شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الله خلقني لأنقذ حياة الآخرين"... عقبات تقف في وجه التبرّع بالأعضاء بعد الوفاة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 17 أكتوبر 202105:27 م
"هي فكرة تراودني منذ 30 عاماً، ألا وهي التبرّع بأعضائي بعد وفاتي، ومنح الحياة لشخص آخر يستحقها، ليس له فحسب، بل لأسرته/ ا التي ربما تعتمد عليه/ ا، بشكل كامل. لم أخشَ هذا الأمر، وحاولت أن أقنع الذين حولي كلهم، بفكرتي، لكن للأسف لم يكن من السهل أن يقتنعوا بأن للآخرين حقاً في الحياة، وقد أكون أنا، أو أنت، السبب فيها". هكذا بدأت دينا رضا، وهي سيدة خمسينية مقيمة في القاهرة، حديثها لرصيف22.

تردف رضا قائلةً: "تعلّمت من والدتي، رحمها الله، ألا ألقي لقمة أكل في القمامة، نظراً لحاجة الآخرين إليها. ومن هنا، أيقنت أن لأعضائي أهميةً بالغة يحتاجها مريض ما، بينما أنا أكون قد واجهت رباً كريماً، بعد الوفاة".

هذ القناعات، دفعت دينا لكتابة وثيقة تبرّع بأعضائها، عقب وفاتها، وتوثيقها في شهر عقاري في مصر الجديدة، لعلها تمنح الحياة لشخص آخر، ولعائلته أيضاً. لكنها تضيف أن بعض أصدقائها الذين ذهبوا إلى مكتب الشهر العقاري لتوثيق عقود تبرّعهم بأعضائهن، واجهوا رفضاً تاماً من قِبل الموظفين، وحتى مدراء المكاتب. "من الضروري التوعية بالأمر على نطاق واسع، لما سينتج عنه من تراجع عمليات الخطف والقتل، بغرض سرقة الأعضاء، خاصةً وأن الكثيرين من موظفي الشهر العقاري، لا يعلمون بقانون زراعة الأعضاء، أو بمبادرة التبرّع".

لم تتخذ الحكومة المصرية خطوات إيجابية لتفعيل قانون التبرع بالأعضاء على مدار السنوات الماضية.

"الدراما الأجنبية شجعتني"

يمتلك كيرلس نادي (29 عاماً)، وهو مهندس برمجيات مقيم في القاهرة، الرغبة نفسها. يقول لرصيف22: "شاهدت أفلاماً ومسلسلات أجنبية تتناول أهمية الأمر، لذا رغبت بتوثيق التبرّع، بعد أن ناقشته مع أصدقائي، وقد رحّبوا بالفكرة، لكن لم أخبر عائلتي بالأمر".

يردف كيرلس: "ذهبت إلى مكتب الشهر العقاري في محكمة مصر الجديدة، ووجدت أن الموظفين ليست لديهم معرفة بالأمر بشكل كافٍ، وسألوا عن سبب توجّهنا إلى مكتبهم للتوثيق. لم أتمكن حينها من التوثيق، وسأحاول مجدداً".

ويرى الشاب أن مشروع تدشين بنك، للحفاظ على أعضاء المتوفين، ومساعدة المرضى ممن يحتاجون إلى زراعة أعضاء، أمر بالغ الأهمية، مشيراً إلى ضرورة أخذ خطوات إيجابية، وتبنّي الدولة للفكرة، مع التوعية بأهميتها، خاصةً أن الجهات الحكومية ذات الصلة لم تتخذ خطوات إيجابية، سواء بتفعيل القانون، أو بتدشين بنك لحفظ الأعضاء، على مدار السنوات الماضية.

"ثمانية متبرعين فقط"

تأتي هذه الآراء، بالتزامن مع الضجة المثارة مؤخراً في مصر، حول تفعيل قانون التبرع بالأعضاء، والحراك الذي أطلقه عدد من الفنانين والمفكرين، لنشر هذه الثقافة بين المصريين، وهم ينقسمون بين مؤيد للفكرة، ورافض لها، ومتخوفٍ منها، أو ربما غير عارف بها أساساً.

"شاهدت أفلاماً ومسلسلات أجنبية تتناول أهمية الأمر، لذا رغبت بتوثيق التبرع بعد أن ناقشته مع أصدقائي. ذهبت إلى مكتب الشهر العقاري في محكمة مصر الجديدة، ووجدت بأن الموظفين ليست لديهم معرفة بالأمر بشكل كافٍ، وسألوا عن سبب توجهنا لمكتبهم للتوثيق"

لكن هذا الحراك، فعلياً، ليس الأول في مصر. فمنذ ما يقارب الثلاثة أعوام، أسس يوسف راضي، مبادرة للتبرع بالأعضاء من المتوفين حديثاً، وتقوم على نشر فكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، من خلال مجموعة على فيسبوك، نظراً إلى أهمية الأمر في إنقاذ حياة المرضى، ومواجهة تجارة الأعضاء.

ويرى راضي، في لقاء مع رصيف22، أن الحراك الأخير من الفنانين والمفكرين، شيء عظيم، ويحرّك المياه الراكدة منذ سنوات، متابعاً: "بالتأكيد يتغيّر تفكير الناس كل فترة، والسبب في تأخير تطبيق القانون خلال السنوات الماضية، يعود إلى اللجنة العليا لزراعة الأعضاء، برئاسة وزير الصحة. قد تكون لهم أعذارهم المقبولة، أو غير المقبولة، ولكن النتيجة النهائية تُعدّ تقصيراً من جانبهم".

وينص قانون زراعة الأعضاء البشرية الصادر برقم 5 لسنة 2010، وهو أول قانون من نوعه في مصر، على حظر بيع الأعضاء، وجواز نقلها، بعد ثبوت الوفاة ثبوتاً يقينياً تستحيل بعده العودة إلى الحياة. كما اشترط أن يكون التبرع صادراً عن إرادة حرة، ومثبتاً بشكل كتابي، مع عدم جواز نقل أي عضو، من جسد حي إلى آخر، إلا لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقي، أو علاجه من مرض جسيم، مع ضرورة معرفة الطرفين بطبيعة عمليات النقل والزرع، ومخاطرها المحتملة على المديَين، القريب والبعيد، والحصول على موافقتهما.

لكن القانون بقي حبيس الأدراج، منذ صدوره، ولم يرَ المصريون تطبيقه فعلياً على أرض الواقع. وحسب معلومات حصل عليها رصيف22، فإن زراعة القرنيات في مصر اليوم، مثلاً، تعتمد على القرنيات المستوردة، وليس على تلك المتبرَّع بها من المصريين، على الرغم من أن القانون أتاح إنشاء بنوك لحفظ قرنيات العيون، ويمكن الحصول عليها من المتبرعين، أو قتلى الحوادث، "إلا أن القانون لم يطبَّق بعد فعلياً"، كما يشير مصدر في أحد مشافي العيون المصرية فضّل عدم ذكر اسمه. وتوجد في مصر ثلاثة بنوك للعيون، الأول في كلية الطب في جامعة القاهرة، والثاني في جامعة عين شمس، وقد توقف عن العمل منذ عام 1996، والثالث في المركز القومي للعيون، وأيضاً توقف عن العمل عام 2011.

دار الإفتاء المصرية أجازت الأمر وفق شروط، تتمثل في تحقيق مصلحة المرضى وعدم وجود وسائل أخرى للعلاج.

وتواجه مبادرة راضي، عقبات عدة، منها عدم اقتناع كثيرين بالدعوة لقبول التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وعدم اتخاذ الدولة من جانبها خطوات إيجابية في ملف زراعة الأعضاء من متوفين حديثاً، كذلك فإن الراغبين بالتبرع تواجههم مشكلة التوثيق في البنوك العقارية. "عدد الأفراد الذين وثّقوا تبرعهم في الشهر العقاري، لا يتجاوز الثمانية، وفقاً لمبادرتنا"، يضيف راضي، وهو فعلياً أول من حرّر توكيلاً في الشهر العقاري في مصر، للتبرع بأعضائه، وتحديداً في نيسان/ أبريل 2017.

ويعدّ راضي خطوة توثيق التبرع في الشهر العقاري، خطوة مهمة، تستهدف تحفيز الآخرين على اتخاذها، وتوثيق التبرع، وتعميم الفكرة في عموم مصر، مما قد يكون له أثر على المدى القريب، ويحفّز الدولة على حسم ملف التبرع من متوفين حديثاً.

في هذا السياق، يقول المهندس محمد الشطوري (57 عاماً): "أتفق مع مبادرة التبرع، وأتمنى أن أحمل بطاقة رسمية في محفظتي فيها إقرار موثّق بأنني موافق على التبرّع بأعضائي في حالة الوفاة. أنا على اقتناع تام بأن الله خلقني لكي أنقذ حياة أشخاص آخرين".

ويضيف: "لا أعلم سبب الهجوم الشديد الذي يشنّه البعض على الدّاعين إلى التبرع، على الرغم من إقراره في العديد من الدول، ومن بينها بلدان عربية وإسلامية. سبق وأقمت في الكويت، وكنت أحمل بطاقة للتبرّع بأعضائي".

في المقابل، أبدى عديدون ممن تحدث إليهم رصيف22، ومنهم المحاسب أحمد طاهر (36 عاماً)، رفضهم لفكرة لفكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وقد عدّ طاهر أن الأمر "عبث بجسد توفاه الله، وهو أمر لا يجوز. أما التبرع بالأعضاء، والشخص على قيد الحياة، في سبيل إنقاذ حياة إنسان آخر، فهو أمر لا مشكلة فيه".

ومن الجدير بالذكر أن دار الإفتاء المصرية أجازت الأمر وفق شروط، تتمثل في تحقيق مصلحة المرضى، وعدم وجود وسائل أخرى للعلاج، وعدم إحداث ضرر للمتبرعين إن كانوا على قيد الحياة.

تواجه المبادرة عقبات عدة، منها عدم اقتناع كثيرين بالدعوة لقبول التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وعدم اتخاذ الدولة من جانبها خطوات إيجابية في ملف زراعة الأعضاء من متوفين حديثاً، كذلك فإن الراغبين بالتبرع تواجههم مشكلة التوثيق في البنوك العقارية

"جسد الميت يمكن أن يفيد سبعة أشخاص"

في تصريحات تلفزيونية في آب/ أغسطس الفائت، قال رئيس جامعة عين شمس وأستاذ زراعة الأعضاء، محمود المتيني، إن من الضرورة أن تحتوي البطاقة الشخصية، أو رخصة القيادة، على خيار الموافقة، أو عدم الموافقة بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وأشار إلى أنه يمكن التبرع بسبعة أجزاء من جسم الإنسان، وهي القلب، والكبد، والكليتان، والرئتان، والبنكرياس، والأمعاء الدقيقة، والقرنية، وأضاف أن التبرع في مصر حالياً، مجمد في إطار المتبرع الحي إلى الحي، وذلك لا يحل أزمة التبرع، والحاجة إلى الأعضاء، في أي دولة.

كما أشار رئيس الأمانة العامة الفنية لزراعة الأعضاء ونقلها في وزارة الصحة، الدكتور عبد الحميد أباظة، في تصريحات صحفاية سابقة إلى ضرورة تقنين نقل الأعضاء، ما يساهم في القضاء على تجارة الأعضاء غير الشرعية، ونوّه بأن أمراض الكلى، والكبد، هي من أكثر الأمراض التي تحتاج إلى التبرع.

ووفقاً للقانون المذكور، تتولى الأمانة الفنية لزراعة الأعضاء ونفلها، إدارة عمليات زرع الأعضاء والأنسجة، وتنظيمها، وإعداد قوائم بأسماء المرضى ذوي الحاجة إلى الزرع، حسب الأسبقية التي تحددها الحالة الطبية.

يمكن التبرع بسبعة أجزاء من جسم الإنسان، وهي القلب والكبد والكلى والرئتين والبنكرياس والأمعاء الدقيقة والقرنية.

لكن أباظة يلخص في تصريحاته أهم العقبات التي تقف في وجه تفعيل قانون التبرع بالأعضاء، وهي عدم وضوح الصورة لدى موظفي الشهر العقاري، إذ يجب أن يوثَّق التسجيل، بسبب عدم وجود استمارات خاصة بالأمر، وعدم توضيح الأمر للمصريين بالشكل المطلوب، وتالياً عدم اكتمال الوعي لديهم بأهمية التبرع.

في السياق ذاته، أشار مؤسس وحدة الأورام في المعهد القومي للكبد، والمستشار الطبي لمركز الحق للدواء، الدكتور محمد عز العرب، إلى أن ملف زراعة الأعضاء يحتاج تطبيقه على أرض الواقع إلى توافر أمور لوجستية عدة، لإتاحة إجراء عمليات زراعة الأعضاء.

من هذه الأمور، وفق حديث العرب لرصيف22، ضرورة توفير شبكة عنكبوتية موحدة للمعلومات، في أنحاء الدولة المصرية جميعها، للتبرع بالأعضاء، مع توفير فريق طبي طائر جاهز لأخذ الأعضاء من المتوفين حديثاً جراء الحوادث، بالإضافة إلى توفر وصية للمتبرع قبل وفاته، لأخذ أعضائه، وتوثيقها بأي وسيلة ملائمة. "هذا كله يجب أن يترافق مع العمل على التوعية المجتمعية بأهمية التبرع بالأعضاء قبل الوفاة"، يضيف.

وفي انتظار هذه الإجراءات، من تفعيل للقانون، وتكثيف حملات التبرع بشكل جدي، ينتظر مئات بل آلاف المرضى في كل بقعة في مصر، أملاً بالحصول على حياة جديدة يمكن أن يمنحها لهم شخص، لا يمانع بأن يكون جسده سبباً في حياة جديدة لغيره.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image