شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"خصم وحكم "... الجمع بين المناصب الحكومية أسقط وزيرة مغربية ويثير الجدل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 18 أكتوبر 202103:59 م

بعد أيامٍ قليلة من مشاركتها في مراسم تنصيب حكومة عزيز أخنوش في المغرب، أُعفيت الوزيرة نبيلة الرميلي من منصبها، "بطلب منها"، لتتفرّغ لمنصبها كعمدة لمدينة الدار البيضاء، كبرى مدن المغرب، من طرف العاهل المغربي.

تباينت أسباب الإعفاء، في وسائل الإعلام، بين من ذهب إلى أنها ارتكبت "خطأً" في الأيام الأولى التي تلت تعيينها، بإعفاء مسؤول كبير في وزارة الصحة من مهامّه، ومن قال إن خروجها من الحكومة جاء لإنهاء الجدل الكبير الذي أثاره جَمْعُهَا، مثل مجموعة من أعضاء الحكومة، بين منصب عمدة مدينة كبرى، ووازرة.

وتساءل السياسيّون الناشطون عن جدوى تعيين شخص في أكثر من منصب، وإن كانت الأحزاب والبلاد عاجزةً عن تقديم "بروفايلات" قادرة على تدبير الشأن العام، من دون أن تجمع بين مناصب عدة، بما في ذلك من تعويضات، وحوافز، وسلطة واسعة تترتب عنها.

لهذه الأسباب، لا يستقيم أخلاقيّاً، حسب المنتقدين، الجمع بين عمادة مدن كبرى، ورئاسة جماعات جهوية، ومناصب وزارية، فمن سيكون الخصم، ومن سيكون الحكم إذاً؟ وكيف ستستقيم نجاعة العمل السياسي، وربط المسؤولية بالمحاسبة؟

تعدّدت المناصب والمسؤول واحد؟

تختلّ التوازنات في الحكومة المغربية الجديدة، بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، وعلى رأسها الجمع بين المناصب الحكومية التي تتطلب تفرغاً وعملاً جاداً من قِبل من يتحملون مسؤولياتها، خصوصاً أنها تتعلق بقطاعات حساسة، مثل الصحة، والعمران، والعدل، ورئاسة الحكومة أيضاً.

وهذا ما حذا بالعديد من الناشطين، وأعضاء بعض الأحزاب، والفاعلين السياسيين، والغيورين على مدنهم، مثل مجموعة "أنقذوا الدار البيضاء"، لإطلاق حملات مناهضة لهذه التعيينات، وليس للأشخاص في حد ذاتهم، عبر منصات التواصل الاجتماعي، والإذاعات، وغيرها من الوسائل الإعلامية، كاشفين عن المنزلقات الخطيرة التي يمكن أن تقع فيها الحكومة الجديدة، إن هي لم تتدارك الأمر.

بعد أيام قليلة من تعيينها، أقيلت وزيرة الصحة المغربية بسبب "الجمع بين المناصب". شجرة تخفي غابة الجمع بين المناصب في المغرب

وحتى يتّضح الأمر، رئيس الحكومة المغربي الحالي عزيز أخنوش، يجمع بين رئاسة الحكومة، ورئاسة جماعة أكادير، وفاطمة الزهراء المنصوري تجمع بين وزارة السكن والتعمير وإعداد التراب الوطني، وعمادة مدينة مراكش، والشيء نفسه مع نبيلة الرميلي التي شغلت منصب وزيرة الصحة والحماية الاجتماعية، أياماً، وتركزت عليها الانتقادات لأنها جمعت بين الوزارة وعمادة العاصمة الاقتصادية في المغرب، وأكبر مدنها، وهي الدار البيضاء، وكذلك عبد اللطيف وهبي، الذي يجمع بين وزارة العدل، ورئاسة جماعة تارودانت.

وخلال الأيام الماضية، أطلق الحزب الاشتراكي الموحد المعارض في المغرب، ومجموعة من الفاعلين والناشطين السياسيين في الدار البيضاء، "هاشتاغ" يطالبون فيه عمدة المدينة ووزيرة الصحة نبيلة الرميلي، بالاستقالة من عمادة المدينة، والاحتفاظ بالوزارة فحسب، لأن مهام مدينة الدار البيضاء جسيمة، والتجارب المماثلة مع الحكومة السابقة أثبتت عدم نجاعتها، وطرحوا عليها تساؤلات عدة، أبرزها: "كيف تعتزمين إنجاز مهامك على واجهتين من أصعب ما عرف أو سمع به المغاربة؟ الدار البيضاء لوحدها تُعدّ دولة قائمة بذاتها، وتشهد عرقلة على مستويات حساسة عدة (التنقل، والنظافة، والأمن، والمساحات الخضراء، والاستغلال غير المقنن للأراضي، والتسول، والتجارة غير النظامية...)، هذا وقد عجز مَن قبلك، عن النجاح في تسييرها، من دون الارتباط بمسؤوليات إضافية. أما قطاع الصحة، فيعرف فشلاً ذريعاً، بل مميتاً، مقارنة بنظرائه في دول أخرى، وفي مغرب القرن الـ21، اليوم، كيف ستقنعين البيضاويين بأن مستقبلهم أفضل معك؟ وهل سيقبل البيضاويون دائماً بأن يتم استغلالهم هكذا علناً، لخدمة مصالح أفراد بعينهم، لا لخدمة سكان المدينة؟".

وبِلغَة المنطق والعقل، قدّم العديد من الناشطين في مجموعة "انقذوا الدار البيضاء"، التي أسستها الكاتبة المغربية منى هاشم، جملة من الملاحظات لعمدة الدار البيضاء ووزيرة الصحة، عبر حملة لا تستهدف شخص الوزيرة والعمدة، ولكنها "حركة مواطنة"، كما تقول منى هاشم على صفحة المجموعة في فيسبوك، تضع المسؤولة أمام المهام الصعبة التي ستواجهها في تدبير شؤون مدينة يبلغ تعداد سكانها عشرة ملايين نسمة، و"هو ليس تشكيكاً في قدراتها، ولا في كفاءتها، ولكن الجمع بين عمادة الدار البيضاء، ووزارة الصحة، التي تعاني من أعطاب كثيرة، سيشتت المجهودات"، كما تقول الكاتبة.

تنافٍ أخلاقي

وفي هذا الصدد، يرى الباحث والإعلامي نور الدين لشهب، في تصريح لرصيف22، أنه من الناحية القانونية، ليس هناك أي حال للتنافي، كما هو الشأن في الجمع بين عضوية البرلمان، ومنصب الوزارة، "لأن البرلماني يراقب عمل الوزير، أو حال التنافي بين المنصب البرلماني ورئيس الجهة، أو بين المنصب البرلماني ورئيس المجلس الإقليمي، بحكم أن رئاسة الجهة، أو رئاسة المجلس الإقليمي، تتطلب مجهوداً مضاعفاً في التدبير، لا يقل عن تدبير قطاع وزاري".

وبخصوص الحكومة الحالية، والجمع بين المناصب الوزارية، وتحمل المسؤوليات على صعيد مجالس المدن (البلديات)، فإن كان هناك فراغ قانوني، يوضح لشهب، فعلى "المشرّع المغربي أن يملأ هذا الفراغ، كما تم مؤخراً في استحداث حال التنافي بين المجالس الإقليمية والبرلمان. فالبرلماني لا يستطيع أن يوفّق بين رئاسة المجلس الإقليمي، ومنصبه البرلماني. لذلك، وسّع المشرّع المغربي من حال التنافي بين البرلماني، ورئاسة الجهة، أو المجالس الإقليمية"، وقد جاء القانون التنظيمي رقم 04.21 بتعديلات مهمة تمثلت بالأساس على سبيل المثال لا الحصر، في تحديد حالات التنافي في ما يتعلق بجمع العضوية بين مجلس النواب، ورئاسة مجلس الجهة، ومجلس الجماعة. في حين هناك فراغ بخصوص حال التنافي بين المنصب الوزاري، وقيادة جماعات وعموديات، ولا سيما في المدن الكبرى"

"وكأن بطون المغربيات أصابها العقم، حتى لا نجد من يدبّر شؤون المغاربة غير هؤلاء!". مغاربة غاضبون من جمع وزراء بين مسؤوليات حكومية ومسؤوليات في مجالس مدنهم

الشيء نفسه عبّر عنه الكاتب وأستاذ العلوم السياسية عبد الرحيم العلام، الذي صرّح لرصيف22، بأنه إذا كان الضرر أخف في الجمع بين البرلمان ورئاسة الجماعة، فإن الضرر أكبر حين يتم الجمع بين مسؤوليتَين تنفيذيتَين: رئيس جماعة، ورئيس حكومة، وعمدة مدينة، ووزير في قطاع حكومي.ويؤكد لشهب أن الجمع بين هذه المسؤوليات يتضمن تعارضاً منطقياً، متسائلاً: "كيف لرئيس الحكومة أن يرأس جماعة؟ فحين يكون رئيس الحكومة رئيس الجماعة، من نراقب؟ ومن نحاسب؟ ومن يحاسب من؟ رئيس الحكومة، أم رئيس الجماعة؟".

نخب "النموذج التنموي"

ويقول العلام: "أغفل القانون ظاهرياً هذا الأمر، تأثُّراً ربما بالتجربة الفرنسية. ولكن حين سيتعلق الأمر بالنزاع القانوني المترتّب عن الجمع بين تلك المسؤوليات، التي ستكون في يد واحدة، ماذا سنفعل؟ فمثلاً للمرة الأولى يمكن لرئيس الحكومة أخنوش أن يكون رئيساً لعَامِل مدينة أكادير (مسؤول وزارة الداخلية)، بصفته رئيساً للحكومة. في الوقت نفسه، يمكن له أن يفرض على العامل نفسه إدراج نقطة في جدول أعمال مجلس الجماعة (التي يرأسها أخنوش)، أو يرفض التأشير له على الميزانية. كما يمكن للوكالة الحضرية لمدينة مراكش مثلاً، أن ترفض للمجلس الجماعي -الذي ترأسه وزيرة التعمير فاطمة الزهراء المنصوري- رخص البناء التي يمنحها، غير أنه يمكن للعمدة (المنصوري)، أن تفرض على الوكالة الحضريّة قبول التصميم، أو الترخيص، لأنها هي العمدة، وفي الوقت نفسه وزيرة الإسكان، أي رئيسة مجلس إدارة الوكالة الحضرية. [مثال آخر: إذا تضرر مواطن من تصميم التهيئة، الذي تعدّه الوكالة الحضرية، بالتعاون مع المجلس الجماعي (اقتطع من أرضه أكثر من اللازم لأجل مشروع مثلاً)، فإنه يقدّم شكوى ضدّ المجلس الجماعي، أي ضد العمدة. وهذه الشكوى تُدرس في الرباط، داخل اللجنة المركزية الموجودة في وزارة التعمير والإسكان التي ترأسها الوزيرة العمدة، أي أنها في الوقت نفسه مشكوّة، وهي من ستبت في الشكوى!]. وكان يمكن لوزيرة الصحة المستقيلة، أن توقّع اتفاقية مع عمدة الدار البيضاء، وأن تسهر بنفسها على مسار تنفيذ الاتفاقية، بمعنى أنها كانت ستراقب نفسها بنفسها. وكأنه لا يوجد في المغرب غير هؤلاء الذين يجمعون بين أيديهم المسؤوليات والمناصب، وكأن بطون المغربيات أصابها العقم، حتى لا نجد من يدبر شؤون المغاربة غير هؤلاء!".

ويتساءل العلام، عن النخب التي حضَّرتها الدولة، لتنزيل النموذج التنموي الذي يقوم عليه البرنامج الحكومي على أرض الواقع، ويؤكد بأن "الأطر البشرية مشكلة حقيقية في المغرب، ما دامت النخب نفسها، هي التي يتم تدويرها في الحكومات المغربية جميعها، فالنموذج التنموي في حاجة إلى نموذج سياسي، يسمح بالانفراج في العمل السياسي، وبظهور الكفاءات والطاقات التي بإمكانها خوض غمار السياسة".

هدايا للمعارضة

ويحذّر عبد الرحيم العلام، الحكومة الحالية، من السقوط في الشرك الذي أوقع بحكومة العدالة والتنمية المغربية، وأنزل شعبيتها إلى الحضيض، مشيراً إلى أن ما قامت به الحكومة الحالية من جمع للمناصب، هو من الهدايا المقدّمة للمعارضة، والتي لم تكن تحلم بالحصول عليها، وهي في بداية العمل الحكومي، إلى جانب حضور شخصيات صدرت في حقها تقارير بالفساد، ومستشارين جماعيين لم يلجوا المدرسة قط. كما أن وضع نساء في الواجهة، بسبب المناصب الممنوحة لهن، لن يكون في صالحهن، وسيشوّش على هذا المكتسب، وسيجعل منهن "وزيرات مكروهات".

ويخلص العلام إلى أن "حكومة أخنوش، تشبه كثيراً تلك الحكومات المؤقتة التي يستعان بها في انتظار اتضاح الصورة أكثر، وربما يحتفظ هؤلاء بمناصبهم المحلية، حتى إذا فشلوا في مسؤولياتهم الحكومية، أمكنهم الادعاء بأنهم سيتفرغون للمسؤوليات المحلية، ويتركون المناصب الحكومية لغيرهم، وقد ينطبق الأمر على رئيس الحكومة نفسه".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image