نتحقق من الملصقات الموجودة على المنتجات بين الحين والآخر، ونقوم برمي أي غرض انتهت مدة صلاحيته منذ شهر أو أسبوع أو حتى بضعة أيام.
واللافت أن هذه العادة باتت متأصلة في معظمنا لدرجة أنه عندما نفكر في تناول الطعام الذي انتهت مدة صلاحيته نشعر بالغثيان ونخشى من التسمم الغذائي.
لكن التخلّص من الطعام بناء على تاريخ الملصقات ليس سلوكاً صحيحاً، وما تكشفه الدراسات والإحصاءات مخيف لناحية حجم الهدر: تذهب 40% من المواد الغذائية المنتجة في الولايات المتحدة الأميركية إلى سلة المهملات، أو يتم إهدارها بطريقة أخرى، كما كشفت دراسة صادرة في العام 2013 أنه في كل عام ترمي الأسرة الأميركية في المتوسط ما بين 1365 دولار و2275 دولار كطعام في النفايات، ما يعني خسارة اقتصادية ضخمة لأصحاب المواد الغذائية وتجار التجزئة، الذين يضطرون في الكثير من الأحيان للتخلص من المنتجات ذات الأشكال الغريبة أو المواد الغذائية التي لم يتم بيعها.
والمفارقة أنه في نفس البلد الذي يتم فيه هدر الكثير من الطعام، يعاني حوالي 42 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي والجوع، ومع ذلك غالباً ما يكون من الصعب التبرّع بالأطعمة التي تجاوزت تاريخ الصلاحية لبنوك الطعام، بسبب الإجراءات الصارمة.
إليكم/نّ حيلة الطعام "منتهي الصلاحية" والحقيقة الكارثية لمشكلة إهدار الطعام.
تواريخ عشوائية؟
نلاحظ وجود التواريخ على العديد من الأطعمة القابلة للتلف، مثل اللحوم والدواجن والبيض ومنتجات الألبان، ولكن هذه التواريخ لا تتعلق عادة بسلامة الغذاء.
فبحسب خدمة سلامة الأغذية والتفتيش التابعة لوزارة الزراعة الأميركية، يضع المصنّعون التواريخ "الأفضل إذا تم استخدامها قبل" على منتجاتهم، للسماح لمتاجر البيع بالتجزئة والمستهلكين/ات بمعرفة المدة التي يُتوقع أن تحافظ فيها منتجاتهم على أفضل مذاق وقوام.
وجد الباحثون أن تواريخ "انتهاء الصلاحية" والتي نادراً ما تتوافق مع انتهاء صلاحية الطعام أو فساده، هي في الغالب عشوائية ومربكة، حتى ولو كان يتم وضعها عن حسن نية
هذه التواريخ ليست مطلوبة بموجب القانون الفيدرالي (على الرغم من أن بعض الولايات تطلبها) ولا تشير بالضرورة إلى سلامة المنتج (باستثناء حليب الأطفال)، بل تكون المنتجات آمنة للاستهلاك بعد تاريخ انتهاء صلاحيتها، بالطبع إذا تم التعامل معها وتخزينها بشكل صحيح.
وبالتالي، وجد الباحثون أن تواريخ "انتهاء الصلاحية" والتي نادراً ما تتوافق مع انتهاء صلاحية الطعام أو فساده، هي في الغالب عشوائية ومربكة، حتى ولو كان يتم وضعها عن حسن نية.
بعبارة أخرى، فهذه ليست تواريخ انتهاء الصلاحية على الإطلاق، وسوء فهم الجمهور الأوسع هو مساهم رئيسي في كل عامل من العوامل التي ذكرناها أعلاه: الطعام المهدور، الإيرادات المهدورة، دخل الأسرة المهدور وانعدام الأمن الغذائي.
غير أن التخلص من الطعام بناء على ملصق تواريخ انتهاء الصلاحية هي مسألة شائعة ومنتشرة بشكل كبير.
في هذا الصدد، شرحت الصحافية ومؤلفة كتابAn Everlasting Meal: Cooking with Economy and Grace، تامالا ادلير، أنه "في ظل غياب معلومات الطهي، يفترض الناس أن أي معلومات يتم تقديمها لهم يجب أن تكون من أهم المعلومات".
وأضافت ادلير: "جزء كبير من المشكلة هو أن معظمنا لا يعتقد حقاً أننا قادرون على تحديد ما إذا كان الطعام مفيداً لنا... من الصعب حقاً أن تتخيل أنه من المفترض أن نثق في أنفنا وفمنا، بالإضافة إلى ثقافة الراحة والرأسمالية الجشعة".
حقيقة الملصقات
في سياق دراسة استقصائية، قام باحثون من مركز جونز هوبكنز باستطلاع آراء أكثر من 1000 شخص بالغ، لاكتشاف شعور المستهلكين/ات تجاه ملصقات مواعيد الطعام، وما إذا كانت هذه المعلومات تؤثر فعلياً على قراراتهم/نّ عندما يتعلق الأمر بشراء الطعام وتناوله.
وقد تبيّن أن 84% من الأشخاص يتخلصون من الطعام الذي يقترب من تاريخ انتهاء صلاحيته "على الأقل من حين لآخر"، بينما كشف 37% ممن شملهم الاستطلاع أنهم "دائماً" أو "عادةً" يرمون الطعام عندما توشك صلاحيته على الانتهاء.
ومن المثير للاهتمام أنه، من خلال الاستطلاع، اتضح أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، يعتمدون بشكل خاص على ملصقات مواعيد الطعام، لمساعدتهم على معرفة متى يرمون المنتج، وذلك مقارنة بالأفراد الأكبر سناً.
في مقالها الذي نشر على موقع فوكس، كشفت اليسون ويلينكسون أن هناك حقيقتين حيويتين يجب معرفتهما حول ملصقات التواريخ على الأطعمة: إنها ليست موحدة ولا علاقة لها بسلامة الغذاء تقريباً.
بدأت ملصقات التاريخ في الظهور لأول مرة في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، حيث ابتعد المستهلكون الأميركيون بشكل متزايد عن التسوّق في متاجر البقالة الصغيرة والمزارع واتجهوا نحو السوبرماركت وذلك لتوفّر العديد من الخيارات.
والمفارقة أنه في البداية، قام المصنعون بطباعة رمز التاريخ على العلب والعبوات لصالح أصحاب المحلات، كدليل إرشادي حول موعد تدوير مخزونهم، ولم يتم تصميم الملصق للمستهلكين/ات، ولكن نظراً لرغبة المتسوقين/ات في شراء الطعام الطازج على الرفوف، بدأ بعض الأشخاص في نشر كتيبات تقدم دليلاً لفك رموز الملصقات.
وقد لاحظ المنتجون أن الزبائن يريدون بالفعل معرفة تلك التواريخ، فقاموا بتضمين تواريخ صلاحية أكثر وضوحاً للقراءة، مع الشهر واليوم والسنة، وسرعان ما أدركوا أن هذه الوسيلة تساعد على جذب المستهلكين/ات من خلال الإشارة إلى أن الطعام كان طازجاً.
وأوضحت اليسون أنه، وبينما بذلت الحكومة الفيدرالية بعض المحاولات التي بدأت في السبعينيات لسنّ تشريعات من شأنها توحيد ما تعنيه هذه العلامات في جميع أنحاء البلاد، إلا أنها فشلت. (الاستثناء هو حليب الأطفال، حيث توجد مبادئ توجيهية فيدرالية صارمة)، مشيرة إلى أن التناقضات بين الدول يمكن أن تكون مكلفة بالنسبة للمصنّعين الذين يتعيّن عليهم ابتكار طرق لإنتاج ملصقات متعددة لمناطق متعددة. ولكن ذلك محيّر أيضاً للمستهلكين/ات، بخاصة وأن التسميات غير متسقة، وما يشير إليه الملصق في الواقع يختلف من منتج لآخر: قد يكون هناك ملصق "التاريخ الأفضل للاستهلاك" على أحد المنتجات، وملصق "يفضل استخدامه قبل" على منتج آخر، وهي معان مختلفة، لكن المستهلك العادي قد لا يدرك ذلك على الفور وقد لا يلاحظ وجود اختلاف.
