متأثراً بإصابته بفيروس كورونا المستجد، قضى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، الاثنين 18 تشرين الأول/ أكتوبر، عن 84 عاماً، وفق ما أعلنت أسرته.
كان باول أول أمريكي من أصل أفريقي يتولى وزارة الخارجية الأمريكية. وكانت فترة ولايته مؤثرة للغاية من ناحية الدور الأمريكي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كان باول رئيساً لهيئة الأركان الأمريكية المشتركة بين عامي 1989 و1993 أي أنه قاد القوات الأمريكية خلال حرب الخليج عام 1991 لتحرير الكويت من العراق، وذلك في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب. لاحقاً، تولى حقيبة وزارة الخارجية في عهد جورج بوش الابن، بين عامي 2001 و2005، وهو ما جعله يلعب دوراً محورياً في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
هذا، علماً أن تاريخ الرجل منذ التحاقه بالجيش الأمريكي عام 1958 كان حافلاً بالحروب المثيرة للجدل إذ شارك في ستينيات القرن الماضي في حرب فيتنام. وخلال رئاسته لهيئة الأركان المشتركة، حدث الغزو الأمريكي لبنما وبدأ التدخل الأمريكي في الصومال أيضاً.
التبرير لغزو العراق
قبيل الغزو الأمريكي للعراق، صعد نجم باول الذي دافع بحماس عن مزاعم الاستخبارات الأمريكية وأدلتها المزعومة حول امتلاك العراق لأسلحة نووية.
في شباط/ فبراير عام 2003، قال في خطابه الشهير أمام الأمم المتحدة إن صدام حسين يملك أسلحة بيولوجية ويطوّر أسلحة نووية، متذرعاً بما وصفها "أدلة " من "عراقيين منشقين" لم يسمهم، متهماً البلد الغني بالنفط بـ"تضليل" المفتشين الدوليين وإخفاء أثر هذه الأسلحة المزعومة.
وصف تبريره غزو العراق بـ"وصمة عار في مسيرتي"... رحيل أول وزير خارجية أمريكي من أصل أفريقي، كولن باول، الذي قاد حربين على العراق وكان "من أهم أسباب ما وصل له اليوم"
حتى في فترة ما بعد الحرب ظل مقدراً كـ"بطل قومي" في أمريكا في ظل "المكاسب" التي كان يُحتفى بها للحرب.
ويقول مراقبون ومحللون إن باول لم يكن مع خيار استخدام القوة العسكرية الأمريكية عادةً، وهم يعتبرون أن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 غيّرت اعتقاداته. قال باول أيضاً إنه حذّر الرئيس بوش من غزو العراق لكنه دعمه حين أصر على المضي قدماً.
حين انتهت الحرب على العراق دون عثور المفتشين على أي أثر للأسلحة المزعومة، وثبت كذب الادعاءات والمعلومات الاستخبارية الأمريكية، وتبين أن الهدف كان إسقاط نظام صدام حسين وتغيير النظام في واحدة من أغنى دول العالم بالنفط، وأن التذرع بالأسلحة النووية كان فقط لكسب شرعية ودعم الأمم المتحدة والأسرة الدولية، وصف باول تبريراته قبل الغزو بأنها "وصمة عار في مسيرتي السياسية".
في مقابلة مع قناة ABC التلفزيونية الأمريكية عام 2005، بعد تقديم استقالته، اعتبر باول أن دفاعه عن تقرير بلاده حول عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة أمام الأمم المتحدة كان "مؤلماً له"، مضيفاً أنه كان عليه -كوزير خارجية- حشد التأييد للحرب على العراق "مكرهاً".
وتابع: "كان هناك أناس في المخابرات (الأمريكية) حينها يعرفون أن بعض مصادر المعلومات ليست موثوقة، لكنهم لم يقولوا شيئاً. لقد دمرني ذلك".
أقر باول مراراً بأنه "أثّر" على الرأي العام الأمريكي والعالمي في ما خصّ غزو العراق ولم يتوان عن تقديم الاعتذار معترفاً بأن الحرب خلّفت آثاراً جسيمة.
"تحجيم" قناة الجزيرة
علاوة على الحربين ضد العراق، لعب باول دوراً مهماً في الضغوط الأمريكية لـ"تحجيم" قناة الجزيرة القطرية، على النقيض تماماً من مبادئ الحرية التي تتبناها الولايات المتحدة علناً، سيّما حرية الإعلام والتعبير.
في تقرير أستاذ العلوم السياسية الأمريكي والسفير الأسبق في الإمارات، ويليام أ. روغ، لمركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط عام 2008، ورد أنه "بينما تتبنى إدارة بوش بصخب قضية حرية الشرق الأوسط، فقد أبدت قلقاً كبيراً من محطة ‘الجزيرة‘ التلفزيونية القطرية، أكثر المحطات حرية في المنطقة".
يقول مراقبون ومحللون إن كولن باول لم يكن مع خيار استخدام القوة العسكرية الأمريكية عادةً، وهم يعتبرون أن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 غيّرت اعتقاداته
أوضح روغ أن واشنطن لم تبدأ في الاهتمام بما تقدمه القناة إلا عقب هجمات سبتمبر، عندما أذاعت "الجزيرة" بيانات صادرة عن أسامة بن لادن، وأعادت شبكات تجارية أمريكية إذاعتها.
في هذه الأثناء اشتكى باول، في تشرين الأول/ أكتوبر 2001، وفق التقرير أيضاً، لحاكم قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، من أن المحطة تساعد بن لادن بإذاعة رسائله "غير مصحوبة بأي انتقاد".
وأشار في تقريره إلى أن الشيخ حمد لم يخضع للضغط الأمريكي، نظراً للدور الذي قدمته القناة بوضع قطر على الخريطة الإقليمية، ولرفض المحطة قبلها شكاوى من تغطيتها الجريئة من حكومات عربية عديدة منذ انطلاقها.
لم تتوقف ضغوط إدارة بوش الممثلة في باول من أجل توجيه/ تحجيم تغطية "الجزيرة" بل زادت التوترات بشأنها بعد الغزو الأمريكي للعراق، وتكررت شكوى واشنطن للدوحة، وفق المصدر نفسه الذي أفاد بأن باول أبلغ نظيره القطري في نيسان/ أبريل عام 2004 بأن "الجزيرة تحرّض المشاهدين العرب على العنف ضد القوات الأمريكية" وأن "تغطيتها الإخبارية تسيء إلى العلاقات الطيبة بين الولايات المتحدة وقطر".
تجدر الإشارة إلى أن باول كان جمهورياً لكن براغماتياً أيضاً حيث جاهر بدعمه المرشح الأمريكي لرئاسة الولايات المتحدة عام 2008 باراك أوباما، كأول مسؤول جمهوري بارز يقدم على خطوة مماثلة.
مرة أخرى عاد وأعلن تأييده المرشحة الديمقراطية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2016 هيلاري كلينتون ضد المرشح الجمهوري دونالد ترامب. وهو ما فعله أيضاً عام 2020، حين صوّت لصالح المرشح الديمقراطي والرئيس الحالي جو بايدن.
ويعتقد محللون أن الرجل بات بعيداً بشكل متزايد عن حزبه الجمهوري بعدما خاب أمله من انجرافه إلى اليمين.
وعقب تداول خبر وفاته، أكد عدد كبير من المغردين العرب أنهم لم ينسوا لباول كونه "صاحب خطاب الأكاذيب" و"المرافعة الكاذبة" التي تبرر غزو العراق عام 2003 و"مروّج كذبة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل". واعتبر الصحافي العراقي أن باول "كان من أهم أسباب ما وصل له #العراق اليوم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين