في بقعة جغرافية تمتاز بمعالمها الزراعية المنعزلة عن المجتمع الفلسطيني بقطاع غزة، يقطن مواطنون يعيشون وفق عادات الأجداد وتقاليدهم، ترافقهم المواشي والطيور داخل المنزل وخارجه، ولم يغيرهم مرور الزمن إلا قليلاً.
هذا موجز حياة أهالي منطقة قاع القرين، شرق محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، وتمتاز بشكلها الريفي البدائي.
منزل مبني على طريقة الأجداد في قاع القرين، خاص رصيف22
سبب التسمية
يتساءل كثيرون عن سبب التسمية لمنطقة تعرفها القلة من الناس باسم قاع القرين، يجيب السكان هناك أن التسمية من "قاع الكريك"، وهي أداة يستخدمها الفلاحون أثناء الزراعة مع التربة.
وتقع قاع القرين في منطقة منخفضة عن المناطق المحيطة بها، يحاذيها من الجنوب والشمال مصنعان قديمان للفخار والأواني الفخارية، أحدهما في منطقة الفخاري، والآخر في خزاعة، وكان أصحابهما يعتمدون على الطين الصلصالي، الذي تمتاز به الأرض.
لم يستخدموا الكهرباء إلا في عام 2010، ولا الإنترنت حتى 2014، ويقول السكان أنها أكثر المناطق أماناً، وانعزالاً، فالزمن يتوقف هنا
تبلغ مساحة المنطقة نحو 1500 دونم، لا يشغل السكان منها سوى 72 دونماً، (الدونم ألف متر) وتعدّ الأكثر أماناً، لأنها ملاصقة لحدود الأراضي المحتلة التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية.
جلسة تقليدية في منزل عتيق بقاع القرين، خاص رصيف22
تمسك بالعادات والتقاليد
"ما زالت المنطقة تحافظ على معالمها القديمة التي تمتاز بها منذ الأجداد، الذين سكنوها منذ نحو 100 عام، عندما كانت البيوت من الطين"، يقول تحرير النجار (30 عاماً) لرصيف22.
ويضيف: "لاحقاً دخل المحتل الإسرائيلي واتخذ من المنطقة معسكراً مغلقاً بحكم موقعها القريب من الحدود الشرقية، وطبيعتها الجغرافية، محدثاً بذلك تغييراً وحيداً مقتصراً على طبيعة شكل بناء المنازل، حيث تعرف الناس لأول مرة على الحجارة الأسمنتية في صناعة المنازل، وبنوا بها ستة منازل ما زالت حاضرة حتى اليوم".
ويكمل: "ولم تقتصر الحياة على طبيعة المنازل الطينية بل امتزجت حياتنا بالعديد من الأدوات التراثية الفلاحية الفلسطينية، فلا استغناء عن الطاحونة، التي تعد أساس إعداد بعض المأكولات وحرش البقوليات والبذور. وهنالك العديد من الأدوات الأخرى التي تمتزج مع عراقة حياتنا من الهول الحديدي والشوبك والأواني الفخارية المصنوعة من الطين الفخاري الصلصالي، الذي تمتاز به المنطقة، وتعد مصدر طين صناعة الفخار في قطاع غزة".
يفخر الأهالي بثبات أحوالهم، حتى الشجر لا يزال يحافظ على ملامحه التي تكسو المنطقة. التي تحولت مؤخراً من أشجار الفواكه واللوزيات إلى الزيتون.
قرابة 80 عاماً، كانت قاع القرين مصدر الفواكه لغزة، وقد جعلت منها موقعها الجغرافي نقطة تمركز، ومع انقضاء عمرها الافتراضي تحولت معالمها إلى الزيتون، الذي تعد زراعته إرثاً فلسطينياً.
أكواخ تربية الحمام في قاع القرين، خاص رصيف22
سكان المنطقة
الحاج رشيد النجار (62 عاماً) يحكي لرصيف22 عن طبيعة العائلات: "تسكن منطقة قاع القرين عائلتا النجار والجبور، في 12 منزلاً، وهما أساس العائلات منذ 100 عام".
وكسائر السكان في قاع القرين، يفخر النجار بحالة العزلة التي تمتاز بها منطقته، ويقول: "كانت حياتنا وما زالت تمتاز بالعزلة عن سكان المدينة التي تبعد عنا نحو سبعة كيلومترات، وهذا ما جعلنا محافظين على استقلالية حياتنا، وعاداتنا المترسخة فينا".
"دخل المحتل الإسرائيلي قاع القرين، وأقام بها معسكراً مغلقاً... ولم يغير في المنطقة سوى في طبيعة شكل بناء المنازل، إذ تعرف الناس على الحجارة الأسمنتية، وبنوا منازلهم بها".
ويحظر على الفتاة هناك أن تتزوج من خارج العائلة، مما عزز النزعة المحافظة، ورسخ عادات الأجداد في وجدان الأبناء، بحسب النجار، دون "أفكار خارجية دخيلة على نمط حياتنا"، بحسب تعبيره.
وتحظى السيدات بالعديد من الحقوق التي تحافظ على وجودهن ضمن نطاق العائلة، فالأم هي نقطة تجمع الأبناء، وكلمتها هي السائدة في تحديد الأمور الحياتية من زواج وسكن، ويقتصر دور الآباء على تحديد قيمة المهر.
وتتولى الأم كذلك مهام المنزل، وتُناط بها تربية الحيوانات داخل المنزل، ويقتصر عمل الرجال في الحقول والأرض، يقول النجار.
معرفة التكنولوجيا
بقيت قاع القرين على حالها بلا خدمات بلدية وتيار كهربائي. يوضح تحرير: "في عام 2010 كانت المرة الأولى التي نعرف فيها بالتيار الكهربائي، ونحصل عليه، إذ كنا نستمد النور من إنارة فانوس الكاز، ومن الأدوات التي توارثناها عن الأجداد".
جرار قديم يعمل في قاع القرين، خاص رصيف22
ولا يزال السكان حتى اليوم يفضلون طعم اللحوم المملحة المخففة، ويضيف تحرير: "اعتدنا تناولها وتخزينها مملحة نتيجة انعدام التيار الكهربائي، وعدم وجود الثلاجات، بالإضافة إلى عدم اقتناء الأدوات الكهربائية. لم نعرف طبيعة التكنولوجيا والتطور الحاصل في المنطقة بشكل كامل، وحتى الجيل الحالي لا يعرف شبكات الاتصال الخلوية والإنترنت".
مقتنيات الأجداد في منزل عتيق بقاع القرين، خاص رصيف22
شكلت نهاية حرب 2014 نقطة تحول في المنطقة جراء إدخال شبكات الإنترنت إليها، على الرغم من عدم وجود طبقة متعلمة من الجيل الجديد، وغياب المدرسة إذ تبعد أقرب مدرسة عن المكان ثلاثة كيلومترات، ما يدفع الأطفال الراغبين بالتعلم إلى المضي قدماً للمدارس المجاورة، وهنا يكمن الخطر والخوف، عندما يكبرون، ويلتحقون بالجامعة، ومن ثم يعودون إلى العزلة التي درج عليها آباؤهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...