شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ماذا لو اكتشفنا يوماً أنه لا داعي للحبّ؟

ماذا لو اكتشفنا يوماً أنه لا داعي للحبّ؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 27 أكتوبر 202112:08 م

استيقظت صباحاً، ليكون الحائط أول ما تقع عيني عليه. إنها لحظة ساحرة أن تشعر بأن الفراش بأكمله ملكك، من دون أن يفقأ كوع أحدهم عينك. لم تمضِ على هذا الإحساس لحظات حتى شعرت بثقل الاستيقاظ على فراش خالٍ من جسد محبّ أدمنت كدماته.

في أيام الجامعة، كان لي صديق متمرد على أي شيء قد يرتدي ثوباً مرتّباً، وأذكر أنه في أحد الأيام، صرخ بأعلى صوته في الساحة: "الرأسمالية تقتل الحب". حينها، أجبته بشيء من البرود: "لكنك لا تتبع سوى مصالحك". كانت تلك الجملة كافيةً لهروبه، مما أغرقني في شيء من الغمّ لم يكن سببه إنهاك الاشتياق، بل محاولة ملاحقة أخباره، ومعرفة عدد الفتيات اللواتي يعبث معهن بـ"اشتراكية"، من خلال استخدام مواقع الرأسماليين.

من المرهق محاولة مراقبة صديق، مع وجود هذا الكم الهائل من مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع التعارف. لا أعرف من أين أبدأ، وهل يتوجب عليّ ملاحقة كل تعليق؟ أم أحاول البحث عمن يخترق حسابه؟ تباً، كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟

كان لي صديق متمرد على أي شيء قد يرتدي ثوباً مرتّباً، وأذكر أنه في أحد الأيام، صرخ بأعلى صوته في  ساحة الجامعة: "الرأسمالية تقتل الحب". حينها، أجبته بشيء من البرود: "لكنك لا تتبع سوى مصالحك". كانت تلك الجملة كافيةً لهروبه

تخبرني صديقتي أن ما يحدث كله، سببه "الفلتان الذي وصلنا إليه". ففي الماضي، كنا نادراً ما نسمع بقصص الانفصال، أو الخيانة، إذ كانت أقصى أحلام الزوج، أن يستفرد بمشاهدة المطربات في برنامج "ما يطلبه الجمهور". أما الآن، فتحضر إليه بنقرة واحدة، صور مئات فتيات بلدي التوّاقات إلى لحظة حنان، ناهيك عن تلك المواقع المليئة بالعري، والشهوة المجانية، ما يفتح الأبواب واسعةً للانجرار نحو التجارب المتعددة.

في الواقع، إنها غرائزنا التي تحكمنا، وتبقى تحت الرماد إلى أن تجد الظروف المناسبة. أما ما يحاول حكم علاقتنا، فغرائز السيطرة والتملك من طرف، وإتقان دور الفريسة المستحيلة الصيد من طرفٍ آخر، والرابح من يتقن الدور الأقوى. نحن لا نزال محكومين بارتباطاتنا الحيوانية، فهل يمكن للحب الرومنسي أن يكون بلا شروط، يوماً ما؟

الحب جسد ومحفظة

ما هو شائع حالياً، أن على المرأة التمتع بجسدٍ نحيلٍ، ومثيرٍ، مع أرداف مشدودة، وصدر ممتلئ، كما أن على الرجل استعراض ممتلكاته، وقوّته، وفي معظم الحالات ينتهي الأمر بانهيار التوقعات المبنية من قبل الطرفين، والشعور بالخداع، كما لو أن العلاقة كانت عملية تبادل سلعات فاشلة تصاحبها متع مؤقتة.

يلهث الكثيرون للحصول على المظهر المثير، والقوة اللا محدودة، وينفقون الأموال الطائلة بعد أن تقنعهم وسائل الإعلام، وقدوات العصر، بضرورة هذا، وأهمية ذاك.

الحب ماركة مشهورة، يمكن من خلالها خلق العديد من المنتجات الباهظة الثمن. فكل ما يواجه الحب، والمحبين، يمكن تحويله إلى سلعة، وتجارة رابحة.

الحب ماركة مشهورة، يمكن من خلالها خلق العديد من المنتجات الباهظة الثمن. فكل ما يواجه الحب، والمحبين، يمكن تحويله إلى سلعة، وتجارة رابحة.

الحب نصل مشحوذ

في الجلسات النسائية، شغل صديقاتي الدائم التحدّث عن مرض الحب، ومعاناة محاولة فهم الشريك، وجعله يتفهمهم. بالنسبة إليهن، يبدو الحب كما لو كان مفتاح المشكلات جميعها، والمخلّص المنتظَر المنجّي، لكن متى كان الحب بهذه الأهمية المبالغ فيها؟ ومتى أصبح محور الحياة السعيدة؟

الشيء الصعب في الحب، أنه يطلب منّا القيام بما لا نرغب به، بأن نقوم بتحطيم جدرانٍ حصّننا بها ضعف نفوسنا، أمام أطماع الغرباء، ثم يأتي ذلك الغريب ليكشف عن هشاشتنا، وندخل في دوامة لا تنتهي.

يذكر الفيلسوف سلافوي جيجك، في إحدى لقاءاته: "تريد مواعدة الآخر مع تجنّب جانب المراهنة، ودون دفع الثمن الذي علينا دفعه، نريد العلاقة دون تعلّق، وهذا يتناسب مع السلوك الاستهلاكي السطحي".

إن ما يسوّق له حالياً، هو العلاقات المؤقتة، والسريعة، لتلبيتها احتياجات ضرورية، كما أنها تحمل العديد من عوامل الأمان، بما فيها الأمان من الوقوع في مرض الحب، وتجنّب ثقل اكتشاف عالم الآخر، وقلق إدخال مجهول إلى عالمك، لتتحول حياتك إلى مجموعة من العلاقات الجوفاء بمزيج من المشاعر المزيّفة، مع أحداث متقلبة وعابرة.

الشيء الصعب في الحب، أنه يطلب منّا القيام بما لا نرغب به، بأن نقوم بتحطيم جدرانٍ حصّننا بها ضعف نفوسنا، أمام أطماع الغرباء، ثم يأتي ذلك الغريب ليكشف عن هشاشتنا، وندخل في دوامة لا تنتهي

متى يصبح الحب حباً؟

ماذا لو اكتشفنا يوماً، أنه ما من داعٍ لذلك كله الذي ندعوه حباً، وأنه ليس سوى انعكاس لمخاوفنا.

في الثقافات الشرقية، يعرّفون المحبة على أنها تمنّي السعادة للآخر، والحصول على مسببات السعادة، أما في ثقافتنا الشعبية، فيتميز الحب الرومنسي بتقلّباتٍ، وعواطف، تملأ فراغاتنا النفسية، وكآبات متفرقة تستجدي تعاطف الآخر. ومهما حاولت، ستعود مجدداً إلى الغوص في الدوامة نفسها، معيداً المراحل ذاتها، مع توقّع نتائج مختلفة.

أتمنى لو كانت هناك آلة تخبرنا لماذا نحب من نحب؟ وكيف يمكن أن يكون الحصول على السعادة في الحب، من دون الاضطرار إلى اجتياز مطبات الدراما، وغيرها، مما يسبب تآكل ما نبنيه، ونستثمر جهدنا فيه؟

ومتى يصبح الحب حباً؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image