توفي عالم الذرة الباكستاني عبد القدير خان، الأحد 10 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد تدهور حالته الصحية منذ إصابته بفيروس كورونا في آب/ أغسطس الماضي. والراحل هو أبو البرنامج النووي الباكستاني، وأول من نقل التكنولوجيا النووية إلى العالم الإسلامي، ما جعله "بطلاً قومياً" مقدّراً في بلاده والعالم الإسلامي أجمع.
غير أن الفصل الأكثر إثارة في سيرة خان هو تنقّله بين كراتشي وهولندا ،حيث تمكّن من تعلّم التكنولوجيا النووية والعودة إلى إسلام آباد.
وقالت قناة بي تي في الباكستانية الحكومية إن خان نُقل إلى المستشفى وهو يعاني من مشاكل في الرئة بعد إصابته بفيروس كورونا قبل نحو شهرين، ثم تحسّنت حالته وعاد إلى المنزل قبل أن تتدهور صحته مرة أخرى قبل ساعات.
من جهته، قال وزير الداخلية الباكستاني راشد أحمد، عبر تويتر، إنه تمت الدعوة لعقد اجتماع عاجل لوضع اللمسات الأخيرة على ترتيبات مراسم "الجنازة العسكرية" التي يتوقع أن تشهد حضور آلاف الباكستانيين الذين يريدون إلقاء نظرة الوداع عليه.
في حين قال الرئيس الباكستاني عارف علوي إنه "شعر بحزن عميق عندما علم بوفاة الدكتور عبد القدير خان"، الذي كان يعرفه شخصياً منذ عام 1982. وأضاف "لقد ساعدنا في تطوير رادع نووي حيوي لبقاء الأمة، والبلاد لن تنسى أبداً خدماته".
وتعتبر باكستان خان بطلاً قومياً لأنه جعل إسلام آباد، في أيار/مايو عام 1998، أول قوة نووية إسلامية في العالم، لكن الغرب يعتبره شخصاً خطيراً، ويحمله المسؤولية وصول التكنولوجيا النووية إلى "دول مارقة" مثل إيران وليبيا وكوريا الشمالية.
حدثان غيّرا حياته
ما لا يعرفه كثر أن خان هندي الأصل، ونشأ في مدينة بوبال (وسط الهند). لكن بعد الانسحاب البريطاني وحدوث موجة من العنف، فرَّ الهندوس والسيخ إلى الهند، والمسلمون إلى باكستان، بحسب تقرير أصدره مركز كارنييغي الأمريكي.
يُعدّ "بطلاً قومياً" لأنه جعل باكستان أول قوة نووية إسلامية في العالم عام 1998، لكن الغرب يعتبره شخصاً خطيراً، ويحمله المسؤولية وصول التكنولوجيا النووية إلى "دول مارقة" مثل إيران وليبيا وكوريا الشمالية… سيرة عبد القدير خان
بعد التخرج من الثانوية، ترك خان الهند شاعراً بالنفور من البلاد التي تعامله على أنه مواطن من الدرجة الثانية. روى في إحدى المقابلات أنه "لم يكن هناك مستقبل للمسلمين في بوبال… نصحني إخوتي بالمجيء إلى كراتشي. والدي، بعد تقييم الأوضاع في بوبال، سمح لي بالسفر".
كان خان الابن الأصغر من بين سبعة أبناء، ووالده مدير مدرسة ثانوية في بوبال، وشغل من قبل دوراً كبيراً في التعليم الوطني. أثّر ذلك في شخصية خان وجعله مغرماً بحب إظهار الناس الاحترام والتقدير له، وجعله لا يقبل الإهانة.
أضاف خان: "كلما ذهبت إلى السوق مع والدي، كنت أرى الناس من جميع مناحي الحياة، أصحاب المتاجر، المعلمون، الأطباء وما إلى ذلك، يقفون كعلامة احترام لوالدي، اعتادوا أن يطلبوا منه البقاء معهم لبضع دقائق وتناول كوب من الشاي. كان عمري حوالي سبع سنوات في ذلك الوقت، وترك ذلك انطباعاً دائماً وعميقاً في ذهني".
بعد فترة وجيزة من إنهاء دراسته الجامعية في كراتشي، انتقل خان إلى أوروبا لإكمال تعليمه. تزوج فتاة محلية، حصل على الدكتوراه في الهندسة وتخصص في علم المعادن.
حصل خان على درجة الماجستير من جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، وعاد إلى باكستان، حيث تقدم بطلب للحصول على وظيفة في مصنع صلب جديد، لكن لم يتلق أي عرض عمل وعاد إلى أوروبا.
آنذاك، أخذ منعطفاً غير حياته، عندما حصل على منصب في شركة FDO الهولندية التي طورت أجهزة طرد مركزي تعمل بالغاز لشركة "URENCO"، وهو اتحاد أوروبي يوفر الوقود لمفاعلات الطاقة النووية.
في وقت لاحق، وقع حدثان حفزاه على العودة إلى باكستان، كلاهما يتعلق بما اعتبره "إهانة". الأول، حين وقعت حرب عام 1971 وانتهت بغزو الهند السريع لباكستان الشرقية، والتي أصبحت في ما بعد بنغلاديش.
قال خان عن ذلك: "كنت في بلجيكا في 1971 عندما استسلم الجيش الباكستاني في ذلك الوقت وواجه أقصى قدر من الإذلال".
أما الحدث الثاني، فهو تجربة الهند النووية في عام 1974. في هذا الوقت كان خان يعمل مع FDO، فكتب إلى رئيس الوزراء الباكستاني حينذاك، ذو الفقار علي بوتو، شرح تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم وعرض تقديم خدماته لبلاده.
أعجب رئيس الوزراء بحماس خان، وأرسل له طالباً الاجتماع به. في أواخر ذلك العام، أحضر خان زوجته وبناته في زيارة إلى باكستان، حيث التقى ببوتو وتعرّف على البرنامج النووي الباكستاني الوليد.
بعد مرور عام، دون إبلاغ أي شخص في FDO مسبقاً، قام بنقل الأسرة بشكل دائم إلى باكستان. وتزعم إحدى الروايات التي رواها مركز كارنيغي أنه وصل باكستان ومعه ثلاث حقائب مليئة بالأوراق. قال زميل سابق له في FDO، إن خان كان يرسل بالفعل معلومات تصميم أجهزة الطرد المركزي إلى الدبلوماسيين الباكستانيين في هولندا.
عام 1976، أقنع خان بوتو بمنحه سيطرة حصرية على برنامج تخصيب اليورانيوم الناشئ في باكستان، وشرع في بناء منشأة تخصيب يورانيوم بالاعتماد في الغالب على علاقاته الأوروبية. بحلول مطلع عام 1983، كان قد أنتج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع أسلحة نووية، بحسب ما أقر به خان نفسه.
خَلُصَ محققون باكستانيون إلى أن خان كان "فاسداً"، بعد أن وجدوا أن عالم الذرة كان يمتلك عدة منازل باهظة الثمن، وثمانية ملايين دولار في حسابات مصرفية موزعة بين باكستان ودبي وسويسرا
المال مقابل التكنولوجيا؟
اتُهم خان ببيع التكنولوجيا النووية إلى كوريا الشمالية وإيران وليبيا وزبون رابع غير معروف يرجّح أن يكون سوريا أو مصر أو السعودية. وتعرض لملاحقة غربية على خلفية هذه الاتهامات.
اعترف خان في خطاب بثه التلفزيون الوطني الباكستاني بأنه باع التكنولوجيا النووية إلى الدول الثلاث سالفة الذكر، وأصدر الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف عفواً عن خان، لكنه ظل قيد الإقامة الجبرية لسنوات في منزله الفخم في إسلام أباد. واتهم في ما بعد جنرالات الجيش بدفعه نحو بيع التكنولوجيا إلى الدول الثلاث ورَفَضَ إلقاء اللوم عليه فقط.
وأنهت محكمة باكستانية إقامته الجبرية في شباط/ فبراير عام 2009، لكن تحرّكاته ظلت تخضع لحراسة مشددة، وكانت ترافقه السلطات في كل مرة يغادر فيها منزله.
برغم اعتباره بطلاً قومياً، خَلُصَ محققون باكستانيون إلى أن خان كان "فاسداً"، بعد أن وجدوا أن عالم الذرة كان يمتلك عدة منازل باهظة الثمن، وثمانية ملايين دولار في حسابات مصرفية موزعة بين باكستان ودبي وسويسرا.
وتعد أبرز قضية تورط فيها خان هي بيع التكنولوجيا النووية إلى ليبيا، والتي تم كشفها عندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، أن الزعيم الليبي معمر القذافي قرّر "الكشف عن جميع برامج أسلحة الدمار الشامل في بلاده وتفكيكها". وعثرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في طرابلس على أجهزة طرد مركزي مصدرها خان وموردين تابعين له.
ويذكر تقرير كارنيغي أنه في عام 1997 وافق خان على تزويد ليبيا بمنشأة تخصيب كاملة من الولايات المتحدة، من الألف إلى الياء. كانت المنشأة تضم 10000 جهاز طرد مركزي جديد تماماً، على غرار الجيل الثاني من الطرادات في باكستان المسمى P-2، وكان يتم تصنيعها أو تجميعها في ماليزيا ومن ثمّ تُهرّب إلى ليبيا عبر دبي.
في نهاية المطاف، تمكنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تعقب جميع مكونات ومواد الطرد المركزي التي نقلها إلى ليبيا وإيران وكوريا الشمالية تقريباً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين