شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"نفس الصورة يومياً لراغب علامة"... لم ينتظرها 171 ألف متابع/ة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 14 أكتوبر 202112:31 م

منذ 9 فبراير/شباط 2015، تتكرر "نفس الصورة يومياً لراغب علامة‎" على فيسبوك، نفس الصورة التي تختزل جماليات التسعينات والقمصان العريضة والابتسامة شبه الماكرة التي تحدق بنا بكل سخرية.

لا يمكن أن نقول إن آدمن الصفحة يبذل جهداً سيزيفياً، فالأمر لا يتطلب منه إلا بضع ثوان، أو ربما برمج الصفحة لتنشر بصورة آليّة، خصوصاً أن كل منشور لا يحوي تعليقات، ولا إحالات، فقط ذات الصورة. 

 إن كان سيزيف يدفع الصخرة إلى أعلى الجبل متأملاً في كل مرة أن لا تسقط، فآدمن الصفحة يراهن على التزامنا بالعبث الهزلي دون أن يبذل "جهداً"، أو ربما هو اتفاق غير مصرح عنه بيننا وبينه، أن هذه الصورة تحوي حنيناً إلى زمن ما، حنين نعلم أنه يحيل إلى المتخيل، لكن لا مانع من تكراره إلى اللانهاية، وهو أشبه بمحاولة لإثبات فرضية مفادها، أن هناك بعض النكات التي لا تفقد ألقها، لا بسبب محتواها، بل بسبب التكرار نفسه، والالتزام به.

لم تحصد صفحات مثل صفحة "نفس الصورة يومياً لراغب علامة‎"،أو "نفس الصورة يومياً لراغب علامة بس بالعكس"،أو صفحة "نفس الصورة لراغب علامة يومياً وهو حامل صورة راغب علامة" هذا الكم الهائل من المتابعين؟ ما الذي ينتظره هؤلاء بالضبط؟

صفحات نفس الصورة أو نفس الفيديو

تتعدد صفحات "نفس الصورة أو الفيديو يومياً" على الانترنت، فهكذا صفحات أضحت ظاهرة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وما صفحة "نفس الصورة يومياً لراغب علامة‎" إلاّ واحدة من صفحات عديدة قائمة على التكرار، منها صفحات تحتفي بنفس صور فنانين آخرين، أو صفحات تخلّد أهدافاً رياضية أسطورية كصفحة "كل يوم نفس الفيديو لهدف مانولاس في مرمى برشلونة"، أو صحفات لنفس الدعاء يومياً كصفحة " كل يوم نفس الدعاء حتى يضربنا النيزك".

الأمر برمته أقل ما يُقال فيه أنّه هزليّ. وهو أمر التفت إليه الباحثون في معهد IUSS الإيطالي للدراسات العليا، الذين رأوا في هذه الظاهرة أكثر من مجرد نكتة. وأشاروا إلى أنه من غير المعتاد أن يكون هناك صفحة تنشر نفس الشيء كل يوم وتجذب هذا العدد الكبير والمتنوع من المتابعين.

وفي دراستهم لصفحة “The same photo of Toto Cutugno every day”، حاول الباحثون الربط بين المحتوى المنشور وتأثيره على مدى الانتشار والتفاعل. وقد لاحظوا أنّ صفحات المحتوى المختلف على عكس صفحات نفس المحتوى تختلف نسب تفاعل جماهيرها معها، في حين تحافظ صفحات نفس المحتوى على نسب تفاعل شبه ثابتة تتسق مع أحادية المنشورات (نفس الصورة أو الفيديو أو التعليق).

لم تتوصل الدراسة إلى تفسير لهذه الظاهرة بل اكتفت بمقارنة نسب التفاعل مع صفحات المحتوى المتعدد بنسب التفاعل مع صفحات المحتوى الثابت، لتستخلص ما سبق وعرضناه من نتائج.

حب أو كره من نوع غريب

بالعودة إلى السوبر ستار اللبناني، فإنّا نجد حبّاً أو كرهاً من نوع  خاص يمارسه متابعو الصفحة، خصوصاً أننا لا نعلم إن كانوا فعلاً من معجبيه، أو مجرد ساخرين انساقوا وراء الفكرة، و هذا ما يتضح من خلال التفاعل الدائم مع صفحة نفس الصورة له، بل أيضاً من خلال إنشاء صفحات أخرى على شبكات التواصل الاجتماعي مستوحاة من فكرة الصفحة الأساسية كصفحات: نفس الصورة يومياً لراغب علامة بس بالعكس، نفس الصورة لراغب علامة يومياً وهو حامل صورة راغب علامة ، نفس الصورتين يومياً لراغب علامة.

راغب علامة: "نفسي أعرف مين هوَّ أو هيّي الّي ورا الصفحة؟ نفسي أتعرّف على يلي عمل أو عملت الصفحة دي، أنا بدعيهم... حدّ يتّصل بيَّ!" وعن أسباب توقه للتعرف على آدمن الصفحة، قال علامة: "مش فاهم ليش كل يوم نفس الصورة؟!"

في لقاء مع آدمن الصفحة يذكر عبارة "الحنين إلى الأيام الذهبية"، يلفت انتباهنا هنا تعبير الحنين، تلك المشاعر الغامضة التي تعود بنا إلى آخر الثمانينات وأول التسعينات، أي ذاك الزمن حيث كانت الموسيقا أقل انتشاراً، ولا بد من جهد للحصول عليها "كاسيت"، وكانت أقل تنقلاً، لا هواتف نقالة نستطيع عبرها سماع كل شيء، ذاك "الزمن" و شروطه، كانت تتيح لأغنية واحدة فقط، أن تأسرنا لأسبوع مثلاً، لا تدفق لا نهائي من الموسيقا يمكن الاستماع له في أي لحظة.

الحنين هنا طاقة إيجابية، في ذات الوقت، يحمل داخله حداداً من نوع ما  على زمن لن يتكرر، وكلما ابتعدنا عنه، ازداد الحزن عمقاً، هنا يمكن أن نعيد النظر بـ"التكرار" نفسه، ومعانيه الساديّة، كمن يفتق جرحاً كل يوم، يحاول تثبيت أكثر ما يمكن من ذكريات "ذاك الزمن"، تلك التي تتحول لاحقاً إلى مخيلة، و صورة يتشاركها الجميع، كل واحد يغذّيها بـ"ذاكرته"، صورة تتكرر تعيد تقطيع الزمن، وضبط تدفقه في العقل، وهنا يظهر معنى آخر للزمن الذهبي، أي الزمن اللماع الذي لا يتغير، ذاك الذي لا يفقد قيمته، زمن صلب، تختزله صورة، نكررها يومياً خوفاً من تلاشيـ(نا)ـها.

تعليق راغب علامة نفسه على الموضوع

نجد حبّاً أو كرهاً من نوع  خاص يمارسه متابعو صفحة "نفس الصورة يومياً لراغب علامة"، خصوصاً أننا لا نعلم إن كانوا فعلاً من معجبيه، أو مجرد ساخرين انساقوا وراء الفكرة

من أشهر قليلة، وفي برنامج "يوم ليك" من تقديم الإعلامية سمر يسرى الذي يُعرض على تلفزيون الحياة، علّق الفنان راغب علامة على فكرة صفحة "نفس الصورة يومياً لراغب علامة" بالقول: "نفسي أعرف مين هوَّ أو هيّي الّي ورا الصفحة؟ نفسي أتعرّف على يلي عمل أو عملت الصفحة دي، أنا بدعيهم... حدّ يتّصل بيَّ، لأنّي معجب بالفكرة بتاعتهم... همَّ مميّزين!" وعن أسباب توقه للتعرف على آدمن الصفحة، قال علامة: "مش فاهم ليش كل يوم نفس الصورة؟!".

حقيقة لا يهمنا رأي علامة، ولا من هو الآدمن، خصوصاً أننا نتعامل مع "راغب علامة الأيقونة/ الصورة" لا الشخص الحقيقي، فالصورة وكما ذكرنا سابقاً، تحيل إلى زمن سابق، زمن تخفيه ابتسامة علامة، فأهمية الصورة في ما لا تظهره، في خصائص ذاك الزمن البعيد، ذاك الزمن المفقود الذي يعود للألفية الماضية.

لا نمتلك هنا أمام  صفحة "نفس الصورة يومياً لراغب علامة‎" وغيرها من الصفحات الشبيهة سوى الاتفاق على عبثية الفكرة، و من هنا يظهر التكرار وأثره، أو ما يمكن وصفه بتأثير قطيع الحمام الذي ينتشر في العالم الرقمي، أي يمكن لجماعة، أن تتفق على فكرة، وتدافع عنها، وتكررها، دون أي سبب، أو بصورة أدق، لأسباب قد لا تبدو مقنعة، أسباب غير جدية، لا تحمل من ورائها فائدة سوى الضحك ربما، أو السخرية، أو هو سؤال في الطبيعة البشريّة، السخف والسينكية شأنان لا يمكن تجاهلهما، بل وجوهريان مهما اختفيا وراء الجديّة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image