صدمة اجتاحت رنا عماد، أربعينية، وهي ترى ابنها مجد الذي لم يتجاوز الـ13 عاماً يشاهد مقطع فيديو على تطبيق "تيك توك"، لفتاة "ترتدي ملابس شبه عارية، تحرض على إقامة علاقات جنسية"، بحسب حديثها.
رنا تعمل ممرضة، تسكن في قطاع غزة، أم لطفلين مجد وليان، لا يتجاوزا الـ14 عاماً، أبدت امتعاضها الكبير بسبب تمسك ولديها وتعلقهما بـالسوشال ميديا، هي فقط تراهما بالمنزل يحملان هواتفهما، يشاركان أصدقائهما مقاطع فيديو فكاهية.
لم تعر الأمر اهتماماً لتعرف المزيد عن المحتوى الذي يعرض عبر " تيك توك"، ومدى ملائمته لأعمارهما، سوى مؤخراً.
لم أكن أعلم في البداية ما هو هذا التطبيق.
تقول رنا: "ساعدت جائحة كورونا في انتشار تيك توك بين أبنائي وجميع أصدقائهم، كانوا يمتلكون وقت فراغ كبير، ويقضون وقتهم بالمنزل، لم أكن أعلم في البداية ما هو هذا التطبيق، لست ضليعة أصلاً بمواقع التواصل الاجتماعي".
ذُعرت رنا عندما شعرت أن التطبيق مباح للجميع دخوله، والتجول فيه بحسب هواهم، دون قيود أو خصوصوية مرتبطة بالعمر.
قررت أن تفتح لها حساباً لمعرفة المزيد عن التطبيق، فأحست أنه "لا يبتعد عن كونه ملهى ليلياً، رقص وغناء وإيحاءات جنسية، ولا يراعي سناً معيناً".
ابنها مجد الذي لم يتجاوز الـ13 عاماً يشاهد مقطع فيديو على تطبيق "تيك توك"، لفتاة "ترتدي ملابس شبه عارية، تحرض على إقامة علاقات جنسية"
ربما هذا ما دفعها لاستخدام محرك البحث غوغل، باحثة عن أدوات حماية، والتي تعرف بأمان العائلة، تتمثل في ضبط إعدادات بيانات المستخدم الشخصية، وصفحته، إذ تكون منشوراته والتفاعل محدود للأصدقاء، مما يسهل على الأهالي تحديد طبيعة المحتوى الذي يشاهده الأبناء.
يبدو أن جدل التيك توك يأخذ حيزاً كبيراً في العالم العربي، نظراً لأن معظم المجتمع يميل للطابع الشرقي المحافظـ، إلا أن معظم الأهالي يرون أن التنافس بين مواقع تواصل الاجتماعي محموم، لدرجة أنهم يتغاضون عن المحتوى الذي يقدم.
"تنمروا على ابني"
في مدينة القاهرة، تشرح هويدا محمود (44 عاماً)، ربة منزل، أنها على وشك فقد أبنائها الذين انتقلوا من واقع حقيقي إلى افتراضي عبر تيك توك، يتشاركون فيه يومياتهم وتفاصيل حياتهم حتى مع بداية عامهم الدراسي. وبدت غبر مؤيدة لهذه الفكرة، خاصة بعد تعرض ابنها يزن (15 عاماً) للتنمر من وزنه الزائد، بينما كان يشارك متابعيه صنع طبق كشري، مما أدخله في موجة اكتئاب، وتحطمت نفسيته بشكل كبير، إلى الدرجة التي جعلته يغادر التطبيق كلياً.
"لا يمكن وضع حد أيضاً للتعليقات المسيئة عبر التطبيق"، تقول هويدا.
والتيك توك هو تطبيق يسمح لمستخدميه بصناعة فيديوهاتٍ مدتها 15 ثانية، يشاهدها العالم أجمع، قد تكون تقليداً لمشاهد من إنتاجات فنية شهيرة جداً أو على أنغام موسيقية أو ذات فكرة جديدة كلياً من ابتكار المشاركين.
وفقًا لبحث نُشر عام 2020، يقضي الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات وقتاً أطول في مشاهدة مقاطع أكثر مما يقضونه أمام التلفاز، مما يقضي على فرص تعرض الأطفال للمحتوى التعليمي على التلفزيون، بحسب الخبراء.
وفي عام 2019 غرمت الولايات المتحدة الأمريكية تيك توك بنحو 6 ملايين دولار بتهمة استخدام بيانات الأطفال.
"ليس آمناً على الأطفال"
يعلق محمد عليوة، خبير تقني ومواقع تواصل اجتماعي، في تصريح لرصيف22: "تطبيق تيك توك ليس آمناً على الأطفال بشكل عام، ومن هم دون سن الـ12 عاماً، على وجه التحديد، كذلك لمن لا يفرقون بين الصواب والخطأ، فكل مستخدم للتطبيق بإمكانه مشاهدة مقاطع الفيديو ومشاركتها أو متابعتها، العديد من الفيديوهات قد تظهر بشكل تلقائي بغض النظر عن طبيعة محتواها".
"قد يكون محتوى جنسي غير لائق أو تحدٍ مضر، فهنالك العديد من التحديات انتشرت عبر التطبيق وأودت بحياة مراهقين، مما يشكل خطراً على الطفل، قد يندفع لتقليد عارضين أو عارضات أزياء أو تعلم الشتائم والنكات، وتعلم سلوكيات سيئة".
كادت ديانا أن تفقد عينيها بسبب تحدي على تيك توك، مما جعل والديها يعيشان في ذعر دائم، وينصحانها بمغادرة التطبيق وعدم استخدامه
وأشار عليوة إلى وجود إعدادات أمان للعائلة في التطبيق، يمكن للآباء والأمهات ضبطها للحد من تلك السلبيات بشكل أو بآخر، وذلك من خلال الضغط على الإعدادات، في النقاط الثلاث أعلى يمين الشاشة، وسيعثر المستخدم على خيارات "أمان للعائلة"Family Safety Mode، وتتيح هذه الخاصية للآباء والأمهات ربط حساباتهم عبر تيك توك بحسابات أبنائهم، وسيمكنهم ذلك من مراقبة المحتوى الخاص بهم، وكذلك خيار إدراة وقت الشاشة "Screen Time Management"، إذ تساعدهم هذه الخاصية على التحكم في الوقت الذي سيقضيه الطفل وفق الحد المسموح له من قبل الأهل، وعبر الإعدادات يمكنهم ضبط طبيعة الرسائل التي يمكن أن يتلقاها، إضافة لتحديد فئة الجمهور المستهدف من عام إلى خاص.
كذلك يمكن ضبط من يسمح له بالتعليق أو مشاركة الفيديوهات أو التفاعل وإرسال الرسائل وغيرها مما يجعله محصوراً ضمن الفئة المستهدفة التي يريدها الأهالي.
ويشير خبير السوشال ميديا عليوة إلى وجود بعض المحتويات المنشورة عبر تيك توك لها فوائد، والتي ظهرت مؤخراً، لا سيما بعد انتشار كورونا، فهنالك محتويات تعليمية، وصحية، وثقافية، وإرشادية.
تحدي العين
ديانا جلال (14 عاماً) سورية تقيم في ألمانيا، هي الأخرى وجدت في تيك توك وسيلة مغرية للتفاعل مع الآخرين، وجدت فيه متنفساً لها يجعلها تتقاسم يومياتها مع أصدقاء عرب، بعد أن انتقلت للعيش مع عائلتها بسبب أوضاع الحرب في بلدها منذ سنوات.
رغم تعلق ديانا بالتطبيق إلا أن والديها لا يؤيدان الفكرة، لأنها تقضي وقتاً طويلاً أمام شاشة الهاتف، وتشارك تفاصيل حياتها مع الآخرين، وهي ترى أنها بفضل تيك توك كونت صداقات من بلدها وبلدان عربية آخرى، فنمط المعيشة والغربة شجعها على ذلك.
مولعة بتيك توك خاصة التحديات.
لكن ما حدث لديانا لم يكن بحسبانها، فهي مولعة بتيك توك خاصة التحديات، ومؤخراً كادت أن تفقد عينيها بسبب مشاركتها في تحدي العين، والذي يقوم على وضع كيس بلاستيكي مغلف من الجيلي، ومعقم اليدين، ووسائل التبييض، وكريم الحلاقة بجوار العين، بذريعة أن ذلك سيغير لون العين.
التحدي كاد أن يفقدها عينيها بدلاً من تغيير لونها، هذا ماجعل والديها يعيشان رعب حقيقي، فأصبحت والدتها تنصحها، وتحرضها على تركه خشية على حياتها.
وأمام رعب الأهالي وخوفهم على أبنائهم مما يرونه "مصيدة تيك توك"، مقابل تعلق الأجيال به تباعاً، هل سيتراجع التطبيق عن سياسته، ويخرج بمزيد من القيود، خاصة المرتبطة بصغار السن أم سيبقي التنافس ذريعة له؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...