادة صياغة المشاكل وطرحها بأسلوب جديد واستخدام التكنولوجيا والابتكار في حلها".
تضرب مثلاً بمشكلة البطالة في المجتمع العربي، وهي مشكلة يمكن وصفها بـ"المزمنة". برأيها، يجب "تقديم حلول مبتكرة في زمن تسيطر فيه التكنولوجيا على واقعنا، ما يعني أن هنالك حاجة لدمج التكنولوجيا في الحلول الجديدة"، داعيةً واضعي السياسات إلى تمكين الجيل الجديد وتسهيل تطبيق أفكاره ومبادراته للخروج بحلول مثلى للمشاكل.
خطوة الانطلاق
للانطلاق نحو دمج الابتكار والإبداع في صنع السياسات في المنطقة العربية، لا بدّ من تهيئة بيئة حاضنة لطاقات الشباب المبتكرين والمبدعين، و"المعضلة الأولى التي يجب حلها تتمثل في البيئة العربية وظروفها والتي يجب إعادة بنائها من جديد لتستوعب الطاقات الشابة"، برأي المحامي حسين عشي، وهو الأمين العام لـ"حزب منتشرين" اللبناني، مجموعة سياسية تشكلت بعد انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
ولبنان يُعتبر مثالاً لافتاً على هجرة الطاقات الإبداعية من بلد، حسبما يقول عشي لرصيف22، "رغم أن تلك الطاقات البشرية هي المورد الأساسي والأول له"، ويُرجع السبب عن هذه الظاهرة إلى "غياب البنية التحتية وصعوبة الظروف السياسية التي أوصلت لبنان إلى الانهيار، وعملت على تهجير بعض تلك الطاقات نحو الخارج".
عربياً، لا يختلف الحال كثيراً، فثمة طاقات بشرية إبداعية لم يتوفّر لها الدعم المناسب في بلادها، ما دفعها إلى الهجرة والإبداع في الخارج، بحسب عشي.
"لا يمكننا حلّ المشاكل باستخدام نفس نوع التفكير الذي استخدمناه عندما تسببنا بها". هذه قاعدة ذهبية وضعها ألبرت آينشتاين، وهي قاعدة يمكن الاسترشاد بها لإيجاد حلول للمشاكل التي تواجهها المجتمعات العربية
"ما الحل؟". يجيب الناشط السياسي اللبناني: "علينا في المستقبل القريب تأمين البنية التحتية وتأمين الاستقرار للشباب، وعلى حكوماتنا أن تعمل على إعادة الشباب الذين غادروا للعمل في الخارج، وأن توفّر لهم ظروفاً مناسبة لتقديم ما لديهم، كي يبقوا ضمن مقومات البيئة الإبداعية".
تشريعات عربية معيقة
يحدد النائب المستقيل من البرلمان والسياسي اللبناني، ميشال معوض، المشاكل العربية في نقاط ثلاث: التنمية المستدامة، ضعف الاقتصاد، والمشاكل الاجتماعية المتراكمة. ويبدي اعتقاده بأن "التكنولوجيا فرصة لتعويض التأخير البنيوي في بناء اقتصاد مستدام، لأن هنالك تأخير بشكل عام في العالم العربي أدى إلى عدم بناء اقتصادات منتجة مستدامة".
والمعضلة الأكبر عربياً، يضيف لرصيف22، تكمن في غياب البيئة القانونية الحاضنة للإبداع والابتكار والتكنولوجيا، داعياً إلى توفير بيئة حاضنة للشباب والمبتكرين عبر "دعم البيئة التربوية في الجامعات والمدارس، وخلق بيئة قانونية تدعم المشاريع الجديدة، ما يتطلب بيئة استثمارية لتسويق تلك المشاريع عالمياً".
فرصة ذهبية عربياً
الحديث مع مشري وعشي ومعوض أتى على هامش مشاركتهم في يوم عمل نظّمته مؤسسة "فريدريش ناومان من أجل الحرية" الألمانية في العاصمة الأردنية عمان، في 26 تشرين الأول/ أكتوبر، وجمع واضعي سياسات وناشطين من دول عربية مختلفة مع مجموعة من أصحاب المشاريع المبتكرة، وذلك في ختام مسابقة iValues-2021، وهي مسابقة تهدف إلى "إعادة التفكير في السياسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، أطلقتها بالتعاون مع معهد الابتكار في السياسة في ألمانيا.
بين الدول العربية المختلفة قواسم مشتركة كثيرة، ما يشكل أرضية مناسبة للتعاون الإقليمي على حل المشاكل المتشابكة أو المتداخلة، خصوصاً أن العالَم الافتراضي للاقتصاد الجديد ألغى الحدود والحواجز، وهي نقطة مشتركة توافق عليها واضعو السياسات والشباب المبتكرين.
"اليوم، صار الناس أكثر قدرة على التواصل في ما بينهم والتعاون لحل المشكلات التي تواجههم"
يرى عشي أن القواسم العربية المشتركة أكبر من العوائق، "فهناك لغة مشتركة وهي العامل الأهم"، و"من الضروري وجود تشبيك عربي عابر للحدود لأن هنالك مشاكل مشتركة بين عدد من الدول العربية، بالتزامن مع وجود مشاريع مبتكرة وإبداعية قد تتقاطع بشكل إيجابي مع احتياجات المجتمعات، فالابتكار فرصة أمام الجيل الجديد للنهوض وحل المشاكل التي تواجهه".
الحاجة إلى لقاءات دورية
تقريب وجهات النظر بين المبتكرين في المنطقة وواضعي السياسات العامة، تجدها المديرة الاستراتيجية الإقليمية في مؤسسة فريدريش ناومان لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يارا الأسمر، حاجة ملحة وضرورية، "فالمنطقة بحاجة ماسة إلى تحديث في مقاربة السياسات العامة والعمل الديمقراطي".
هناك تحديات كبيرة على كافة الأصعدة، الاقتصادي، الفكري، العلمي، وحقوق الإنسان، وهناك ضرورة لأن يطرح الشباب مشاريع علمية وحلولاً للمشكلات، "بعيداً عن الحسابات الضيّقة"، وفقاً للأسمر، لأن "المنطقة بحاجة ماسة إلى تحديث في مقاربة السياسات العامة والعمل الديمقراطي".
تشدد الأسمر على أهمية تعاون واضعي السياسات مع المبتكرين وانفتاحهم على الحلول غير التقليدية لحل المشاكل، مشيرة إلى أنه "يمكن للحلول المبتكرة أن تطوّر صناعة السياسات في الشرق الأوسط".
التعاون مسألة أساسية وضرورية، يشدد عليها أيضاً مدير المكتب الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمؤسسة فريدريش ناومان ديرك كونتسه، مشيراً إلى أن "الابتكار في حد ذاته، شيء لا يمكن للفرد أن يحققه بمفرده... فهو جهد جماعي لإحداث التغيير، بمعنى فهم تحديات الآخر والتعاون مع بعضنا البعض".
بدورها، ترى المختصة في تطوير أساليب القيادة، الجنوب إفريقية ميريك غرونيوولد أن المشكلة التي تواجه المنطقة العربية تكمن في عدم وجود تعاون بشكل إجمالي، خاصة بين الشباب وصانعي القرار.
وتقول لرصيف22 عن يوم العمل الذي احتضنته العاصمة الأردنية: "حاولنا العمل على سدّ هذا النقص، ووجدنا مساحة تعاون يمكن من خلالها إيجاد طرق جديدة لحل المشكلات والتواصل بين كل الأطراف، وبناء علاقة بين صانعي القرار والشباب المبتكرين".
"اليوم، صار الناس أكثر قدرة على التواصل في ما بينهم والتعاون لحل المشكلات التي تواجههم"، تضيف غرونيوولد، وهذا الواقع الجديد يشكّل فرصة للتعاون على توظيف الابتكار في حل المشكلات في المنطقة العربية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين