في خطوة أشعلت غضب اليمين المتطرف، قضت محكمة إسرائيلية في القدس بوقف أمر بهدم منزل فلسطيني متهم بقتل جندي إسرائيلي في وقت سابق من العام الجاري، عقب التماس من أسرته المكونة من زوجة وثمانية أبناء، بداعي حماية "حقوق الملكية والكرامة الإنسانية".
منذ سنوات تنتهج إسرائيل سياسة هدم منازل الفلسطينيين الذين تتهمهم بالتورط في عمليات هجومية ضدها، وهذه السياسة تخالف القوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان لقيامها على مبدأ "العقاب الجماعي غير العادل"، خاصةً أنها غالباً ما تنفّذ قبل إدانة الفلسطينيين.
وفجر 13 أيار/ مايو الماضي، قضى الجندي الإسرائيلي عميت بن يغال (21 عاماً) إثر سقوط صخرة من فوق أحد المنازل الفلسطينية عليه خلال مغادرته قرية يعبد بعد حملة اعتقالات في صفوف أبنائها. واعتقل نظمي أبو بكر (49 عاماً)، صاحب المنزل، وآخرون عقب الواقعة، وزعم جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك) لاحقاً أنه اعترف بإلقاء الصخرة. ولم تصدر بحقه إدانة قضائية بعد.
وفي 10 آب/ أغسطس، ألغت محكمة العدل الإسرائيلية قراراً بهدم منزل أبو بكر صدر في حزيران/ يونيو الماضي، بناءً على استئناف قدّمته أسرته.
محكمة إسرائيلية "تنصف" عائلة فلسطينية وتُظهر الاحترام لـ"حقوق الملكية والكرامة الإنسانية" بوقف هدم منزلها. اليمين الإسرائيلي يشتغل وجلسات للضغط على القضاة لتغيير قرارهم في بلد يزعم احترام"سيادة القانون"
دولة عدالة وقانون؟
وطالما تظاهرت إسرائيل بأنها "دولة عدالة" و"سيادة قانون" بخلاف الدول العربية التي كثيراً ما تورطت سلطاتها القضائية والأمنية في محاباة السلطة والخضوع لأهوائها. غير أن تغيّر الأحكام القضائية التي تبدو منصفة للفلسطينيين في مراحل الاستئناف كان يدحض هذا الادعاء باستمرار.
وفي حيثيات حكمهما، أوضح القاضيان مناحيم مزوز وجورج قرا أن زوجة أبو بكر وأطفاله الثمانية لم يشاركوا في الهجوم ليعاقبوا بهدم منزلهم الذي يعيشون فيه. في حين أيدت قاضية ثالثة الإجراء الذي اعتبرته "رادعاً ضد الهجمات المستقبلية على القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية".
وقال مازوز: "لا يمكن تجاهل الضرر الجسيم الذي سيلحق بأفراد الأسرة الأبرياء، أولئك الذين لا يُنسب إليهم أي تورط في الهجوم".
وأضاف قرا إلى قول زميله: "العدالة ستتحقق للمهاجم عندما ينال العقوبة. ولكن لا ينبغي إلقاء عواقب أفعاله على الذين لم يخطئوا".
واتفق القاضيان على أن هدم منزل الأسرة الفلسطينية "سينطوي على إلحاق ضرر جسيم بعدد من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك حقوق الملكية والكرامة الإنسانية، وعدد من الحقوق المستمدة من كرامة الإنسان".
واستنكر قرا استمرار سياسة هدم منازل الفلسطينيين "من دون مناقشة موضوعية معمقة" للحقوق الأساسية التي تمسها، والضرر البالغ الذي تحدثه بـ"أبرياء" استناداً إلى تذرع جيش الاحتلال بأن إجراءً كهذا قد "يردع هجمات مستقبلية".
"هدم المنازل لن ينتهي إلا حين ينتهي الاحتلال"... برغم محاولات القضاء الإسرائيلي تبييض صورة دولة الاحتلال ببعض القرارات التي تبدو منصفة للفلسطينيين، لم يصدر عن أي محكمة قرار يدين أو يلغي سياسة "هدم المنازل" التي شردت آلاف الأسر الفلسطينية منذ سنوات
ضغوط لتغيير القرار
وانتفض كبار الساسة الإسرائيليين، لا سيما اليمينيين منهم، ضد قرار المحكمة، كاشفين عن محاولات إلى تعديله. وبادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى وصف الحكم بأنه "قرار بائس"، مطالباً بـ"عقد جلسة استماع إضافية مع لجنة موسعة من القضاة".
وأضاف: "سياستي كرئيس للوزراء هي هدم منازل الإرهابيين، وأنوي الاستمرار في ذلك".
أما وزير دفاعه بيني غانتس فأعرب عن حزنه للقرار، مغرداً: "بالطبع سنحترم كل حكم من أحكام المحكمة العليا. لكن الحكم الذي ألغى أمر هدم منزل الإرهابي مؤسف للغاية. هدم المنازل للردع هو أداة مهمة في الحرب ضد الإرهاب".
وبيّن أنه أمر مسؤولي وزارة الدفاع بالتواصل مع المدعي العام لطلب جلسة أخرى في هذه القضية.
كذلك انتقد وزير الأمن العام الإسرائيلي، أمير أوحانا، القضاة بسبب الحكم، زاعماً أن "القرار القاضي بعدم هدم المنزل الذي ألقى فيه القاتل الصخرة على رأس عميت هو علامة عار أخرى، وقبيحة بشكل خاص على رئيسة محكمة العدل العليا".
وطالب عضو الكنيست عن حزب الليكود الحاكم، جدعون ساعر، بـ"جلسة استماع أخرى بشأن قرار يضر بردع الاشخاص الذين يسعون إلى تدمير المنازل، لافتاً إلى أنه ليس مجرد منزل متهم وإنما "المكان الذي ارتكبت منه جريمة القتل".
وكشف عن دعوته لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، وهو عضو فيها، إلى عقد اجتماع بشأن هذه المسألة بعد يومين.
على الجانب الآخر، رحبت جيسيكا مونتيل، المديرة التنفيذية لمجموعة "هموكيد" للمساعدة القانونية التي قدمت الاستئناف عن عائلة أبو بكر، بالحكم، معتبرةً أنه "أنقذ أماً بريئة وثمانية أطفال من الرمي في الشارع". وأعربت عن أسفها لعدم إصدار المحكمة حكماً ضد سياسة هدم المنازل بشكل عام باعتبارها "عقوبة جماعية غير صالحة".
وفي تغريدة، قالت عضوة الكنيست عن القائمة العربية المشتركة، عايدة توما سليمان: "اليمين يهاجم محكمة العدل العليا، لأنها أوقفت هذه المرة هدم منزل تعيش فيه امرأة فلسطينية مع أطفالها الثمانية. سياسة هدم المنازل الفظيعة هي مزيج من العقاب الجماعي والانتقام. هذه السياسة لا قيمة لها في تعزيز أمن المدنيين. حكم المحكمة العليا صحيح. لكن هدم المنازل لن ينتهي إلا حين ينتهي الاحتلال".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي