قُتِل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، أبو وليد الصحراوي، في أيلول/ سبتمبر الماضي، خلال عملية للقوات الفرنسية بارخان. لكن يبدو أن خطر التنظيم الذي كان يتزعمه، ما زال يهدد الأمن القومي لدول المنطقة، ومنها المغرب. في أقل من شهر، فكّكت الاستخبارات المغربية ثلاث خلايا إرهابية موالية لتنظيم "داعش"، في إقليم الساحل الإفريقي والصحراء، في تزايد يكشف أن خطر التنظيم الإرهابي قائم في المملكة.
خطر قادم من منطقة الساحل
أعلنت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات)، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إحباط "مخطط إرهابي وشيك"، بعد تفكيك ثالث هذه الخلايا، في مدينة طنجة (شمال المغرب)، والتي كانت تستعد للقيام بعمليات تفجير عن بعد، تستهدف مقرات وشخصيات أمنية، وأماكن عامة تستقبل مواطنين مغاربة، وأجانب، حسب وكالة المغرب العربي للأنباء الحكومية.
وأشارت المديرية إلى أن "أمير الخلية الإرهابية" الذي جرى توقيفه في المداهمة الأخيرة، أجرى "اتصالات مع قياديين بارزين في تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل، وجنوب الصحراء، من أجل تمويل مشاريعه الإرهابية، وضمان إمدادات السلاح، والمعدات اللوجستية الضرورية لعمليات الخلية".
فكّكت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية عدة خلايا إرهابية تابعة لداعش في الآونة الأخيرة. تطور التنظيم في الصحراء الكبرى، أصبح يشكل خطرا للأمن القومي للبلاد، فكيف تجيب عن ذلك؟
تفكيك ثلاث خلايا تابعة لتنظيم داعش، خلال هذا الظرف الوجيز، يدلّ، حسب المحلل السياسي إدريس الكنبوري، على أن المغرب "مهدد من هذا التنظيم الإرهابي الذي يترصد خطره المملكة منذ عام 2015، إذ تم تفكيك أكثر من 78 خليةً إرهابية مرتبطة به، منذ ذلك الوقت".
ويقول الكنبوري إن استمرار التهديدات الإرهابية القادمة من الساحل الإفريقي، يمثّل تحدياً للبلاد، خصوصاً مع احتمال تورط أعضاء من جبهة بوليساريو الانفصالية، مع جماعات مسلحة في المنطقة.
مخاوف المحلل من الحركات الإسلامية، تنبع من أن تقارير استخباراتية عدة، تشير إلى أن مقاتلين نشأوا في مخيمات تندوف، قد التحقوا بالحركات المسلحة المتشددة في الصحراء الكبرى، سواء التابعة للقاعدة، أو لداعش، أو لتنظيمات محلية أخرى. ويبقى أبرزهم عدنان أبو وليد الصحراوي نفسه، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، الذي أعلنت فرنسا مقتله، في أيلول/ سبتمبر الماضي، والذي كان من أبرز المقاتلين السابقين داخل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء، ووادي الذهب (البوليساريو)، الذين انضموا إلى صفوف داعش، قبل تعيينه أميراً على ولايتها في منطقة الصحراء الكبرى.
من جهته، يشير عميد الأمن المتقاعد محمد أكضيض، إلى أن العملية التي تم التخطيط لها قبل إحباطها الأربعاء الماضي، كانت ستكون خطيرة على أمن المغرب، "نظراً لطبيعة المحجوزات التي كانت تتوفر عليها الخلية الإرهابية"، لافتاً إلى “أن هذا التخطيط يحيل إلى وجود ذئاب منفردة كانت تستعد لتنفيذ تفجيرات انتحارية". والذئاب المنفردة هم الأشخاص الذين يرتكبون أعمال عنف، إما بفعل إرادي ناتج عن دافع ذاتي، أو متفاعل بشكل وثيق مع جماعات إرهابية تتبنى معتقداتهم المتطرفة نفسها.
وراهنت هذه الخلية الإرهابية التي جرى تحييدها, في صنع المتفجرات والعبوات الناسفة، وإعدادها، حسب جهاز الاستخبارات المغربي، على التكوين التقني لأحد أعضائها. إذ قال بيان الجهاز الأمني أن "الأبحاث المنجزة كشفت أنه كان يُجري تجارب محاكاة على صناعة المتفجرات، بالاعتماد على التقنيات والتطبيقات التي توفرها مواقع معلوماتية متطرفة على شبكة الإنترنت".
الأجهزة الأمنية بالمرصاد
مام هذا الخطر، يرى أكضيض أن الأجهزة الأمنية في المغرب "يقظة تماماً لرصد أي تحرك مشبوه لعناصر تحمل فكراً متطرفاً، بالإضافة إلى توفرها على معطيات دقيقة حول الحركة على الحدود المغربية، وعبر المنافذ البحرية والبرية كلها، لتقويض أي عملية تسريب أسلحة نارية"، وهو ما جعل الخلية الإرهابية، يضيف المتحدث، "تعتمد وسائل تقليدية" في نشاطها.
وتقول وزارة الداخلية، إن إستراتيجية مكافحة الإرهاب التي تعتمدها، نجحت في تفكيك أكثر من 200 خلية، منذ الـ2003، بمعدل خلية واحدة شهرياً، عبر تدخلات أمنية انقسم على إثرها الشارع المغربي، بين مشيد بقدرات أجهزة الشرطة في بلاده، ومشكك يصف هذه التدخلات بـ"المسرحية".
بفضل الضربات الاستباقية والعمل الاستخباراتي استطاع المغرب إفشال المخططات الإرهابية لداعش، والكشف عن خلايا إرهابية أو "ذئاب منفردة". لكن هل هذا كاف؟
ويشدد الباحث المتخصص في التنظيمات المتطرفة والإرهاب، سعيد الكحل، في مقال عبر موقع الصحيفة، على أن نجاح الإستراتيجية الأمنية التي يعتمدها المغرب، يقوم على دعامتين أساسيتين؛ أولاهما "العمل الاستخباراتي الذي راكم بفضله قاعدة بيانات مهمة جداً، حول التنظيمات والعناصر الإرهابية، ومجالات أنشطتها، وخريطة تحركاتها عبر العالم"، بالإضافة إلى "الضربات الاستباقية التي تشل حركة الخلايا، وتُفشل مخططاتها".
وتتكامل هاتان الدعامتان، من خلال التنسيق المستمر بين مختلف الأجهزة الأمنية، ومن بينها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي يُعد منذ تأسيسه عام 2015، جهازاً أمنياً متخصصاً في محاربة الإرهاب، إذ أشرف على تفكيك أكثر من 82 خليةً إرهابية، حسب وكالة المغرب العربي للأنباء.
ويزيد من قدرة عمل الأجهزة الأمنية، أن جهازَي الاستخبارات الداخلية، والأمن الوطني، يقودهما شخص واحد، هو عبد اللطيف الحموشي، ما يسهّل عملية التواصل بينهما، ونقل المعلومات. هذا إلى جانب اختراق المخابرات الخارجية المغربية "لادجيد"، للعديد من التنظيمات الإرهابية عبر العالم.
"الخطر مستمر ما لم …!"
تُعدّ منطقة الصحراء الكبرى، جغرافياً، منطقة شاسعة تمتد على مسافة خمسة آلاف كيلومتر. وفي غرب إفريقيا، تغطّي مساحةً في كل من مالي، والنيجر، والجزائر، وتونس، والمغرب، وليبيا.
وتعيش معظم دول المنطقة، وضعاً سياسياً هشّاً، وأزمات تتنوع بين صراع حول السلطة، وقطيعة مع الجوار، فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان، وتنتشر فيها شبكات للجريمة المنظمة تعمل على تهريب البشر، والمخدرات، والسلاح، وتوفير وثائق هوية، وسندات سفر مزورة. كما تُعدّ منطقة خصبة بالنسبة إلى تنظيمات تهدد الأمن القومي للدول المغاربية الخمسة، من خلال توسيع نشاطاتها وعملياتها الإرهابية، ونشر أفكارها المتطرفة.
يزيد من الخطر في المنطقة، أن مساحات شاسعة غير محروسة من طرف قوات الأمن، ومن السهل الحصول على السلاح والمال فيها، عبر التجارات غير المشروعة. وقد يراكم من مشكلات المنطقة، إعلان فرنسا خفض عدد قواتها المنتشرة في منطقة الساحل الإفريقي، في إطار عملية برخان، في أيلول/ سبتمبر الماضي.
ويرى رئيس المركز المغربي للدراسات الأمنية، محمد بن عيسى، أن الخطر الإرهابي في المغرب لا زال قائماً، لاعتبارات أولها "أنه لا يمكن للمقاربة الأمنية، مهما كانت نجاعتها، أن تكون الحل الوحيد، إن لم يتم استئصال الدوافع"، وذلك عبر "الحد من المظالم، وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، واحترام كرامة الإنسان، وحقوقه، بالإضافة إلى استقرار السلم العالمي، واحترام سيادة الدول".
ويلفت بن عيسى، الباحث في قضايا الإرهاب والتطرف، إلى أنه منذ نهاية تنظيم داعش في سوريا والعراق، اتّجهت الأنظار نحو منطقة الساحل والصحراء، التي توجد حولها وداخلها "دول فاشلة، وغير قادرة على فرض سيادتها، من دون وصاية خارجية"، مشيراً إلى أنه "لا سبيل لهذه الدول أمام الخطر الإرهابي، من دون تعاون مشترك وفعال في ما بينها، مع التفاوض حول القضايا الخلافية".
ويضيف المتحدث أن "التنظيمات المتطرفة، تتغذى على فشل الدول، وانقساماتها، وصراعاتها، ومظالمها الداخلية، وتقوى بذلك في نشاطها الإرهابي".
يُذكر أن المغرب شهد في 16 أيار/ مايو 2003، تفجيرات إرهابية غير مسبوقة، في مدينة الدار البيضاء، راح ضحيتها 45 قتيلاً، بينهم 11 انتحارياً، وإصابات متفاوتة الخطورة، بسبب شظايا التفجيرات، ودمار في الأماكن المستهدفة.
وعلى إثر هذه التفجيرات، أقرّ البرلمان المغربي قانوناً لمكافحة الإرهاب، يعطي صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية، ما أسفر عن اعتقال آلاف الأشخاص الذين ينتمون في غالبيتهم إلى ما يُسمّى بتيار "السلفية الجهادية"، مع الحكم عليهم بعقوبات سجنية مختلفة تصل إلى المؤبد.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، قد نشرت تقريراً مفصلاً، عام 2010، انتقدت فيه هذا القانون، بسبب "تقليله من حقوق المشتبه بهم في قضايا يُزعم أنها متعلقة بالإرهاب، وتشديده العقوبات في الجرائم التي تصنَّف إرهابية"، منددةً بـ"الاعتقالات غير القانونية" التي تشبه الاختطاف، والاحتجاز في
أماكن سرية، بالإضافة إلى "الوضع رهن الحراسة النظرية مدة تتجاوز الـ12 يوماً"، بموجب القانون المذكور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...