شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أين بنزيننا يا خامنئي؟"... تداعيات الهجوم السيبراني على شبكة توزيع الوقود في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 27 أكتوبر 202108:18 م

قبيل أيام من ذكرى احتجاجات تشرين الثاني/نوفمبر 2019 في إيران أو ما تُعرف بـ "احتجاجات البنزين"، وفي صباح يوم أمس الثلاثاء 26 ‏تشرين الأول/أكتوبر 2021 تعرضت شبكة ‏توزيع الوقود في إيران إلى هجوم سيبراني أدى إلى تعطل توزيع الوقود في 4300 محطة وقود في البلاد، ‏ما إدى إلى تشكيل طوابير طويلة أمام المحطات، واختراق لوحات إعلانية رقمية في بعض المدن، والتي ظهر عليها ‏رقم هاتف مكتب المرشد الأعلى الإيراني، وعبارة "يا خامنئي، أين بنزيننا؟".

في البداية أعلنت السلطات الإيرانية أن المنظمة الإلكترونية لتوزيع الوقود بالسعر المدعوم حكومياً ‏والأرخص ثمناً عبر استخدام البطاقة الذكية، تعطلت عن العمل فقط، وبإمكان المواطنين التزود بالوقود ‏بالسعر الحر، لكن الإعلام الإيراني أعلن أن المواطنين لم يتمكنوا من شراء الوقود بالسعر الحرّ إلا في عدد ‏قليل من المحطات. وأعلن المسؤولون لاحقاً عن إعادة نحو 3 ألف محطة إلى خدمة التزويد بالوقود بشكل يدوي في مختلف مناطق البلاد.‏

وبعد زيادة توجه المواطنين إلى محطات المترو والباصات، إثر الهجوم السيبراني الذي منع غالبيتهم ‏من ‏التنقل بالسيارات والدراجات، أوعز أمين العاصمة طهران، علي رضا زاكاني، بتفعيل جميع طاقات ‏أسطول ‏الباصات، وتقديم جميع محطات المترو خدماتها مجاناً للمواطنين مساء أمس واليوم. ‏كما قام الإعلام الرسمي الإيراني بنشر جداول المحطات التي تقدم الوقود، وتحديثها عدة مرات في اليوم.‏

وأعلن أمين المجلس الأعلى للأجواء الافتراضية في إيران، أبو الحسن فيروزآبادي، اليوم الأربعاء  عن السيطرة على الهجوم السيبراني. وخلافاً لسياسة إيران تجاه الأحداث ‏الأمنية المماثلة، والتي تتضمن غالباً كتمان وقوع الحادث أو عدم الكشف عن تفاصيله أو اعتباره هجوماً سيبرانياً، ‏والتأكيد على عدم تأثيره عن البلاد، قال فيروزآبادي إن الخلل الذي حصل ناجمٌ عن "هجوم سيبراني ‏واسع النطاق" قد تمت السيطرة عليه، رغم ذلك "خلق الكثير من المشاكل". وأعرب المسؤول الإيراني عن ‏أمله بعودة جميع محطات الوقود إلى حالتها الطبيعية حتى يوم غد الخميس‎.‎

وأكد فيروآبادي على وقوف "دولة أجنبية" وراء الهجوم، وأنه "من المبكر تحديد الدولة التي نفذت الهجوم، وكيفيته، ومن ‏المحتمل أن يكون هذا الهجوم قد شن من الخارج كالهجوم السيبراني الذي تعرضت له منظومات ‏سكك الحديد في البلاد في يوليو الماضي".‏

الهجوم السيبراني وقع بعد ساعات قليلة من تأكيد رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني، على ضرورة الأمن السيبراني، وقوله: "أي دولة ‏تريد مهاجمتنا إلكترونياً يجب أن تنتظر ردنا"

وأوضح بأن الرأي النهائي حول هذا الهجوم السيبراني سيتم الإعلان عنه في غضون 7 الى 10 أيام قادمة. ‏كما أشار إلى أن الهدف من الهجوم هو "الإخلال بتقديم الخدمات للشعب".‏

ووجهت وزارة النفط الإيرانية اعتذاراً للمواطنين، وقالت إنها تبذل قصارى جهدها لكي يتمكن المواطنون من استخدام بطاقة ‏الوقود الذكية بسرعة، وأن وضع مخزون الوقود لدى البلاد جيد جداً، ويمكن للبلاد تصدير البنزين في ‏الأسابيع القادمة، رافضة بشدة شائعات رفع سعر البنزين‎.‎

وأعلن وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، بأنه ليست هناك أي خطط وقرارات لزيادة سعر البنزين (كما ‏حدث قبل عامين)، ولا داعي لقلق المواطنين، والمشكلة التي حدثت في محطات الوقود تعود إلى خلل ‏فني، وسيتم حلها قريباً.‏

وكشف مسعود رضائي، مدير النظام الذكي في الشركة الوطنية ‏لتوزيع الوقود، عن تعرض شبكة الوقود في ‏البلاد لهجمات في الفترة السابقة، وقال: "لقد شهدنا حتى الآن ‏ثلاث أو أربع مرات مثل هذه الهجمات على ‏أنظمة توزيع الوقود، ولكن لأنها نفذت في الساعة الـ2 أو 3 ‏فجراً تمكنا من حل المشكلة، وهذه المرة ‏كان هناك خلل في نظام توزيع الوقود وسط النهار وقد أدى إلى ‏مشاكل".‏

أما الرئيس الإيراني، ابراهيم رئيسي، لم يحضر مراسم افتتاح مؤتمر وزراء خارجية دول جوار أفغانستان في ‏وزارة الخارجية الإيرانية، خلافاً لجدول أعمال المؤتمر، وبدلاً منه ذهب في زيارة غيرمُعلنة إلى وزارة ‏النفط لبحث قضية الهجوم السيبراني، وأكد بعد اجتماعه مع مسؤولي الوزارة على ضرورة الاستعداد ‏للهجمات السيبرانية، والوقاية منها، والتجهيز لمكافحتها و"عدم السماح للعدو أن ينال أهدافه الشريرة في هذا ‏المجال، وأن يخلق مشاكل للمواطنين"، وقال إن الهجوم السيبراني كان محاولة للتضييق على المواطنين، ‏وهدفه إحداث الفوضى في البلاد‎.‎ وأجرى الرئيس الايراني جولة تفقدية لعدد من محطات الوقود في البلاد للوقوف على واقع سير العمل في تقديم الخدمات.

حسب تصريح رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني، تتعرض إيران لـ"40-50 ألف ‏هجوم سيبراني يومياً، ونحو 8 هجمات إلكترونية جادة سنوياً"

الهجوم السيبراني وقع بعد ساعات قليلة من تأكيد العميد غلام رضا جلالي، رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني، ‏في تصريحات بمناسبة أسبوع الدفاع المدني في إيران، على ضرورة الأمن السيبراني، وقوله: "أي دولة ‏تريد مهاجمتنا إلكترونياً يجب أن تنتظر ردنا".‏

توقيت الهجوم

حدث الهجوم قبل أقل من 3 أسابيع من الذكرى الثانية لاحتجاجات تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وهي سلسلة من ‏الاحتجاجات الشعبية التي حدثت ضد زيادة سعر البنزين، بدأت يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بعد أن أعلنت الحكومة ‏زيادة سعر البنزين بنسبة 300٪. وقد اتسعت رقعة الاحتجاجات بسرعة، وغطت غالبية مدن البلاد، ‏وأدت إلى مقتل نحو 1500من المتظاهرين، وجرح عشرات الآلاف، واعتقال ما يزيد عن 7 آلاف، ‏حسب تقارير رسمية وغير رسمية‎.‎‏

وأثار القمع الشديد لهذه الاحتجاجات موجة غضب شعبية واسعة في ‏إيران، مستمرة إلى اليوم، يُغذيها عدم الكشف عن العدد الحقيقي لضحايا الاحتجاجات، إلى جانب استمرار ‏اعتقال وتعذيب المحتجين.‏

وحدث الهجوم في وقت يشهد جهوداً دولية لاستئناف المفاوضات النووية التي توقفت قبيل الانتخابات ‏الرئاسية الإيرانية الأخيرة، ووسط تحدث الولايات المتحدة عن خيارات في حال عدم عودة إيران إلى المفاوضات، وفي ظل حربٍ جارية ‏بين إيران وإسرائيل منذ سنوات، برزت نفسها في هجمات سيبرانية متبادلة، وتفجيرات في منشآت نووية ‏إيرانية، واغتيال علماء نوويين إيرانيين. وكان أحدث الهجمات السيبرانية المتبادلة اليوم الأربعاء حيث ‏كشفت ‏وسائل إعلام اسرائيلية عن قرصنة ملفات من أجهزة الكمبيوتر التابعة لوزارة الدفاع ‏الإسرائيلية ‏تحتوي على بيانات مئات من الجنود، متهمة إيران بالوقوف وراء الواقعة.‏ ‏

وحسب تصريح سابق لرئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني، غلام رضا جلالي، تتعرض إيران لـ"40-50 ألف ‏هجوم سيبراني يومياً، ونحو 8 هجمات إلكترونية جادة سنوياً". ‏

وأحد أبرز الهجمات السيبرانية التي أصابت إيران كانت في أيلول/سبتمبر 2010، حين ضرب فيروس ‏‏"ستاكسنت" منشآت مرتبطة ببرنامج إيران النووي، أدى إلى تعطل أجهزة الطرد المركزي لتخصيب ‏اليورانيوم.‏

أعلنت مجموعة قراصنة باسم "العصفور المفترس" عن مسؤوليتها عن الهجمات على محطات الوقود في إيران‎.‎، وقالت إنها لاحظت ضعفاً ‏كبيراً في البنية التحتية الإيرانية

ومن بين الهجمات الأخرى، كانت هجمات تعرضت إيران لها في تموز/يوليو 2021 شملت شبكة السكك ‏الحديدية، ووزارة الطرق، ومؤسسات أخرى‎.‎‏ كما وقع قبل ذلك هجوم سيبراني ضد منشأة نَطَنْز النووية، ‏وصفته إيران بأنّها "عمليات تخريبية" من دون تسمية جهة أجنبية بعينها تقف وراءه‎ا.‎‏ وفي أيار/مايو 2020 ‏تحدث الإعلام عن وقوف إسرائيل وراء هجوم سيبراني طال ميناء "شهيد رجائي" في جنوب إيران، رداً ‏على هجوم إيراني على منشآت هيدروليكية مدنية إسرائيلية.‏

ردود الفعل الدولية ومسؤولية الهجوم

أعلنت مجموعة قراصنة باسم "العصفور المفترس" في بيان أرسلته لبعض وسائل الإعلام الفارسية ‏التي تبث من خارج البلاد عن مسؤوليتها عن هجمات يوم أمس على محطات الوقود في إيران‎.‎‏ وقالت إنها لاحظت ضعفاً ‏كبيراً في البنية التحتية الإيرانية أثناء التخطيط لهذا الهجوم السيبراني، والذي كان من الممكن أن يتسبب في ‏أضرار طويلة المدى والمزيد من الأضرار لمحطات الوقود، لكنها قررت عدم القيام بذلك اجتناباً للمزيد من ‏الضرر‎.‎‏ كما أعلنت المجموعة مسؤوليتها عن الهجوم السيبراني على وزارة الطرق والبنية التحتية للسكك ‏الحديدية الإيرانية في تموز/يوليو 2021.‏

وتلقى الهجوم اهتماماً إعلامياً دولياً واسعاً، ولكن لم تعلق أي دولة على الهجوم رسمياً حتى الآن، ورفض المتحدث باسم الخارجية الاميركية، نيد برايس، الردّ على سؤالٍ حول الهجوم، وعلى سؤال إن كانت أمريكا على علم بالهجوم السيبراني على إيران، أو شاركت فيه، أو أن هذا الهجوم ‏كان تحذيراً حول العودة لمفاوضات فيينا؟ أجاب: "أكرر أن المسار مازال مفتوحاً للدبلوماسية"، وتابع: "ليس ‏لدي ردّ على القسم الأول من السؤال"‏‎.‎

تعد إيران من الأغنى عالمياً بالنفط، وتوفر مشتقات النفط بأسعار رخيصة ومدعومة‎ ‎حكومياً، حيث يبلغ ‏سعر كل ليتر من البنزين بالسعر الحرّ 3 آلاف تومان (زهاء دولار واحد)، وبالسعر المدعوم 1500 ‏تومان (نصف دولار).

أعلنت إيران منذ سنوات عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة البنزين. ورغم العقوبات المفروضة، والأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران بسببها، لكنها لم تواجه نقصاً في البنزين، حيث تقدر الطاقة الإنتاجية للبنزين في إيران بـ 110 ملايين لتر يومياً، ويبلغ متوسط ​​الاستهلاك حوالى 94 مليون لتر يومياً، والفرق في الإنتاج والاستهلاك يوفر لإيران تصدير البنزين إلى فنزويلا، وأفغانستان، ولبنان.

وتتراوح الأحاديث حالياً بين اعتبار الهجوم خطوةً قبل اتخاذ قرار جديد لرفع سعر البنزين، وإشارة إلى احتجاجات تشرين الثاني/نوفمبر 2019، كما يعتقد البعض أنه محاولة من إسرائيل أو جهات معارضة لإثارة الفوضى في إيران في بداية عمل الحكومة الإيرانية الجديدة الأصولية، وقبيل استئناف محتمل للمفاوضات النووية، أو ربما هو ردّ على هجمات إيران السيبرانية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image