شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"راقبوه دقيقة بدقيقة" و"تنفسوا معه"... القصة الكاملة لاغتيال أبي القنبلة النووية الإيرانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 12 فبراير 202109:43 ص

برغم تصدر خبر اغتيال أبي القنبلة النووية الإيرانية، محسن فخري زادة، عناوين الصحف واهتمامات وكالات الاستخبارات العالمية بالجريمة المحكمة التدبير، لم يُكشف لغز خطة القتل بعد مرور ثلاثة أشهر. مع اتهام الموساد الإسرائيلي بتنفيذها، ظل الدور الأمريكي في العملية - إن وجد - غامضاً.


لكن "ذا جويش كرونيكل" - أقدم صحيفة يهودية مستمرة ومقرها لندن، كان لها السبق بتقديم رواية تفصيلية دقيقة عن الحادثة، التي تدهورت قدرات طهران النووية بشكل كبير بعدها، في عددها الصادر 10 شباط/ فبراير.


استناداً إلى مصادر إسرائيلية مطلعة، قال الصحافي البريطاني جيك واليس سيمونز، نائب رئيس تحرير الجريدة، إن فخري زادة قُتل على أيدي الموساد الإسرائيلي، باستخدام جهاز مدفعية متطور يزن طناً واحداً، تم تهريبه إلى إيران "قطعة قطعة" على مدار ثمانية أشهر، جرى التحكم فيه عن بعد مع ميزة التدمير الذاتي لـ"تدمير الأدلة" عقب القتل.


أرجعت الصحيفة الوزن الثقيل للسلاح، الذي وصفته بأنه كان "مصمماً حسب الطلب" و"تم تشغيله عن بعد بواسطة عملاء على الأرض أثناء ملاحظتهم الهدف".


كانت الاستخبارات الإيرانية قد رجحت أن سلاح القتل أُدير بواسطة الأقمار الاصطناعية عبر تقنية الذكاء الاصطناعي. لكن سيمونز شدد: "استخدموا بالفعل مدفعاً متطوراً يتم التحكم فيه عن بعد، مع قنبلة صغيرة مدمجة للسماح له بالتدمير الذاتي".

"لمدة ثمانية أشهر، تنفسوا مع الرجل، واستيقظوا معه، وناموا معه، وسافروا معه. كانوا يشمون رائحة عطر ما بعد الحلاقة كل صباح، إذا وضعه"... كيف قاد جواسيس الموساد اغتيال فخري زادة من داخل طهران وخرجوا سالمين؟

مراقبة حياتية دقيقة

بُدئ تنفيذ العملية في آذار/ مارس عام 2020 بينما العالم منشغل بمحاربة جائحة الفيروس التاجي. يعود قرار اغتيال العالم الإيراني إلى مطلع سنة 2018. تحديداً عقب ليلة 31 كانون الثاني/ يناير، عندما سرق جواسيس الموساد بعد عام من المراقبة أرشيفاً ضخماً من الأسرار النووية الإيرانية، 50000 صفحة من الوثائق و163 قرصاً مضغوطاً تحتوي جميعها على التفاصيل الكاملة لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني السري، من 32 خزنة عملاقة.


أظهر الأرشيف المسرب - وكثير منه بخط اليد للعالم الراحل - مكانة فخري زادة ودوره المهم في إقامة البرنامج النووي الإيراني، وهو ما جعل القادة الإسرائيليين يقررون إنهاء حياته حينذاك. قال مصدر الصحيفة: "كان فخري زادة أباً لكل ما وجدناه في الأرشيف. كان كل شيء تحت إمرته، من العلم والمواقع السرية إلى الأفراد والمعرفة. من هذا المنطلق، كان (اغتياله) مجرد مسألة وقت".


من جهته، أوضح جاكوب ناجل، أحد كبار مسؤولي الدفاع الإسرائيليين وقد عمل مستشاراً للأمن القومي لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو: "الموساد لديه وثائق تثبت أن فخري زادة عمل على عدة رؤوس حربية نووية، كل واحد قادر على التسبب في خمسة انفجارات مثل هيروشيما. لذلك كان القرار أنه عاش بما فيه الكفاية".


حين سنحت الفرصة، مطلع العام الماضي، أُرسل فريق من الجواسيس الإسرائيليين إلى إيران، حيث تواصلوا مع عملاء محليين.


خلافاً لتقديرات سابقة بأن فريق اغتيال العالم النووي الإيراني ضم 62 شخصاً، أكد سيمونز أن الفريق من 20 شخصاً، بينهم إسرائيليون وإيرانيون، مضيفاً "تألفت المجموعة من أكثر من 20 عنصراً، وهو عدد كبير لمثل هذه المهمة المعقدة والمحفوفة بالمخاطر. تم إطلاق عملية مراقبة دقيقة".


وذكر أحد المصادر للصحيفة: "وضع الفريق خطة مفصلة للغاية. لمدة ثمانية أشهر، تنفسوا مع الرجل، واستيقظوا معه، وناموا معه، وسافروا معه. كانوا يشمون رائحة ما بعد الحلاقة كل صباح، إذا وضعه". وبيّن أنهم انتهوا إلى قرار بقتله على الطريق المؤدي شرقاً من طهران إلى ملاذ آبسرد الريفي، حيث كان يمتلك فيلا.

"مصمم حسب الطلب" وفيه خاصيّتا "تدمير ذاتي" و"حماية المدنيين"... تعرفوا على المواصفات الخاصة للسلاح الذي "أذّل" المخابرات الإيرانية واستخدم في اغتيال أبي القنبلة النووية الإيرانية

وأوضح المصدر أن الفريق "رصد طريق فخري زادة اليومي وسرعته وتوقيته، وكان يعرف بالضبط الأبواب التي قد يستخدمها ورفاقه للخروج". دللت الصحيفة اليهودية على دقة معلومات المصدر بالإشارة إلى عدم تضرر زوجة العالم الإيراني أو أي من أفراد فريقه الأمني في الهجوم، المقدرين بـ12 شخصاً، منوهةً في القوت نفسه بـ"استخدام سلاح آلي شديد الدقة لحماية المدنيين من الأضرار الجانبية".


يوم العملية، كان فريق من الجواسيس الإسرائيليين على الأرض، يراقبون كل تحركات موكب فخري زادة وينتظرون تشغيل البندقية من مسافة بعيدة. حين بلغت سيارته النقطة المحددة، أطلقت البندقية وابلاً من الرصاص، فأصابته 13 رصاصة من دون أن تصاب زوجته القريبة منه أو أي من رفاقه، بحسب رواية الصحيفة اليهودية.


وبينما كان فريق جواسيس الموساد بصدد الهروب من مكان الحادث، فُجّر السلاح الذي يبلغ وزنه طناً نفسه، ما زاد الارتباك في المكان. تباهى مصدر: "الحمد لله، لقد أخرجنا جميع أفرادنا (الجواسيس) ولم يمسكوا بأحد… لم يقتربوا حتى من ذلك"، مشيداً بنجاح "عملية دراماتيكية".


وعلمت الصحيفة أن العملية كانت إسرائيلية "من الألف إلى الياء" من دون تدخل أمريكي، مشيرةً إلى أن إسرائيل أبلغت أمريكا بالعملية من باب العلم بالشيء تماماً كما أبلغت أمريكا تل أبيب قبل اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.


إحراج شديد لإيران وتباهٍ للموساد

لفت مصدر آخر إلى أن تأثير الاغتيال فاجأ حتى كبار ضباط الموساد، قائلاً "كان لدى إسرائيل فريق كبير هناك، من بينهم إسرائيليون، وكان ذلك مصدر إحراج كبير لطهران. لقد تعرض النظام للإذلال والدمار. حتى الموساد فوجئ بالتأثير الهائل".


أما عن عوامل نجاح العملية، التي "أذلّت قيادة طهران"، فأجمعت المصادر على أنها نجحت جزئياً بسبب انشغال أجهزة الأمن الإيرانية بمراقبة خصومها من المعارضين السياسيين.


شددت المصادر على عمق أثر اغتيال فخري زادة على القادة الإيرانيين وبرنامجهم النووي. ذكر أحدها: "قدرت طهران أن الأمر سيستغرق ست سنوات للعثور على بديل لفخري زادة. لقد حدد التحليل الإسرائيلي الآن وقت الاختراق (الفترة التي تحتاجها طهران لوضع اللمسات الأخيرة على قنبلة نووية) بعامين. قبل رحيل فخري زادة، كانت مقدرة بنحو ثلاثة أشهر".

إسرائيل ماضية في تنفيذ مزيد من الاغتيالات في إيران ولن تتقيد بسياسة حليفتها أمريكا في ظل إدارة بايدن، لكن هل تملك طهران خيارات للمواجهة أو حتى الدفاع حالياً؟

مزيد من الاغتيالات في الطريق

في غضون ذلك، أخبر مصدر إسرائيلي الصحيفة أنه تم التخطيط لمزيد من الاغتيالات في المستقبل، لكن ليس على غرار عمليتي فخري زادة وسليماني. ويقدر الموساد المخاطر التي تمثلها إيران على إسرائيل بأكثر من 80%. وتعتبر إسرائيل الاغتيالات لرؤوس النظام الإيراني وسيلة للدفاع عن النفس.


في ما خص تغير الأوضاع مع تولي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أعرب مراراً عن عدم انتهاجه سياسة "الضغط الأقصى" لسلفه دونالد ترامب ضد طهران، حذر البعض من أن إسرائيل قد لا تسير في كنف حليفتها الكبرى، الولايات المتحدة.


قال المصدر الإسرائيلي: "إستراتيجيتنا الرئيسية للضغط على الولايات المتحدة هي تقديم معلوماتنا الاستخبارية لعام 2018 (الأرشيف المسروق) إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن إذا لم ينجح ذلك، فسنتحرك. لن تحب الولايات المتحدة ما سنفعله، لكننا سنحافظ على سيادتنا ونحارب كل تهديد وجودي… إذا أصبح الوضع حرجاً، فلن نطلب الإذن من أحد. سنقضي على البرنامج النووي الإيراني".


طهران في وضع أضعف؟

على الجانب الآخر، يرى مراقبون أن إيران باتت في وضع أضعف من ذي قبل لاستكمال برنامجها النووي على الرغم من التصريحات المتتابعة لمسؤولي النظام عن مواصلة إرث فخري زادة. لا يمكن، على سبيل المثال، الاستهانة بأثر اغتيال أبي البرنامج النووي. قد تنتظر إيران سنوات للعثور على البديل الموازي له. 


وكانت الخسائر الفادحة التي تكبدتها إيران في الآونة الأخيرة بدأت بفقدانها أرشيفها النووي لصالح إسرائيل، على اعتبار أن طهران لا تمتلك بديلاً من تلك الوثائق شديدة الحساسية وهو الأمر الراجح.


اغتيال سليماني  ليس هزيمة أقل خسارة، لا سيما إذا ما أضفنا إليها الهزائم الفعلية والنفسية التي لحقت بالأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية جراء تكرار عمليات الاغتيال في عمق طهران خلال السنوات القليلة الماضية. أي محاولة إيرانية للانتقام - إن هي سعت لذلك - قد تستغرق وقتاً طويلاً لتفادي التورط في آثارها.


يزيد الطين بلةً، الحصار المفروض على إيران في ظل العقوبات الأمريكية، وانهيار اقتصادها مع عجز البلاد عن مكافحة جائحة الفيروس التاجي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard