شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"ابنتي أول ما نطقت قالت لاب توب"... الصوم الإلكتروني والأطفال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 6 يونيو 202104:22 م

"يا إلهي، أنت أم قاسية"، "كيف حارمة طفلتك من هالعالم"، "كيف تاركتيها بلا موبايل، يوتيوب أو لابتوب"، "ارحميها وسيبيها على راحتها".

هذه الجمل وأكثر، اعتادت على سماعها الأم الأردنية، بتول صرتاوي، مدربة مساج ويوغا معتمَدة للرضّع، حينما يعرف أحد التوجه التربوي الذي تتبعه مع ابنتيها كاميليا وسارة، وهو نظام الصوم الإلكتروني "electronic fasting".

بكاء وانهيار

كانت بتول تحدد في البداية لكاميليا ساعتين يومياً لمشاهدة اليوتيوب أو تقضية وقت على اللابتوب بشكل عام، منذ صغرها.

 اكتشفت أن حياة ابنتيها تدور حول فلك ساعتي الإنترنت المسموح لهما بها.

في بعض الأحيان كانت تزيد المدة لتصل إلى 4 أو 5 ساعات يومياً لانشغالها مع أختها الأصغر عمراً، بمرور الوقت اكتشفت أن حياة ابنتيها تدور حول فلك ساعتي الإنترنت المسموح لهما بها.

تأكل كاميليا سريعاً حتى تشاهد اليوتيوب، تنهي ألعابها بسرعة لاهثة خلف اليوتيوب. أصبحت كاميليا ملولة، انطوائية وعصبية لأبعد الحدود، لا تستمتع بشيء طوال اليوم، فلا حوار بينها وبين والدتها. تقول بتول لرصيف22: "لاحظتُ أن كاميليا وهي في عمر الست سنوات قد دخلت في طور الإدمان لهذه الإلكترونيات، واتخذتُ القرار بين يوم وليلة. جمعتُ الأجهزة الإلكترونية، لابتوب وتابلت وموبايل، كل شيء يخص التكنولوجيا، وأخفيته، أخبرتها بأنه لا يمكن القبول بالدوران في فلك اليوتيوب".

واجهت كاميليا كلام والدتها باعتراض ورفض شديدين. بكاء وانهيار ومحاولات ضغط على والدها أيضاً ليثني بتول عن قرارها، والنتيجة فشل كل محاولاتها. لم تمض أيام حتى بدأت تُخرج ألعابها القديمة وتلعب معها، تصنع عالمها الخاص من عائلتها الصغيرة بالدُمَى، تعيش خيالاً بألعابها.

"أول ما نطقت طفلتي قالت لاب توب… جمعت كل الإلكترونيات وخبأتها عنها، ومنعتها لفترة من الإنترنت"

تطور الأمر عند والدتها بتول، فباتت تتركها مع الورقة والقلم فقط في غرفتها، لتفاجأ بأنها "اخترعت ألف شيء وشيء، وكلما قلّلت الأدوات المتاحة زاد الإبداع عند الطفل بعد وقت قصير".

اتجهت كاميليا لزراعة النباتات، تدخل المطبخ لتستمع بعمل عجين بسيط وتفرح، أصبحت تهتم بالحيوانات، تحب الديناصور وتطلب من والدتها أن تطبع صوراً له.

لاحظت بتول أن ابنتها تغيرت، الحوار بينهما أصبح أهدأ، أكثر إبداعاً وأشد خلطة واجتماعية، مما دفعها لإنقاذ أختها الصغيرة.

اتبعت بتول مع سارة "أسلوب دومان"، الذي يساعد على تطوير ملكات الطفل، بعد أن كانت أولى كلماتها بعمر السنة وشهرين "لابتوب".

تابعت مع زوجها نظام تقليل استخدام الإنترنت بالنسبة لهما، تقول بتول: "حاولنا استخدام التكنولوجيا للضرورة القصوى، أصبحت بإمكاني إلغاء بعض المهام الإلكترونية المطلوبة لعملي لتقليص عدد الساعات على الموبايل، اكتفت عائلتنا بساعة أسبوعية أسميناها Family watch، تجتمع فيها أسرتنا لمشاهدة فيلم عائلي".

"ترقيق قشرة الدماغ"

لم تكن بتول مبتكرة هذا التوجه، تقول عن تجربتها: "لقد أجريت دراسات علمية لتعزيز هذا التوجه التربوي للصوم الإلكتروني للأطفال، وشرح خطورة وتأثير الشاشة على دماغ الطفل من كافة النواحي السلوكية، عن طريق خبراء سلوك الطفل، والتنمية الذهنية لتوضيح الأثر الكبير للشاشات على بطء التطور اللغوي لدى الطفل، بطء التفكير في حال استخدام التكنولوجيا لمدة ساعتين فقط، يتفاقم الأمر في حال وصلت ساعات الاستخدام التكنولوجي للأطفال لمدة تصل لـ 6 ساعات يومياً وأكثر، تؤثر بشكل مباشر على ترقيق قشرة الدماغ، وهي الجزء المسؤول عن المنطق والإبداع في الإنسان، والمشاعر التي تميزه عن غيره من الكائنات، كما له أثر مباشر على عدم انتظام النوم لدى نسبة كبيرة من الأطفال مستخدمي الشاشات، وذلك بسبب الـ blue light المنبعث من الشاشات، وهو الضوء الأزرق الذي يمنع إفراز هرمون الميلاتونين، المسؤول عن انتظام النوم والساعة البيولوجية للطفل".

وتنهي بتول قصتها بمحاولاتها لنقل ابنتها من المدرسة الخاصة للمدرسة الحكومية، وتعلل بتول قرارها أن "وجودها ضمن منظومة التعليم الخاص يحتم عليها الجلوس أمام الشاشة فوق الـ 5 ساعات، تحت ما يسمى بـ'التعليم عن بعد'، والذي أرفضه تماماً لما له من أضرار جسيمة على عقل وجسم طفلتي".

إلغاء التعليم الإلكتروني

التخوف من الآثار السلبية للتكنولوجيا دفعت البعض إلى المناداة بمنعها عن الأطفال، وعدم اعتمادها كتعليم بديل، مثل الدكتور مجدي حمزة، الخبير التربوي، يقول لرصيف22: "كنت من أشد المنادين بتطبيق التعليم الإلكتروني كبديل للتعليم المباشر بسبب ظروف جائحة كورونا التي يمر بها العالم، إلا أنني وبعد تطبيقها أناشد بإلغائها، لعدم جاهزية الطفل ولا المعلم ولا المؤسسات التعليمية لمثل هذا النوع من التعليم، كما أصبحت أضراره أكثر بكثير من نفعه".

"تجد الطفل الذي اعتاد على الجلوس على شاشة الآيباد أكثر عرضة للألعاب الموجهة على الإنترنت؛ فإنك نادراً ما تجد لعبة هادفة تنمي العقل".

ويعود الخبير التربوي المصري، كمال مغيث، إلى الوراء، حيث ذكريات طفولته التي خلت من التكنولوجيا، يقول لرصيف22: "إذا عدنا بالزمن لـ 50 سنة سأتذكر أنني حين كنت في عمر الخامسة، نلعب في الشارع أمام بيتنا، نستطيع اختراع اللعب من الصاج والطين، نلعب الغميضة، نعد الطعام بأنفسنا، ونجتمع مع رفقائنا على الطعام فيما يسمى بالغديوة والعشيوة، نلعب بالكرة الشراب، نلعب السيجا والآل وغيرها من الألعاب، يستطيع الطفل وقتها تكوين صداقات، يعرف كيف يغضب، وكيف يفرح، كيف يأخذ موقفاً وطريقة حصوله على حقه، كلها مهارات اجتماعية، قلما تجدها في طفل عمر الـ 5 سنوات الآن، تربى على التابلت والآيباد".

التكنولوجيا حق للأطفال

بالطبع لم يلق هذا التوجه التربوي المنادي بحظر التكنولوجيا على الأطفال استحساناً من الجميع، مثل فرح الأمير، أم سورية ثلاثينية، ولديها طفل 6 سنوات، تقول لرصيف22: "للأسف الشديد، الحظر وسيلة يلجأ إليها الأهل عندما يفشلون، وأسلم حل هو تنظيم الوقت، أما الحرمان القهري للطفل من التكنولوجيا شيء مضر، وفيه استغلال مباشر لسلطة الأم والأب في حرمان الطفل حق من حقوقه".

وهذا ما فعلته شيماء الصرتاوي، أم أردنية مقيمة بدولة الإمارات، تضطر لترك طفلها (عام وشهرين) وحيداً مع الآيباد والحضانة عندما تنزل إلى عملها.

"حرمان الطفل من التكنولوجيا وسيلة يلجأ إليها الأهل عندما يفشلون، وفيه استغلال مباشر لسلطة الأم والأب في منع الطفل حق من حقوقه"

انعقد لسان طفلها بمرور الوقت، وحدث تراجع في تطوره اللغوي، واختفت المهارات الاجتماعية لديه، بعدها جاءت جائحة كورونا، وكان الحجر الصحي الذي اعتبرته نعمة عليها، فقد عالجت كل مشاكل ابنها بتطبيق الصوم الإلكتروني على كل أفراد المنزل، ووطدت علاقتها بطفلها، وعادت لغة الحوار بينهما، وانفكّ لسانه.

وتحذر غزل البغدادي، ، الاستشارية التربوية، والمديرة التنفيذية لمؤسسة "علمتني كنز"، من النتيجة العكسية للصوم الإلكتروني، تقول لرصيف22: "الحقيقة أن إنهاء التكنولوجيا بشكل كامل من حياة الطفل هو خيار متطرف، وقاعدة كل ممنوع مرغوب حقيقية جداً، وخروج الطفل للعالم الخارجي، وهو ممنوع من تناول الشوكولا مثلاً ببيته، يجعله دائماً مشتهي الشوكولا، ويبحث عنها وكأنها شيء نادر الحدوث".

"والانفتاح على استخدام التكنولوجيا للطفل دون حدود، هو أيضاً خطأ، التكنولوجيا جزء من الحياة كالطعام والشراب، ويتم حالياً بالمدارس الحديثة استبدال الدفتر بالآيباد".

وترى غزل البغدادي في النهاية أن "خير الأمور الوسط، والتوازن سيد التربية"، فيما يتعلق بالصوم الإلكتروني.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard