نفايات الطعام هي ثالث أخطر مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (8 إلى 10%)، بحسب الأمم المتحدة. وفي حين أن هدر الطعام أزمة تؤرق العالم بأسره، فإنها تكاد تبلغ مداها في دول عربية تروج فيها إلى حد كبير عادات اجتماعية بينها ثقافة "الكرم" و"الولائم المبالغ فيها".
وأظهر مؤشر نفايات الأغذية التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2021 أن نحو 900 مليون طن من الطعام في العالم مآلها إلى صناديق النفايات سنوياً، أي ما يعادل 17% من الأغذية المعدة للاستهلاك.
وكانت السعودية ودول عربية أخرى من بينها العراق ضمن أكثر دول العالم هدراً للطعام على المؤشر، علماً أنه لا تتوفر أرقام دقيقة وواضحة لحجم الطعام المهدور في المنطقة العربية، إذ لا تبدي الحكومات اهتماماً بهذه القضية.
في موازاة ذلك، يلوح انعدام الأمن الغذائي كإحدى الأزمات الرئيسية التي يواجهها كوكب الأرض وساكنوه، بالإضافة إلى أزمة تغيّر المناخ، وفقدان الطبيعة والتنوع البيولوجي، والتلوث...
"ماكلتي" لحلول "الطعام الذكي"
في ظل هذا الوضع المقلق، ظهرت حلول مبتكرة هدفها معالجة مشكلة نفايات الطعام، من بينها تطبيق "ماكلتي" لحلول الطعام الذكي (Makelti)، وهو مشروع يسعى إلى "رقمنة نظام المقاصف" في الشركات والمؤسسات الكبرى بما يحدّ من الطعام والوقت المهدورين خلال تقديم وجبات العمل للموظفين.
عن طبيعة عمل التطبيق، يقول مؤسس ومدير شركة "Forward Development" الاستشارية، صاحبة فكرة التطبيق ومطورته، سامي محياوي لرصيف22 إن المشروع يهدف إلى تسهيل إعداد العدد الضروري فقط من وجبات الطعام، بحسب أعداد الموظفين.
ويتابع: "نقوم بربط الموظفين والطهاة والإدارة عبر التطبيق المتاح على الهاتف المحمول، بما يمكّن كل موظف من حجز وجبته، وتحديد مكان وموعد استلامها وتناولها، لمعرفة العدد الدقيق للوجبات المطلوب تحضيرها، وزيادة كفاءة المقاصف عبر تقليل الوقت والجهد الضائعين في إعداد الوجبات الزائدة وتفادي تحوّلها إلى نفايات في النهاية".
يستند "ماكلتي" إلى دراسات ميدانية أجراها القائمون عليه. فبعد متابعة عمل 50 مقصفاً لشركات جزائرية وبريطانية، تبيّن أن "30% من الطعام يهدر" لأنه "لا توجد رؤية أو نظام متابعة لميزانية المقاصف"، كما يُفتقر إلى المعلومات حول هدر الطعام والوقت والجهد في هذه العملية في ظل "عدم وجود معايير لتقييم خدمة المقاصف".
تنوعت أسباب هدر الطعام التي رصدتها الدراسة الميدانية. اتّضح أن واحداً من كل 10 موظفين لا يتناول وجبته لظروف التغيب عن العمل، أو الخروج في تدريب أو مهمات عمل خارجية، أو لزيادة ضغط العمل وعدم وجود متسع لتناول الطعام، ولغيرها من الأسباب.
علاوة على ذلك، لوحظ هدر 20% من الوقت المخصص لتناول الوجبة في طوابير الانتظار أو البحث عن مكان لتناولها فيه.
"ماكلتي" في الجزائر و"ذا أذر فوريست" في لبنان و"ABC KIDS" في ليبيا… مشاريع محلية تعالج أزمات عالمية بطرق ذكية ومبتكرة
ويسمح التطبيق الذي أُطلق عام 2019 بتقييم الوجبة والإبلاغ عن أي مشكلة. وينشط في الجزائر فقط حالياً مع خطط للتوسع في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط وكذلك في أوروبا، حسبما يشير محياوي.
مدرسة "ABC KIDS" الذكية
عام 2021، لم تعد مشاريع تعليم الأطفال، بما في ذلك المدارس المتطورة التي تُعنى باللغات والتكنولوجيا، أمراً مستغرباً. لكن ليس في ليبيا التي أنهك عقد من الحرب الأهلية المستمرة والتناحر القبلي قطاعها التعليمي وخرّب عشرات المدارس وحوّلها في بعض الأحيان إلى "مخازن للأسلحة والذخيرة" أو "ساحات للحرب".
من هذه الظروف، نبعت فكرة إنشاء مدرسة "ABC KIDS" الذكية التي "تقدّم المعرفة بطرق تعليمية غير تقليدية ممزوجة بالمرح"، على حد قول مؤسستها انتصار مفتاح الفاسي، الناشطة المدنية الليبية.
تضيف الفاسي لرصيف22 أن المدرسة معنية بـ"صقل إمكانيات الأطفال وتوجيههم بشكل صحيح واستغلال قدراتهم بشكل أمثل لإعدادهم ليكونوا قادة المستقبل"، مشيرة إلى أن المدرسة تعتمد كلياً في تمويلها على المسابقات الإقليمية والدولية التي تقدّم دعماً مالياً.
تولي المدرسة اهتماماً بالغاً باللغة الإنكليزية التي تُدرّس بها كافة المناهج ما عدا اللغة العربية والتربية الدينية، كما تدرّب طلابها على "التحول الرقمي" وتعتمد "المناهج التعليمية العالمية" وتستخدم "التعليم التفاعلي"، بما في ذلك الألواح الذكية والروبوتات التعليمية، وهي مناهج "لا تقدّم مثلها المدارس التقليدية، بحسب الفاسي.
عام 2018، فتحت المدرسة أبوابها للطلاب في مدينة سرت الليبية للمرة الأولى بمقابل زهيد. ويبلغ عدد عدد الطلاب الحاليين في المدرسة 150 طالباً وطالبة في المرحلة العمرية من ثلاث إلى سبع سنوات، مع نيّة لمتابعة الأطفال حتى سن 12 عاماً مستقبلاً. ويُقسّم الطلاب على 11 فصلاً ويتوزّعون على فترتين صباحية ومسائية.
"ذا أذر فوريست"... الغابات الكثيفة لبيئة صحيّة
يتسبب تلوث الهواء بالوقود الأحفوري في خُمس الوفيات حول العالم سنوياً. تزداد هذه المشكلة استفحالاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إذ تقع 65 ألف حالة وفاة بسببها سنوياً. ويستأثر لبنان بالنسبة الأعلى للوفيات المبكرة الناجمة عن تلوث الهواء بالوقود الأحفوري في المنطقة.
هذه الأزمة واحدة من المشكلات التي يتصدى لها مشروع "THE OTHER FOREST" الذي ينطلق من لبنان ويُعنى بخلق غابات كثيفة بتقنية "مياواكي"، وهي تقنية منهجية فريدة للتشجير أثبتت فعاليتها في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن طبيعة التربة والظروف المناخية.
يهدف المشروع أيضاً إلى استعادة النظم البيئية عافيتها والتنوع البيولوجي، وتعزيز التربة الصحية والتخفيف من حدة تأثيرات المناخ، والحد من أشكال التلوث الأخرى، بما ينعكس على أفراد المجتمع إيجاباً من الناحية العقلية والجسدية والنفسية والإنتاجية.
عن أثر الجهد الذي يقومون به، يقول صاحب ومؤسس شركة "ذا أذر دادا" للتصميم المعماري والاستشارات والتي ينضوي تحتها المشروع البيئي، أديب دادا لرصيف22: "تعاونّا مع صانعي الغابات المحترفين الذين دربهم البروفيسور مياواكي نفسه. يمكننا أن نرى التنوع البيولوجي والفطريات والحشرات التي تنمو في الغابات التي زرعناها، وهي علامة على غابة صحية وناجحة. من تحليلنا، يمكننا أن نقول إن غاباتنا تظهر النجاح".
يتمنى دادا أن تُقدم البلدان التي تفتقر إلى المساحات الخضراء والمفتوحة، لا سيّما المدن، على استخدام تقنية مياواكي لإعادة الطبيعة إلى مناطقها الحضرية، مشدداً على أنها "تساعد في خفض درجات الحرارة في الجزر الحرارية الخرسانية، وتقليل تلوث الهواء والضوضاء، وجذب الطيور والحشرات المحلية، وإنشاء أحواض الكربون".
انطلق المشروع عام 2019، وساهم في زراعة عشر غابات مياواكي (أكثر من 5200 شجرة وشجيرة) منذ ذلك الحين. علماً أنه يخطط لزراعة 4000 شجرة وشجيرة جديدة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.
"التنمية الإقليمية هي مثال لحاجتنا إلى الابتكار. نحن نختبر العولمة أكثر من أي وقت مضى. لكن حاجات كل فرد أصبحت أكثر وأكثر محلية"
الابتكار في مجال التنمية الإقليمية
Makelti وABC KIDS وTHE OTHER FOREST هي من ضمن 25 مشروعاً وصلت إلى المرحلة النهائية من مسابقة مشروع iValues، وهو مشروع تطلقه للمرة الأولى مؤسسة "فريدريش ناومان من أجل الحرية" الألمانية وهدفه "إعادة التفكير في السياسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، بالتعاون مع معهد الابتكار في السياسة في ألمانيا، وذلك من أصل 280 مشروعاً تقدّمت للمسابقة.
تتوزّع المشاريع الـ25 المتنافسة على خمس مجالات: "الديمقراطية والمجتمع"، "الاقتصاد وفرص العمل"، "حقوق الإنسان"، "جودة الحياة" و"التنمية الإقليمية". عن كل فئة يفوز مشروع ويحصل فريقه على دعم يتحدد وفق الاحتياجات، مع إمكانية تقديم تدريب لفريق العمل، بحسب الحاجة أيضاً.
علاوة على هذه المشاريع الثلاثة، ينافس مشروعان آخران ضمن فئة الابتكار في مجال التنمية الإقليمية، هما: "LEARNING LAND" ويهدف إلى تعزيز دور المعلمين في لبنان ومهاراتهم ورفع أصواتهم ضد الطائفية المتفشية في نظام التعليم الموجه سياسياً، و"ROBIN FOOD" وهو مشروع لمواجهة هدر الطعام لكن في إسرائيل.
هذه السنة، سيُعلَن عن المشاريع الفائزة خلال احتفال تستضيفه العاصمة الأردنية عمّان، في 26 تشرين الأول/ أكتوبر.
تقول المديرة الإستراتيجية الإقليمية في مؤسسة فريدريش ناومان لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يارا الأسمر لرصيف22، إن مسابقة iValues-2021 هي بمثابة مبادرة لتقريب وجهات النظر بين المبتكرين في المنطقة وواضعي السياسات العامة، مشيرةً على أن "المنطقة بحاجة ماسة إلى تحديث في مقاربة السياسات العامة والعمل الديمقراطي".
وتشرح أن هنالك ثلاثة معايير لتقييم المبادرات/ المشاريع المرشحة لاختيار الأفضل وهي "توفر الابتكار وقابلية المشروع للتطبيق على أرض الواقع، ومدى إفادته للمجتمع وقدرته على تحسين أوضاع الناس، واستدامة المشروع".
من جانبه، يشدد مدير المكتب الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمؤسسة فريدريش ناومان ديرك كونتسه على أن "الابتكار في حد ذاته، شيء لا يمكن للفرد أن يحققه بمفرده. قال أحد الحكماء ذات مرة: يمكنك أن تخترع وحدك ولكن لا يمكنك أن تبتكر وحدك. فالابتكار هو جهد جماعي لإحداث التغيير، بمعنى فهم تحديات الآخر والتعاون مع بعضنا البعض"، مضيفاً لرصيف22 أنه "يمكن رؤية هذا من خلال المشاريع المقدمة: كلها وُضِعت إما نتيجة لعملية إبداعية مجتمعية أو تعالج قضايا في المجتمع تؤثر على الكثير من الناس".
وعن أهمية الابتكار في تعزيز التنمية الإقليمية، يقول كونسته: "التنمية الإقليمية هي مثال لحاجتنا إلى الابتكار. نحن نختبر العولمة أكثر من أي وقت مضى. لكن حاجات كل فرد أصبحت أكثر وأكثر محلية. لذلك هناك حاجة ماسة لربط عمليات صنع القرار المحلية، ومناقشة القضايا المحلية للوصول إلى جميع المتأثرين لوضع حلول مبتكرة".
لا يعلم محياوي حجم أو طبيعة "الدعم" الذي سيحصل عليه فريق "ماكلتي" إذا كان التطبيق ضمن المشاريع الخمسة الفائزة، لكنه يقول إن هذا الدعم سيذهب نصفه إلى "التسويق"، أملاً في الحصول على مزيد من العملاء كخطوة لتحقيق حلم التوسّع نحو العالمية.
كما يوضح أن 20% من الدعم سيذهب لتطوير التطبيق وجعله أيسر في الاستخدام، فيما الـ30% المتبقية قد تستغل لتوظيف مزيد من الموظفين الأكفاء.
تتطلّع الفاسي إلى الفوز بالدعم أيضاً. تخطط لتوظيفه في "زيادة الطاقة الاستيعابية للمدرسة وضم أكبر عدد ممكن من الأطفال المستهدَفين وتوظيف المزيد من المدرّسين وتطوير المناهج التعليمية وشراء عدد أكبر من المواد التشغيلية وإكمال الموقع الإلكتروني للمدرسة". الحلم الأكبر بعد ذلك هو "فتح فروع متعددة للمدرسة في جميع أنحاء ليبيا وخارجها".
بدوره، يعتقد دادا أن الدعم من شأنه أن يساعد القائمين على "ذا أذر فوريست" على توسيع نطاق عملهم، وزيادة التعريف بالمشروع، ووضع سياسات خاصة لتحويل المناطق المهجورة إلى مساحات خضراء على نطاق أكبر في العالم العربي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.