وأشارت الكاتبة إلى أن معظم الأطعمة المعلبة تبقى صالحة لأسابيع أو حتى لشهور بعد تاريخ انتهاء مدة الصلاحية، كما أن البضائع المعلبة والمجمدة تدوم لسنوات، ولكن الاستثناء الكبير هو اللحوم الباردة والتي لن يتم إعادة تسخينها قبل استهلاكها، ويمكن أن تلتقط الليستيريا في عملية الإنتاج: "هذا هو الاستثناء وليس القاعدة"، كاشفة أن الكثير من الأفراد يكتفون بمجرد إلقاء نظرة على ما تقوله الملصقات، ويقومون بالتخلص من الأطعمة التي انتهت تاريخ صلاحيتها من دون التحقق منها.
هل الملصقات هي جزء من عملية احتيال؟
عندما أدركت اليسون ويلينكسون لأول مرة أن تصنيف التاريخ لم يكن مرتبطاً بشكل مباشر بمعايير السلامة المدعومة علمياً ولكن بمعايير أكثر ذاتية، تساءلت عمّا إذا كانت هذه الملصقات ضرباً من ضروب الاحتيال: "لا يستفيد العملاء من التخلص من الأطعمة، البقالون يخسرون المال، يفقد المزارعون مصادر الدخل المحتملة. الأشخاص الوحيدون الذين يمكن أن يستفيدوا هم المنتجون، ويمكنني أن أتخيل مصنعاً عديم الضمير يقصر التاريخ على طعامه حتى يتنهد الناس، ويتخلصوا من عبوة نصف مأكولة יمنتهية الصلاحيةי، ويذهبوا لشراء المزيد".
يبدو أننا بحاجة إلى الاقتراب أكثر من الطعام من خلال جميع حواسنا واعتباره أكثر من مجرد منتج استهلاكي، وذلك بغية الحكم عمّا اذا كان لا يزال صالحاً للاستهلاك أو ما اذا كان من الأفضل رميه في سلّة المهملات
من جهتها، قالت إميلي برود ليب، مديرة عيادة القانون وسياسة الغذاء في كلية الحقوق في جامعة هارفارد، إن المصنّعين يبررون وضع التواريخ بأنهم يريدون من الزبائن أن يأكلوا المنتجات عندما يكون مذاقها الأفضل على الإطلاق.
وأوضحت ليب أن الطرق التي يتم من خلالها تحديد التواريخ تختلف وفق كل شركة، ولكن الأهم من ذلك، أن تاريخ الاستهلاك لا يتوافق أبداً مع سلامة الطعام، "بل هي مجرد وسيلة لحماية العلامة التجارية"، على حدّ قولها.
تغيير طريقة التفكير
لعلّ أفضل شيء يمكننا القيام به هو محاولة تثقيف أنفسنا وتغيير الطريقة التي نتسوّق بها لشراء الطعام.
وبحسب إميلي برود ليب، هناك 3 عناصر للتغلب على هدر الطعام: اعتماد ملصقات موحدة تشير إما لتحديد تاريخ الطزاجة أو تاريخ السلامة، برنامج للصحة العامة لتثقيف الناس حول ما هو آمن للأكل، وتغيير الطريقة التي نسمح بها بالتبرع بالطعام وتوزيعه من خلال بنوك الطعام وغيرها من الوسائل. هذا يتطلب تحولاً في طريقة تفكيرنا: "إذا اعترف الجميع بأن هذه الأطعمة جيّدة لتناولها، وأن الجميع يأكلها، فلن يكون الأمر مثل יالطعام القديم هو فقط للأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الطعامי... لا، يجب علينا جميعاً أن نأكل ذلك".
هذا يعني أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية تفاعلنا مع الطعام. نحتاج أن نبدأ في الوثوق بحواسنا لإخبارنا ما إذا كان الطعام صالحاً للأكل.
من هنا، دعت تامالا ادلير الجميع إلى استخدام الأعضاء الحسية: "لدينا هذه الأعضاء حتى نتمكن من معرفة ما إذا كانت الأطعمة ستقتلنا، لذلك يمكننا التأكد من أننا لن نسمم أنفسنا ونموت"، وتابعت بالقول: "الشعور باستجابة جسمنا مطمئن للغاية".
إذن، يبدو أننا بحاجة إلى الاقتراب أكثر من الطعام من خلال جميع حواسنا واعتباره أكثر من مجرد منتج استهلاكي، وذلك بغية الحكم عمّا اذا كان لا يزال صالحاً للاستهلاك أو ما اذا كان من الأفضل رميه في سلّة المهملات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.