شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عن حياتنا المؤجّلة بين قوى

عن حياتنا المؤجّلة بين قوى "الممانعة" وقوى "الاعتدال"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 22 مايو 202105:07 م

في أوقات الحروب والمعارك مع إسرائيل، تتصدّر قوى ما يوصف بـ"الممانعة" المشهد. عندما يكون الصوت للرصاص لا أحد ينافسها. هذه هي لحظاتها. هذا ما تربط به وجودها في خطاباتها في أوقات الحرب والسلم.

لا تدخل هذه القوى حرباً أو معركة بدون إثارة الكثير من السجالات. كثيرون يعتبرون أن الحروب تفرضها إسرائيل عليها فرضاً بانتهاكاتها المتكررة، وكثيرون يتهمونها بأنها تفتعل الحروب لأنها غداؤها وعليها تعتاش.

أياً يكن الحال، وفي هذه المسائل يصعب وضع فرضيات من هذا النوع لأنها فرضيات تبسيطية في نهاية المطاف، بمعنى أن فيها بعض الصحة وبعض التحامل في الوقت نفسه، لا تدخل هذه القوى حرباً بدون أن تخرج أكثر شعبية. هكذا هو حال حماس في فلسطين وحال حزب الله في لبنان. تكسب شعبياً من قتال إسرائيل ثم تنفق بعض شعبيتها أو الكثير منها في ملفات داخلية ثم تكسب ثم تنفق وهكذا.

الحرب الأخيرة على غزة بدأتها حركة حماس شكلياً. ولكن ظروفها المعقّدة خلقتها إسرائيل قبل إطلاق أول صاروخ عليها. وخلقتها حتى قبل آخر جولة من التعدّي على حقوق المقدسيين، برفضها الدخول في مسار جدّي للتوصل إلى سلام وبحصارها لغزة وببنائها للمستوطنات التي تقضم القليل ممّا تبقى من أرض فلسطين في الضفة الغربية وبممارستها سياسة فصل عنصري تجاه فلسطينيي الداخل. في الحروب من المجحف تركيز الحديث على سبب الحرب المباشر، أو على "شرارتها"، لأن هذا يجعلنا نهمل السياق، والسياق هو الأهم.

بعد 11 يوماً من العنف توقفت الحرب على غزة. ستخرج حماس من هذه الحرب أكثر شعبية بكثير. آخر استطلاعات رأي أجريت قبل تأجيل الانتخابات الفلسطينية أظهرت أن الفلسطينيين يريدون شخصية فتحاوية لرئاسة الحكومة، حتى في غزة، معقل حماس. هذه الأرقام ستتغيّر على الأرجح. وصورة حماس ستتغيّر نوعياً فهي تحوّلت إلى القوة الفلسطينية التي أعادت ربط "الساحات" الفلسطينية في غزة والضفة والداخل وفي مخيمات الشتات أيضاً، أي أنها أحيت "القضية"، وهذا دور فقدت فتح، وحتى منظمة التحرير الفلسطينية، القدرة على أدائه منذ وقت طويل.

"قوى ‘الممانعة’ و‘الاعتدال’ متنابذة، قوة كل منها تُبنى على ضعف الأخرى. وهذا يعقّد حياة الناس العالقين بينهما، ويؤجل كل شيء: لا استقرار يمكن أن يُعاش اليوم ولا هدف يمكن التحمّل من أجله الآن بانتظار تحقيقه في المستقبل"

مقابل هذه القوى، أي "قوى الممانعة"، يظهر نوع من استرخاء كامل في أداء ما يسمّى بـ"قوى الاعتدال"، استرخاء يلغي من حساباته الكثير من الوقائع الصراعية المعقّدة مع إسرائيل، وكأنّ تجاهلها وعدم الحديث عنها يجعلها غير موجودة.

وعوضاً عن التصدي للوقائع الصعبة من احتلال أرض والتعدي على حقوق، تضع "قوى الاعتدال" رأسها في الرمال عند الحديث عن هذه القضايا ولا تُظهره إلا لانتقاد أداء "قوى الممانعة"، وهنالك الكثير الكثير مما يمكن انتقاده في هذا الصدد، ولكن هذا لا يلغي أن هنالك قضايا صراعية لا يمكن تجاهلها.

بين السلم والحرب

تصوغ "قوى الاعتدال" سياساتها على أساس ضرورة دوام السلم بينما تبني "قوى الممانعة" سياساتها على حتمية وقوع الحرب. في كل من هاتين الفرضيتين وجاهة ما، ولكن المشكلة تكمن في أن القوى الأولى تعمل بدون احتساب احتمال وقوع الحرب، وهو احتمال لا يمكن التعامي عنه قبل تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة، وفي أن القوى الثانية تؤجل كل شيء وتعلّق حياة الناس بانتظار جولات حربية جديدة. الأولى تفترض سلاماً غير موجود والثانية تفترض أبدية الحرب.

"تصوغ ‘قوى الاعتدال’ سياساتها بدون احتساب احتمال وقوع الحرب، وهو احتمال لا يمكن التعامي عنه قبل تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة، بينما تؤجل ‘قوى الممانعة’ كل شيء وتعلّق حياة الناس بانتظار جولات حربية جديدة"

نعيش في منطقة مشتعلة، خاصة في فلسطين وفي دول "طوق إسرائيل" التي لم تبرم اتفاقيات سلام. لا يمكن افتراض دوام الاستقرار قبل تحقيق السلام ولا يمكن تجاهل ضرورة بناء القوة والاستعداد للحرب طالما أن هنالك أراضيَ محتلة وتعديات يومية بأشكال مختلفة، وطالما أن الواقعية تتطلب امتلاك أوراق قوة للمفاوضة. وفي الفترة الأخيرة لا يمكن حتى الرهان كثيراً على تحقيق السلام لأن اليمين الإسرائيلي لا يريده وأثبت ذلك في مناسبات كثيرة ويعيد يومياً التذكير بخياره هذا.

وأيضاً لا يمكن التعامي عن واقع أنه، وبرغم كل الحقائق المغذّية للصراع، هنالك بشر يجب أن يعيشوا وليعيشوا عليهم أن يعملوا ويبنوا وينتجوا ويستهلكوا... ويتمتعوا بالحد الأدنى من حماية القانون، وهذا ما تحول دونه "قوى الممانعة" لأنها تمنح نفسها الحق في الهيمنة على المجتمعات والتحكم بحياة أفرادها، في منظومات موازية خلقتها وتنافس بها منظومات الدول.

وكما أن خيار تجاهل الوقائع الصراعية غير نافع لأنه وهم، فإن تبني خطاب احتراب دائم، لا هدفية واضحة له، غير نافع بل خطير.

تريد "قوى الاعتدال" تحقيق السلام بدون أن تمتلك (أو تفعّل) أي عناصر قوة، وهذا مستحيل لأن أي تسوية لأي صراع هي نتاج ضرورة تحتّم على الطرفين الدخول فيها لوقف خسائر معيّنة، بينما تعمل "قوى الممانعة" في فضاء لا أفق واضحاً له وبدون تصوّر لكيفية استخدام عناصر القوة التي تراكمها في تحقيق سلام ما، أو حالة ما بعد احترابية، بشكل يجعل أفق حركتها هو دوام التوتر ولا شيء آخر.

ظهرت "قوى الممانعة" على هامش الدول وبنت قوتها كمنظومات ليس فقط موازية لهذه الدول بل منافسة لها. شكلُ الولادة هذا لا يزال يفرض تبعاته على أرض الواقع: قوى "الممانعة" و"الاعتدال" متنابذة، قوة كل منها تُبنى على ضعف الأخرى. وهذا يعقّد حياة الناس العالقين بينهما، ويؤجل كل شيء: لا استقرار يمكن أن يُعاش اليوم ولا هدف يمكن التحمّل من أجله الآن بانتظار تحقيقه في المستقبل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image