شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عندما تعيد صفحات فيسبوك الاعتبار لفن الحوار السينمائي… حتى لو دون قصد

عندما تعيد صفحات فيسبوك الاعتبار لفن الحوار السينمائي… حتى لو دون قصد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 13 يناير 202003:29 م

لربما لم يُدرك كثيرون، وهم يشاهدون أول فيلم سينمائي على شاشة عرض كبيرة بداية القرن الماضي، أن ما يرونه هو بمثابة عملية إبداعية تتألف من عناصر كثيرة، بداية من التمثيل والإخراج، ومروراً بالتصوير والموسيقى والسيناريو والحوار.

لكن بعض المشاهدين اكتفوا بمعرفة الممثل الذي يُضحكهم أو يُغنّي لهم، ثم بعد فترة أدركوا أن هناك "مخرجاً" مسؤولاً عن العمل الفني من الألف للياء، وهو من يوجّه الممثلين ويحدد أماكن التصوير، أما باقي عناصر العملية الإبداعية فظلت مجهولة عند الجمهور، وفن السيناريو والحوار سرى عليه هذا التهميش، إلا أنه مؤخراً تم إعادة الاعتبار له بشكل أو بآخر… كيف حدث ذلك؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا توضيح أن فن السيناريو والحوار بلغة السينما هو "أساس البيت الذي يقام عليه كل شيء، وبدون نص ليس هناك عمل فني"، ورغم تلك الأهمية ظل مجهولاً لسنين طويلة، ربما ذلك لأسباب أبرزها أن كثيراً من الأعمال الأولى السينمائية كانت في الأصل روايات تم تمصيرها، مثل "البؤساء" لفيكتور هوجو، أو لأعمال أدبية تم نشرها كقصص في الصحف والمجلات، وهذا جعل الجمهور في كثير من الأحيان يعرف الأحداث قبل المشاهدة، فلم يهتم سوى بالرؤية على الشاشة.


بمرور الوقت، ومع دخول كتّاب كبار لعالم الفن والكتابة خصيصاً للسينما، استطاع فن السيناريو والحوار إيجاد موطأ قدم له، ولعل رأس الحربة في مصر كان نجيب محفوظ الذي استطاع جعل اسمه إشارة اطمئنان للجمهور على جودة فيلم، وظهرت لافتة فيلم لـ"نجيب محفوظ" بعد أن ظل ذلك حكراً على المخرجين والممثلين الكبار فقط.

في العقود الثلاثة الأخيرة في مصر، تطوّر فن السيناريو والحوار، وبرز أسماء كتّاب كبار لهذا الفن، مثل وحيد حامد، محمود أبو زيد ومصطفى محرم، لكن الأمر ظل مقتصراً على محبي السينما، وبعد عام 2011، وحين أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي عصب الحياة اليومية تغير كل شيء، وتولت "صفحات فيسبوكية" مهمة إعطاء هذا الفن حقه ومكانته التي يستحقهما، حتى لو كان ذلك "دون قصد".

البداية كانت من خلال "التعليقات"، فحين أصبح بالإمكان استخدام صورة للتعليق على أي منشور، لجأ كثيرون إلى صور تحمل "إفيهات" الأفلام للتعليق، وهذا دفعهم إلى استعادة "قفشات" كثير من الأعمال الفنية كي تكون جاهزة للرد في مختلف المواقف الحياتية.


ومع الوقت ظهرت صفحات كثيرة، مهمتها التعريف بفن السيناريو والحوار وتفريغ الأفلام والمسلسلات، قديماً وحديثاً، لإعادة نشر الجمل الحوارية وإبراز أشهر كتّاب هذا الفن، مثل صفحات "روائع السينما - قفشات الأفلام - فن الحوار في السينما والدراما"، وأقل صفحة من تلك الصفحات يتعدى متابعوها نصف مليون، عدا الصفحات التي تظهر بين الحين والآخر لنفس الغرض.

ورغم ادعائي أنني من محبي السينما والتركيز في الجمل السينمائية، لكن المتابعة المستمرة لتلك الصفحات جعلتني أتعرف على عالم "السيناريو والحوار" من جديد، ربما ساهم في ذلك أن ما يتم نشره "نصوص فقط"، وهذا ما يجعلك أشد تركيزاً في الكلمات، وأول ما عرفته من خلال المتابعة، أن "كتّاب السيناريو" لم يقتصروا على 3 أو 4 فقط نالوا الحظ الأوفر من الشهرة، بل هناك آخرون كانوا "حرّيفة" ويحتاجون وقتاً لاكتشافهم، مثل فتحي غانم الذي تعرّفت عليه من خلال بعض الاقتباسات التي نشرتها تلك الصفحات لمسلسل "زينب والعرش"، ما جعلني أهرول لمشاهدته وأتعرّف على عالم هذا الكاتب الكبير ورؤية كل ما كتب للسينما أو التلفزيون.


متابعة تلك الصفحات جعلتني أدرك أيضاً عبقرية فن السيناريو والحوار الذي صاغ فن الأزمات التي نعيشها في وطننا العربي، والتي لم تتغير كثيراً، فأعمال فنية منذ ستينيات القرن الماضي، تحدثت عن كيف يمكن للأنظمة أن تصنع من الفقراء قنابل موقوتة، وكيف يتم صناعة الديكتاتور وأثر غياب الحرية… وبرع في هذا اللون وحيد حامد، الذي كتبت عنه مقالاً بالسابق بعنوان "كيف تكشف أفلام وحيد حامد عن كواليس السياسة في مصر؟"، وذلك من خلال متابعة تلك الصفحات.

إعادة اكتشاف "القفشات" جزء من مهمة تلك الصفحات أيضاً، فبجانب "القفشات" المعروفة تُكشف الجمل الحوارية ملايين "القفشات" الأخرى التي صاغها كاتب الحوار، لتكون قادرة على جلب الضحكة، حتى وهي مجرد كلمات كُتبت منذ عشرات السنين

ما فعلته صفحات "السيناريو والحوار" بي وبآخرين هو إعادة الاعتبار لهذا الفن وإخراجه من "قمقم" هواة السينما إلى الجميع، ليتعرفوا على عظمة الجُمل الحوارية بعيداً عن أي مؤثرات

إعادة اكتشاف "القفشات" جزء من مهمة تلك الصفحات أيضاً، فبجانب "القفشات" المعروفة تُكشف الجمل الحوارية ملايين "القفشات" الأخرى التي صاغها كاتب الحوار، لتكون قادرة على جلب الضحكة، حتى وهي مجرد كلمات كُتبت منذ عشرات السنين، كدلالة على موهبة كاتبها، بجانب جمل حوارية أخرى في الحياة اليومية والتي بتنا نستخدمها للتعبير عن مواقف حياتية، وحين ظهر مسلسل "أهو ده اللي صار" باتت جمله الحوارية التي كتبها عبد الرحيم كمال، تتصدر آراء كثيرين في الحب، أما أنا شخصياً فبت لا أستغنى عن جملة: "ربنا يعدي الستين سبعين سنة اللي عايشينهم على خير"، وهي الجملة التي ظهرت في فيلم "تتح" .


ما فعلته صفحات "السيناريو والحوار" بي وبآخرين يمكن إجماله بوظيفتين: أولهما إعادة الاعتبار لهذا الفن وإخراجه من "قمقم" هواة السينما إلى الجميع، ليتعرفوا على عظمة الجُمل الحوارية بعيداً عن أي مؤثرات، بالإضافة للتعريف بمن كتبوها، فمن حين لآخر تقوم بعض تلك الصفحات بنشر سيرة ذاتية لسيناريست بعينه وأبرز أعماله.

أما ثاني الوظائف فهي إعادة رؤية كثير من الأعمال الفنية بنظرة مختلفة، هذه المرة بعد أن أعيد اكتشافها من خلال تلك الصفحات، فأصبحنا نركز في مشاهد لم نركز فيها من قبل، ونستمتع بنطق الجملة التي أعجبتنا مسبقاً.

لي صديق يعرف أنني من محبي الكاتب والسيناريست المصري، بلال فضل، وهو لم يكن من المعجبين به حتى قبل عامين، لكن حين ظهرت كثير من "قفشات" كتبها بلال فضل في أعمال فنية على صفحة "روائع السينما"، وجدته يخبرني أنه لم يكن يتخيل أنه ذو حس ساخر قوي وقادر على انتزاع الضحك، فأجبته: "بركاتك يا روائع السينما".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image