كالعادة في بداية كل عام دراسي جديد في مصر، تهتم وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، وأولياء الأمور، ببداية العملية التعليمية، وانتظام الطلاب في الفصول. لكن العام الجاري يُعد عاماً استثنائياً، بعد قرار وزير التربية والتعليم، طارق شوقي، بانتظام الدراسة في أيام الأسبوع جميعها، بعد عامين دراسيَين تم استثناء حضور الطلاب إلى المدارس فيهما، بسبب تفشي جائحة كورونا.
إحدى أهم الصور التي جرى تداولها على نطاق واسع، كانت في مدرسة المثلث الابتدائية في منطقة الخانكة، في محافظة القليوبية، شمال القاهرة، والتي أظهرت تلاميذ يفترشون الأرض، لعدم وجود مقاعد كافية، وهي الصورة التي تسببت في عزل مدير المدرسة من منصبه، وإحالته إلى التحقيق، بعد فرش الفصل بمقاعد جديدة، حسب صحف محلية. في الوقت نفسه، انتشر مقطع فيديو يظهر انهيار أولياء أمور طلاب، وصراخهم، في مدرسة عمر مكرم الابتدائية في محافظة الإسكندرية، بسبب فقدان بعضهم أطفالهم، نتيجة التزاحم الشديد في فناء المدرسة، وتسابق أولياء الأمور على جلوس أبنائهم في المقاعد الأولى، وهو ما سبّب حالة من عدم الانضباط أدت إلى تفلّت بعض الأطفال من أولياء أمورهم، حسب ما أكده أولياء أمور بعض الطلاب، ومعلمة في المدرسة، لرصيف22.
لكن فرش الفصول بمقاعد إضافية، أو فرض حالة من الانضباط داخل المدارس، ليسا حلاً لمشكلة كثافة الفصول المزمنة، وهي مشكلة تطرّق إليها وزير التربية والتعليم طارق شوقي، في مداخلة يوم الإثنين الماضي، شرح فيها باستفاضة المشكلات التي تواجه التعليم في مصر، وهي أزمات تجعل من مهمة إصلاح التعليم في مصر، شبه مستحيلة.
في مصر، يصل عدد طلاب التعليم ما قبل الجامعي إلى 24 مليون تلميذ، وعدد المدرّسين إلى 964 ألف مدرّس، وعدد المدارس إلى 37 ألف مدرسة، وكل مدرسة فيها 648 طالباً. ويقابل هذا الرقم سوء توزيع للمدارس الحكومية على المناطق السكنية
اعترف شوقي بمشكلة كثافة الفصول، وقال إن كثافة الفصول، وعجز المعلمين، مشكلتان موروثتان، وليستا مفاجئتَين، موضحاً أن "الوزارة تعاني من عجز يصل إلى 250 ألف فصل، بكلفة بناء تصل إلى 120 مليار جنيه، بينما الموازنة السنوية للوزارة 12 ملياراً".
وحسب إحصاءات نشرتها وزارة التربية والتعليم، عن العام 2021، يبلغ عدد طلاب التعليم ما قبل الجامعي في مصر، نحو 24 مليون طالب يتوزعون على نحو 520 فصلاً، أي أن متوسط عدد الطلاب في كل فصل 46 طالباً. إذاً، حل هذه الأزمة يحتاج إلى بناء فصول جديدة، بالتحديد 250 ألف فصل، بكلفة 130 مليار جنيه، لحل مشكلة الكثافة في الفصول، والميزانية السنوية للوزارة نحو 12 مليار جنيه؛ أي 10.8% فقط من المطلوب.
وألقى شوقي باللائمة على أولياء الأمور في زيادة كثافة الفصول، قائلاَ: "الدولة، بالموازنة الموجودة، تحاول استيعاب العدد المضاف كل عام فقط، كما أن الوزارة تتلقى كل شهر أكثر من 20 ألف طلب من الشرق والغرب، لزيادة كثافة الطلاب في المدارس القريبة من مسكن أولياء الأمور".
أزمة مركّبة
تلجأ المدارس، كل عام، إلى مسكنات موضعية، للتغلب على أزمة نقص المعلمين في المدارس، وهي أزمة يتجدد الحديث عنها كل عام، والنتيجة في النهاية أنّ طلاب هذه المدارس ينهون عامهم الدراسي من دون تحصيل الحد الأدنى من المقررات التعليمية، بسبب الأعداد الكبيرة، كما هو الحال في مدرسة "النصر وأبو بكر"، في إحدى القرى النائية في محافظة الجيزة.
وفي هذه المدرسة التي تحمل اسمين، يتم العمل بنظام الفترتين؛ في الفترة الأولى يحضر طلاب مدرسة النصر، وتنتهي في العاشرة والنصف صباحاً، والفترة الثانية تبدأ بعد الحادية عشر، ويحضر طلاب مدرسة "أبو بكر" حسب ما أكدت معلمة في المدرسة، لرصيف22.
تقول المعلمة إن سياسة الضم، جاءت بسبب نقص المعلمين في المدارس الأخرى، فتم ضم الطلاب إلى مدرسة أكبر، لكن ضم الفصول والمدارس أدّيا في نهاية المطاف إلى زيادة كثافة الفصول، فكل فصل أصبح يضم على الأقل ما بين 60 و70 طالباً، وهو ما يصعّب مهمة المعلم في التواصل مع هذا العدد الكبير من الطلاب. وبدلاً من العمل على حل مشكلة أزمة المعلمين، لجأت الوزارة إلى جلب معلمين بنظام التطوّع، بقيمة مكافأة للحصة تبلغ 20 جنيهاً (دولاراً ونصف)، ويضطلع المعلمون العاملون في نظام التطوع، بتدريس الحصص الزائدة عن طاقة المعلمين الأساسيين في المدارس.
الحال في مدرسة عمر مكرم في الإسكندرية، لا يختلف عن مدرسة "النصر وأبو بكر"، في محافظة الجيزة، إذ أكد أولياء أمور في المدرسة، صراعهم على جلوس أبنائهم في المقاعد الأولى، نتيجة الزحام الشديد، ليتمكنوا من التواصل مع المعلم، وهي مهمة صارت شاقة عليهم، وتكبدهم الدخول في مشادات واشتباكات تصل إلى الاشتباك بالأيدي مع المعلمين الذين يرفضون دخول أولياء الأمور إلى الفصول.
تلجأ المدارس، كل عام، إلى مسكنات موضعية، للتغلب على أزمة نقص المعلمين في المدارس، وهي أزمة يتجدد الحديث عنها كل عام، والنتيجة في النهاية أنّ طلاب هذه المدارس ينهون عامهم الدراسي من دون تحصيل الحد الأدنى من المقررات التعليمية، بسبب الأعداد الكبيرة
تقول معلمة في مدرسة عمر مكرم، يتحفظ رصيف22 على ذكر اسمها: "أنا أدخلت أولادي إلى مدارس خاصة، على الرغم من عملي في مدرسة حكومية. في المدارس الخاصة هناك نظام يسير على الطالب، وعلى ولي الأمر، لكن في المدارس الحكومية لا يوجد هذا النظام، ولا يستطيع المدير فرض سيطرته على ولي الأمر". وتضيف: "كثافة الفصول ليست جديدة، فكل سنة عندنا ما بين 70 و80 طالباً في الفصل الواحد. الأزمة الأكبر أن هذا ينعكس على تحصيل الطالب، ووعيه، مما يسبب فجوة بيني وبين الطلاب، وفي النهاية الطالب لا يستفيد شيئاً".
تصريحات المعلمة تُعدّ مطابقة لدراسة حديثة أجرتها هيئة "كير مصر"، وهي منظمة مصرية غير حكومية، قالت إن الأمّية في بعض المدارس المصرية، تصل إلى 80 بالمئة. وفي تقرير التنافسية العالمية 2014-2015، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو مسح لمجموعة من المؤسسات، والسياسات، والعوامل التي تحدد مستوى إنتاجية بلد ما، احتلت مصر المرتبة 141 من بين 144 دولة، من حيث جودة التعليم الابتدائي، والمرتبة 142 في تدريب طاقم التعليم، وهذا يتناقض بشكل صارخ مع معدلات الالتحاق التي بلغت 95% لأطفال المدارس الابتدائية.
يفسر المدوّن المهتم بشؤون التعليم، محمد عبد العاطي، سبب مشكلة كثافة الفصول، قائلاً لرصيف22، إن لهذه الأزمة بعدَين؛ البعد الأول هو الزيادة السكانية في مصر، والبعد الثاني عدم بناء مدارس جديدة، مضيفاً أن مصر خلال الـ20 سنة الماضية، شهدت زيادة سكانية كبيرة، في حين أن عدد المدارس التي تم بناؤها، لا يناسب حجم الزيادة السكانية.
وحسب إحصاءات رسمية، يصل عدد المدرّسين إلى 964 ألف مدرّس، وعدد المدارس إلى 37 ألف مدرسة، وكل مدرسة فيها 648 طالباً، ويقابل هذا الرقم سوء توزيع للمدارس الحكومية على المناطق السكنية، إذ إن المناطق والأحياء الأكثر عشوائيةً، وفقراً، لديها عدد أقل بكثير من المدارس، على مسافة يمكن اجتيازها مشياً بالنسبة إلى عدد السكان، حسب دراسة صدرت في عام 2015.
ويرى عبد العاطي أن حل أزمة كثافة الفصول، يجب أن يكون في زيادة مخصصات وزارة التربية والتعليم من الموازنة العامة للدولة، مما ينعكس على زيادة بناء المدارس، أو الفصول، وفي حال لم يتم ذلك، يصعب حل مشكلة أزمة الكثافة داخل الفصول.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع