شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"فلسطينيات يحلمن بارتداء ثيابهن التقليدية"... المنتجات المقدسية على أرفف محال غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 6 أكتوبر 202105:57 م

لم يقتصر التواصل بين القدس والمدن الفلسطينية الأخرى على البعد العاطفي التضامني، بل أخذ ابعاداً أخرى، أبرزها التجاري. فالمنتجات المقدسية تباع في كافة المدن الفلسطينية، وتلقى رواجاً كبيراً بسبب جودتها وخبرة صناعها، ولحرص الفلسطيني أينما وجد على امتلاك أي منتج صنعته أياد مقدسية.

ولكن مؤخراً بسبب الظروف الاقتصادية، وتعنت الاحتلال، باتت تجارة المنتجات تواجه تحدياً كبيراً لاستمرارها.

وبسبب غلو ثمن المنتجات المقدسية لا يستطيع معظم الغزيين اقتناءها ، مما دفع بالتجار الغزيين إلى التخلي عنها، وبقيت مجموعة منهم صامدة في وجه التغيرات،  مثل شركة "شريتح"، التي تقع في شارع المغربي جنوب مدينة غزة، و محل طارق في شارع عز الدين القسام بوسط المدينة .

"شعارنا الذي نرفعه دوماً هو: صنع في فلسطين".

"هذه مهنتنا أنا ووالدي وإخوتي منذ تسعينات القرن الماضي، ونقدم كل ما يتعلق بمشغولات فلسطين، وشعارنا الذي نرفعه دوماً هو: صنع في فلسطين"، يقول طارق طلال أبو دية، تاجر مختص بالتراث الفلسطيني والهدايا التذكارية وخاصة المصنوعة في القدس، وصاحب محلات الأمير طلال للتحف والهدايا والتراث في غزة .

ويضيف لرصيف22: "لدينا عدة أفرع في قطاع غزة، وكلها مشهورة في الصناعات اليدوية الفلسطينية المقدسية، وتعمل فيها نحو 30 أسرة مقدسية".

ويتابع: "يمر عملنا بفترات ازدهار وفترات تراجع، وفق الحالة الاقتصادية أو السياسية في فلسطين والمنطقة، مثلاً من الأوقات التي كانت مزدهرة فترة الرئيس الراحل أبو عمار، وقبل الانقسام الفلسطيني، وأيضاً في عهد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك وفترة حكم المجلس الأعلى المصري، حيث كانت الأوضاع الاقتصادية والسياسية مستقرة".

غزة مركز تجاري

ويوضح طارق أن المعابر والطرق كانت جميعها مفتوحة في تلك الفترة، والكثير من الوفود والزوار من شتى أنحاء العالم يزورون غزة، ويقول:"فالكل يريد أن يأخذ شيئاً رمزياً من فلسطين، وحبذا لو كان مشغولات مقدسية، كتذكار من تراث فلسطين".

ويبيّن أن العصر الذهبي لبيع هذه المنتجات كانت في فترة قدوم السلطة الفلسطينية، "فمع وجود السلطة كان لدينا مطار، وكانت الوفود تأتي لقطاع غزة من كل الجهات وكل الدول، وكان الرئيس الراحل أبو عمار يحرص على أن يقدم لضيوفه شيئاً من رائحة القدس، وبالتالي كان أيضاً شعبنا يكرم ضيوفه بهدايا تحمل عبق القدس".

"الفتيات في غزة يحلمن بارتداء الثوب الفلسطيني إلا إنهن لا يستطعن، الأوضاع المادية لا تساعد"

ويستذكر طارق من بين الوفود التي زارت فلسطين وحُمِّلت هدايا مقدسية، الفرنسي الراحل جاك شيراك الذي زار فلسطين عام 1996، وتم إهداؤه العديد من المشغولات والتحف الفلسطينية، الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الذي زار فلسطين عام 1998، حيث قدمت له العديد من الهدايا، من بينها نجمة بيت لحم، وهي عبارة عن لوحة مشغولة يدوياً من الصدف، تٰعتبر من أهم الهدايا، إذ كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يهديها طوال أربع سنوات متتالية من 1997 إلى 2001 لجميع الوفود والرؤساء الذين يزورون فلسطين.

ويقول طارق: "منذ عام 1994 حتى 2001 كانت غزة العاصمة الإدارية لفلسطين، لوجود الرئيس أبو عمار وأهم المؤسسات فيها، لذلك كانت السوق الأولى لمنتجات القدس، وكانت الأسر المقدسية تبيع أغلب منتجاتها لها، ولكن الحال تبدّل بعد ذلك لعدة أسباب أهمها الاحتلال والحصار والانقسام، ولم تعد غزة مركز فلسطين الاقتصادي ثم بدأت تتراجع تجارتنا".

رحلة صعبة

ليست سهلة تلك الرحلة التي تقطعها المنتجات من أيدي الأسر المقدسية إلى غزة، يقول طارق: "الاحتلال يلاحق الصناعة المقدسية مهما كانت بسيطة، ويفرض الضرائب العالية على المقدسيين، كضريبة رسوم الأملاك الأرنونا مثلاً، التي تفرضها بلدية الاحتلال بالقدس، ويعوق وصول المواد الخام إليهم، وإذا نجح المقدسيون في تخطي تلك العقبات، تبدأ معاناة التصدير لغزة، من متابعة دقيقة وتفتيش، وتعامل خشن مع البضائع فتتكسر أو تتسخ".

ويضيف: "لا أذكر أني أحضرت بضاعتي من القدس، ولم يكن بها شيء مكسور أو مدمر بسبب شرطة وجنود الاحتلال، خاصة تلك المنتجات التي تحتوي على خارطة فلسطين أو صور قبة الصخرة والمسجد الأقصى، يبدو أن الاحتلال ينزعج من هذه البضائع بشكل كبير".

إذا ما نجت المنتجات المقدسية، تأتي عقبة أخرى هي ضعف القوة الشرائية في القطاع، بسبب الحصار ووباء كورونا، وارتفاع الأسعار، يقول طارق: "أعداد قليلة جداً من الجمهور المحلي يشتري هذه المنتجات، وهي ليست لهم، بل للمغتربين يأخذونها هدايا أو للاحتفاظ بها".

ويتابع: "نحن بمجتمع نعاني من حصار وضيق وأزمات رواتب وانقسام، لذا فكل بيعنا للخارج، ورغم أن المواطن الغزي يحلم باقتناء شيء مقدسي والفتيات الغزيات يحلمن بارتداء الثوب الفلسطيني إلا إنهن لا يستطعن، الأوضاع المادية لا تساعد كثيراً لذلك".

ويكمل: "لكن ما يميز غزة هو أن الكثير من أبنائها مغتربون وكلهم يريدون شيئاً من عبق القدس. وعندما يأتون يحملون لأصدقائهم الأجانب هدايا من المشغولات المقدسية، مثل ثوب مطرز، كوفية، مسبحة، شجرة الصندل، لوحات خزفية، مداليات، أوشحة، حتى الصابون والأبخرة المقدسية... ".

تنوع المنتجات

وفي جولة بين جنبات محل الأمير طلال الذي يملكه طارق، عرض لرصيف22 أبرز المنتجات التي يحتويها كالمنتجات المقدسية، خاصة الأعمال الصدفية، والمنحوتات الخشبية، والأثواب الفلسطينية المطرزة، والكوفيات والأوشحة، وعدد كبير من التحف الصغيرة والبسيطة.

ويوضح أنه في وقت سابق كان يجلب صابون القدس ونابلس، وزيت الزيتون من بيت لحم، والبخور من الناصرة، ومياه نهر الأردن، وغيرها من المنتجات التي ينظر إليها الناس بعين الحب والاشتياق للقدس وكل مدن فلسطين.

ويشدد طارق على أن لتجارته، هو وزملاؤه، بعداً وطنياً وأخلاقياً، وليست بهدف الربح المادي فحسب، ويقول: "نحن ندعم صمود الأسر المقدسية من خلال تشغيلها، ونصدر الروح الوطنية ورائحة القدس إلى كل مدن فلسطين والعالم".

ولفاخر شريتح، صاحب شركة شريتح للتجارة العامة في غزة، والتي ترتكز في تجارتها على المنتجات المقدسية، حكايته الخاصة عن صنعته وتجارته، يقول لرصيف22: "بدأت التجارة من القدس عام 1988، إذ كنت مقيماً هناك، ورغم سكني اليوم في غزة لا يزال أخوتي وأقاربي كلهم في القدس، الأمر الذي سهل علي التجارة بين القدس وغزة".

ويضيف: "كنت كل أسبوع أذهب للقدس وأحضر منتجات مقدسية من عدة تجار، من بينهم شركة "ازحيمان" التي جلبت منها القهوة والكستر والزعتر والمرقة والكاكاو وكورن فلور، وكنت أول من أدخل الكثير من المنتجات المقدسية لغزة، وكان الأهالي يقبلون على كل شيء مقدسي بشكل كبير".

"الكثير من أصحاب الشركات والمصانع ينقلون مصانعهم وشركاتهم إلى خارج القدس، هرباً من الضرائب العالية والملاحقة، أو من إغلاق المصانع والعمل في الداخل الفلسطيني"

ويتابع شريتح: "لأنني ابن القدس وعائلتي هناك بات تجار القدس يثقون بي، ويرسلون كل ما أطلبه من بضائع لي، وكانت الأمور تسير على ما يرام، ولكن مع تصاعد وتيرة اعتداءات الاحتلال في القدس، ونيته تدمير الاقتصاد المقدسي من جهة، وتراجع الاقتصاد في غزة من جانب آخر، بدأت التجارة بين القدس وغزة تتراجع حتى شارفت الغياب".

ويوضح شريتح أن "البضائع المقدسية غالية الثمن بسبب الضرائب التي يفرضها الاحتلال على المقدسيين، ومستوى المعيشة المرتفع بالقدس، وأيضاً بسبب تضييق الاحتلال على غزة واعتداءاته، والحصار، والتراجع الاقتصادي. لذا بات الغزيون يبحثون عن المنتج الأرخص، ويعزفون عن بضائع القدس".

وحذر شريتح من أن استمرار ممارسات الاحتلال بالقدس تهدد بالقضاء تماماً على الصناعة المقدسية، إذ "بات الكثير من أصحاب الشركات والمصانع ينقلون مصانعهم وشركاتهم إلى خارج القدس، هرباً من الضرائب العالية والملاحقة، أو من إغلاق المصانع والعمل في الداخل الفلسطيني، وبهذا ستخسر غزة وكل فلسطين المنتجات المقدسية الرائدة وذات الجودة العالية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image